أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - هنالك في المكان البعيد














المزيد.....

هنالك في المكان البعيد


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 4588 - 2014 / 9 / 29 - 20:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أحيانا أجلس بيني وبين نفسي وأفكرُ في هذه الدنيا وأتساءل عنها وعن الناس وأحوال البشر الذين هم فيها وهل هنالك أحدٌ من الناس يعيش الحياة كما أعيشها أنا؟ هل هنالك أناسٌ مثلي يهتمون بالمستقبل ويعيشون في المستقبل كما أعيش أنا؟ هل هنالك أناس لديهم الجرأة على مغادرة الماضي العتيق بكل ما فيه من هالةٍ وتقديس؟, هل هنالك رجلٌ آتاه الله مثل الذي آتاني به؟ أحيانا ألملمُ كل جراحاتي وأذهبُ فيها بعيدا إلى مكانٍ لا يجرؤ أي شخصٍ على الذهاب إليه وهنالك أصرخ من شدة الألم لكي لا يسمعني أحد, هنالك أبكي ولا يراني أحد, ففي مجتمعنا الفحولي عيبٌ على الرجل أن يبكي وعيبٌ وعارٌ على الرجل أن يكون رقيق القلب ورومانسي, لذلك لا أجرؤ على البكاء إلا هنالك حين أذهبُ إلى ذلك المكان هنالك في المكان البعيد أضع صورة من أحبها أمامي وأبكي قليلا من شدة عشقي وهيامي , هنالك يظهرُ حنيني ورقة مشاعري , هنالك في المكان البعيد لا يصلُ إليّ أحدٌ ولا أنا أصل إلى أحد, هنالك أحفر حفرة كبيرة تتسع لكل آلامي التي تُقدرُ بمليون طن وأدفنها تحت قدمي, هنالك أغمس روحي بمستنقعٍ من الخمر, هنالك تنتقلُ روحي من الأسر وتفوح منها رائحة الرجل الطيب, الرجل الذي أضاع عمره بين الكُتب وبين المكتبات, رجلٌ أفنى عمره وهو يبحث عن لغةٍ جديدة لمجتمعٍ جديد, هنالك تتوسل لي الوحدة والخلوة في العراء لكي لا أقسو عليها, أما هنا فأنا الذي يرتجي الوحدة والخلوة والعزلة لكي لا تقسو عليّ , هنالك أشعر بأنني استطعت أن أقلب كل قوانين الكون, وأقلبَ كل النظريات, وأنتصر على كل الاحتمالات والفرضيات,هنالك تظهرُ شجاعتي ويستنجد بي الجبابرة كي لا أقسو عليهم, هنالك في أبعد مكانٍ في الأرض أنام وأرتاح من شدة التعب, هنالك يطلبُ مني الأمراءُ والسلاطين كي أعفو عنهم وأغفر لهم وأسامحهم على ما فعلوه وما زالوا يفعلونه بي, هنالك تبدأ مرحلة الحساب ويقفُ كل إنسان على قارعة المصير لكي يعرف كل إنسان حجمه الطبيعي, هنالك أستلذُ بالحياة أكثر وأعيش كل أحلامي وأمنياتي , هنالك أعود إلى الشكل الأول الذي خلقني الله عليه قبل أن تشوه خلقتي أفكار الفلاسفة والأنبياء الكذبة, في أبعد مكانٍ لا يجرؤ أن يصل إليه أحد تنقلب الأفكار وأعودُ إلى شكلي الطبيعي عاريا من دون ملابس أو ثياب , تماما أعود كما خلقتني أمي, أتنصل من كبرى النظريات وأنكر وجودي هنا وهناك, أرفض كل الثقافات فأعود عاريا من الثقافات كما أنا عاريا من الملابس والثياب, هنالك كل الناس متساوون وكل إنسان يعود إلى طبيعته الأم بدون أنظمة وقوانين تحكمه, هنالك لا أحد يتحكم بك وتتركك الطبيعة تمارس كل شيء كنت ممنوعا من ممارسته, لا أحد يحاسبني ولا أنا أحاسب أحدا, هنالك أطمئنُ إلى شكلي الرائع قبل أن تغير شكلي ألوان البشر ومعدات البشر واختراعات البشر, هنالك في أبعد مكانٍ في الأرض أمدُ قدمي وأسترخي بكل أعصابي وأتذكر الماضي الذي كاد أن يخنقني, هنالك لا يلومني أحد على مد قدمي,هنالك لا أحد يسمع عويلي ونواحي وصراخي وأنا لا أسمع عويل الناس وصراخهم.

في المكان البعيد الهادئ أنامُ على وسادةٍ من خيالاتي ووسواسي صنعتها لي أمي من ملابسها القديمة منذ كنت طفلا صغيرا وخبأتها ليوم عرسي, هنالك تقف ساعة الزمن وتكفُ عن الحركة ويبدأ السكون التام فلا أنا أشعر بالوقت ولا الوقت يشعر بي, لا أشعرُ بالجوع ولا أشعر بالعطش, لا أعرفُ الخوف ولا أعرف القلق, لا أراقب الزمن ولا الزمنُ يراقبني, هنالك في المكان الهادئ لا مجال للعبة الشطرنج ولا مجال لخوض الحروب ومشاهدة الصور المؤلمة, هنالك أدفن كل ما لدي من جراثيم وكل ما لدي من أحزان, في المكان البعيد ألتقطُ صورا من الماضي الأليم الذي عشته بكل ما لدي من مشاعر وأحاسيس, أودع آخر القصائد التي كتبتها وألفُّ عيون حبيبتي بصحيفة قديمة عليها أخبار قديمة وحكايات قديمة من زمن الغزو العراقي للكويت.

هنالك أوراقي وماكينة طباعتي بعيدة عن أعين السلاطين, هنالك عيون "نادين البدير" بعيدة عن أعين اللصوص الباحثين عن الكنوز الثمينة, هنالك حبيبتي تترك لي يدها اليمنى وأعد اصابع كفيها واشتم رائحتهما وأقتفي أثر الحب فيهما, هنالك لا يوجد من يحشو يده في رأسي , هنالك لا يوجد من يحسب عليّ كل حركاتي حركةً حركةً وخطوةً خطوة, هنالك لا أحد يكلمني إلا بما أشتهي أن يكلمني, وهنالك لا يوجد للملوك كلابٌ تعضُ يدي , هنالك في أبعد مكانٍ في الأرض, حيث لا تصلني آذان الجواسيس ولا تنغصُ عليّ عيشتي تقارير المخبرين, هنالك أنا وحدي أعيش, أصرخ بأعلى صوتي وأبكي على مزاجي وأضحك كما أريد, هنالك ابتساماتي تتفتح لها أزهار الشجر والبراعم وتبتسم لي خدود الأطفال المكللين بالياسمين الشامي, هنالك النور يلفُ المكان الذي أكون به ولا تنقطع الكهرباء, هنالك صوتي يدوي في السماء, هنالك في كل يوم إطلالة جديدة وابتسامة جديدة,هنالك أنا أيضا بعيدٌ عن عيون المخبرين السريين الذين يراقبون كل حركاتي ويشعرون ويرصدون كل خطوة أخطيها نحو التقدم إلى العالم المجهول, أنا إنسانٌ يتقدم نحو العالم المجهول, أنا أعيش دورا تمثيليا وكأنني أمثل على خشبة المسرح وأشعر بأنني جئت لأحفظ الدور الذي سألعبه, هنالك في أبعد مكان من الأرض خبأت قصيدة ثورية هنالك قرأتها وحدي وحفظتها وحدي وخبأتها عن قضبان السجون المتراصة بشكلٍ منتظم, نسيتُ أن أعلن لكم موقفي من الحزن ومن الألم, سئمت صراخ الناس من شدة الأمراض والتعب, العالم الذي من حولنا يعيش ليتلذذ في حياته أكثر ونحن فئة من الناس نعيش لنتألم أكثر, هنالك في المكان البعيد حاولت الهروب من الواقع المؤلم الذي أعيشه, هنالك أعيش وحدي بأفكاري ومعتقداتي , هنالك في أبعد مكانٍ في الأرض رويتُ للمسافرين قصتي وطريقة حياتي هنالك أخبرت الناس عن الأشياء التي تجعل الإنسان إنسانا بكل ما بالكلمة من معنى.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف يعرف المسيحي أنه ابن الله؟
- العقل والمال
- المشكلة في عقلي
- التلفزيون الأردني قبل 35عام.
- نحن محتاجون للعطف
- مشغول ومُتعب جدا
- كلمة كافر يجب أن تموت
- الإله الأكثري أو إله الحد الأقصى
- أقتل أباك وستنهض
- الأنبياء ليسوا فوق النقد أو القانون
- إبريق الوضوء
- مشغول في حب نادين البدير
- دين الآباء والأجداد
- من أسباب تخلفنا 2
- السلطة والدولة في الأردن
- المسيحيون فتحوا المدارس والمستشفيات في بلداننا والعرب المسلم ...
- الوطن العربي بيئة غير صديقة للإنسانية
- هزيمة حماس في الجرف الصامد
- إما التعددية وإما الكارثة
- حملة إعلامية لتذكير المسلمين بفضل المسيحيين عليهم


المزيد.....




- بيسكوف: نرفض أي مفاوضات مشروطة لحل أزمة أوكرانيا
- في حرب غزة .. كلا الطرفين خاسر - التايمز
- ارتفاع حصيلة ضحايا هجوم -كروكوس- الإرهابي إلى 144
- عالم فلك: مذنب قد تكون به براكين جليدية يتجه نحو الأرض بعد 7 ...
- خبراء البرلمان الألماني: -الناتو- لن يتدخل لحماية قوات فرنسا ...
- وكالة ناسا تعد خريطة تظهر مسار الكسوف الشمسي الكلي في 8 أبري ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 795 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 17 ...
- الأمن الروسي يصطحب الإرهابي فريد شمس الدين إلى شقة سكنها قبل ...
- بروفيسورة هولندية تنظم -وقفة صيام من أجل غزة-
- الخارجية السورية: تزامن العدوان الإسرائيلي وهجوم الإرهابيين ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - هنالك في المكان البعيد