أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - إدريس ولد القابلة - المغرب ليس عن منأى من مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب















المزيد.....


المغرب ليس عن منأى من مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 4592 - 2014 / 10 / 3 - 01:24
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


لا يزال المغرب معرضا لتهديدات أمنية محتملة مصدرها تحويلات مالية مشبوهة ومتاعب يخلقها خطر تبييض الأموال. وبدأت إشارات واضحة عن بروز مشكلة تبييض الأموال في المغرب. وبالنظر إلى انتعاش القطاع غير الرسمي وتداول الكثير من الأموال بين الناس، تأكدت، أكثر من أي وقت مضى، ضرورة مراقبة كل المخاطر المحتملة.
لكن ليس هناك أي تقدير دقيق لحجم هذه المشكلة في المغرب، ومن حين لآخر تنكشف فضيحة هنا وهناك، كما حصل مؤخرا في النازلة المرتبطة ببنك «بانكنتر» الإسباني.

فضيحة بنك «بانكنتر» Bankinter الإسباني
انكشف أمر تورط فرع بنك «بانكنتر» بكاناريا، بشكل لم يعد يطاله مقدار قطمير شك، في فضيحة تبييض أموال أبطالها مغاربة و موريتانيين. وفرضت السلطات المالية الإسبانية غرامة ضخمة بلغت قيمتها أزيد من 1.2 مليون أورو ـ ما يناهز 14 مليون درهم ـ على بنك «بانكنتر» بعد تأكد تورط عدد من عملائه في عمليات غسل الأموال. وذلك بعد تحقيق اضطلعت به الهيئة الوطنية الإسبانية لأخلاقيات المهن المالية والمراقبة. فقد أدنتها المحكمة الوطنية لعدم يقظتها بما فيه الكفاية على تحركات الأموال المشتبه فيها، بعد ن تأكدت وزارة الاقتصاد الاسبانية عبر مرجعة منذ يوليو 2011 من طرف لجنة غسل الأموال بثبوت سلسلة من المعاملات المشبوهة في بعض فروع المجموعة. وتأسفت المحكمة الوطنية لعدم تعاون بنك «بانكنتر» لإجلاء كل الحقيقة خلال التقصي. كما قدمت لجنة لمكافحة غسل الأموال والاحتيال النقدي الإسباني (SEPBLAC) إلى وزارة الاقتصاد في سنة 2009 تقريرا عن المعاملات المشبوهة للعملاء الأجانب، تخص في المقام الأول وكالة بنك «بانكنتر» بجزر الكناري. وتمّ اتهام البنك بانتهاك معايير صارمة في الصناعة المصرفية لمنع غسل الأموال،ومنها عدم إجراء بحث أكثر شمولا عن المعاملات المشبوهة، وعدم إبلاغ هيئة المراقبة ـ SEPBLAC ـ وعدم الامتناع عن المشاركة في هذا النوع من المعاملات.
النوازل
حسب وكالة إيفي الإسبانية ، كشفت التحقيقات تورط أكثر من 19 زبونا لفرع البنك بمنطقة لاس بالماس في تبييض مبالغ مالية مهمة تجاوزت قيمتها 49 مليون أورو ـ ما يفوق 539 مليون درهم ـ يحملون الجنسيتين المغربية والموريتانية، وذلك على امتداد النصف الأول من سنة 2009. منها 242 مليون درهم تبث ارتباطها بعمليات غسيل الأموال ثبوتا يقينيا ، 108 مليون منها عبر المغرب والباقي عبر موريتانيا. وتبين أن زبونا مغربيا أجرى في ظرف 9 أشهر فقط 9 عمليات بقيمة 18مليون درهم ـ في حين أجرى مغربي آخر، تم اعتقاله بشبهة تبييض الأموال، 35 عملية بقيمة 25 مليون درهم في ظرف شهرين فقط.
الزبون المغربي للمصرف الإسباني غذى حسابه من جزر الخالدات دون أي دليل، وهذا كاف لإدانة البنك.
للبنك الإسباني سوابق في المخالفات المصرفية
يعتبر بنك «بانكنتر» البنك السادس في إسبانيا، ويوفر الخدمات المصرفية للأفراد والشركات والجماعات الإقليمية. لديه 372 فرعا ومساهمه الرئيسي هو بنك كريدي أكريكول الأوروبي منذ عام 2007.
وقد سبق أن أدين من قبل المحاكم الإسبانية لعدم إنقاذ زبائنه المتضررين من إفلاس بنك ـ ليمان براذرز ـ والبنوك الايسلندية لفشله في إبلاغ عملائه حول المخاطر المرتبطة بهذه الاستثمارات رغم علمه بها، وعدم اعتماده سياسة الاستثمار المسؤول وهو من مبادئ الاستثمار في الأمم المتحدة.
كما تمّ اتهام بنك «بانكنتر» بتمويل شركة Instalaza المتورطة في إنتاج القنابل العنقودية التي استخدمتها معمر القذافي في قصف مصراتة في أبريل 2011.

مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب

صنف تقرير "معهد بازل للحكامة" السويسري، الذي صدر، مؤخرا ، المغرب في الرتبة 71 في لائحة من 162 لأكثر الدول التي تواجه مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. باعتبار أنه كلما تأخرت دولة في الترتيب كلما كانت أكثر عرضة لهذه المخاطر. أما الجزائر فد صُنّفت في الرتبة 118.
وهذا لا يعني أن بلدنا غير معرض لمخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، إذ يأتي في خريطة أوردها التقرير ضمن المنطقة "البرتقالية" اللون، علم أن هناك منطقة حمراء أكثر خطورة تهديدا ومنطقة خضراء أقل خطورة. وعموما يبقى تصنيف المغرب جيدا ولا يدعو إلى القلق حسب الكثير من المتتبعين، في حين يرى بعضهم العكس نظرا لمجاورته لبلدان تتهددها أعمال إرهابية، وللأحداث الجارية في منطقة الساحل ، والإرهاب المنتشر في صحراء الجزائر، علاوة على الظروف الأمنية على الحدود الليبية التونسية، وهي كلها معطيات جيواستراتجية تغذي وتسهل الأعمال الإجرامية. هذا دون نسيان أن بلادنا استفادت من الإجراءات القانونية والأمنية التي باشرها من أجل تجفيف منابع الإرهاب، سيما الأموال التي يتم تبييضها خدمة لأجندة عمليات إرهابية. وكدا حالة التأهب الأمني، التي أعلنها المغرب، في مواجهة تهديات إرهابية محتملة، و اتخاذه سلسلة من الإجراءات الاحترازية تحسبا لأي خطر محتمل. لكن عليه أن يكون حذرا ويقظا اعتبارا لحجم عمليات غسيل الأموال وتبييضها وتطورها واستعانة المهربين بالتقنيات الحديثة.

كما أن التقرير السنوي لوحدة معالجة المعلومات المالية، أقرّ بتزايد عدد التصريحات بالاشتباه، إذ بلغت في السنة الماضية 213 حالة، ليصبح مجموع الملفات الواردة على الوحدة منذ إنشائها 565 موزعة بين 11 سنة 2009، و70 سنة 2010، و109 سنة 2011، و169 سنة 2012.

تضييق الخناق على تبييض الأموال

منذ سنة 2012 عزز المغرب جهوده للقضاء على آلية تمويل الإرهاب من خلال التعاون مع عدة شراكات عالمية وإطلاق مبادرات في شأن التعاون المعلوماتي وتغيير القوانين.
ويعتبر المغرب اليوم أول بلد مغاربي انضم لمجموعة إغمونت للمعلومات المالية المتمركزة في بروكسيل، وهي مجموعة تضم وكالات من 120 بلد تعمل على تبادل الخبرة والتكوين والمعلومات في الحرب ضد تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وعملت وحدة معالجة المعلومات المالية المغربية كأداة وصل مع المجموعة.
إن خطورة غسيل الأموال تتجلى في أنها قد تستغل في ارتكاب جرائم كالإرهاب، حيث إن الكثير من الأموال المزيفة والأموال الناتجة عن الاتجار غير المشروع للمخدرات مثلا، تستعمل في تمويل العمليات الإرهابية، وكذلك الشأن بالنسبة لعائدات السرقة، كما حدث في الجرائم الإرهابية التي سجلت في المغرب والتي أبانت أن العديد من مرتكبيها كانوا يسرقون أو يبتزون الأشخاص ويتعيشون من الأموال المسروقة خلال فترات التحضير للجرائم الإرهابية.
وحدة معالجة المعلومات المالية المغربية
إنها وحدة خاصة للحكومة المغربية ترصد التبادلات المالية المشبوهة.
وتتجلى مهمة وحدة معالجة المعلومات في المساعدة على حماية نزاهة الاقتصاد المغربي باقتلاع تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وشبكات التمويل غير القانوني.
ومنذ تأسيسها في 2008، تلقت الوحدة مئات التقارير من الأبناك ومؤسسات مالية أخرى حول أنشطة مشبوهة، منها تحويل مبالغ كبيرة غير عادية من العملات الصعبة.
ومنذ سنة 2003، انضمت المحاكم المغربية لجهود وضع حد لتبييض الأموال مع اعتماد قانون لمكافحة الإرهاب يجرم تمويل الأنشطة الإرهابية. و أصدر المغرب ر قانونا حول تبييض الأموال في 2007 تمّ تعديله في يناير 2011 ، وسّع قائمة الأشخاص والمنظمات التي يتعين عليها الإبلاغ عن الأنشطة المالية المشبوهة. وتضم هذه المؤسسات الآن الشركات القابضة في الخارج وشركات التأمين ومديري الكازينوات وتجار الأحجار النفيسة والمستشارين الماليين وشركات المحاسبة والموثقين والمحامين والوسطاء المشاركين في عمليات عقارية. وجاءت هذه التعديلات بعد صدور تقرير في 2010 عن مجموعة عمل دولية لمكافحة تبييض الأموال أسستها مجموعة البلدان السبعة. و وضعت الأبناك إجراءات صارمة لرصد أي نشاط لتبييض الأموال.
سحب المغرب من اللائحة السلبية
في خريف سنة 2013 سحبت المنظمة الدولية “مجموعة العمل لمكافحة تبييض الأموال” FATF المغرب من لائحة الدول التي يشتبه في تبييضها للأموال الناتجة عن مصادر مشبوهة مثل الإجرام المنظمة وتهريب المخدرات، وذك بعد تبني المغرب لعدد من التوصيات التي تنص عليها هذه المنظمة الدولية. وهي لائحة الدول التي لا تتعاون في تبييض الأموال.
وتعقد هذه المنظمة التي تأسست سنة 1989 ومقرها باريس اجتماعات كل ثلاثة أشهر لدراسة وضعية الدول المشتبه فيها وتصنيف الدول. وكانت قد وضعت 40 توصية في مجال مكافحة الإرهاب وأضافت لها بعد تفجيرات 11 سبتمبر توصيات أخرى. ومن ضمن هذه التوصيات الرئيسية اعتبار تبييض الأموال جريمة يعاقب عليها، والكشف عن هوية محولي الأموال، وإنشاء وحدة أمنية واستخباراتية لملاحقة تبييض الأموال، واحترام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في مجال تبييض الأموال، التعاون الدول في مجال مكافحة تبييض الأموال.
ورفعت مجموعة العمل المالي اسم المغرب من لائحتها "الرمادية" للدول التي لا تطبق المعايير الدولية في مجال محاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وأشادت المجموعة، عقب اجتماعها سنة 2013، بالتقدم الذي أحرزه المغرب في هذا المجال، وخصوصا على المستوى القانوني والجنائي .كما أشارت إلى أن المغرب تمكن من التطبيق الكامل لمخطط العمل الذي التزم به مع المجموعة على أساس التشخيص الذي أجرته عليه في سنة 2010.
تبييض الأموال بين المغرب وإسبانيا
بين شمال المغرب و سبتة وميية وصخرة جبل طارق، ظلت توجد شبكات تبييض كثيرة تمارس عملها كما كانت تفعل دائما. و الأمر لا يتعلق بمجرمين ومنحرفين يبيضون الأموال المشبوهة بطرق غير قانونية، بل يتعلق بشخصيات وازنة تبيض أموالها في مشاريع مثل العقار والمقاولات الصناعية والمنشآت السياحية الخدمات.
ومنذ 2009 ظلت وسائل الإعلام الإسبانية تتناقل أخبار تبييض الأموال وغسلها. وكانت السلطات الإسبانية قد ألقت القبض على عدد من رجال الأعمال الإسبان في قطاع العقار والبناء عندما كانوا يهمون بمغادرة المطار في مدينة ألمرية جنوب البلاد، وبحوزتهم مبالغ مالية ضخمة، وكانوا متوجهين إلى المغرب حيث يتوفرون على أرصدة مالية كبيرة يوظفونها في مشاريع مختلفة.
وقبل ذلك، كان هناك خبر لافت للانتباه يقول إن السلطات الإسبانية ألقت القبض أيضا على إسبان لهم مشاريع بمئات الملايين في المغرب، وأن هؤلاء لهم ارتباطات بشبكة دولية تنشط في مجال تبييض الأموال، وأن أحد أفراد هذه الشبكة أنشأ فنادق ومطاعم فاخرة في المغرب، وأقام بشكل شبه مستمر في فيلته بضواحي مدينة أصيلة .
هناك أخبار كثيرة مشابهة ترتبط دائما بالتبييض المتبادل بين البلدين، وبعض القضايا تصل إلى دواليب القضاء أو يدخل المسؤولون عنها إلى السجون، وكثير من قضايا التبييض تحدث بعيدا عن أعين السلطات، وأحيانا تمر بعد إغماض العين عنها، فتتحول إلى أموال نقية تساهم في اقتصاد البلاد.
وفي سنة 2008 أجرت الشرطة الإسبانية تحقيقات في قيام مسؤولين إسبان بتبييض أموال في المغرب، عبر اقتناء عقارات ومطاعم واستثمارات مختلفة في عدد من المدن المغربية. أسفر عن إلقاء القبض على 25 شخصا، بينهم عمدة إيستيبونا ومتهمون آخرون من بينهم محامون ومهندسون ومستشارون في البلديات. وألقت الشرطة الإسبانية القبض على المحامي خوان سيمون، وهو أحد أبرز المتورطين في قضية إيستيبونا في جنوب إسبانيا، واتهمته بتبييض أموال في المغرب في مجال عقار خصوصا.

العقار حمام تنظيف الأموال الوسخة
ظل الجميع يكرّر أن الدليل على تبييض الأموال واضح بجلاء في المجال العقاري. فعدد المباني الفارغة والأسعار المطلوبة يظهر أن الأموال لم تُكسب من التعب . ومنذ سنوات أشارت تقارير إلى أن ضعف مراقبة العمليات العقارية مع استخدام أساليب الأداء النقدية وغير القانونية تشجع مبيضي الأموال على استثمار مبالغ هائلة. كما أن الاستخدام واسع النطاق للأموال السهلة وعائدات الجريمة في هذا القطاع ساهم في رفع أسعار العقار وتضخيم قيمة الأراضي.
و لا يخفى على أحد أن حركات الأموال من مصادر إجرامية يمكنه أن يزعزع السير العادي للاقتصاد. فتبييض الأموال يغذيه أيضا الفساد وله صلات قوية به.
فتبييض الأموال هو امتداد لتهريب المخدرات وأنشطة غير قانونية . وهذه الجريمة تكلف المغرب غاليا ، لأنها تقضي على المنافسة الشريفة خاصة في القطاع العقاري.
الوسيلة الأخرى للتبييض هي إنشاء مقاولات وهمية أو شركات متعددة الجنسيات، وهي شركات لا تقوم في الواقع سوى بمزيد من عمليات التبييض، وتكون واجهة لمزيد من عمليات التهريب، أي أنها غطاء لتهريب المخدرات، وفي الوقت نفسه وسيلة للتبييض. مثلا، قيام شركة لتصدير المواد الفلاحية بتهريب من المخدرات يمنحها مبالغ خرافية من المال، وهذا المال لا يجد أي صعوبة في التبييض لأنه يعتبر ضمن أرباح تصدير الخضر والفواكه، وهذا النشاط لا يتركز في منطقة مغربية معينة، لأن عمليات التبييض تشمل اليوم كل التراب المغربي من طنجة إلى الكويرة، ومروجو الحشيش ومبيضو أمواله يتحدرون من كل مناطق البلاد.

الأندلس ملاذ الأموال القذرة

أكد أكثر من مصدر أن هناك تحويلات مالية ضخمة واستثمارات تعد بالملايير من عائدات المخدرات ، يقوم بها مغاربة بجنوب إسبانيا وهي تحويلات تتم بالعملة الصعبة وليس بالدرهم تحت غطاء إنجاز فنادق أو اقتناء أراضي فلاحية، وبهذه الطريقة تمكن بارونات المخدرات وبعض مختلسي الأموال العمومية من تبييض أموالهم القذرة، وتظل حصة الأسد من هذه الأموال محصلة من الاتجار في المخدرات والممنوعات، وهناك جملة من المشاريع تعود ملكيتها حاليا إلى أباطرة المخدرات المغاربة وبعض العائلات الاسبانية التي تشاركهم في هذا التبييض. وقد بدأت ظاهرة تبييض الأموال القذرة بجنوب اسبانيا منذ كان "الديب" و"اليخلوفي" و"التمسماني"، أبطال الحملة التطهيرية الأولى، وتوابعهم يصولون ويجولون في تنشيط وتهريب المخدرات.

انعكاسات ومعيقات

لقد أجمع المحللون الاقتصاديون والخبراء الماليون على أنه عندما تتكون ثروات من وراء الجريمة المنظمة عموما، والجريمة الاقتصادية على وجه الخصوص، يحدث تحول في أنماط الإنفاق الذي يؤدي إلى تحويل مسار الاقتصاد، وبالتالي مسار البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
فالأموال التي من المفترض أن تنفق لتحريك آليات السوق الداخلية والنسيج الإنتاجي الوطني، تحول إلى مسار مختلف، وبذلك تلحق أضرارا بالاقتصاد، علاوة على أن تبييض الأموال القذرة يساهم بشكل كبير في ترسيخ الفساد واستشرائه ويقوي تكريس آليات الرشوة وشراء الذمم ويوسع نفوذ المجرمين داخل المنظومة الاقتصادية، ومن ثمة يمكنهم المرور بسهولة إلى الدائرة السياسية ليصبحوا ذوي نفوذ أو موقع يمكنهم بدوره من الزيادة في تبييض الأموال القذرة، وبذلك تكتمل دائرة الخطر الدائم المحدق بالبلاد والعباد.
والحالة هذه، حسب إطار بوزارة المالية، ما زالت هناك معيقات تعترض طريق تفعيل قانون مكافحة تبييض الأموال ببلادنا، أهمها استمرار هيمنة الاقتصاد الموازي وصعوبة التدقيق في مصادر الأموال وإجراء التحريات بشأنها، خاصة وأن السوق المغربية تعرف انتشار التعامل بالنقد بدل وسائل الأداء الأخرى التي تسهل المراقبة والتتبع وجمع المعطيات.
ومن المعلوم أن التطبيق السليم لقانون مكافحة تبييض الأموال والحيلولة دون توفير ملذات آمنة للمجرمين وعائداتهم القذرة، يستوجب الاعتماد على مختلف الخبرات والكفاءات المتوفرة في كافة القطاعات المعنية، الأمر الذي يقتضي تأهيل أطر تتوفر لها المعرفة الكافية بواقع تبييض الأموال وسعة الإطلاع على آلياته وطرقه المختلفة والإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة، ولن يتأتى ذلك إلا بتعزيز حقيقي لتعاون مالي قانوني وقضائي على المستوى الدولي.

غياب إحصائيات دقيقة

ما زالت بلادنا تفتقر إلى إحصائيات دقيقة بخصوص حجم الأموال المشبوهة المروجة، وذلك جراء صعوبة التوصل إلى المعلومة، إلا أن بعض المعطيات المتناثرة هنا وهناك تفيد، بما لا يدع أي مجال للشك، أن مصدر تلك الأموال المشبوهة هي الاختلاسات والرشاوى والصفقات المخدومة وتجارة العملة والهجرة السرية وشبكات الدعارة المنظمة والاتجار في المخدرات وتهريبها...
وتجدر الإشارة إلى أن المناطق الحرة (الأوفشور) تلعب دورا مهما في تبييض الأموال القذرة، إذ أنها تعمل مثل صناديق سوداء، موفرة نوعا من الحماية المعنوية للمجرمين من التعرض لأضواء الكشف والفضح، كما أن هذه المناطق توفر سهولة في إنشاء شركات ، وهذا هامش يستغله أصحاب الأموال القذرة، سيما وأن التحويل الالكتروني يُمكّن الآن من نقل الأموال بوتيرة سريعة عبر اعتماد طرق ملتوية يصعب تتبع خيوطها للوصول إلى المصدر الأصلي لتحصيل تلك الأموال .

تراكم المعلومات

لقد راكمت الأجهزة الأمنية الكثير من المعلومات تفيد أن الشبكات والخلايا الإرهابية نشطت في مجال تبييض الأموال ببلادنا ، وهو ما تأكد بشكل واضح بمناسبة كشف بعض أسرار ملفات الإرهاب وبعض الشبكات النشيطة في الاتجار الدولي بالمخدرات وتهريب الأموال المحصل عليها من الفساد إلى الخارج.
تعددت مصادر الأموال القذرة وأساليب تبييضها، ويحدد المشرع مفهوم غسل الأموال في كونه اكتساب أو حيازة أو استعمال أو استبدال أو تحويل ممتلكات بهدف إخفاء أو تمويه مصادرها عندما يتم تحصيلها عن طريق الاتجار في المخدرات وتهريب المهاجرين والاتجار في الأسلحة
والرشوة واستغلال النفوذ والاختلاس وتزوير النقود أو السندات أو وسائل الأداء الأخرى.
وعرفت بعض هذه الأساليب نشاطا كبيرا ، بفعل مراكمة تجار المخدرات والممنوعات لثروات مهمة عملوا على توظيفها في مجموعة من المشاريع داخل المغرب وخارجه، غير أن إشكالية تبييض الأموال ليست مقتصرة على الثروات المحصل عليها من الاتجار في المخدرات، وإنما تعني كذلك الثروات المحصل عليها عن طريق الرشوة والفساد، والتي غالبا ما يتم تهريبها إلى الخارج لتبييضها في مشاريع هناك.
إن غسل الأموال القذرة فعل إجرامي يرمي إلى إخفاء مصدر أموال محصل عليها بطرق غير مشروعة، وتظل الغاية من التبييض هو البحث عن تغطية قانونية ومشروعة، لتبدو ملكية وحيازة أموال مصدرها غير مشروع كأنها حصيلة مصدر مشروع.
وغالبا ما يتطلب التبييض سلسلة من العمليات تستند إلى الغش والتزوير أو التلاعب بالقوانين الجارية، وكلما تم تبييض كمية من المال القذر، استعمل بدوره بعد غسله لتبييض أموال قذرة أخرى وهكذا دواليك.
حسب أحد أطر وزارة المالية، من العسير الوقوف بدقة على مختلف آليات ودواليب غسل الأموال القذرة، ذلك أنها تمر بعدة مراحل قبل أن تصير جاهزة للاستعمال كأنها أموال نظيفة حتى يتجنب أصحابها المساءلة. وغالبا ما يتم ذلك عبر الاستثمار في مجموعة من القطاعات بغض النظر هل هي حقا مربحة أم لا، حتى لو أدى هذا التوظيف إلى خسارة بعض المال المراد تبييضه، أو خلط مسار أموال قذرة بأموال نظيفة عبر شركات أو أنشطة أو عن طريق تغطيتها بقروض لإنجاز استثمارات مهمة.
ويبدو أن مجال العقار والمشاريع السياحية وبعض قطاعات الخدمات (المقاهي..) من الفضاءات التي تستعمل حاليا في تبييض الأموال القذرة بالمغرب، وذلك عبر استخدام شركاء لا شبهة فيهم يتم وضعهم في الواجهة، وغالبا ما يكونون ذوي نفوذ أو من دوائر عليا.
ومن الأساليب المعتمدة كذلك بالمغرب عملية الخلط، وترمي إلى تمرير الأموال عبر عدة حسابات تحت غطاء صفقات وهمية أو منفوخ فيها، أو تحويلات مختلفة مرتبطة ظاهريا بمشاريع متعددة، أو من خلال اقتناء مجوهرات أو تحف نفيسة سرعان ما يعاد بيعها، أو اعتماد المساهمة في رأسمال شركات برفعه من حين لآخر أو تمويل مشاريع متوسطة أو بعيدة المدى قصد استغلال حساباتها البنكية كقنوات للتبييض.



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدرسون صنعوا المغرب وحكموا المغاربة: رجال بصموا التاريخ السي ...
- إلى متى ستعيش بلادنا بالقروض والهبات؟
- الحكم الفردي في المغرب
- إدماج جيش التحرير في القوات المسلحة
- المجلس التأسيسي في المغرب
- أ و ط م رحلة مكوكية عبر الزمن
- الحسن الثاني والفلسفة والسوسيولوجيا: -العلوم الإنسانية لا تخ ...
- عبد الرحيم المؤذن من الرجال الذين لا يموتون
- التأثيرات السلبية للنزاعات القائمة في العالم المغرب يستفيد س ...
- لما كان التجنيد الإجباري عقابا للرؤوس -السخنة- والخدمة المدن ...
- على خلفية الزيارة الملكية المرتقبة لروسيا في أكتوبر القادم: ...
- الخطر جدي: التهديدات الإرهابية فعلية ضد المغرب
- الجواز المغربي ضمن أسوأ 20 وثيقة سفر في العالم
- سبتة ومليلية: هيئة المخابرات الدفاعية تتوقع استقرار نفقات ال ...
- مشتريات من الأسلحة الألمانية ارتفع إلى عشرة مليار أورو: ضد م ...
- لن يموت الدّكتور المهدي المنجرة
- الجنرال بوشعيب عروب منذ 2008 راجت إمكانية توليه منصب المفتش ...
- البطالة تزداد استفحالا ... والغالب الله
- من ينصف الشعب في زمن التناقضات
- نريد دولة القانون بلا -صقور- فوق القوانين


المزيد.....




- بعد 200 يوم من العدوان على غزة الإحتلال يتكبد خسائر اقتصادية ...
- الولايات المتحدة تعتزم مواصلة فرض العقوبات على مشاريع الطاقة ...
- تباين في أداء أسواق المنطقة.. وبورصة قطر باللون الأخضر
- نشاط الأعمال الأميركي عند أدنى مستوى في 4 أشهر خلال أبريل
- -تسلا- تعتزم تسريح نحو 2700 موظف من مصنعها.. بهذه الدولة
- وزير ليبي: نستهدف زيادة إنتاج النفط إلى مليوني برميل يوميا
- غدا.. تدشين مكتب إقليمي لصندوق النقد الدولي بالرياض
- شركة كورية جنوبية عملاقة تتخلف عن دفع ضريبة الشركات لأول مرة ...
- تقرير : نصف سكان العالم يغرقون في الديون
- مصر تزيد مخصصات الأجور إلى 12 مليار دولار العام المالي المقب ...


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - إدريس ولد القابلة - المغرب ليس عن منأى من مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب