أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - أعرور 2















المزيد.....

أعرور 2


عذري مازغ

الحوار المتمدن-العدد: 4599 - 2014 / 10 / 10 - 17:11
المحور: الادب والفن
    


كنا نلقب أعرور كما سلف الذكر بالعوراج لأن اسم أعرور لم يكن يتلائم ومقامات الشغب الطفولي كما لم يكن ايضا مألوفا عندنا كما لو كان اسما جاء من الحقب التاريخية الطاعنة في القدم، لكن كلمة "العوراج" ايضا كانت غير مألوفة عنده هو الآخر ولا يعرف كيف اوحت به له قريحة الصغار، كان أول من أطلق عليه هذا اللقب هو الطفل بن طالب في خصومة طفولية، وكنا نلقبه هو الآخر بابن البرميل لأن أباه كان السمين الوحيد بالمنطقة ويشبه في هيأته هيأة برميل، عنق قصير ملتصق بجسد وكرش بارزة إلى الأمام، وكان بن طالب الطفل الوحيد على ما أعلم الذي تحمل وزر جسامة بدن والده طوال سنوات الطفولة، أما أعرور فقد تحمل وزر طوله هو نفسه وليس وزر شخص آخر، كان يستفزه اسم العوراج الذي كان سببا في خصوماته الصغيرة، ومع ذلكل كان يشعر في نفسه أن هذا الإسم يتناسب كثيرا مع مواصفاته رغم انه لا يذكر حتى الآن لماذا كان "عُراجا" ولا يدري أيضا ماذا يعني على الرغم من انه كان على يقين أنه يناسب مواصفاته، طويل ورقيق، وهمجي ركال قوي وبدوي خشن في لعبه، وهذا كل ما كانت تعنيه هذه الكلمة عنده، لقد قلنا بأنه كان في المدرسة يجلس في المقاعد الخلفية باقتراح من المعلم، وكان الأمر مريحا له أكثر، خصوصا عندما يتعلق الأمر باستظهار صورة من القرآن أو قصيدة من المحفوظات أو نشيد، حيث كان يتلقفها حفظا بمجرد أن يستظهرها من في الصفوف الأمامية من زملائه الكتاكيت، وكان حدث ماحدث ذات يوم، من ان المعلم الشحروري، فطن بأمره واستقدمه للإستظهار ونال ما ناله من العقاب،
أخرجه من البيئة الخلفية المظلمة والدافئة للقسم ليتنصع امام الكتاكيت وهو العراج الأكبر، لم يكن يحفظ من صورة الرحمان إلا جملتها الأولى والثانية التي رددهما بتلعثم ثلاث أو اربعة مرات امام الرجل "الواعر"، ونال حصة قاسية من العقاب كما امره أن يحفظ حصتين في المناسبة القادمة، وعندما عاد إلى المنزل اكتشف موهبته في الحفظ السريع، تمكن من حفظ الحصتين من القرآن في ظرف وجيز، بدا الأمر سهلا وغير مكلف، مما حفزه على ان ينهي مشكلة القرآن بالمرة بحفظ المقرر السنوي مرة واحدة، ثم عمد بعدها ليقتضم المواد الأخرى التي كانت تعتمد الحفظ والتي كانت تسبب له الخوف الدائم، وهكذا حفظ تاريخ البؤس المغربي، وجغرافية الجفاف وما إلى ذلك من محفوظات شعراء المشرق العربي لدرجة كانت هي المادة الملقنة لنا، كنا نحفظ أناشيدهم الوطنية أكثر من أناشيدنا، كنا نلقب المعلمين استنادا إلى تعاملهم أو استنادا إلى المادة التي يدرسونها، لكن ملكتنا المصابة بالإنفصام كانت تميل أكثر إلى استعمال الألقاب أكثر من الأسماء الحقيقية، كنا نسمي "الواعر" للمعلم الذي يستعمل الضرب معنا و"الساهل" للمعلم الظريف. ومنذ ذلك العقاب القاسي كان أعرور الأول في التهام الدروس والأول في كل الإمتحانات.
كان أعرور مصابا بداء القرع الذي قتل أخ جدته اليتيمة، وكانت جدته التي تعرف جيدا ضحايا هذا الداء الكبير هي من كانت مهمومة أكثر بإيجاد وصفة دوائية هي أعظم اكتشاف في ذلك الوقت والذي كان أعرور فأر التجربة التي نجحت تماما لتصبح بعد ذلك الوصفة المحمودة لداء قتل الكثير منا، كما أصبح الكثير منهم أيضا بسببه يحمل لقبا مميزا، "حميد لقرع"، "فاطمة أو طامو القرعة"، وكان هو سيصبح "العراج لقرع" أو "أعرور لقرع" لو فطن الكتاكيت إلى امره في تلك المرحلة المبكرة، لكن وصفة جدته كانت قاتلة تماما لهذا الداء الذي لم يذكره صاحب معجم تاريخ الكوارث بالمغرب، كانت الوصفة عجيبة تماما ولم تخطر ببال الأطباء الفرنسيين الذين عمروا المغرب لفترات طويلة رغم انهم هم من أتوا إلينا بأحد اهم عناصر الوصفة وهي بارود التفجير الذي يستعمل في المناجم والذي استعملته جدته مع ثوم مقلى بزيت زيتون، ثم اضفت هي وصفة استعماله كما لوكانت فعلا خبيرة في الطب، قالت بأنه يجب أن يبقى في الرأس اسبوعا كاملا، والحقيقة أن الأمر كان من وحي معاينتها لهذا الداء الذي أتى على ذكور أسرتها بدءا من ابيها ثم أخوها الأصغر وانتهاء بأخيها الأكبر الذي ورثته وحدها بأعجوبة نادرة بفضل حنكة القوانين الفرنسية التي كان يقوم القبطان الفرنسي على تطبيقها بمنطقتنا. كانت والدتها التي ماتت مبكرا من قبيلة أخرى غير قبيلة والدها، ورثت جدته في صغرها يتما مركبا، فهي ابنة غريبة عن القبيلة بسبب نسب أمها، وهي أيضا يتيمة بفقدان أمها مبكرا وبعدها أبوها الذي قتله القرع كما أشرت. لكنها بسبب من ذلك ورثت أيضاذكاء عفويا وحقدا مبطنا، فهي تلقب باسم انتساب امها تميزا لها عن إخوتها واخواتها وهو ما كانت تشعره أو تحسه حتى في وجود امها، كانوا ينادونها ب "تعبوت"انتسابا إلى ايت عبو، كانت في البداية شبه عبدة، ولما مات أبوها كانت بكل تأكيد عبدة كاملة المواصفات، كانت محرومة من كل شيء، ترعى غنم أهل البيت لكي تأكل وتشرب، وحين مات أخوها الصغير بنفس الداء الذي قضى على ذكور الأسرة، بقي أخوها الوحيد والوريث لكل التركة، كان أخوها هذا يريد بيع قطعة أرضية بورية لأحد الرجال التقيين، فامتنع هذا الرجل أو تحفظ من عملية الشراء لأن اخاها لم يقم بقسمة الإرث مع إخوته من البنات المتبقيات قيد الحياة، وبالتالي كان أن التقى جدة أعرور وهي ترعى البقر ليستشيرها في أمر الشراء، سألها عما إذا نالت شيئا من أخيها من ميراث أبيها فاجابت بالنفي، فحثها أن تطلب حقها من أخيها، إلا أن الأمر تطور سريعا ليصل إلى جناب القبطان الفرنسي، كان أخواتها قد أشعن بين الناس أنهن لا يردن ميراثا من أخيهن الوحيد حقدا منها وإحراجها هي أمام الملأ ،
لكنها بدت متمسكة بحقها لتكون اول امرأة ثائرة في القبيلة، أشار عليها شيخ من قبيلة أيت إيحيى بضرورة رفع شكوى ضد أخيها للقبطان الفرنسي ليتكفل هو بترجمة شكايتها، فذهبت استجابة لذلك يوم خميس بارد، كان الشيخ ينتظرها عند عتبة الحاكم، انتظرته حتى خرج فانكبت على قدميه تطلب منه السماع إليها، نادى القبطان على الشيخ فأخبره بقصتها، ثم دعها لتهدأ وتعود إليه في اليوم الذي سيستدعي أخاها.. بعد أسبوع من الأمر، حضر اخوها مصحوبا بكل أخواتها كشكل تضامني مع أخيها ضدها، صرحن للقبطان أنهن ليس لديهن أي حق عند أخيهن الوحيد، وأن أختهن تريد فقط الإنتقام منه لأنها غير شقيقتهن، لكن القبطان أمر بكتابة تقرير يتضمن اعترافهن بعدم أحقيتهن في الميراث لتبقى هي الوحيدة المتمسكة بحقها، أمر القبطان أخوها أن يعطيها حقها، وهكذا تم تعيين بقعة شحيحة من الأرض في اجتماع قبلي ليشهدهم على الأمر، لتبقى أخته هي الملعونة الوحيدة في القبيلة التي ما لبث داء القرع أن أخذ أخوها هذا الوحيد المتبقي هو الآخر إلى دار البقاء كما يقال، لتتحول هي الوريثة الوحيدة لكل مملكة أخيها غير الشقيق وتبدأ حياة جديدة في صراع الإرث مع إخوتها اللاتي سمحن في الميراث والذي كتب في تقرير القبطان الفرنسي، كان صراعا فارغا بقوة التقرير الذي يبقيها كصاحبة حق وحدها فقط. وهكذا ستبدأ المرأة حياة جديدة أرخت لعاب كل شباب القبيلة الذين كانوا يريدون الزواج منها.



#عذري_مازغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعرور
- صلاة عيد الكبش
- عودة إلى أبرهامي
- في لاس بيدرونيراس
- حول القضية الفلسطينية
- إيلينا مالينو وأحداث طنجة العنصرية
- الإجتهاد في تبرير اعتداءات عنصرية مهزلة مضحكة
- جبل عوام: صورة كاريكاتورية تتكرر
- إسرائيل أم جحافل الوهابية هي من يحاول الدخول إلى شمال إفريقي ...
- أنا أيضا منعني الطبيب من تناول السكر
- الإسلام السياسي عندما يدخل طرفا في صراع سياسي
- أزمة اليسار (2)
- أزمة اليسار
- الزحف إلى مدريد (2)
- الزحف إلى مدريد (1)
- رويشة والفن الأمازيغي
- -هارون- المغربي
- جدلية النقابي بالسياسي وجهة نظر
- حول الديموقراطية
- عاش.. عاش


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - أعرور 2