التحديث السياسي في العالم القروي المغربي

حسن أشرواو

الحوار المتمدن-العدد: 4603 - 2014 / 10 / 14 - 18:05
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

لقد ضلت الدولة طيلة عقود ما بعد الاستقلال توجه جهودها التنموية بالأساس نحو بعض المراكز الحضرية الكبرى والمتوسطة، والمناطق الزراعية الخصبة، فيما بقي العالم القروي(الغير النافع) منسيا وخارجا إلى حد بعيد عن دائرة أولوياتها، ولفترة طويلة ضل الاعتقاد السائد بأن تنمية المدن هو ما سيكون له لاحقا، انعكاسات ايجابية على الوضع الاقتصادي و الاجتماعي في القرى، وأن الأولى سياق هذه السيرورة بمثابة القاطرة بالنسبة للثانية، والنموذج الذي سينير أمامها سبيل التغير والانتقال إلى أوضاع جديدة(1). إلا أن هذا الاعتقاد لم يكون له أي أساس في الواقع، بل إنه تبين أن المدن لم تنهض بالدور الذي كان منتظرا منها، بل كانت ومازالت عامل تفكيك بالنسبة للقرية، حيث نجدها تتحول إلى قطب التهميش وعامل إعاقة أمام المساعي الرامية إلى الرفع من المستوى المعيشي للقرويين(2)، ولأجل إلحاق الوسط القروي بالمدينة على الأقل، بدل المغرب جهود كبيرة، خصوصا في العشرية الأخيرة، لكن هذا الأمر غير كافي لتحسين أوضاع هذا الوسط الذي تزداد حدة تأزمه مع مرور الزمان. ولهذا ارتأينا إلى الحديث عن التحديث السياسي بهذا المجال، نظرا لضرورة هذا الأمر بجانب كل من التنمية الاقتصادية والاجتماعية، خصوصا وأن التحديث السياسي أو التنمية السياسية، لا تقل أهمية عن هذين النمطين، باعتبار أن الجانب السياسي هو المدخل والقاطرة المؤثر في كافة الجوانب الأخرى من حياة البشر(3). وبناءا على أهمية التحديث السياسي، ودوره الفعال في إخراج القرية من ما هي عليه، نتساءل عن معنى التحديث السياسي؟ وما واقعه في العالم القروي المغربي؟ و ما هي العوائق التي تقف أمام تحققه؟
• مفهوم التحديث السياسي:
يقصد بالتحديث السياسي، العمل من أجل التدبير الأفضل للشأن العام على الصعيد الوطني أو على الصعيد المحلي، بما فيه الخير العام ولمصلحة أكبر عدد من الشرائح الاجتماعية، ويقتضي حسن التدبير هذا، إحداث آليات ومؤسسات تضمن مشاركة الأغلبية في اتخاذ القرارات التي تهم الحياة اليومية، وتمكنها من التعبير عن مصالحها ومشاكلها، وممارسة حقوقهم المدنية والأخلاقية(4).
• واقع التحديث السياسي في القرية المغربية:
عرفت المجتمعات القروية المغربية مند الاستقلال حتى الآن تغيرات عميقة لا يتسع المجال هنا للخوض فيها، وإذا اقتصرنا على المجال السياسي، يمكن القول أن المجتمع المغربي بشكل عام و القروي بشكل خاص قد قطع أشواطا مهمة على درب التحديث السياسي، ويتمثل ذلك بالأساس في الإصلاحات الإدارية المتتالية التي عرفها المغرب، وفي بناء تنظيمات ومؤسسات سياسية حديثة(5). غير أن نوعية التحديث السياسي الذي عرفه المجتمع القروي، منذ الاستقلال حتى الآن رغم كل الإيجابيات التي يمكن تسجيلها، يعاني من مجموعة من الاعطاب، تتجلى فيما عرفه وما زال يعرفه المجتمع القروي من تعسف وشطط في استعمال السلطة، وسوء تدبير للموارد المحلية، واحتكار السلطة، والانفراد بالقرار المحلي، والمتاجرة بالأصوات، الزبونية، المحسوبية، الرشوة، و الانتهازية إلى غير ذلك من الأمراض التي تعاني منها الديمقراطية المحلية، والتي تشكل واقعا يعترف به جل الفاعلين السياسيين بما في ذلك السلطات الرسمية(6). وهذا ما يؤكده السوسيولوجي المغربي محمد جسوس، أثناء حديثه عن المجتمع القروي، الذي يعرف في نظره نظام من الزبونية أضحت تتحول شيئا فشيئا إلى واقع، قيم، ومعتقدات، إنه الشعور الذي أصبح يغمر الناس بضرورة البحث عمن يساعدهم ويحميهم ويدخل لهم كوسيط بينهم وبين من يتحكم فيهم. ويتسم كذلك المجتمع القروي المغربي حسب جسوس، بهيمنة المشروع المخزني، وهو مشروع تاريخي قديم جدا يتسم بحضور قوي للسلطة المركزية، وتحكمها في كافة مجالات الحياة والمجتمع، وكذا بخدمة المجتمع للدولة وليس العكس(7).
وخلاصة القول فإن التحديث السياسي الذي عرفه المجتمع المغربي بشكل عام والقروي بشكل خاص يعاني من مجموعة من العوائق سنقتصر منها على العوائق المرتبطة بالممارسة الحزبية و التنظيم القبلي.

• بعض عوائق التحديث السياسي المرتبطة بالممارسة الحزبية:
تعد الأحزاب السياسية إحدى أهم الفاعلين في تحقيق التحديث السياسي نظرا للأدوار التي تلعبها في تعبئة وتأطير المواطنين لخوض المعارك السياسية الضرورية للوصول إلى مراكز القرار، وكذا إيصال المدخلات إلى الماكنة السياسية أو العلبة السوداء.
وبالفعل فالمجتمع القروي لا يخلو بدوره من الأحزاب السياسية، لكن تواجدها بهذا الوسط وتكاثرها (1983 بلغت 77.67%)، لا يلازم بالضرورة التحديث السياسي وتحسين تدبير الشؤون المحلية، بل على العكس من ذلك، فإن ممارسات بعض النخب الحزبية ودورها في إفساد قواعد اللعبة السياسية يشكل عائقا أمام عملية التحديث السياسي بالبادية المغربية. وفي هذا السياق تجدر الملاحظة إلى أن من مظاهر تخلف الممارسة السياسية في العالم القروي، كون معظم التنظيمات السياسية المتواجدة فيه لا تتوفر على أي إيديولوجية أو برامج واضحة(8). كما أنها تفتقر إلى نظرة شمولية للأوضاع المحلية ولا على برامج عمل محددة. بل يبقى نشطها نشاط ظرفي وموسمي، يظهر بالخصوص ويزدهر في فترات معينة (عندما تقترب الانتخابات بالخصوص)(9). زد على ذلك تأثر هذه الأحزاب بنظام القبيلة الموجود في القرى المغربية، و يتجلى هذا التأثر باعتماد هذه الأحزاب على أساليب الضغط القبلية، "كالعار" و"المزاوكة" و"الذبيحة" و"القسم" لاستقطاب الأنصار أو لضمان ولائهم(10). كل هذه التصرفات و غيرها، تؤدي بالفعل إلى تخلف العمل الحزبي وبالتالي السياسي بالقرية المغربية، لذلك أصبحنا نتحدث عن الأحزاب في القرية المغربية كعائق أمام التنمية، من جهة، ومن جهة أخرى كأداة استغلالية، تستغل الساكنة القروية لتحقيق مصالحها، لا غير.

• بعض عوائق التحديث السياسي المرتبطة بالتنظيم القبلي:
من المعلوم أن التنظيم الاجتماعي والسياسي السائد في المجتمع المغربي القروي، هو التنظيم القبلي، ورغم ما قيل عنه من تلاشيه بحكم عوامل متعددة (الاستعمار، التحولات الاجتماعية و الاقتصادية والادارية...)فإن سوسيولوجية الانتخابات في المغرب تبين أن الانتماءات القبلية والبنيات الثقافية المرتبطة بها ما تزال تؤثر بشكل ملحوظ على السلوك السياسي للمواطن القروي(11). لكن ما علاقة هذا النظام بعملية التحديث السياسي بهذا المجتمع؟ هل يعتبر عائقا أما الحداثة السياسية؟
تعتبر القبيلة في التاريخ المغربي القريب، إطار ينظم الشؤون الاجتماعية والسياسية للمجتمع القروي خاصة والمغربي عامة، وذلك من خلال مجموعة من الأعراف والتقاليد، تنظم أنداك المقاومة ضد المخزن أو ضد أي عدوان خارجي، كما تسير الشؤون اليومية لأهل القبيلة، وقد تطورت هذه الأعراف والتقاليد التي تعد بمثابة قوانين تحدد شروط ولوج مركز اتخاذ القرار وإجراءات انتخاب المسؤولين وعزلهم، وغيره من التدابير الأخرى. وقد كانت مؤسسة "اجماعة" هي من يتحكم في هذه الأمور، وعلاوة على مجموعة من الوظائف الأخرى التي تقوم بها، فإن العديد من القيم المرتبطة بها، كالتعاضد والتضامن، العدالة، التشاور، المراقبة، التبادل، روح التضحية، الانضباط، والبحث عن أمثل السبل لتدبير الشؤون الجماعية، إلى أخره من عناصر يمكن اعتبارها من صميم الحداثة السياسية(12).
لكن تدخل المستعمر في مرحلة أولى ثم سلطة المخزن في مرحلة ثانية، وتوظيفهما للنظام القبلي كآلية لفرض السيطرة وضمان ذلك، ساهم في تكريس مظاهر التخلف السياسي، عوض تحقيق التحديث السياسي، لذلك فيمكن القول أن التنظيم القبلي الحالي يشكل عائقا أمام التحديث السياسي، ليس فقط على الصعيد القروي، وإنما أيضا داخل الحواضر المغربية. وهكذا فعوض العمل على توظيف ما هو إيجابي في الموروث القبلي من أجل التنمية و التحديث، حول الفاعلون السياسيون القبيلة وما يرتبط بها من تقاليد وأعراف ومؤسسات و ثقافة إلى رهان سياسي، فيوظفها البعض توظيفا إيديولوجيا، و يستغلها البعض الأخر إطارا أساسا لتعبئة السياسة(13).

(1)تنسيق المختار الهراس و إدريس بنسعيد، التحولات الاجتماعية و الثقافية في البوادي المغربية، منشورات كلية الآداب و العلوم الإنسانية، الطبعة الأولى، 2002، ص 8
(2)نفس المرجع، ص 8
(3)عبد الحميد الغزالي، مصطلحات في قاموس تخلف الأمة، دار التوزيع و النشر الإسلامية، الطبعة الأولى، 2004، ص 310
(4) حماني أقفلي، تنسيق المختار الهراس و إدريس بنسعيد، التحولات الاجتماعية و الثقافية في البوادي المغربية، سبق ذكره، ص 15- 16
(5)نفسه المرجع، ص 17
(6)نفس المرجع، ص 17- 18
(7)نور الدين الزاهي، المخل لعلم الاجتماع المغربي، منشورات دفاتر وجهة نظر، العدد 20، ص 98
(8)حماني أقفلي، تنسيق المختار الهراس و إدريس بنسعيد، التحولات الاجتماعية و الثقافية في البوادي المغربية، سبق ذكره، ص 22
(9)نفس المرجع، ص 22
(10)نفس المرجع، ص 20
(11)نفس المرجع، ص 23
(12)نفس المرجع، ص 25
(13)نفس المرجع، ص 28

#حسن_أشرواو (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات