أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد قنديل - سُهي والكلاب















المزيد.....

سُهي والكلاب


فؤاد قنديل

الحوار المتمدن-العدد: 4604 - 2014 / 10 / 15 - 11:14
المحور: الادب والفن
    



قصة قصيرة

( 1 )
ها هي صفحة روحك البيضاء الطاهرة تتجلي أمامي كشاشة الكمبيوتر تنبثق عليها كلمات،‮ ‬وتظهر رسوم وتتشكل ملامح،‮ ‬لم تكن لك ولا لأمثالك من الصبايا الصغيرات اللاتي قدر لهن أن يعشن في مخيم بلاطة‮.. ‬كم كنت تلفتين الأنظار بعينيك الواسعتين السوداوين ووجهك الأبيض الذي لم يعرف‮ ‬غير الابتسام‮.. ‬يتوجه شعر فاحم،‮ ‬تتدلي منه خلف ظهرك ضفيرتان،‮ ‬تحتويان في التفاف بارع وتعشيق جميل خصلات شعرك الكثيف‮.‬
خطوك الوئيد القصير الحنون لا يزال يميزك عن كثير من قريناتك،‮ ‬حتى فساتينك الوردية التي تخيطها لك أمك ببراعة وببساطة،‮ ‬تصل إلي ما تحت ركبتيك،‮ ‬وهكذا يمكن لمن يراك حتى مرة واحدة أن يعرفك،‮ ‬بتماثل أثوابك وخطواتك وتسريحة شعرك،‮ ‬وإشراقة وجهك الذي يشع بشاشة وطيبة حتى في ذلك اليوم الذي كتبت فيه الأقدار علي صدرك كتابتها،‮ ‬وبثت فيك أسرارها وحفرت في طريقك ذلك الجدول المتدفق في حماس نحو السلام والحرية‮.‬
لم يكن ثمة ما يشير إلي أنك يا سهي،‮ ‬يمكن أن تنضمي مبكرا إلي قافلة الرجال‮.. ‬ولم تكشف الأحاديث الطويلة،‮ ‬بينك وبين عروستك التي تشبهك تماما،‮ ‬عن عزمك أن يكون لك أي دور فيما يجري حولك،‮ ‬بل كثيرا ما بدا الأمر كأنه لا يعنيك‮.. ‬فماذا حدث حتى يطرأ عليك هذا التغيير؟‮.. ‬لقد أتيحت لي عدة مناسبات بحكم كوننا جيرانا أن أدرك وأستمتع بتجليات الطفولة في ملامحك وسلوكك‮.. ‬فما أروع بهاء البراءة الذي تضفيه عيناك علي العالم‮!‬
لم تغاري من صبية الحي الذين‮ - ‬بعينيك‮ - ‬ترينهم يلعبون مختلف الألعاب،‮ ‬ويمارسون كل أشكال الشقاوة اللطيفة والعنيفة‮.. ‬يقفزون قفزات عالية،‮ ‬ويركضون ويتضاربون بالأيدي والأقدام‮.. ‬ويأكلون بسرعة وشراهة،‮ ‬ويتخاطفون الأشياء ويتقاذفون بها‮.. ‬ولم تغاري لأنهم يخرجون من بيوتهم في أي وقت ولو جن الليل وغطت الظلمة كل شيء‮.‬
لم تغاري لأن الأولاد يرفعون أصواتهم ويصرخون ويصخبون بالفكاهة والسخرية،‮ ‬ولم تغاري عندما تلمحين بعضهم يتسلق الأشجار كالسنجاب ويتنقل بين الأغصان كالقرد،‮ ‬ولم تغاري لأن الأولاد يبتعدون عن البيوت والمزارع،‮ ‬ويسرفون في الابتعاد حتى يغيبوا عن كل العيون‮.‬
لم تغاري،‮ ‬ولكنك بالطبع كنت تأملين أن يتاح لك مثل ما يتاح للأولاد أو بعضه،‮ ‬وتدهشين لأن الأهل يصرون علي منعك وزميلاتك من أن تأتي بعض ألعاب الأولاد ويبالغون في الخوف عليكن‮.. ‬وهكذا فيما أحسب لم تتحول مراقبتك للصبية في الحي إلي ما يهدد نفسيتك الطيبة،‮ ‬ولم تتبلور العقد‮ ‬داخلها لتحرمك النوم وتزعجك في اليقظة‮.. ‬بدت حياة الصبية وانطلاقهم أمرا طبيعيا،‮ ‬وقد صرحت في أكثر من مرة بأن أكثر هذه الألعاب لا يروقك ولا يجذبك،‮ ‬بصرف النظر عن الضجيج الزائد الذي يثيره الأولاد حول ما يتبادلونه من ألعاب هي في الأغلب شقاوة لا تحقق متعة حقيقية‮.‬
لكنك لن تنكري أبدا أنك أصبحت تغارين جدا من الأولاد لأنهم يستطيعون أن يواجهوا الدبابات الإسرائيلية،‮ ‬ويقذفوا الأحجار علي جنودهم،‮ ‬ويشعلون الحرائق في إطارات السيارات ويدفعونها فتجري متدحرجة ومتلهفة في اتجاه سيارات الجيب التي يركبونها،‮ ‬ولا يهابون الجنود وهم يطلقون عليهم القنابل المسيلة للدموع وقنابل الدخان والرصاص المطاطي‮.‬
لن تنكري لأنك قلت ذلك لوالدتك التي صرحت به لزوجتي‮.. ‬لقد استحوذ ناصر علي إعجابك عندما تماسك بشدة وقاوم الدمع بعد وفاة أبيه برصاص الأوغاد،‮ ‬وأسرع يلقي بالحجر تلو الحجر علي الصهاينة ويصرخ فيهم من قلب قلبه‮:‬
‮- ‬يا كلاب‮.‬
مع كل حجر‮ ‬يصرخ فيهم‮:‬
- ‬يا كلاب‮.‬
يقبض بشفتيه علي الشتمة ويقبض بيده علي الحجر،‮ ‬ثم يطلقهما معا‮. ‬وفي مرة أصاب وجه جندي،‮ ‬فأسرع الجندي المحمل بالسلاح،‮ ‬والقنابل تلتف حول وسطه،‮ ‬ويركض وراءه عبر الشوارع دون‮ ‬أن يفلح في الإمساك به‮.‬
- وقد بكيت يا سهي كثيرا لوفاة أخيك‮. ‬وعندما رأيت الجنود المسلحين يعترضون الطريق أمام أمك ويدفعونها بقسوة أوقعتها علي الأرض،‮ ‬ونهضت بسرعة وصرخت فيهم وهي تسألهم‮: ‬لماذا يمنعونها أن تشتري الزيت من محل سليم؟ ولماذا أقاموا تلك الحواجز وسط المنطقة؟
دفعوها من جديد حتى سقطت دون أن تستطيع النهوض‮.. ‬وانكفأت عليها،‮ ‬تمرغين في صدرها وجهك وتنهمر عليها دموعك الساخنة‮. ‬وبعد قليل نهضت أمك‮.. ‬وأسرعت تنفضين عن ثوبها التراب وتنظرين بحقد وغضب تجاه الجنود الذين بدوا لك في هيئة شياطين سود مرعبين،‮ ‬عيونهم حمراء وأظافرهم وأنيابهم طويلة،‮ ‬وأفواههم واسعة تشبه كهوفا مظلمة‮.. ‬عندئذ وصل خالك يركض من بعيد‮.‬
- زعق في وجه الجندي قائلا‮:‬
- ‬لماذا تعتدي علي امرأة يا جبان؟
انقض عليه الجندي بمؤخرة المدفع فدفعه في صدره بقوة،‮ ‬لعلها آلمت خالك،‮ ‬لأنه لكم الجندي في صدره،‮ ‬وعاود الجندي ضرب خالك بمؤخرة المدفع بشراسة،‮ ‬ولحسن الحظ تلقاها خالك بجانب ساعده وأزاح عنه الجندي،‮ ‬وسرعان ما لكمه في وجهه وهو يقول‮:‬
- ‬أنتم لا تعرفون الرحمة‮.. ‬من أين جئتم إلينا يا حثالة العالم؟
عندئذ أطلق عليه جندي آخر دفعة من النيران،‮ ‬صرخت أمك،‮ ‬وولولت ثم سقطت علي جسد مريد زين شباب المخيم،‮ ‬ولحقت يا سهي بأمك تمرغان وجهيكما في قميص من أغرقته الدماء‮.‬
انشقت الأرض فجأة عن أكثر من عشرين ولدا في سنك،‮ ‬انهالوا بالحجارة علي الجنود الذين أدركوا صعوبة الموقف واحتمال أن يسوء أكثر،‮ ‬فأسرعوا إلي السيارات العسكرية التي انطلقت بعيدا‮ ‬مخلفة وراءها سماء حزينة،‮ ‬وقلوبا مكلومة وتلالا من الغضب أخذت تعلو وتعلو‮.‬
تجمع الشباب وحملوا خالك مريد المراق دمه والذي أسلم الروح في لحظات،‮ ‬وهو يقبض بقوة علي كل يد امتدت له‮.. ‬كان جسده المنتفض يستغيث ويتشبث بالأهل الذين رفضوا تصور انه مات‮..‬
كنت يا سهي تمضين خلف الموكب التعس تذرفين دموعا‮ ‬غزيرة حتى وصلوا إلي المنزل ودخلوا جميعا،‮ ‬إلا أنت‮.. ‬توقفت قدمك اليمني فوق العتبة الأسمنتية‮.. ‬وتوقفت دموعك فجأة‮.. ‬حاولت الدخول فلم تجدي قدرة علي ذلك ولا رغبة‮.. ‬كان ثمة شعور‮ ‬غريب يدعوك ألا تدخلي‮.. ‬كنت‮ ‬غاضبة جدا وكأنك حرصت علي ألا ينهار جبل الغضب بداخلك‮.. ‬ولعلك كنت تفكرين في وسيلة للرد علي هذا العدوان‮.. ‬ولعلك كنت تتذكرين خالك الشهم الكريم الذي كان يمر بكم كل يوم ويسأل عنكم ولا يؤخر طلبا لكم‮.. ‬ويغطيكم بخيمة حنانه وحضن قلبه الطيب‮.. ‬من منا لا يحب مريد؟‮.. ‬من منا لا يعجب بمريد؟‮.. ‬رحمة الله عليه‮.‬
كنت‮ ‬غائبة عن الوعي‮.. ‬ليس تماما‮.. ‬لأنك لم تشعري بأي شيء ولم تبلغ‮ ‬مسامعك الجلبة التي كانت بالداخل‮.. ‬فقد كانوا يحاولون إنقاذ خالك بكل الوسائل،‮ ‬وأنت علي العتبة في حالة ذهول وشرود‮.‬

( 2 )

عبأت رئتيها بالهواء وأطلقته في تنهيدة حارة وطويلة‮. ‬استدارت كالمنومة وبدأت تسير بحذاء الجدران سيرا مجهولا وبلا هدف،‮ ‬تدفعها من أعماقها إرادة‮ ‬غامضة وعزم شاحب‮.. ‬ظلت تسير وتسير حتى تجاوزت المباني والأرصفة والمتاجر والنواصي،‮ ‬وكل الإشارات حتى بلغت أرضا ترابية‮. ‬يمتد أمامها الخلاء،‮ ‬ولولا الجموع التي تسبقها لشعرت بالخوف والرهبة‮.‬
شملها إحساس ضبابي شفيف كأنه الحلم بأنها تمشي في ركاب أهل الحي وأن السائرين عدد كبير،‮ ‬يتقدمهم الرجال والشباب،‮ ‬بينما كانت تسير مع الأطفال وخلف النساء دون أن تعرف الغاية والنهاية‮.. ‬وعليها أن تسير كما الجميع في حماس ولكن في صمت‮.‬
كانت تري الأشجار أيضا تسير‮.. ‬ببطء ولكن بانتظام‮.‬
شرع عقلها يستعيد مشاهد الصباح،‮ ‬الأولاد يلقون الحجارة علي الجند،‮ ‬بينما طلقات الرصاص يطلقها عليهم‮ ‬الجنود‮.. ‬تصورت أن رؤساءهم لابد قد انتزعوا قلوبهم وعقولهم،‮ ‬وأنهم يتحركون بالأزرار والأجهزة‮.. ‬مجرد آلات تهاجم الناس دون أي سبب وبلا أي حق‮.‬
بعد قليل اكتشفت أنها تسير وحدها وأمامها منطقة مكشوفة جرفت البلدوزرات أرضها،‮ ‬وسحقت كل أشجارها،‮ ‬انطرح الزيتون علي الأرض‮. ‬تحطمت خمائل الكروم،‮ ‬دمرت تماما حقول الخضروات التي كانت ذات ألوان بهية وثمار كثيفة تزدهر بها الأرض الخصيبة‮.. ‬مساكين أصحابها‮.. ‬يبدو أنهم لم يعلموا بما جري للزرع‮.. ‬ضاعت عليهم كل أرزاقهم‮.. ‬تبدد جهدهم وعرق شهور طويلة،‮ ‬سال علي التربة وسقاها‮.‬
استشعرت سها حرارة الشمس،‮ ‬تلفتت يمنة ويسرة‮.. ‬المدى خال والفراغ‮ ‬موحش‮.. ‬مازالت تسير‮.. ‬لا تحس بالجوع ولا القلق،‮ ‬ثمة ما يغريها بالمسير‮.. ‬أخيرا تسللت إليها الرغبة في أن ترتاح قليلا ثم تواصل السير‮.. ‬لمحت شجرة زيتون كبيرة لم تسقط،‮ ‬هناك في عمق الجهة اليسري من طريقها المجهول‮.. ‬انحرفت‮.. ‬مرت بصعوبة بين الكرنب المهروس والطماطم‮ »‬المفعوصة‮« ‬ونباتات أخري لم تعرفها كانت أيضا ممزقة بقسوة شديدة صدرت عن قلب لا يعرف الرحمة،‮ ‬ولم تأخذه شفقة حتى بالنبات البري‮.. ‬ارتمت تحت الشجرة‮.. ‬مسحت بنظراتها كل المنطقة،‮ ‬فلم تر أحدا‮.. ‬لم يكن‮ ‬غير تلال عالية يصعد اليها الطريق الذي كان عليها أن تكمله حتى تصل إلي أقرب قرية مجاورة‮.. ‬شعرت بالظمأ،‮ ‬لكنها تذرعت بالصبر حتى ترتاح،‮ ‬وما لبثت أن راحت في نوم عميق‮.‬
استيقظت بعد نحو نصف ساعة علي زمجرة عدة سيارات تصعد التل،‮ ‬وسرعان ما تغيب بعده‮.. ‬لم يطرق باب قلبها الخوف‮.. ‬هبت واقفة‮.. ‬قررت أن تسير خلال المزارع لتلتقط بعض ما يصلح طعاما‮.. ‬مضت تنقل خطواتها علي الأرض المحروثة والمقلوبة‮.. ‬عثرت علي خيارة وثمرة من الطماطم‮ ‬وتناولت بعض أوراق الكرنب‮.‬
صعدت التل ورأت عن بعد مباني من دور واحد تشبه العنابر حولها ساحة فسيحة،‮ ‬يعلو أحد المباني صاري يحمل العلم الأبيض في قلبه نجمة سداسية زرقاء‮.. ‬رأت عددا من الدبابات تحيط بالمبني وحول الجميع أسوار شائكة كثيرة وكثيفة،‮ ‬تلتف في ثلاثة مستويات إلا عند البوابة‮.‬
بالساحة سيارات نقل عسكرية‮ ‬وبلدوزرات وجنود في حركة نشطة‮.‬
تراجعت بضع خطوات وانبطحت علي الأرض تتأمل ما يجري‮.. ‬جاهدت كي تعرف ماذا في هذه المباني‮!.. ‬هل هي مجرد مساكن أو مكاتب،‮ ‬ولماذا الدبابات والأسلاك الشائكة والأسلحة والحراسة المشددة؟‮.. ‬هي بالقطع ليست مستوطنات كالتي يجلبون لها اليهود من كل أنحاء العالم‮.‬
رأت الجنود ينقلون صناديق صفراء من سيارات نقل كبيرة الي أحد العنابر الزرقاء‮.. ‬حطت وجهها علي الرمل‮.. ‬وتساءلت عما بهذه الصناديق‮.. ‬سمحت للرمل أن يلتصق بوجهها وشفتيها،‮ ‬كتمت‮ ‬أنفاسها حتى لا تثير الرمال‮.. ‬بقيت علي حالها لحظات،‮ ‬ثم هبت واقفة تنفض عن ثوبها ووجهها ذرات الرمال التي بدت كأنها التصقت ببشرتها وأهدابها‮.‬

( 3 )

ألا يوجد من يرد هؤلاء الجنود عنا؟ ولماذا هم في أرضنا؟ ولماذا يواصلون الاعتداء علينا؟‮.. ‬وما السبيل لطردهم منها؟‮.. ‬وكيف نخرجهم منها وليس عندنا مثل ما عندهم من جيش وعتاد وطائرات؟‮.. ‬وإذا لم نستطع أن ندفعهم بعيدا عن أرضنا فإلي متى يستمر هذا؟ وكيف ستكون حياتنا ونحن نري الشهداء في كل يوم يسقطون؟ ويصاب الرجال والأطفال وتضرب النساء وتنسف البيوت وتهشم العربات وتغلق المدارس والمتاجر وتقام الحواجز،‮ ‬ويمنعوننا من المرور وزيارة بعضنا بعضا‮.. ‬كابوس كبير وثقيل‮.. ‬أكاد لا أفهم تماما السر في كل ما يحدث‮.‬
عليَّ‮ ‬الآن أن أعود‮.. ‬أعود بسرعة‮.. ‬ويجب أن أعرف الطريق وأعلمه بعلامات،‮ ‬مثل هذا التل وذلك السور المتهدم‮.. ‬وهذا العمود المائل علي جنبه‮.. ‬الشمس تشتد حرارتها والطريق مكشوف‮.. ‬لا أثر للظل فيه‮.. ‬عليَّ‮ ‬أن أعود بسرعة‮.. ‬سأذهب الي عمي مباشرة‮.. ‬نعم‮.. ‬يجب أن أحكي له كل ما رأيت وأصف له المعسكر والجنود والطريق إليهم،‮ ‬لابد أنه سيفيد من هذه المعلومات‮.. ‬قلبي كاد يتوقف‮.. ‬لم أركض يوما مثل ما ركضت اليوم‮.. ‬ها هو بيت عمي‮.. ‬لماذا هو مغلق بهذه الصورة؟‮! ‬هل هذا يعني أنهم جميعا ليسوا بالبيت؟‮.. ‬سأذهب إلي عم حافظ صديق عمي‮..‬
أرضاني البريق الذي بدا في عيني عم حافظ بعد أن قصصت عليه ما رأيته،‮ ‬قال‮:‬
‮- ‬شكرا يا سهي‮.. ‬هيا عودي إلي بيتكم كي لا تقلق أمك‮.‬
- ‬أود يا عم حافظ أن أعرف ماذا ستفعل؟
- ‬خيرا إن شاء الله‮.‬
- ‬أريد أن أعرف‮.‬
- ‬لن أفعل شيئا يا سهي‮.‬
- ‬كيف؟‮.. ‬أليس فيم أخبرتك به ما يفيد؟
- ‬سيفيد‮.. ‬اطمئني‮.‬
- ‬إذن‮.. ‬قل‮. ‬لي‮.‬
- ‬يا سهي يا ابنتي‮.. ‬كل إنسان عليه دور،‮ ‬ولقد قمت بدورك خير قيام‮.‬
- ‬أتمني أن أكون معكم‮.‬
- ‬عمك صاحب الرأي‮.. ‬اذهبي الآن وحاذري أن تنطقي بحرف لمخلوق ولو كان أمك،‮ ‬واعلمي أن كلمة واحدة ستقتلنا جميعا‮.‬
تركت عمي وأنا أشعر أني كبيرة وأني أطير،‮ ‬وأن لي نفعا‮.. ‬حاولت أن أتصور ماذا يمكن أن يفعل الرجال‮.. ‬لابد أنهم سيهاجمون هذه المباني‮.. ‬ما أروع أن يسهم الإنسان مهما كان صغيرا في عمل كبير من أجل الناس جميعا‮.‬
بعد يومين فقط اقتحمت المخيم عشرات الدبابات الإسرائيلية والسيارات العسكرية التي تحمل جنودا كثيرين،‮ ‬بينما الطائرات تزمجر في السماء وتطلق النار علي كل بيت وكل مدرسة ومسجد وكنيسة‮.‬
استطاع بعض الشباب المدربين تفجير ثلاث دبابات وقتلوا أربعة جنود وأسروا عشرة،‮ ‬لم يقبلوا تسليمهم إلا بعد أن تعهد الكلاب بمغادرة المخيم‮.‬
الغريب أن الخسائر التي مني بها المخيم وأرواح الشباب التي أهدرت والبيوت التي دمرت لم يحزن لها قلبي‮.. ‬لقد كنت في عالم آخر من السعادة لأنني أبلغت عن المعسكر الذي يخبئ فيه الكلاب أسلحة يقتلوننا بها،‮ ‬وكان واضحا‮ ‬غيظهم وغضبهم‮.. ‬من حقي أن أفخر أني في هذه السن شاركت في مقاومة المغتصبين،‮ ‬ولن يمنعني شيء أبدا عن المشاركة في عمليات أكبر‮.. ‬أكبر‮.‬



#فؤاد_قنديل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقافة المصرية بحاجة إلى منقذ
- للزعيم غنى الشعراء ( 1 )
- ماذا فعل السيسي بمصر في مائة يوم ؟
- لا لتأجيل الانتخابات
- جرائم مبارك فى حق الشعب المصرى(2)
- جرائم مبارك فى حق الشعب (1)
- فؤاد قنديل -الكاتب والروائي المصري - في حوار مفتوح مع القارئ ...
- -سجن النسا-.. سجن الحقيقة
- مدرسة الفخراني الفنية
- رجل لا يخشي التاريخ
- السماء تبدع الشعر أحيانا
- غلطة عمرك يا باشا
- رحلتى مع الكتابة
- رمضان في عيون الغرب
- ابتسامات ..أول ضابطة عربية
- ماذا يريد الرئيس من الشعب ؟
- أغبياء .. من يكرهونها
- لماذا أكتب ؟
- ماذا نريد من السيسي ؟
- قلبى حمامة شقها سكين


المزيد.....




- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد قنديل - سُهي والكلاب