أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح الانباري - قراءة أولية في قصيدة سعد جاسم (هو يشبه أنكيدو)















المزيد.....

قراءة أولية في قصيدة سعد جاسم (هو يشبه أنكيدو)


صباح الانباري

الحوار المتمدن-العدد: 4590 - 2014 / 10 / 1 - 08:38
المحور: الادب والفن
    


قراءة أولية في قصيدة سعد جاسم «هو يشبه أنكيدو»


في قصيدة الشاعر سعد جاسم (هو يشبه أنكيدو) تبدأ العنونة بتحديد ذكورية الشبيه (هو) متبوعة بمفردة تعريفية تشبيهية (يُشْبه) وأخرى حددت المشبّه به (أنكيدو)، فمن (هو) هذا الذي يُشْبه (أنكيدو)، ويثير فينا الفضول لمعرفة هويته الشخصيّة والمكانيّة؟
هو الذي أتى
من ينابيع الفرات
يحيلنا مفتتح القصيدة إلى ملحمة (كلكامش) على الرغم مما أدخله سعد جاسم من تغيير في جوهر الفعل الكلكامشي (هو الذي رأى) ليصبح في قصيدته (هو الذي أتى)، وليضعنا أمام شخصية جديدة هي شخصية (الآتي) بدلاً من شخصية (الرائي).
في هذا المفتتح ثمة محددان: الأول اجترح فعل الشخصية (أتى) فاكسبه عليها سمة المجيء إلى ما لم يحدد بعد، ولا لأي غرض أتى، والثاني حدد مكان المجيء فأضاف اليه صفته الفراتية. ولما كانت هذه الصفة تنطوي على معنى عام متضمن على مساحة غير محددة فإن الشاعر منحه التحديد المطلوب ضمن مساحة ما اشتهر به المكان وهو هنا (رحم النخلة) الحاضن الدافئ، والهوية الملحمية للقادم من:
فحولة المراعي
وغواية الحقول
وهما منطقتا الاشتغال على التحول بصفتين متاخم بعضها بعضه الآخر: الأولى مقيدة بقوانين الطبيعة البكر والبراءة الخالصة (المراعي)، والثانية متحررة ومطبوعة بطابع الغواية المفتعلة (الحقول). الثانية نتجت عن التلاعب بمكونات الأولى وتغيير مساراتها الحية والحيوية، وتجييرها لصالح قوة ثالثة بشرية متحكمة بفعل قانون استبدال المشاعة العامة بالملكية الخاصة، ومن ثم عزل الطبيعة بمكونيها النباتي والحيواني عن الحواضر بمكوّنها البشري والتقني، وهذا هو بالضبط ما حصل للشخصية الملحمية أنكيدو الذي وجد نفسه في برية خالصة متآلفة ومنسجمة لم يتركه فعل البشر ليستمر فيها، بل عمد إلى إغوائه بمفاتن المرأة وما تملك من قوة الغواية والسحر، بهما استنفدت كلّ فحولته، ومن أجلها غادر عالم المراعي لينخرط في عالم الحقول بمباهجها، ومفاتنها، وسحرها الآسر. (الآتي) في القصيدة إذن قدم من تلك الربوع التي ادّخرت فحولة أنكيدو وبراءة المراعي (كمستودعات لطفولة الأرض) وابتكرت لحقولها الغايات، والتحولات، والمحفزات لزعزعة تلك الطفولة وتنحيها عن مسار الشخصية القادمة حيث يتحكم الشخوص بإدخال التغييرات الحداثية التي تسم الأشياء بميسمها التطويري الذي يزيح، أو يغير البيئة بمحددات تقع خارج تلك البيئة حيث الفعل البشري المؤثر والمغيّر لمسارات الطبيعة. (الآتي) إذن لم يختر الحقول إلا مكرها بغواية خطفته لتلقي به:
"الى مدن الصيرورة"
التي جعلته قابلا للتحوّل إلى كائن مختلف بعد أن فضّت بكارة المكان، وفرضت المدينة كحاضنة جديدة تزخر بكل ما يجعله نقطة ترزح تحت هيمنة مسارات عديدة ينوء بثقل موجهاتها من:
"الذهول... النساء.."
إن سعد جاسم وهو شاعر رافديني يشتغل على ملحمته السومرية (كلكامش) مستلهما منها بطريقة مشرقة حياة إحدى شخصياتها الرئيسة (أنكيدو) الذي أذهلته امرأة المدينة العاهر (شمخه)، وتمكّنت من غوايته فأبعدته عن المراعي وبكارتها لتلقي به في المدن وغوايتها حيث:
"الغموض... الأيدولوجيات
الشهوات... المكائد"
في هذا المقطع المختصر الصغير يكثف سعد عالم المدينة الذي سيكون غامضا لرجل مثل القادم من ينابيع الفرات والذي يصدم، أو يصهر، أو يخضع لقوى ايدلوجية مختلفة تقتل فيه ما تبقى له من النقاء والبراءة. وسيذهل ثانية عندما يجد سلطة الكراسي متحكّمة بكلّ شيء من حوله وسيعمل بسذاجة للدفاع عنها، والذود عمن يمسك بها عن طريق النار والحديد، وفي هذا إدانة واضحة للسذاجة والبدائيّة التي تقف منبهرة أمام الحضور المديني المهيمن،
"والمتلونين الذين يقايضون
الدم بالكراسي
والأسرار بدولارات المتعة"
إن نظرة سعد جاسم للسلطة كانت وما زالت منطلقة من أولويات تصب كلّها في خدمة المتلونين والمبدلين جلودهم على مر التاريخ، ابتداءً من نظام المقايضة وانتهاء بنظام المحاصصة، ومن البراءة الى الغواية، ومن الملحمة إلى الواقع، ومن اولئك الذين (يقايضون) في الماضي إلى هؤلاء الذين يدفعون بـ (بدولارات) في الحاضر.
في المقطع الثاني يستمر سعد في التعريف بجوهر الآتي الذي أجّل هذه المرة فعله الماضي (أتى) مكتفيا بالإشارة إليه:
هو الذي...
لأن المعرّف قد بلغ التعريف، والمشبه قد بلغ التشبيه، وأكتفى القارئ بالإشارة دون العبارة. الجديد في الشخصية هو التصريح عن جوهرها ذي الطبيعة الريفيّة المحض في نزعاتها ونزواتها وهذه مشتركات بين الشخصيتين: بين شخصية (أنكيدو) الملحمية التي ترعرعت في المراعي وشخصية (الآتي) الشعرية التي ترعرعت في الريف، وما يقرّب بينهما هو قدرهما المكتوب على لوح رافديني واحد كجزء لا يتجزأ عنهما وان انفصلا واقعيا. فما يميز هذا اللّوح أنه:
"مصاب بالذكرى
وشظايا الفقدان
وأنيما الطين"
علل يرتبط بعضها ببعض على مرّ العصور والأزمنة بطريقة سلبية في الاسترداد، والنسيان، وفقر الدم التاريخي فتأتي الذكرى ناقصة أو مصابة بالتشظي والفقر مما جعل المرض يدور في حلقة أو حلقات تعيد نفسها دون الخروج إلى فضاءات أخرى خارجها وهذا هو حال العراقي العالق أبد الدهر بعلله على مرّ التاريخ.
في المقطع الثالث يعيد الشاعر الكرّة ثانية فيترك مساحة فعل الشخصية فارغة ليؤكد على ريفيّة الآتي في الحب وظيفة وغناءً، شغبا وصداقة، خمرا وولعا، وعلى ريفيّته:
"في الخسارات
التي لا تنتهي"
وفي المقطع الرابع تدوير للمساحة نفسها، وتأكيد على ريفية الشخصية التي على الرغم منها بدت ملحميّة بما يكفل الشبه بينها وبين أنكيدو. ونتيجة لهذا يبلغ التناص ذروته في المشبهات فثمة طقوس للحانات ورحلات للأحلام وحروب هي في حد ذاتها مشتركات بين الشخصيتين تخرج منها الشخصية بمفارقة عجيبة ورأس مفقود:
"حتى أنه
وذات سكرة ملحمية
أضاع رأسه في حانة أفاقين
قبل أن يكمل
رقصته السومرية
وكأسه الأخيرة"
وهذه هي الذروة التقليدية كما يبدو للمأساة الرافدينية التي لا يكاد فعل الفرح فيها يبلغ نهايته حتى ينحرف الفعل عن مسار الفرح والانتشاء إلى التراجيدية والمأساة السوداء.
(هو يشبه أنكيدو) إذن قصيدة نجحت في استعمال المفردات المكثفة استعمالا أيقونيا بني على أساس التناص الملحمي، والاستلهام الأسطوري المشرق لملحمة بلاد ما بين النهرين. وهي من القصائد التي تجلّت فيها المأساة الرافدينية بشكل عام والفردية بشكل خاص.



#صباح_الانباري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين الفصل الخامس شخوص م ...
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين الفصل الخامس شخوص م ...
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين الفصل الرابع شخوص ع ...
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين الفصل الرابع شخوص ع ...
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين الفصل الثالث شخوص م ...
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين الفصل الثاني تمهيد ...
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين الفصل الثاني تمهيد ...
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين/ الفصل الثالث/ شخوص ...
- شكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين الفصل الثالث شخوص ما ...
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين/ الفصل الأول 2/2
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين/ الفصل الأول 1/2
- قراءة في قصيدة الشاعرة د. اسماء غريب (اليكَ شمسي في عيد العش ...
- الاحتراق عِشْقاً في مجموعة السماوي (أطفئيني بنارك)
- سيرة ذات حروفية.. قراءة في سرة أديب كمال الدين الابداعية
- كتاب موت الرواية.. أزمة الخيال الفني بعد عام 1985
- العنونة وجمل القص في مجموعة صالح الرزوق (تشبه القصص) أوراق ف ...
- القواسم المشتركة في قصص د. صالح الرزوق حضور بصيغة الغائب
- محي الدين زنگنه الجبل الذي تفيأنا بظلاله الوارفة
- أضف نونا قراءة في كتاب د. حياة الخياري
- قراءة في أنشودة النقيق للكاتب المسرحي راهيم حسّاوي


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح الانباري - قراءة أولية في قصيدة سعد جاسم (هو يشبه أنكيدو)