أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف المساتي - أحاديث مع فتاة نت: 1 (ما قبل البداية)















المزيد.....

أحاديث مع فتاة نت: 1 (ما قبل البداية)


يوسف المساتي

الحوار المتمدن-العدد: 4595 - 2014 / 10 / 6 - 08:57
المحور: الادب والفن
    


منذ شهور طويلة وهذا القلم يتمرد علي، ويرفع لواء العصيان في وجهي، رافضا أن يخط حرفا واحدا، أو يطرز على القرطاس كلمة او جملة او أي هرطقة من هرطقاته، التي اعتاد أن يملأ بها بياضات الورقة، بل وحتى أناملي استأنست ركونها للحائط، وارتضت الصمت، متذرعة بالعجز عن كسر هذا العصيان، ربما خوفا من أن تعتقل بتهمة حب القلم، في بلاد الحب فيها يعتبر جريمة، أما إن كان الحب لقلم مهرطق، فحينئذ تنصب المقاصل قبل أن ينطق القاضي بحكم معروف قبل الجريمة ذاتها، ويقف المتفرجين شامتين، مطالبين برأس قلم ومداد خلقا للدفاع عنهم.
هكذا بدأ ذلك النقش الذي حفرته منذ صغري بالإنمحاء التدريجي، وأخذت بعض من تضاريسه في الإختفاء، حتى أصبحت قاب قوسين أو أدنى من نسيان لازمة الكتابة التي رافقتني منذ بدأت اصابعي تفكر في نفسها بعيدا عن الصحن وعن اللعب، فلم يكن يمر يوم دون أن أعانق قلمي الأحمر وأخط على الكراسة ما تيسر من شذرات لأمزقها في الغد ثم أعيد كتابتها، كان الأمر أشبه بقدر سيزيفي لكني كنت مستمتعا به، وها هو ذا يوشك على التلاشي.
زحام من الأفكار يملأ رأسي ويقتحم باحاته، ليحدث فوضى عارمة، ويخلط كل طرق السير فيه، فتصبح كل مساراته ومنعرجاته منعدمة لا تؤدي إلى أي اتجاه، فقط سبل الضياع هي الوحيدة التي تعصرني، حاضنة للتيه الذي أصبح يسكن خرائطي، وكلما هممت أن أضع شرطيا لينظم مرور أفكاري ويتحكم في انسيابها، إلا وانفضت محتجة، مقسمة ألا تعود إلا إذا تركتها تعيش في زحامها وفوضاها.
أتراها قد اصيبت بالعدوى من أولئك الناس الذين يملؤون الشوارع، ويمارسون لعبة الاكتظاظ في كل مكان عن عشق يصل حد الهذيان؟؟، أم تراه نزق متمرد قد اعتراها وجعلها ترفض أن تصبح مؤتمرة بأمر أي كان؟، أم هي عدوى وتمرد؟؟ أم هو شيء آخر لازلت لم أستشف كنهه بعد؟؟ لا أعرف، كل ما أعرفه أني تركتها تحيى كما تريد ربما راقني الأمر ايضا وما عدت أجد غضاضة فيه، فكم جميلة وسهلة تلك الفوضى التي تعفينا من مطاردة كل فكرة على حدة وتعقب اثارها.
جاء الصيف بقيضه الذي يخنق الروح، ويغلق منافذها، ضاقت نفسي عن نفسي، وودت أن تنفصل عنها، علها تجد خلاصها مما اعتمل بداخلها، من اصار القيد وانتشاء الركون للحائط،، فبقدر استسلام النفس وانزوائها بقدر ما تكون الجراح عميقة ونذوبها تأبى الاختفاء.
كنت محتاجا إلى الخروج، عسى أن يعلن قلمي ثورته من جديد، كما أعلن كل الأنبياء ثوراتهم بعد رحلة الخروج والتيه، كأنما هذا الوحي لا يأتي إلا في الهجرة، والحرية لا تأتي إلا في أعماق التيه ، فشددت الرحال صوب طنجة، حيث يوجد منزل خالتي على بعد أمتار قليلة من البحر، هناك، حيث جلس صاحب الخبز الحافي، وغيره كثيرون، يستنشقون هوائها وقد تحررت عقولهم وأناملهم لتحمل الأمل، في أزمان الألم، والبشارة قاهرة لليأس.
عانقت طنجة بعد لوعة فراق سنين، وكما كان دأبي مذ زرت طنجة لأول مرة اتجهت قدماي دونما أمر مني إلى مغارة هرقل، حيث وقفت أمام تلك النتوءات الصخرية، ودونما أمر مني ايضا ارتفعت يداي صوب السماء، هو جسدي يتمرد عليا وينضم لأفكاري النزقة، وتهمهم شفتاي بالدعاء على هرقل الذي فصلنا عن القارة العجوز، ليموت ابناؤنا في بركة عوضت تلك اليابسة التي اخترقها هرقل، وسرق أحلام وأعمار أجمل شبابنا، كنت كلما وصلت هنا إلا وانتصب شبح هرقل أمامي لتنطلق فورة غضبي وتنفجر في وجهه.
- آه كم أحقد عليك يا هرقل، أمن أجل زواجك تسرق أحلام أجيال بكاملها؟؟ كأني بك قد تواطأت مع أولئك اللذين يتقنون فن سرقة الأحلام.
كان شبح هرقل ينظر الى مبتسما دون ان يتحرك كانه كان يعلم اني لا املك سوى هذه الكلمات انفس بها عن غضبي ويتركني محدثا نفسي، كان في سكوته صمت القوي وفي صراخي حيلة العاجز، ما لم يعرفه شبح هرقل ان غضبي هذه المرة كان فوق المحتمل انفجرت بغضب وغيظ اكثر
- حتى ابنتك يا هرقل قد تغيرت ملامحها، وما عادت تلك التي تعرفها .
تغيرت نظرة شبح هرقل الي، واستحال وجهه الى حزن مجسد، احسسته يريد الكلام وشفتيه تعلنان التمرد، وقفت مواجها له منتظرا تلك اللحظة الموعودة، كم من الآهات اريدك ان تسمعها، اهات ملايين ممن سرقت حلمهم، وانين صامت لابنتك التي استأنست العار، ساد صمت طويل بيننا وعجزت لغة العيون عن التفاهم، اتراه فارق الزمن؟، ام شيء اخر؟، ظل الصمت هو المالك للموقف، قبل ان تخرجني انكسارة مد على نتوء صخري من شرودي، ليغيب شبح هرقل حاملا احزانه واسراره الحبيسة رهين اضلعه، وعدت انا الى المدينة اتسكع في دروبها، وعلى رصيفها الممتد امتداد احزان جيل بكامله اسير متأملا تلك الوجوه التي نحت عليها الزمن غاراته، وكلها شكوى من مدينة اصبحت عاهرا بألف وجه ووجه، تفتح فخذيها لكل زائر يلقي فيها قاذوراته ويمضي.
انحبست انفاسي في هذه المدينة العاهرة، فحيثما وليت وجهي يرتسم طيف الموت في رقصة غجرية رفقة اطياف الياس والحرمان، وجوه بئيسة، عمارات تتسابق نحو السماء، لتحجب عنا نور الشمس، سيارات ممتدة امتداد شقة موظف بسيط، تعدو في المدينة نهارا، تاركة عيونا جافة، يائسة، تحملق فيها، وبداخلها موج هادر حبيس الضلوع، وحده الله يعلم متى يضرب شطان المدينة.
هكذا عادت طنجة لتسجنني من جديد، بعدما تطلعت روحي للانعتاق، من مقهى الى مقهى ومن رصيف الى رصيف، يخط الياس اسطرا وصفحات ضمن كتابه المفتوح في هذه المدينة، سلواي فيها خروجي مع شقشقة خيوط النهار الاولى، للجري على الشاطئ، وتشنيف اذاني بسمفونية يلحنها موج وطيور ونورس لازالوا يقاومون مدينة وزمنا يصنعان الموتى.
ذلك الصباح ايضا خرجت استل لحظات متعة مسروقة، قبل ان تداهمها اصوات السيارات وضجيج فتيات يسقن الى المعامل كاضحيات العيد، قربانا لدريهمات امتزجت بعرق وشرف الكثيرات، في سوق نخاسة كبرى يباع فيه كل شيء، الا المبادئ.
نزلت زخات طل على الارض لتعيد الي شغفا طفوليا سلبه الكبر مني، ودونما شعور انطلقت راقصا مع قطرات المطر، وقد خرج طفل بداخلي يأبى ان يفارقني، وكلما وجد ثغرة الا واعلن ثورته على عالم الكبار، وقيمه، وشعاراته، وبرتوكولاته المزيفة.
واصلت رقصة المطر، وقد أصر الموج على ان يعزف اجمل الالحان، قبل ان تبدو لي كراسة متناثرة الاوراق، ممزقة الاشلاء، ملقاة على الارض، وقد بللها المطر، لتنتكس على اطراف الشاطيء، تبكي حظها الذي القاها في هذا الوطن، وهنا استيقظ بداخلي شغف طفولي اخر.
وقفت امام الكراسة منتصبا كفارس في لحظة استعداد للمعركة القادمة من الماضي، ولم تمر ثواني حتى احسست بصفعات أمي تنزل على خدي مستنكرة شغفي بالتقاط الاوراق من الارض وقراءتها، ورنت في اذني ضحكات السخرية، وكلمات التقريع التي كانت تحاصرني من معارفي، سخرية من شغفي الغريب.
استنكفت عن التقاط الكراسة وعدت لمواصلة رقصي مع المطر، لكن ذلك الطفل أعلن تمرده من جديد، حاصرتني رغبة مجنونة لم استطع مقاومتها، فأسقطت اسلحتي ارضا، واعلنت الاستسلام، لانطلق في لملمة اشلاء الكراسة الممزقة، وقد ارتسمت على شفتاي بسمة طفل نجا من صفع امه، دون ان تنجح عيون بعض المتلصصين في ثنيي.
كانت لحظة اعلن فيها ثورتي على صفعات امي، على ضحكات الاستهزاء، وكلمات التقريع، ها أنذا اثار لشغف قمعوه سنينا، وفرضوا عليه ان يرتد الى اعماقي، ويعانق الامه مع كل ورقة ساقطة ارضا، لا تستطيع يداي ان تمتدا لترفعا هامتها نحو السماء، وتبكيها عيوني في سهوة من اقدام الاخرين المنتشية بتدنيس طهر الورقة بوساخة عقولهم واقدامهم.
سرت بداخلي انتعاشة كبرى، وقد ادركت كم يحتاج ذلك الطفل الذي يسكننا الى الخروج والانتقام لشغفه المقموع، واطلقت سراح قدماي صوب المنزل، وانا احمل تاج النصر على راسي، وقد قررت ان اطرز ايامي الكئيبة بقراءة هذه الكراسة التي لملمت جراح الطفولة.
انطلقت ارتب اسفار الكراسة المتناثرة، وقد احتوت بين دفتيها حكايات متنوعة سلبت احساسي بكآبة ايامي واحالته على تقاعد مؤقت، لم يعكر صفوي غير صفحات ممزقة كانت ترغمني على ان اغمض عيناي واكمل ما اخفته الاوراق الممزقة عني.
في غمرة انسيابي في القراءة تحركت فكرة غريبة صعدت من اعماقي لتملك ذهني، ها انا ذا على وشك انتفاضة اخرى تحركني وقد همهمت نفسي بفكرة برقت لي وجعلت زحام الافكار بداخلي ينتظم، وقد تساءلت كلها بصوت واحد "لما لا اعاود كتابتها من جديد؟؟" احسست بأناملي تراقص بعضها مشتاقة لحبيب طال غيابه في بلاد الياس والاستسلام، وقد تحررت من رهبة الاحكام العرفية.
ها أنذا يثور في الكبير بعدما ثار الصغير، واعود للقلم من جديد، اخط كراسة كتبها شخص ما سأدعوه "الراوي"، عن شخص اخر هو بطل القصة سأدعوه ب"صاحبنا" أو "هو"، ورغم اني لا اعرف أيا منهما، الا اني وجدت جزءا مني في داخل كل منهما.



#يوسف_المساتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقاربة أولية للإشكاليات المرتبطة بزراعة القنب الهندي
- في انتظار الموت
- لماذا نغضب؟؟
- سيدي صاحب المقام العالي
- ترانيم على قبر الأمل الميت
- مشاهد على هامش عيد الأضحى
- اللغة العربية والقداسة وسؤال البقاء
- تعقيبات على التعليقات الواردة في المقال المعنون ب:- رد على ا ...
- أسامة بلادن: انتهى تاريخ الصلاحية
- رد على السيد شاهر الشرقاوي: عفوا ولكنه قيد وجمود
- عملية اركانة والقاعدة: لماذا؟؟
- 20 فبراير..لوبيات الفساد: المواجهة القادمة
- بضع مئات..بضع آلاف..مئات الآلاف..كرة الثلج تكبر
- عن الحجاب مرة أخرى (2): من التراث الوثني إلى الخلط بين الحجا ...
- عملية أرغانة و20 فبراير: التحد المستقبلي
- عن الحجاب مرة أخرى
- المسلمون والقران والتراث ج.1
- افتحوا العالم أمام أعيننا
- الميداوي..وماذا بعد؟؟
- مطلعين الطوبية


المزيد.....




- فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف المساتي - أحاديث مع فتاة نت: 1 (ما قبل البداية)