أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رجب الطيب - الرواية الفلسطينية في الشتات ( 3 _ 3 )















المزيد.....

الرواية الفلسطينية في الشتات ( 3 _ 3 )


رجب الطيب
(Rajab Ata Altayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 4599 - 2014 / 10 / 10 - 22:19
المحور: الادب والفن
    



المكان/ الزمان/ الشخصية: سمات خاصة:
يمكن القول بأن المعضلة الأساسية التي واجهت الرواية الفلسطينية في المنفى، قد تمثلّت بالمكان، الذي يشكل إطاراً للرواية، تتحرك في فضائه الشخوص، وترتبط به خطوط السرد وتتنامى عبر الزمن الروائي المتحرك. فإذا كان من الطبيعي أن يتنافر الفلسطيني المطرود من وطنه مع المكان الذي لجأ إليه، فإنه كان من الطبيعي أن تكون الشخصية الروائية على شاكلته أيضاً، وإذا كان الفلسطيني المقيم في عمّان أو دمشق أو بيروت أو بغداد، ظل مسكوناً في الوقت ذاته بحيفا أو يافا أو الناصرة، فإن معادلة الروائي كان على شاكلته أيضاً.
وهكذا يمكن القول بأن المكان / المنفى، في الرواية الفلسطينية كان على الأغلب مكاناً معادياً، أو على الأقل عديم الإثارة في نفس الشخصية الفلسطينية الروائية.
وإذا كان المكان عموماً ينقسم إلى ثابت ومتحرك، فإن شكله الأول في الرواية الفلسطينية في الشتات كثيراً ما جاء على شكل سجن أو صحراء أو مخيم، فيما جاء الثاني على شكل سيارة (رجال في الشمس) أو مركباً (السفينة) أو قاعة ترانزيت (أرق الليلة الفاصلة/ رواية منيف الحوراني)، وما توحي إليه هذه الأمكنة من دلالة إلى مكانٍ عابر أو مؤقت.
وكان من الصعب أن تجد روائياً فلسطينياً يصف بحب مدينة أو قرية من مدن أو قرى اللجوء، وصفاً دقيقاً تفصيلياً، ينّم عن حضور للمكان الآخر في النفس الفلسطينية.
الفلسطيني في الرواية كما في الواقع، كان يعيش في المدينة أو القرية الأخرى، في الوقت الذي تعيش فيه بلده في ذاكرته، الأمر الذي أثرّ على العناصر الأخرى المكوّنة للرواية الفلسطينية في الشتات، أثّر على الزمن الروائي، حين تداخلت الأزمان، بل وكان في كثير من النصوص زمن النكبة أكثر حضوراً وأهمية وطزاجة، كذلك أثر على الشخصية التي بدت عصابية، مسكونة بكوابيس الفاجعة، من قتل وتشريد عاجزة عن التفاعل مع الزمان والمكان الآخرين.
رغم ذلك فلابد من الإشارة إلى أن بعض الأماكن، قد تحولت في النفس الروائية ارتباطاً يتطور دورها الواقعي، فالمخيم الذي بدا في السنين الأولى التي تلت النكبة رمزاً للبؤس والشقاء، صار فيما بعد رمزاً للهوية الفلسطينية وللمقاومة أيضاً، لدرجة أن هتف غسان كنفاني في "أم سعد" قائلاً: خيمة عن خيمة تفرق.
وكثيرة جداً هي النصوص الروائية الفلسطينية التي قامت بترجيع استعادي بالعودة إلى المكان / الوطن، واضطرت إلى إعادة الزمن أيضاً، فكتبت عن الماضي: العشاق لرشاد أبو شاورن وقت/ جمال ناجي، وقت للرجم ووقت للصلاة/ أحمد عمر شاهين، بحيرة وراء الريح/ يحيى يخلف، فيما كانت شخوص جبرا تقطع مسار انخراطها في المجتمع العربي، لتتحدث عن بيت لحم أو القدس بالتفاصيل، التي لا تفعل مثلها إزاء بغداد، حيث المكان الذي تنسج الروائية فيه أحداثها.
"لا أستطيع أن أنسى أشجار الزيتون والتربة الحمراء والكهوف الظليلة الباردة، نأكل منها التين والعنب، تتدلى العناقيد الكبيرة من الكرم، ونستلقي كالحبالى على الأرض الحمراء"(2).
أقفز به وهو على ظهري من فوق جدران الحواكير وأركض به بين أشجار الزيتون فتعلق بنا الأغصان وتعيق ركضي.. وأحياناً أضعه على الأرض فإذا هو شخص آخر لا أعرفه، أو إذا هو أبى.. وأحاول أن أتذكر كيف جرح، فلا أتذكر إلا خوفاً مبهماً، قنبلة أو رصاصة أو لغماً، انفجر تحت قدميه، وأحياناً أرانا مطاردين فلا أعرف من هم المطاردين"(3).
"هذه هي المدينة! يغمرها صمت كئيب، لم يكن سعيد يدري سبباً لهذا الصمت العجيب"(4).
"إنه ليس بيتك.. رجل كريم قال لك: اسكن هنا! هذا كل شيء. وبعد عام قال لك أعطني نصف الغرفة، فرفعت أكياساً مرقعة من الخيش بينك وبين الجيران الجدد"(5).
ربما كان من الصعب على الكاتب الفلسطيني في الشتات أن يقدم رواية فلسطينية مفعمة بالخصوصية، دون أن يقدمها في إطار بيتي خاص، هو غير متحقق في الواقع، فحتى المخيم، محكوم بجملة من العلاقات الاجتماعية والقوانين الخاصة بدولة أخرى. وربما كان هذا السبب أيضاً، الذي منع الروائيين الفلسطينيين من النظر إلى المكان / المنفى على أنه مكان معادٍ تماماً، نظراً إلى أنه غالباً ما كان مكاناً عربياً، قد ساهم بتقديم نص روائي فلسطيني ذهني على الغالب وتجريدي، تحركت عبره الشخوص عبر أثير الذاكرة، أو عبر أثير السرد في إطار الحكاية، ونظراً أيضاً إلى أن مجتمع الرواية المفترض أنه منقول عن مجتمع في الواقع، فإن الروائي أيضاً كان أمام خيارين أحلاهما مرّ: فإما يقدم مجتمع الواقع الراهن المخيم باعتباره مجتمعاً منقوصاً، غير تام الخصوصية، أو مجتمع اللحظة الماضية. هكذا يتضح بأن معضلة الرواية الفلسطينية في الشتات، إنما هي من معضلة الواقع ذاته.
الرواية الفلسطينية الجديدة / دوران متجدد:
لا يمكن القول بانتهاء عهد التصنيف الانشطاري بين رواية فلسطينية في الوطن ورواية في المنفى، مادام الموضوع الفلسطيني برّمته لم يحل بعد، ومادام الفلسطينيون لاجئين في الشتات، يكتبون رواية في المنفى، ويدورون حول وطن مغتصب، لكن انعطافاً نوعياً قد حدث في السياسة وفي المجتمع (بل جزء من المجتمع) الفلسطيني، ينعكس بالضرورية أو يجد معبراً عنه في الرواية، فإذا كانت عودة بعض الكتاب والروائيين، بخبراتهم التقنية، واطلاعهم على المنجز العربي والعالمي إلى حدٍ ما، تصنيف إلى واقعية الكتاب في الوطن، وتخرج بتوليفة إبداعية أكثر ثراءً، رغم طبيعة اللحظة المغايرة، التي أفقدت الجميع بهاء الحلم ودينامية المشروع، رغم ذلك فإن رواية فلسطينية جديدة، تتحقق – الآن وهنا – تشبه رواية المنفى في دورانها حول وطن مغتصب، وتأخذ من رواية الوطن امتلاءها بالأجواء والمناخات والتجسيد بالشخوص الحية.
(نماذج: الخروج من وادي السلامة/ زيد أبو العلا، ظلال في الذاكرة/ عاطف أبو سيف).
شهادة ذاتية:
هناك وجه شبه واضح بين "عطش البحر"/ رجب أبو سرية و"نجوم أريحا"/ ليانة بدر، فكلا النصيّن مطبوعان في العام 1994م، أي أنهما مكتوبان قبل ذلك، أي قبل الإعلان عن اتفاق أوسلو، رغم ذلك فقد بشّرا، ليس باللحظة/ الاتفاق، ولكن بوصفة الخروج من مأزق الرواية في المنفى – المكان – عن طريق العودة إلى الوطن، عبر الذاكرة لمن يتعذر عليه فعل ذلك في الواقع.
والحقيقة أنني ورغم كوني أعتبر نفسي مشروعاً لروائي لم يكتمل بعد، وللكاتب أو مبدع وليس لروائي فقط، فإنني قد طبعت روايتين ومجموعتين قصصيتين، أجد أنه من المفيد وأنه لذو مغزى، أن أشير إلى الفرق في تجربة الكتابة في كلٍ من حقلي القصة القصيرة والرواية. أولاً لابد أن أشير إلى أنني قد سرت في طريق التجريب في كلا الحقلين، ومازلت لم أصل إلى الشكل الأنسب في الكتابة، وإن كنت أعتقد بوحدة النص، أي بالتداخل الدلالي بين المبنى والمعنى – الشكل والمضمون – أي أن طبيعة موضوع النص، هي التي تحدّد طبيعة المعالجة الفنية، وأن البناء الفني يقدم مقولة أو خطاب النص في الوقت ذاته. رغم ذلك فإنني قد شعرت بأن كتابة القصة القصيرة فيها متعة فنية فائقة، وهي تعبّر عن نشوة لحظية، وعن لمعان إبداعي أو اشراقة فنية خاطفة، في حين كانت تجربتي مع الرواية أكثر مسؤولية، وقد اتضح ذلك من موضوعات كل من القصة والرواية. موضوعات القصة القصيرة لدي كانت اجتماعية/ إنسانية مفتوحة، تناولت حزمة القيم السائدة المتشحة بالنفاق والقهر، وهكذا ظهرت المرأة كبطلة للعديد من قصصي القصيرة. أما الرواية فكانت تدول حول الموضوع الفلسطيني بعموميته، وكان أبطالها فدائيين، مناضلين، منتفضين، صحيح أنهم كانوا يتمتعون بقدرٍ عالٍ من الإنسانية ومن حبٍ جارف للحياة، لم يشفع لهم بأن يحبوها كما الناس جميعاً، ومن هنا كانت مأساتهم – وأنا أعتقد بأننا لم نواصل خط غسان كنفاني التراجيدي، بسبب تفاؤلية الثورة، لكنهم كانوا نماذج غير عامة أو معممة، كانت الشخوص وعلاقاتها هي الفضاء الذي يتحرك فيه الحدث، وينمو مع عدم الارتباط بالمكان، حدث هذا في الرواية الأولى "دائرة الموت" التي فازت بجائزة سعاد الصباح الأولى عام 1992م، وطبعت في القاهرة، ثم أعادت طباعتها مكتبة الأسرة – مشروع الثقافة للجميع – عام 1996م.
وحدث في "عطش البحر" أن حاولت في النص أن أظهر تعلق الفلسطيني بوطنه، عبر تقديم تفاصيل المكان القابع في الذاكرة الطفلية (بئرنا الأولى)، وعبر الطفل الفلسطيني الذي ظهر في الانتفاضة، كتعبير عن تلازم الوطن بمعناه أي بحريته وانعتاقه.
وفي حين كنت قد وضعت مخططاً عاماً قبل كتابة الرواية الأولى "دائرة الموت"، واعتمدت على محطاتٍ من سيرورة ذاتية، كذلك على وثائق فلسطينية، فإنني قد اندفعت في كتابة الرواية الثانية تحت ضغط هاجسٍ تقمصني ولم أستطع منه فكاكاً، وكنت أواجه في رعبٍ كل ليلة ورقاً أبيض لا أقوى على اقتحامه ساعاتٍ طوال.
وفي حين اعتمدت (في الرواية الأولى) خطوط السرد المزدوجة والمركبة، المتوازية والمتقاطعة، للتدليل على استمرارية الحالة الفلسطينية ووحدتها بغض النظر عن المكان والزمان المختلفين، فقد اعتمدت في النص الثاني – وكنت معجباً بالرواية الفرنسية، خاصة مارغريت دوراس في نصّها المقتضب – تكنيك تيار الوعي، وتجاوزت التراتب الزمني في السرد، كذلك قمت بإنشاء النص في مناخ من الثراء اللغوي الجميل، وكنت بذلك أسعى إلى التعبير أكثر من التفكير وإلى البوح والوشاية أكثر من القول.
لذا فإن النص قد دار حول ذاته، قبل أن ينفتح أو أن يندلق إلى هوة الواقع في صفحاته الأخيرة.
1- علي عودة: الزمان والمكان في الرواية الفلسطينية مكتبة دار المنارة، ط1 1991م، ط2 1997م.
2- وليد مسعود: ص27.
3- السفينة: ص67.
4- الطريد: ص28.
5- رجال في الشمس: ص47.

( رجب الطيب )
رجب أبو سرية

الورقة التي تمت المشاركة بها في مؤتمر الرواية الفلسطينية الأول المنعقد في جامعة القدس ( أبو ديس ) عام 1999 .



#رجب_الطيب (هاشتاغ)       Rajab_Ata_Altayeb#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرواية الفلسطينية في الشتات ...
- الرواية الفلسطينية في الشتات ( 1 _ 3 )
- الحق في الرحيل : رشاقة النص السردي وحداثته !
- فلتغفري : مدونة القلق الحداثي روائيا !
- غزة : الكف الذي يناطح المخرز
- جنسية معتز قطينة : السؤال الوجيه لا يبني نصا روائيا !
- الرواية / الوثيقة التاريخية !
- الأجنبية : حين تتحول اليوميات الى نص !


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رجب الطيب - الرواية الفلسطينية في الشتات ( 3 _ 3 )