أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - أعرور 3 : تاعبوت















المزيد.....

أعرور 3 : تاعبوت


عذري مازغ

الحوار المتمدن-العدد: 4602 - 2014 / 10 / 13 - 17:07
المحور: الادب والفن
    


كانت جدة أعرور، ولنسميها منذ الآن باللقب الذي يسميها به أهل تاغبالت بتاعبوت نسبة إلى قبيلة أمها، كانت جد نشطة، امرأة رشيقة وقوية، وطويلة، وكاسحة للطرق مشيا على الأرجل، وهي أمور ورثتها من زمن الترحال، فقبيلتها كانت دوما تتنقل بين السهل والجبل، مما رودها على قطع مسافات طويلة بقطيع الأغنام أو البقر، كانت راعية في طفولتها إضافة إلى جزء هام من شبابها، وكان أيضا نمط التدبير المعيشي قد حولها إلى امرأة قوية تتقن الحصاد والحطب وجمع المحاصيل الزراعية، إضافة إلى أنها في مرحلة المد النضالي للمقاومة في الجبل، كانت تقوم بمهمات أخرى مع قطيعها، كنقل السلاح إلى المقاومين المتخفين في الغابة، وكانت إضافة إلى ذلك تملك الكثير من بطاقات حزب الإستقلال الذي لا تعرف عنه سوى أنه حزب يرتبط به رجال الغابة الذين تحمل إليهم السلاح والعتاد، فيما عدا ذلك من أمور السياسة، كنت مع بداية استقلال المغرب ستعرف الملك محمد الخامس الذي رأت صورته في القمر كباقي البشر والذي لم تكن تعرف عنه قبل ذلك شيئا بسبب عزلتها وعزلة منطقتها الجبلية، ستعرف وجود الفرنسيين كمحتلين عندما بدأت قبيلتها تتقهقر للإختفاء في الغابات، أو عندما علمت أن المجال الرعوي الذي كانت ترعى فيه بقطعان أخيها قد تقلص ولم يعد للقبيلة، أما الغابات أيضا فقد بدأت فرنسا تخضعها للتحفيض كمجال خاص بالدولة التي وضعت في سبيل ذلك رجالا لحماية الغابات كانت تاعبوت وأفراد القبيلة قد منحوهم اسما أمازيغيا لم يكن معروفا من قبل وهو اسم مركب "بو" وتعني صاحب، و"عاري" وتعني الغابة، صيصبح بوعاري شبحا في ما بعد، فهو عين فرنسا على الغابة حيث بدأت تشرع قوانين جديدة على الحطب، وعين أيضا على رجال إغواغن، أو رجال المقاومة، ثم بعذ ذلك، مع بداية الإستقلال سيصبح بوعاري ذا شان عظيم موسوما بعونين جديدين هما من رجال المخزن سيسمان المنطقة التي كانت تنتمي إلى مغرب السيبة بالسمة التي لمغرب الإستقلال منذ ذلك الحين إذ أصبح دولة للمخزن..وسيمثل تاليا بوعاري عينا أخرى للمخزن على المنطقة..
في سياق الترحال بين الجبل والسهل أو في الجبل وحده بعد أن ضيق على السهل من طرف فرنسا التي بدأت ترسم ضيعات ومزارع خاصة بالمستعميرن، وبحثا عن مراعي خصبة كانت تتمدد حركات وخطوات تاعبوت متنقلة بين السهاب والأدغال بحثا عن مروج خضراء، وطبيعي جدا أنها مع مرور الوقت بدأ ينضج جسمها وبدأت تستأثر محيطها من الشبان باهتمام خاص، إلا أن الأمر لم تكن له مثل الأهمية التي للنساء في زمن الحيض الثقافي، إذ كانت هي مع ذلك بقيت تخرج للحطب والرعي على الرغم من ظهور أعمال الأجرة لأول مرة في المنطقة، خصوصا بعد احتدام الصراع بين الفرنسيين ورجال القبيلة، فقد كانت مهام التحرير تفترض أن يشتغل الناس بأمور المقاومة في الوقت الذي بدأت الأشغال الأخرى التي لها علاقة بالحرث والزرع تتهمش تدريجيا لينظر في أمر تعويضها، مع أن النساء كن يقمن بهذه الأعمل التي كانت للرجال فيما سبق قبل تخصصهم بالمقاومة، إلا أن الأمور بدأت تأخذ منعطفا آخر، لقد بدات تأثيرات الحرب العالمية الثانية تصل إلى المنطقة مع ظهور المجاعة والجفاف وأمور لم تعهدها المنطقة، بدات مرحلة جديدة تبرز خصوصا بعد تعرض قطعان القبيلة للسرقة من طرف قبائل أخرى.. كان الكندير (حرف الكاف ينطق بين الكاف والجيم) الرجل الصلب والقوي في نفس الوقت هو من أحيط بمهمة رعي قطعان القبيلة، كانت بنيته الجسمية القوية تؤهله للأمر خصوصا وأنه كان الشاب البارز أيضا في مصارعة "تاموغزيلت"(1)، إضافة إلى كمال جسمه من حيث الطول والعرض وما إلى ذلك، وكان قد خصصت له القبيلة أن يقوم بدور الراعي للقطعان مقابل أن يحصل من كل أسرة على حفنة معينة من القمح الصلب إضافة إلى أجر معين كل يوم خميس (يوم السوق الأسبوعي) مع التزام أهل القطعان بتغذيته واستضافته للنوم بالتداول فيما بينهم، أي أن يبيت ويتغذى كل يوم عند أحدهم، ويبدو أنهم بطريقة ما قد خصصو الكندير (أو الغندير) رفيقا لتاعبوت التي إضافة إلى المهام التي ذكرناها، كان تخصيصها كراعية له دور وظيفي في المقاومة كما أسلفنا، فقد كانت طائرات فرنسا تقصف القطعان بمجرد ما ترى أنها مرعية من طرف رجل وكانت مهمة الكندير أن يحرصها وقطعانها من بعيد مختفيا بين الأدغال لا أن يكون إلى جنبها، ويبدو أن الأمور بدات تتطور مع تاعبوت حين بدأ جسمها ينتفخ، بدا واضحا أن شيئا ما يحصل في الخفاء، وسيتطور الأمر إلى أن يولد وليد لقب باسمها حمو نعبوت (حمو ابن تاعبوت) ..
لم تعترف تاعبوت بأب وليدها، لكن أغلب الناس تعرف أن الكندير هو والد المولودباحتمال كبير ، ثم إن بعض الأحداث الصغيرة التي تتداولها نساء القرية توشي بالأمر أيضا، لقد حاول الكندير ذات مساء عند مبيته عند أسرة تاعبوت أن يقترب إلى فراشها أو لنقل بأنهم ضبطوه وهو نائم معها، فأقر هو بأنه ينوي التزوج بها، لكنهم صمتوا عن الأمر في انتظار مجلس القبيلة لشرعنة الأمر كما أمروه بالإبتعاد عنها في انتظار "أقاظع" (2)، كانت تاعبوت تحبه، وتعترف لصديقاتها بأنه الرجل المناسب لها، لكن كانت تبرر علاقتها به كونها كانت نتيجة اغتصابها منه ذات يوم في الغابة، ولخوفها من الفضيحة مع ظهور انتفاخ بطنها فكرت في طريقة ما لوضعهم امام الأمر الواقع تجلت في تلك الحادثة الظريفة من يوم مبيت الكندير عندهم... أما الكندير فكان يعترف لأصدقائه بأنه يحب كل النساء ويتمنى يوما أن يموت كل الرجال لتبقى النساء له وحده، كان يقول ذلك انتقاما لنفسه لعدم كونه محظوظا من طرف النساء لانتفاء أصله، إذ هو كان من يتامى القبيلة حيث هلك كامل غصنه في غارة فرنسية عليهم، ونجى هو بأعجوبة، وكان ليتمه هذا أن خلق له تركيبة جميلة من التعاسة كان يتمنى بها موت جميع ذكور القبيلة ليرى هل سيحظى لأول مرة بحب أنثى، لكن المسكين مع مرور الوقت لم يعقد القران وبدا أن بطن تاعبوت لم يمهله كثيرا من الوقت بشكل كان يريد أن يزدان الطفل وهما متزوجان، لكن ظروفا خاصة في تلك الأيام زادت من تعقيدات الأمور مما اضطره إلى حركة احتجاج كانت حاسمة لتغيبه نهائيا عن تاغبالت، كان قد أرسل إلى أخ تاعبوت مبعوثا يقنعه بالتعجيل بالزواج إلا أن أخاها كان مهتما بظروف سياسية محلية باعتباره كبير القوم، ولم يهتم كثيرا للأمر مما اضطر الكندير للغياب في سفر إلى فاس كطريقة للإضراب وكتعبير أيضا عن غضبه ليسجل له التاريخ، تاريخ تاغبالت أنه أول أجير بها واول من قام بإضراب فيها احتجاجا على وضعه الإجتماعي.
سافر إلى فاس ليرى لأول مرة أول مدينة في حياته، بدأ يتصكع في ذروبها وأسواقها حتى خلص كل ما كان لديه من مال، ولما استمد به الجوع يوما كاملا فكر في العودة إلى أهله لإنهاء حالة الإضراب. خطرت له أن يحصل على مال لأجل السفر بطريقة ما وسد رمق جوعه أيضا.. وبما أنه كان واثقا من قوته البدنية فكر في طريقة ما لنزع المال من أحدهم.. خرج إلى مداشر فاس لعله ينفرد بفريسة ما، ولم تكن هذه الفريسة سوى عشيقين يتجولان في حقول الزرع الخضراء، اقترب منهما ثم أمرهما بالتوقف، نظر إليه العاشق وهو يرتدي معطفا ورابطة عنق ويبدو من هندامه أنه شخصية مهمة، لكن الكندير لا ولم يعرف في تاغبالت شخصية مهمة ولا هو عنده في دماغه مثل هذا النزوع من التفارق بين الناس بين من هو مهم ومن هو غير مهم، اقترب منه صاحب المعطف يسأله ماذا يريد، رد عليه بإشارة وعربية ملكنة بالأمازيغية بأن يذهب ويترك البنت وحدها، كان يبحث عن سبب خاص لافتراس الضحية، فهو لا يريد لا بنت ولا ذكر، كان مايريد هو شيء يسد رمق جوعه ويمكنه من عودته إلى أهله، وكانت علة وجود امراة هو أن يخبره بأنه لا يمكن أن ينفرد بامرأة عشيقة لأن في الأمر رذيلة، كان يريد أن يستند إلى رذيلة ليرتكب رذيلة السرقة ولم تسعفه لغته ولا الشاب صاحب المعطف انتظر ليفهم قصده بل انهال عليه باللكمات التي لم تؤتي أكلها مع الكندير الذي أخرج من تحته عصاه فأرداه أرضا فيما الفتاة بدت جامدة ترتعد خوفا، بدأ يفتش جيوب سروال الفتى ولم يجد شيئا، نظر إلى الفتاة التي بدت أنها تطير ارتعادا، طلب منها معطف الشاب، فتشه هو الآخر ولم يجد سنتا، نظر إليها مرة أخرى وهو يبتسم، أشار إليها بخنصره إشارة العهر وتمتم: هاك.! خذي أصبعي أيتها العاهرة..! ليس لديه ما به يشتري لك علكا تنسمين به عهرك.
اخذ وجهة العودة إلى بلدته، ولم يمضي على سيره وقت طويل حتى التف حوله أعوان وخدام الشخصية المهمة فغيبوه إلى الأبد ومن ثمة لانعرف عنه سوى أن حمو ابن تاعبوت اليتيم الآخر هو ابنه.

(1) "تاموغزيلت" هي مصارعة شعبية امازيغية تشبه إلى حد ما المصارعة اليونانية
(2) "أقاظع" طريقة عرفية لشرعنة الزواج عند أمازيغ الأطلس المتوسط، وهي حفلة بطقوس دينية يشهد فيها أفراد القبيلة بالزواج



#عذري_مازغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعرور 2
- أعرور
- صلاة عيد الكبش
- عودة إلى أبرهامي
- في لاس بيدرونيراس
- حول القضية الفلسطينية
- إيلينا مالينو وأحداث طنجة العنصرية
- الإجتهاد في تبرير اعتداءات عنصرية مهزلة مضحكة
- جبل عوام: صورة كاريكاتورية تتكرر
- إسرائيل أم جحافل الوهابية هي من يحاول الدخول إلى شمال إفريقي ...
- أنا أيضا منعني الطبيب من تناول السكر
- الإسلام السياسي عندما يدخل طرفا في صراع سياسي
- أزمة اليسار (2)
- أزمة اليسار
- الزحف إلى مدريد (2)
- الزحف إلى مدريد (1)
- رويشة والفن الأمازيغي
- -هارون- المغربي
- جدلية النقابي بالسياسي وجهة نظر
- حول الديموقراطية


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - أعرور 3 : تاعبوت