أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معاد محال - عدو الدنيا














المزيد.....

عدو الدنيا


معاد محال

الحوار المتمدن-العدد: 4596 - 2014 / 10 / 7 - 21:48
المحور: الادب والفن
    


المكان شارع الحرية
الزمان بين الإنكار والهزيمة

في الليل، بعد أن تُقفل المحلات وتتوقف الحركة، وبعد أن يقصد الناس منازلهم، كان يطل بنصف رأسه من البرميل الذي اتخذه مسكنا في وسط الشارع مباشرة تحت عمود الإنارة يراقب الشارع في حرص وفي حذر على أن لا يراه أحد. وعن السر الذي يجعله يحرم نفسه من النوم والبقاء مستيقظا طيلة الليل يراقب شارعا خاليا من الناس والحركة إلا من القطط والكلاب راجع لكونه إنسان لا يطيق البشر، فهم يكرههم ولا يطيقهم ويتمنى لهم الموت والهلاك والتعذيب. وإنه في البقاء مستيقظا يجد متعة ولذة وحلاوة لا يجدها في النوم، لأنه خلال ذلك يعيش تلك الحياة التي يريدها في ذلك العالم الذي يريده، عالم خال من البشر، لأنهم خطرون ولا خير يُرجى من وراءهم، وبالإضافة إلى أيديهم وألسنتهم، فهم يُؤذون بأعينهم أيضا، وإذا أصابوا أحدا بالعين حلت به المصائب والكوارث، وبالتالي فإن الأصلح للمرء أن يظل بعيدا عنهم.

هكذا مرت السنوات العشر الأخيرة من حياة إبراهيم، يقضي فيها نهاره يلعن الناس وليله في تخيل العالم بدونهم، حتى فاجأه ذات ليلة ذالك الطفل الهارب من الملجأ، الذي أقلق راحته وزعزع طمأنينته، وأفسد عليه العالم الخالي من البشر الذي يعيشه كل ليلة، ولأن هذا اللعين ذهب بالهدوء الذي كان يحياه، فقد اتخذ في مكانه هيئة الرافض المدافع فيما كان الطفل يقصد البرميل بدافع الفضول ما زاده سخطا وغضبا، وقد أراد أن يلعن سلالة أمه جهرا لكنه توقع أن يحول الظلام بينه وبين أن تقع نظراته عليه ويرحل عن المكان، وهو ما تمناه أن يمر في وقت قصير، لكن يبدو أن غريزة ما كانت تدفع بالطفل نحو البرميل ليتحقق ما بداخله حتى تمكن من اكتشاف هذا الكائن القابع بداخله ما أثار دهشته واستغرابه،
- لكن..تنام في برميل ؟
أجابه ابراهيم في حنق عصبية لكن بصوت منخفض :
- و بماذا يعنيك الأمر أنت ؟
- آسف إن تطفلت عليك، ولكني استغربت من رؤية شخص ينام في برميل ؟
- وما الغريب في ذلك ؟ أخبرني عن مكان واحد في العالم يجد فيه المرء الأمن ويضمن له أن يبقى بعيدا عن أعين الناس حتى لا يُصاب بالحسد ؟
قهقه الطفل ضاحكا :
- متشرد يخشى الحسد !
يزداد غضبا وعصبية :
- تبا لك ! من أي مصيبة جئت لتسخر مني ؟
- لقد جئت هاربا ولجأت إليك.
- لقد عرفتك من البداية، إنك سارق أو قاتل، هكذا أنتم البشر، تسرقون وتقتلون وتكذبون ثم تخترعون السجون والزنازن والهراوات والأغلال والمشانق.
أراد الطفل أن يجيبه لكنه رأى الشرطي يتقدم،
- ما هذا الضجيج ؟ أنتما إن لم تتوقفا عن إزعاج المواطنين فسوف آخذكما إلى السجن، فيم كنتما تتكلمان؟
امتقع وجه إبراهيم وظل مرتبكا في حين سارع الطفل إلى الإجابة:
- كنا نتحدث عن أحوال الطقس يا سيدي.
- تكذبان  ! فالأجواء لم تتغير، وحسب نشرة الأخبار لن تتغير.
الطفل يفكر :
- كنا نتحدث عن كرة القدم يا سيدي
- كذاب  ! فبعد الخسائر المتوالية التي تكبدناها صدر قرار بموقف هذه الرياضة ومنعها في الملاعب وفي الشوارع ومشاهدتها في المقاهي. للمرة الأخيرة فيماذا كنتما تتكلمان ؟
الطفل يفكر مرة أخرى :
- كنا نحكي النكت يا سيدي.
امتقع وجه الشرطي وانفطر صوته وأدمعت عيناه، وهو يقول بصوت باك :
- تحكيان النكت في هذه الظروف الصعبة التي تمر منها البلاد  ! تضحكان والمسؤولون يبكون من أجلكم  ! إن من مثلكم لا يستحق العيش، إن من مثلكم يجب أن يُعدم  ! 
- اعذرني يا سيدي أرجو أن لا تسيء فهمنا، فنحن لم نكن نحكي نكتا كوميدية بل نكتا ملتزمة
- نكتا ملتزمة !؟
- نعم يا سيدي فالنكت الملتزمة لا تُحكى إلا في ذروة الأزمات وبعد أن تُدق أجراس الخطر، إنها يا سيدي لا تُضحك المواطنين لكنها تحفظهم من الإصابة بالجلطة وبالشلل النصفي ومن الأزمات النفسية.
يطلق الشرطي تنهيدة ارتياح وهو يهز رأسه متفهما :
- بما أنها نكت من أجل الوطن فلا بأس.
وانصرف، ثم التفت الطفل نحو إبراهيم :
- والآن هل صدقت بأني شخص غير مؤذ ؟ ولن أصيبك بالحسد ؟ هل تسمح بأن أقضي الليلة معك في البرميل ؟
- موافق لكن بشرط لا تثرثر معي لأنك بكثرة كلامك قد تقلب علينا البرميل.
ينضم الطفل إليه ويلتصقان ببعضهما وهو يردف :
- لينقلب العالم على حاكميه 
- لتنقلب الأسارير على رؤوس النائمين
- والأطباق على رؤوس الآكلين
...

* * *

المكان شارع الحرية
الزمان بين الانهيار والاعتراف

كان الضوء يتسلل إلى البرميل حينما استيقظ الضيف على صراخ مضيفه الذي وقف داخل البرميل وجعل نصف جسده يظهر للشارع، كانت المحلات والسيارات تبدأ نهارها، وكان هو يبدأ نهاره بأسطوانته التي يفتتح بها صباحه وهو يتخيل نفسه يخاطب المارة :

- ما جدوى هذه الحياة ؟ لماذا نحيا ؟ لماذا البشر وحدهم أعطي لهم العقل ؟ تبا لمن اخترع هذه السيارات التي تلوث الهواء الذي نتنفسه، تبا لهؤلاء السائقين وللأغنياء الذين يمشون في الشوارع كالطاووس. تبا لمن أوجد النقود وجعل الناس أغنياء وفقراء. تبا لمن بنى هذه البنايات العالية وجعلنا في الأسفل. وللذي جهز هذه الطرقات وجعلنا في الأرصفة. من منكم راقب حياة الكلاب ؟ هل تعلمون أنه لا وجود لكلب فقير ولكب غني ؟ هل تعلمون أنه لا يوجد كلب بورجوازي وكلب كادح ؟ و أن الكلب لا يحتاج لأن يكون ذا مال وجاه حتى تقع في حبه كلبة ؟



#معاد_محال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وسادة فوق التراب
- قصتان
- حينما كان الانتصار للإله الذكر
- التحرش الجنسي اضطهاد نمارسه ضد المرأة
- مفهوم الجريمة في ثقافة القبيلة
- هذيان
- على خلفية حبس الزعيم
- لن تعود
- ملعونة هذه الأرض
- حول هيمنة التفسير المجازي
- نظرتنا إلى المرأة لم تتغير منذ الجاهلية
- خير أمة أُخرجت للناس، وأوهام أخرى..
- هل نتجه نحو -عصور مظلمة- جديدة ؟
- أمام العرش
- ثورة الحفاة (4)
- شارع الحفاة (3)
- ثورة الحفاة (2)
- ثورة الحفاة (1)
- آلهة القرن الواحد والعشرين
- التكفير والتخوين..وسائل إقصاء دنيئة


المزيد.....




- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معاد محال - عدو الدنيا