أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين كركوش - شيعة الحياة وشيعة القبر















المزيد.....

شيعة الحياة وشيعة القبر


حسين كركوش

الحوار المتمدن-العدد: 4599 - 2014 / 10 / 10 - 12:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حسين كركوش


شيعة الحياة وشيعة القبر




( يفتقر التدين الحرفي الأصولي إلى التعاطي المتفائل
المفعم بالأمل مع الحياة ، والانفتاح على العالم واستبصار
ما يحفل به من ثراء وجمال وتنوع. (...) غير ان الحياة
تغدو لعنة وأية محاولة للتشبث بها ، والسعي لعمارتها
والتنعم بطيباتها ، تصبح منافية للفهم السلفي للدين
ذلك الفهم الذي يتمحور خطابه على هجاء الحياة
وتمجيد الموت ولعن المباهج ، وأسباب الفرح
والغبطة والمسرة ، بل مسخ الذوق الفني.)

المفكر العراقي عبد الجبار الرفاعي




في كتب التراث الشيعية والسنية تتكرر قصيدة اشتهرت باسم (القصيدة التترية) ، والبعض يسميها (القصيدة الرائية). القصيدة نظمها شخص أسمه أحمد بن منير الطرابلسي (ولد سنة 437 وتوفي سنة 548 هجرية) وبعث بها لشخص أسمه الشريف المرتضى ( ولد سنة 355 وتوفي سنة 436 هجرية).

وإذا كان بعض القراء يجهلون من يكون الطرابلسي فأن غالبية القراء ، كما افترض ، لا يجهلون من يكون الشريف المرتضى. يكفي أن ننقل ما قاله النسابة إن الشريف المرتضى هو ، من ناحية النسب ( أقصر الشرفاء نسبا وأعلاهم حسبا وأكرمهم أما وأبا وبينه وبين أمير المؤمنين عشر وسائط من جهة الأم والأب معا وبينه وبين الإمام موسى الكاظم بن جعفر خمسة أباء كرام.)
وكان المرتضى في وقته نقيب العلويين في بغداد وواحدا من أبرز مثقفي عصره ، وكان له ولأخيه الشريف الرضي الأثر الكبير في انتشار التشيع سوية مع أستاذهما الشيخ المفيد.
هذا عن الشريف المرتضى. أما ناظم القصيدة التترية ، أحمد بن منير الطرابلسي ، فقد كان عاشقا للشيعة ومدافعا مستميتا عن أئمتهم و " ملما بمذهب الشيعة أتباع الأئمة الأثني عشر ". وكان خصومه وقتذاك يعتبرونه " رافضيا خبيثا وشيعيا مغاليا " لشدة تشيعه وحبه لأئمة الشيعة ودفاعه غير المشروط عنهم. ويقول بعض الذين أرخوا لحياته ولشعره بأن تشيعه " كان سببا رئيسيا في تأليب الناس عليه والعمل على الانتقام منه " وقتذاك. ويعتبره مؤرخو الشيعة " من أكابر الإمامية وأجلاء طرابلس ". و مؤرخو الأدب الشيعة يعتبرون الطرابلسي من شعراء الغدير في القرنين الخامس والسادس الهجري.
أما عن ظروف كتابة (القصيدة التترية) فتذكر كتب التراث الشيعية ما يلي، وأنا أنقل حرفيا دون ذكر المصادر لأن هذه السطور ليست بحثا أكاديميا:
" أرسل أبن منير إلى الشريف المرتضى بهدية مع عبد أسود له. فكتب إليه الشريف: أما بعد فلو علمت عددا أقل من الواحد أو لونا شرا من السواد بعثت به إلينا والسلام. فحلف ابن منير: إن لا يرسل إلى الشريف هدية إلا مع أعز الناس عليه، فجهز هدايا نفيسة مع مملوك له يسمى (تتر) وكان يهواه جدا ويحبه كثيرا، ولا يرضى بفراقه، حتى أنه متى أشتد غمه أو عرضت عليه محنة نظر إليه فيزول ما به فلما وصل المملوك إلى الشريف، توهم أنه من جملة هداياه تعويضا من العبد الأسود، فأمسكه وعزت الحالة على ابن منير، فلم ير حيلة في خلاص مملوكه من يد الشريف إلا إظهار النزوع عن التشيع إن لم يرجعه إليه وإنكار ما هو المتسالم عليه من قصة الغدير وغيرها، فكتب إليه هذه القصيدة " أي القصيدة التترية.

والقصيدة التترية طويلة (106 بيت) يتوعد فيها الطرابلسي بأسلوب المزاح ، الشريف المرتضى ، إذا لم يعيد له خادمه تتر، بأنه سينسف كل ركائز معتقدات الشيعة الإمامية ويفندها وينكرها واحدا واحدا. ويستمر الطرابلسي في مزاحه إلى حد أنه يهدد بأنه (سيجحد بيعة حيدر) وسيقول أن الإمام علي هرب في معركة صفين، وأنه سينكر بيعة الغدير، ويلبس أجمل ثيابه في شهر محرم. ويتمادى الطرابلسي فيحشر نفسه والشريف المرتضى في جهنم !


وبالطبع ، فأن القصيدة لم تظل حصرا بين الطرابلسي والشريف المرتضى إنما ذاع صيتها وانتشرت ، فأوردها ابن حجة الحموي في (ثمرات الأوراق) وفي (خزانة الأدب) ووردت في (أنوار الربيع/ 223/3) للسيد علي خان (توفي سنة 1119 هجرية) وفي (كشكول) البحراني وفي (نسمة السحر فيمن تشيع وشعر) وذكر بعض أبياتها الشيخ العاملي في (أمل الأمل)، وشطرها شعراء وخمسها شعراء وجارى كتابتها شعراء. وظل الطرابلسي حتى وفاته وفيا لمعتقده.
ولأن القصيدة طويلة فسأختار للقراء الأسطر التالية منها :


(عذبت طرفي بالسهر وأذبت قلبي بالفكر
ومزجت صفو مودتي من بعد بعدك بالكدر
وجفوت صبا ما له عن حسن وجهك مصطبر
...
لئن الشريف الموسوي ابن الشريف أبي مضر
أبدى الجحود ولم يرد إلي مملوكي تتر
...
بالمشعرين وبالصفا والبيت أقسم والحجر
وبمن سعى فيه وطاف به ولبى واعتمر
واليت آل أمية الطهر الميامين الغرر
وجحدت بيعة حيدر وعدلت عنه إلى عمر
وأقول إن إمامكم ولى بصفين وفر
هذا ولم يغدر معاوية ولا عمرو مكر
وأقول إن يزيد ما شرب الخمور ولا فجر
والشمر ما قتل الحسين ولا ابن سعد ما غدر
وحلقت في عشر المحرم ما استطال من الشعر
ولبست فيه أجل ثوب للملابس يُدًخر
وإذا جرى ذكر الغدير أقول ما صح الخبر
...
هذا الشريف أضلني بعد الهداية والنظر
فيقال خذ بيد الشريف فمستقركما سقر.)

أتساءل : كيف يتجرأ إنسان شيعي من عامة الناس كالطرابلسي و يكتب قصيدة يمازح فيها شخصية دينية شيعية بارزة كالشريف المرتضى ويتهمه فيها بأنه (يضل) الآخرين وبأن مستقره جهنم ؟ وكيف يتقبل شخص في مقام وهيبة وشهرة ومنزلة الشريف المرتضى قصيدة الطرابلسي وكل ما ورد فيها ، بأريحية عالية وبدون غضب ولا احتجاج ولا تأفف ؟
أما كان الطرابلسي يخشى، وهو المدافع العنيد عن الشيعة ، أن تستغل القصيدة للإساءة للشيعة ولمذهبهم ؟ أما كان الشريف المرتضى يخشى أن يفسر خصوم العلويين وقتذاك تلك القصيدة لأغراضهم الخاصة ؟

لكن ، هل اهتز المذهب الشيعي بعدما كتب الطرابلسي قصيدته وبعد أن ذاع صيتها وانتشرت بين الناس ؟ هل اندثر الشيعة أو تناقص عددهم بسبب تلك القصيدة ؟
طبعا ، الجواب لا. فالشيعة كانوا وقتذاك ، ديموغرافيا ، أقلية وكانوا أشبه بالمطاردين وعلى هامش الحكم بينما هم في هذه الأيام وبعد عشرات القرون ، يشكلون أكثرية ديموغرافية ويتصدرون الحكم ويقودونه في العراق.
وكما نلاحظ فأن خلفية أو قصة كتابة القصيدة التترية ، التي كُتبت قبل قرون وليس في القرن الحادي والعشرين ، وكل ما ورد فيها ليس له علاقة بثقافة الايدولوجيا الدينية المذهبية اليابسة المتخشبة السائدة هذه الأيام. وليس له علاقة بثقافة وبذهنية (القبر) الشيعية المنتشرة في العراق منذ عشر سنوات و التي تريد أن تحول الحياة إلى مأتم دائم لا يُرى فيه إلا السواد و لا يُسمع فيه غير الصراخ و العويل.
القصيدة التترية وأجواء وقصة كتابتها لها علاقة بالحياة وبما في الحياة من متع وترف واسترخاء ذهني و سيكولوجي وبهجة ودعابة ومزاح وسماح وتسامح.
الطرابلسي كتب قصيدته بسايكولوجية الواثق من نفسه والواثق بما يؤمن به من معتقد. والشريف المرتضى قرأ تلك القصيدة وتعامل مع مضمونها بأريحية الزعيم المعتد بنفسه وبأريحية المؤمن الواثق من معتقده والعارف لقيمته ولمنزلته.
المرتضى ، وهو من هو في المنزلة والنسب و الورع والتقوى والتدين ، تلقى القصيدة ليس بذهنية الشيعي (الآيدولوجي) المحَنَطة المنغلقة المتخشبة. ولم يقرأها بذهنية الشيعي الهلع المتقوقع داخل شرنقته الكاره للحياة ولكل ما فيها من مباهج و الذي يحفر قبره وقبور الآخرين ويريد أن يدفن نفسه وإياهم منذ الولادة ، والذي يرى الحياة لعنة. المرتضى قرأ القصيدة وفهمها بذهنية دينية مذهبية سمحة ومتسامحة ، لا ترى الحياة شرا ولا تجدها حملا ثقيلا يتحتم رميه والتخلص من ثقله بأسرع وقت.
ومثلما كان الشريف المرتضى يعيش لأخرته كأنه يموت غدا فأنه كان يعيش لدنياه كأنه يعيش أبدا. ولهذا فأنه كما كان فقيها ومحدثا ونقيبا للعلويين فأنه كان ، أيضا ، شاعرا حسيا رقيقا. ومثلما كانت له قصائد يدافع فيها عن عقيدته وعن معتقده ، فأن له ، أيضا ، أشعار في حب الحياة وتمجيد الجمال.

يقول الشريف المرتضى في شعره:
(صد عني وأعرضا إذ رأى الرأس أبيضا
ومحل عهدته صار بالشيب مبغضا
كان يرضى ولم يدع شيب رأسي له الرضا.)

ومن شعره أيضا:
( يا خليلي من ذؤابة قيس في التصابي رياضة الأخلاق
عللاني بذكرهم تطرباني واسقياني دمعي بكأس دهاق
وخذا النوم من جفوني فإني قد خلعت الكرى على العشاق.)

ومن شعره كذلك:
(ضنت عليك بوصلها لك زينب
وطلبت لما عز منها المطلب
وأرتك برقا لامعا من وعدها
لكنه برق لعمرك حلب
وتقول لي جهلا بأسباب الهوى
كيف الهوى والرأس منك الأشيب
والحب داء للرجال تباعدوا
عن شيبة وشبيبة وتقربوا.)

وله أيضا:
(وإذا لم يكن من الذنب إلا
أن قلبي يهوى فمالي ذنب.)
وله كذلك:
(ومن قال: إن البين يسلي عن الهوى
جهول بأسباب الغرام كذوب.)

وله:
(تنزو بي النشوات كل عشية
نزو الجنادب في متون حدائق.)


يتبع القسم الثاني : الشريف الرضي ، ابن الحجاج البغدادي ، دعبل الخزاعي ، ابن الرومي ، الفرزدق ، سكينة بنت الحسين ، السيد محمد سعيد الحبوبي ، الحاج زاير الدويج ، حسين قسام النجفي ، علي الشرقي ، محمد رضا الشبيبي ...



#حسين_كركوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل أن أغنية لزهور حسين ، مثلا ، تُلهي عن ذكر الله ؟؟؟
- هل دخلت داعش مرحلة الموت السريري أم أن (الذئب) ما يزال ينتظر ...
- ليس ثمة انشقاقات وكل شيء هاديء على جبهة الأحزاب العراقية الح ...
- الإسلام ليس ماركة مسجلة والإسلامويون ليسوا الوكلاء الحصريين
- ( الطيور الصفراء) : رواية أميركية عن الحرب الأميركية في العر ...
- هل يتحول البئر اللاديمقراطي الذي حفره المالكي لإياد علاوي عا ...
- همس المدن أم صراخها ؟
- المثقف العراقي والانتخابات
- العلمانية بين التهريج السياسي والحقيقة
- الصكار ينهي رحلته ويعود ليتوسد تراب العراق
- ألصاق تهم المخمورين وزواج المثليين بمن يعارض من العراقيين !!
- رأيتم (قطر) المالكي لعد اعتزال الصدر، انتظروا كيف ( ينهمر ال ...
- خطاب مقتدى الصدر انتصار للدولة المدنية حتى وأن لم يعلن ذلك
- صورة المثقف في رواية دنى غالي ( منازل الوحشة)
- رواية (طشاري): لماذا أصبح العراقيون المسيحيون -طشاري ما له و ...
- ( هروب الموناليزا): توثيق لخراب الماضي وهلع من إعادة استنساخ ...
- الحزب الشيوعي في عراق ما بعد صدام حسين
- العنف ليس قدر العراقيين ولا مصيرهم الذي لا خلاص منه
- الخارجية الاميركية تعلم العراقيين اصول الكلام : هزلت ورب الك ...
- حتى لا يتكرر( كرسي الزيات) مرة اخرى


المزيد.....




- -التعاون الإسلامي- يعلق على فيتو أمريكا و-فشل- مجلس الأمن تج ...
- خريطة لموقع مدينة أصفهان الإيرانية بعد الهجوم الإسرائيلي
- باكستان تنتقد قرار مجلس الأمن الدولي حول فلسطين والفيتو الأم ...
- السفارة الروسية تصدر بيانا حول الوضع في إيران
- إيران تتعرض لهجوم بالمسّيرات يُرَجح أن إسرائيل نفذته ردًا عل ...
- أضواء الشفق القطبي تتلألأ في سماء بركان آيسلندا الثائر
- وزراء خارجية مجموعة الـ 7 يناقشون الضربة الإسرائيلية على إير ...
- -خطر وبائي-.. اكتشاف سلالة متحورة من جدري القرود
- مدفيديف لا يستبعد أن يكون الغرب قد قرر -تحييد- زيلينسكي
- -دولاراتنا تفجر دولاراتنا الأخرى-.. ماسك يعلق بسخرية على اله ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين كركوش - شيعة الحياة وشيعة القبر