أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - رجلان وامرأة














المزيد.....

رجلان وامرأة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4592 - 2014 / 10 / 3 - 17:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


(كان هناك رجلان يسافران من بلدة إلى أخرى، ووصلا إلى جدول ماء فاض من الأمطار الغزيرة. وعندما أوشكا على عبور الجدول، لاحظا امرأة شابة جميلة تقف وحيدة، تحتاجُ إلى مساعدة. وعلى الفور توجّه إليها أحد الرجلين، وحملها بين ذراعيه، واجتاز بها الجدول، ثم وضعها على الضفة الأخرى، ولوّح لها مودّعًا، ثم تابع الرجلان رحلتهما.
وخلال ما تبقى من الرحلة، لبث المسافرُ الثاني صموتًا عبوسًا، لا يردُّ على أسئلة صاحبه. وبعد مرور ساعات من التجهّم، لم يعد بمقدوره البقاء صامتًا، فقال لرفيقه: “لماذا لمستَ تلك المرأة؟! كان من الممكن أن تُغويك! إذ يُحرّم على الرجل ملامسة امرأة هكذا!”
فابتسم الرجلُ الأولُ وردّ بهدوء: “يا صديقي، الحقيقة أنني حملتُ تلك المرأة وعبرتُ بها من ضّفة الجدول إلى الضفة الأخرى ثم وضعتُها هناك وتركتُها؛ أما أنت فلا تزالُ تحملُها منذ ذلك الحين وحتى الآن!”)
هكذا أجاب شمس الدين التبريزي، المتصوّف الإسلامي الكبير، على صديقه الذي أخبره إن الناس ينتقدونه ويرمونه بأمور شنيعة ليست فيه وإنما هي ملء خيالهم عنه. تحكي الحكاية السابقة عن الأمراض التي تسكن أذهان المشوّهين الذين تسكنهم الشهوات والدنايا. وبدلا من أن يتطهروا منها بالعمل الصالح والفعل المتحضر وتهذيب النفس، يلقون بأمراضهم ها على الآخرين لكي يبرأوا منها.
أكثر مَن يُدين الناس بالشهوات، هم الغارقون في الشهوات. وأكثر مَن يرمي الناس باللصوصية هم اللصوص العُتاة. وأكثر مَن يتهم الناس بالخطايا هم المتوحّلون في وحل الخطايا. تلك "حيلةٌ ذهنية" ماكرة يفعلها المُدنّسُ لا إراديًّا (في لا وعيه subconcious ) ليتطهّر من آثامه فيشعر بالراحة ويخفُت عذابُ ضميره. لونٌ من التطّهر الزائف بأن تلقي بقاذورات روحك على سواك، ثم تظنُّ أنك برأتَ منها، وما برأتَ، بل لوّثت الآخرين، وما تلوّثوا. لأن الذي يلوّث الإنسانَ، هو الإنسانُ ذاته، لا أحد سواه. فإن ألقى أحدهم قذارةً على ثوبي، ما لوّثه، إنما أنا مَن يلّوث ثوبي بالخطايا والرِّخَص والدنايا، أو يحافظ عليه نظيفًا، بصدقي وسلوكي الطيب ومحبتي للناس وحسن ظني بهم وتحضري مع الطير والحيوان والنبات؛ فيظل ثوبي ناصعًا نقيًّا مهما رماني الآخرون بافتراءات هي نسجُ خيالاتهم هم. تمامًا مثل ذلك الرجل الذي ظل يحمل المرأة الجميلة داخل ذهنه، يشتهيها في حِلّه وترحاله. يتصورها عارية مغرية، ثم يرمي صديقه "المحترم" بما في ذهنه المدنس، بينما صديقه نقيٌّ نظيف، ساعد المرأة على العبور، ثم نسيها تمامًا.
هذه الحكاية تفسّر لنا ظاهرة مخجلة أبطالها بعض رجال الدين الذين لا يتكلمون إلا عن المرأة، ليل نهار، وكل فتاواهم تدور حول خصور النساء ونهودهن وحيضهن وفروجهن وسيقانهن ومؤخراتهن ونكاحهن! لماذا؟ لأن كل تفاصيل جسد المرأة تسكن رؤوس أولئك المرضى التعساء. هم يحملون النساءَ معهم طول أعمارهم في صحوهم وفي نومهم، ولكي يتطهروا من شعورهم بالإثم والغرق في الشهوات، يرمون بشهواتهم تلك علينا نحن. فيتهمون كلَّ النساء بأنهن متبرجات فاجرات داعرات، وكل الرجال (ما عداه هو ) داعرون فاسقون شهوانيون يأكلون النساء بعيونهم ويزنون بهنّ في مخيلاتهم. والحق والصدق والواقع، أن النساء بريئات، والرجال الطبيعيون الأسوياء أبرياء، وإنما الشهوة والضلال والفسوق تسكن عقول وأجساد أولئك الذين يخنقون البشر بحبال أفكارهم السُّفلية.
يقول شمس الدين التبريزي: “العالم يشبه جبلا مكسوًا بالثلج، يردد صدى صوتك. فكل ما تقوله، سواء كان جيدًا أم سيئًا، سيعود إليك على نحو ما. فإذا كان هناك شخص يتحدث بالسوء عنك، فإن التحدث عنه بالسوء بالطريقة نفسها يزيد الأمر سوءًا. انطق وفكّر طوال أربعين يومًا وليلة بأشياء لطيفة عن ذلك الشخص. حينئذ كل شيء سيصبح مختلفًا في النهاية، لأنك ستصبح مختلفًا في داخلك.”



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيان توضيحي بشأن اللغط المفتعل حول موقفي من الدم
- هل لدينا محمد يونس؟ 2/1
- أول كتاب قرأته
- أبناء مدرس الرياضيات
- حتى لا نؤذي عيون الأحرار
- زغرودة من أجل مازن
- تخريب برمجة الروح المصرية
- زهور على جبين 57357
- إن لم تجد بشرًا، اصنعهم
- قصص الأنبياء، والكائنات الرخوة
- أين مضيتَ يا سميح؟
- الأم تريزا، أم الغلابة
- العيون النظيفة
- حوار مجلة نصف الدنيا مع الشاعرة فاطمة ناعوت بعد فوزها بجائزة ...
- عروس النيل
- مصريون ضد الحزن
- هنا قناة السويس
- قَسَتْ أمي.... ودلّلني القراء
- نجيب محفوظ، هل سامحتني؟!
- إلا إيزيس يا داعش!


المزيد.....




- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - رجلان وامرأة