أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - القطة التي كسرت عنقي














المزيد.....

القطة التي كسرت عنقي


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4604 - 2014 / 10 / 15 - 22:13
المحور: المجتمع المدني
    


كنتُ في عامي الأول بقسم العمارة/ هندسة عين شمس، وتحديدًا في محاضرة "الإنشاء"، حين اكتشفتُ أنني فقدتُ السيطرة على عنقي. رأسي يدور نحو اليسار دون إرادة مني! أُعيده للأمام لأنظر للمحاضِر د. هشام الألفي والسبورة، فيدور من جديد!أجبره على الثبات بوضع يدي تحت ذقني. وبمجرد أن أنسى وأستعمل يدي في الكتابة أو تقليب صفحات كشكول المحاضرات، يغافلني رأسي ويدور. لاحظ د. هشام هذا الشغب ونظر لي بحدّه. فأنا أجلس في الصفّ الأول كما دائمًا. أطرقتُ بعيني خجلا، ولم أدر ما أفعل. دار عنقي دورتَه فوجدت الطلاب ينظرون لي وهم يكتمون ضحكاتهم، وقد ظنّوا أنني ألعب وأثيرُ الفوضى في المحاضرة. وبعد برهة تحولت الابتسامات إلى نظرات حنق حين بدت "لعبتي" مكررة وسخيفة، هدفها تخريب الدرس وإشاعة الفوضى.
عدتُ للبيت وأنا في حال يُرثى لها من الخجل والحيرة مما أصاب عنقي وأصبني من سخفه! بكيتُ لأمي وأخبرتُها أنني لن أذهب للجامعة بعد اليوم. فلا طاقة لي بيوم عسِر آخر بعنق جُنَّ وأصابه الخبل.
دارت بي أمي دورة واسعة على أطباء في جميع التخصصات. بدأنا بالعظام، ثم الأوعية الدموية، ثم الأعصاب، ثم الأوردة، ثم الروماتويد. الجميع يؤكد أن كلَّ شيء على ما يرام، والأهم هو أنني لا أشعرُ بأي ألم لا في عنقي ولا في أي موضع من جسدي، لكنني فقدت السيطرة تمامًا على عنقي. أشارت مربيتي على أمي أن تذهب بي إلى المشايخ ربما "جّن لبسني"! فأخذتني أمي إلى د. عادل صادق، رحمة الله، أستاذ الطبّ النفسي الشهير.
جلستُ أمامه والخجل يُمطرني فلم أجد إلا الصمتَ درعًا يعصمني. هو أحد الكُتّاب الذين أحببتهم وقرأتُ تحليلاتهم النفسية بنهم، ولم أتصور أن أزوره يومًا، لا لأعبّر له عن حبي، بل لأجلس أمامه مهزومةً، دون قدرة على النظر إلى نظارته وعينيه وأناقته وهدوئه، بل إلى يسار غرفة الكشف، حيث لوحة سوريالية لحصان يركض.
جلس على يساري لأراه، وراح يلاطفني ويمازحني، حتى اطمأننتُ ثم بدأ يدردش معي في أمور عامة حول الطقس والثقافة والأدب وذكريات طفولتي وحياتي بالجامعة وعن الحيوانات الأليفة التي أُربيّها وذكرياتي معها. هنا تذكّرتُ واقعةً وقعت قبل عدة شهور، فقصصتُها؛ وما كنت أدري أن مجرد تذكّرها علاجي.
كنتُ عائدةً من الكلية للبيت، وبسطة السلّم معتمة. ما أن اقتربتُ لأضع مفتاحي في الباب حتى شعرتُ بأن قدمي اليسرى تدوس على شيء ليّن، أعقب ذلك مواءٌ حادّ وهرجٌ وتقافز قطط. أشعلتُ نور البسطة لأجد قطّة السلّم وقد أنجبت قطيطات كثيرة وليدة، ودون قصد مني، دهستُ إحداها. حملتُ القطة المصابة ففوجئتُ أن عنقها قد التوى. ركضتُ بها إلى عيادة الطبيب البيطري في العمارة المواجهة بشارع البرّاد بالعباسية: “د. اصطفانوس"، وقدمت له ضحيتي وأنا أصرخ باكيةً: “انقذها يا أنكل من فضلك"! فهدّأني وطمأنني وربط لها جبيرة صغيرة حول عنقها النحيل، واستضفتُها مع أمّها وأشقائها في بيتي حتى شُفيت تمامًا، وكبرت القطيطة وصارت تملأ طوابق العمارة العشرة مواءً وتنطيطًا وشقاوة. ونسيتُ الأمرَ تمامًا.
نسيتُ الأمرَ بعقلي الواعي، لكن عقلي الباطن لم ينسها. هذا ما أخبرني به د. عادل صادق. ظلّ مشهدُ القطة الوليدة ملوية العنق يؤرق عقلي الباطن subconscious mind ويعذّبه ويرميه بالتهم. فلم يجد عقلي الباطن حلاًّ سوى القصاص بنفس جنس الجريمة. فأصدر أوامره لعنقي أن يلتوي كما لويتُ عنقَ القطة المسكينة. هنا هدأ الضمير (الأنا العُليا) واستراحت نفسي وانشغلتُ بحياتي ونسيت الواقعة (ظاهريًّا).
هذا ما يسميه الطب النفسي self-punishment أو العقاب الذاتي الذي به يحدثُ التطهّر والبراءُ من الخطايا.
خلقنا اللهُ عزّ وعلا، نحن بني الإنسان، على نحو شديد التعقيد. كل إنسان هو دولةٌ كاملة لها مؤسساتٌ سيادية ثلاث: تشريعية، قضائية، تنفيذية. بالنسبة لي، شرّع المُشرّعُ (الضمير) أن تعذيب الحيوان حرام ولا يجوز. وحكم القضاءُ (اللا عوي) على شخصي المتهَم بأن يكون العقابُ من جنس الجريمة؛ وأصدر حكمَه. ثم تأتي السلطةُ التنفيذية (أوامر المخ) لتطبّقَ الحكمَ القضائيّ؛ وتُرسل النبضات الكهربية، للجسد (المتهم). واستجاب المجرم (جسدي) للحكم، فالتوى عنقي حاملا رأسي الذي لم يكن يدري كل هذا، لكنه انصاع للحكم صاغرًا، حتى يستريح.
ما فعله د. صادق هو أن نقَل الحكاية المنسية من عقلي الباطن إلى عقلي الواعي فتأملتُها ووجدتُ أنني قد أصلحتُ خطأي وعالجتُ القطة فلا مبرر للعقاب. وشفيتُ من فوري وعاد عنقي لطبيعته. سبحانك.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قرّاء العناوين والصحف الصفراء
- رصاصة في رأس يفكر
- والدليل: قالولووو
- هذا قلمي بريءٌ من الدم
- محمود عزب، أزهرىٌّ من السوربون
- بيان حول الكلمات الثلاث التي أغضبت البعض
- بيان بشأن الذبح في عيد الأضحى
- بيان د. حسام بربر بشأن أزمة فاطمة ناعوت مع قضية الذبح
- ليس بالخروف وحده تدخل الجنة | بقم أمير المحامي
- لنذبح فاطمة ناعوت | بقلم أمير المحامي
- رجلان وامرأة
- بيان توضيحي بشأن اللغط المفتعل حول موقفي من الدم
- هل لدينا محمد يونس؟ 2/1
- أول كتاب قرأته
- أبناء مدرس الرياضيات
- حتى لا نؤذي عيون الأحرار
- زغرودة من أجل مازن
- تخريب برمجة الروح المصرية
- زهور على جبين 57357
- إن لم تجد بشرًا، اصنعهم


المزيد.....




- احتجاجات أمام سجن محلي في تكساس للإفراج عن طلبة تظاهروا دعما ...
- بالصور..اعتقال عشرات الطلاب في تكساس بسبب مشاركتهم في مظاهرا ...
- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - القطة التي كسرت عنقي