أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - خليل صارم - النظام السياسي العربي - الجزء الثالث















المزيد.....



النظام السياسي العربي - الجزء الثالث


خليل صارم

الحوار المتمدن-العدد: 1292 - 2005 / 8 / 20 - 11:52
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


الجزء الثالث
نحن والواقع الراهن
بعد هذا الفشل الذر يع والسقوط المزري للنظام السياسي العربي بكافة أشكاله ومسمياته حيث يقف الآن عارياً حتى من ورقة توت تستر ولو جزء بسيط من عوراته التي باتت مكشوفة أمام شعوبه وأمام شعوب العالم , لم يعد مقبولا منه بعد الآن العودة لممارسة بطولاته وأكاذيبه على شعوبه لأن الواقع الذي وصلت إليه هذه الشعوب أو المجتمعات لا تحسد عليه ولا مثيل له في تاريخ العالم من ( إذلال وقمع وفقدان كرامة وطمس شخصية والخنوع والركوع أمام غطرسة القوى العالمية تبعاً لخنوع وركوع أنظمتها )
فالنظام السياسي العربي في كافة بؤره لم يترك أي خيار أمام مجتمعاته فإما أن تقبل هذه المجتمعات بكل ما يقبل به النظام بكافة مسمياته وأشكاله ( من المحيط البائر إلى الخليج العاثر ) أو تتصدى هذه المجتمعات بقيادة نخبها لكل هذا الواقع المقــرف بقضه وقضيضه مصححة موروث هذا النظام وموروثها الذي هو أساسا موروث هذا النظام باحثة في كل صغيرة وكبيرة , حتى أدق التفاصيل دون خوف أو وجل .
كما أنه لم يعد مسموحاً لهذا النظام الاستمرار في إرهاب مواطنيه تحت مزاعم وشعارات ثبت عدم صحتها وبطلانها , في الوقت الذي يتجرع فيه هذا النظام بكافة مسمياته الحالية كأس الإذلال حتى الثمالة بأيدي القوى العالمية التي حمته ورعته وفرضته في مراحل سابقة .
إن ذلك لايعني إطلاقاً أن تكون هذه المراجعة مجرد ردة فعل وحالة انتقام لأنها وفي هذه الحالة ستكون فعلا أسوأ من أفعال هذا النظام وستوظف لخدمة نفس القوى العالمية التي تجتاح المنطقة .
إن هذه المراجعة المطلوبة بحاجة لعقلية جديدة تتمتع بنظرة واقعية وموضوعية وجدية للواقع والمستقبل بعيداً عن أية خلفيات سياسية , اجتماعية , دينية أو مذهبية , وذلك لتفهم حقائق هذا النظام التاريخية والحالية سواء كان ذلك بعقلية محايدة أم معارضة وحتى موالية .
مع ذلك فان هناك الكثير من التساؤلات في الشارع العربي والتي باتت تفرض نفسها وهي بحاجة لإجابات محددة وذلك بحكم الواقع والأحداث التي تشهدها منطقتنا , وهي أحداث تسبب بها النظام السياسي العربي والقوى الظلامية المتخلفة والمشبوهة .
فالعراق استبيح من قبل القوى الخارجية بفعل نظامه الذي استباحه قبل القوى العالمية بثلاثة عقود وبأسلوب وحشي مدمر مستبيحا بظلمه ما فاق كل الحدود والتصورات .
والنظام العربي عموماً قد أثار بتخاذله المستمر وتنازلانه المتوالية شهية الأصولية الحاخامية التلمودية لتضع يدها على كل فلسطين وتتمسك بالأجزاء خارج حدود فلسطين وتصرح علناً بأطماعها في كل المنطقة مع ذلك فان القوى الظلامية لدينا تستمر بالزعم على أنها تعمل لتحرير فلسطين والآن العراق وأنها تحارب القوى العالمية الطامعة في الوقت الذي يؤكد فيه سلوكها أنها توفر كل المبررات المطلوبة والضرورية لهذه القوى الطامعة في المنطقة من خلال عمليات في الشيشان وأفغانستان وأسبانيا والآن في العراق . وهي لم تتسبب بأي ضرر للقوى العالمية ولكنها أصابت أبناء هذه المناطق من المدنيين بأ فدح الأضرار وخسارتنا لتعاطف وتأييد شعوب تربطنا بها صداقات تاريخية .
مع ذلك فان هناك شرائح في مجتمعاتنا ترى في الغباء نعمة فتردد هذه الأكاذيب والمزاعم الصادرة عن القوى الظلامية مصدقة لها وتحلم بانتصار هنا ومكاسب هناك . ويجب أن لانصاب بالدهشة لذلك فهذا النظام استطاع أن يحتفظ ب (70) مليون أمي حسب إحصائيات الأمم المتحدة وأكثر من مائة مليون حسب الواقع يمكن أن تجد القوى الظلامية بين هؤلاء مرتعاً خصباً لها لتبقيهم في العصر الحجري وتسيطر على أدمغتهم فتحجرها بالتالي وتبعدها عن المنطق , هذا إذا اعتبرنا أن الغير قادرين على التعامل مع لغة العصر وثقافته بعد متعلمين ولايمكن إخضاعهم للغة القوة والفرض والإلزام التي تعتمدها القوى الظلامية المتخلفة أو التي تعمل على فرض التخلف بمنطق القوة .
أما المواطن الإنسان فانه يبحث عن مخرج من هذا النفق المظلم عله يعثر على بصيص أمل ونور يهديه إلى الاتجاه الصحيح بعيداً عن كل هذا الموروث المتخلف والمنحرف للنظام السياسي العربي والقوى الظلامية التي تنتشر كالفطر في المناطق الرطبة المظلمة وأفكارها العفنة المتشددة والمرتكزة على بدائل الرسالة الإسلامية المحمدية السامية والنبيلة وهي بدائل شاركت هذه القوى الظلامية مع النظام السياسي العربي في صنعها إضافة للبدائل التي تضخ من الخارج بقصد القضاء على ما بقي متداولاً من الرسالة الأصيلة .
والتساؤلات أكثر من أن تحصى ومنها :
- أين نحن من موروثنا الصحيح.؟
- هل نحن قادرين على وضع الأمور في نصابها الصحيح ..؟
- ماهي المرتكزات الثقافية التي يجب أن تكون أساسا للتغيير ...؟
- إذا كانت مجتمعاتنا لم تتعرف سوى على ثقافة ( البيعة ) الموالاة أو ( القمع) والحقد وطلب الثأر , فهل هناك إمكانية لإيجاد معارضة وثقافة معارضة راقية وعلى مستوى العصر ....؟
- هل يمكن أن نصل إلى سوية حضارية مع الموالاة والمعارضة في جارتنا أوربا .؟ وهل يمكن أن نقر بنتائج المقارنة بيننا وبينها أم أننا سنختلق المعاذير ونختبئ وراء أصابعنا.....؟
- ثم وهذا الأهم . هل نحن قادرين على إعادة صياغة الروابط الحضارية الأخلاقية الإنسانية داخل مجتمعاتنا وتجاوز الموروث القمعي المنحرف والمتخلف ......؟
- وهل لدينا القوى والرموز السياسية الاجتماعية الوطنية التي يمكن أن تكون الحامل الحضاري للتغيير وتكون قادرة على قيادة المجتمع تحو نقلة حضارية متكاملة ..؟
كل هذه التساؤلات والكثير الكثير غيرها تتوارد على الأذهان بإلحاح شديد في هذه المرحلة المصيرية لمجتمعاتنا فإما أن تنتهي هذه المرحلة وننتقل إلى المستقبل عبر ولادة سليمة أو بحالة إجهاض على النمط العراقي تقضي على الجنين والحامل معا .؟؟!
لقد بات من الضروري جداً وضع الإجابات على كل التساؤلات والبحث الجاد عن الحلول , وهذا بالطبع من واجب النخب المثقفة الملتزمة وطنياً في كافة المجتمعات الخاضعة للنظام السياسي العربي وموروثه لخلق حالة من الحوار الحضاري تنخرط فيه كل الفئات والشرائح ( اجتماعية , سياسية , اقتصادية , طوائفاً ومذاهباً وإثنيات) بما فيها بعض بؤر النظام التي تملك رؤية فكرية متطورة قادرة على التلاؤم مع المستجدات الطارئة على الساحة المحلية والعالمية وبعيدا عن مفاهيم القمع وسياسة المماطلة والتسويف التي خلفها النظام السياسي العربي واعتاش عليها طيلة قرون وقرون وحتى أيامنا هذه . المهم هو الخلفيات والعقليات الجديدة لتهيئ لمرحلة المخاض الحقيقي للمستقبل المتمرس في الرحم طيلة عقود وعقود رافضاً الخروج , خشية زبانية الفراعنة والقوى الظلامية المتخلفة الذين يتربصون به شاهرين سيوفهم ومكشرين عن أنيابهم في حالة من الوحشية عز نظيرها عبر التاريخ الإنساني للمجتمعات البشرية .
هذا الحوار الحضاري المطلوب يجب أن يكون شاملا وعلى قاعدة ( لا مقدسات في الحوار ولا محرمات أو خطوط حمراء) فكل شيء يجب أن يوضع على موائد الحوار لتسلط عليه الأضواء ولا نقاش تحت الطاولة أو في الزوايا المظلمة , فنحن نعيش في عالم لم يعد بالا مكان إخفاء شيء فيه . (هناك خطأ وهناك صواب) ولا ثالث .
أما الأساليب التوافقية والتصالحية المكسوة بالمجاملات الديبلوماسية الكاذبة والمنافقة واستعمال شتى الألوان فإنها ستتسبب بعمى الألوان وضياع الهدف وسينعكس ذلك على الجميع دون استثناء ( أنظمةً وشعوباً ) وقوى وشرائح سياسية , اجتماعية , ودينية وذلك بأكثر أشكال النهايات مأساوية ولن يبقى شيء نختلف فيه أو عليه بعد ذلك .
أين نحن من موروثنا الصحيح ؟ هذا هو التساؤل الأكثر إثارة للجدل ضمن مجتمعاتنا فالجميع على اختلاف شرائحهم وتفرعاتهم الطائفية . المذهبية . السياسية . الاجتماعية ( كل منهم ) سيزعم أنه الحامل للموروث الحقيقي والصحيح وهو يرى الصورة من خلال الخلفية التي تربى ونشأ عليها بعيداً عن أي منطق أو إعمال عقل رافضاً النقاش وقبول أي رأي آخر , ( فكل ما لديه مقدس لا يجوز البحث فيه ) لذا فانه لو وافقنا القول بأنه سيحاول بحث الأمور بعقلية محايدة , ومن خلال النقاش سنراه ينحرف ليعود إلى موروثه مغلفاً الكثير من الأمور بجدران الصمت أو أنه سيهرب بمحموله إلى اتجاهات بعيدة عن وجهة سير الحوار , ممسكا بيده بأحكام مسبقة تجاه الآخر ورثها من ضمن الموروث المتخلف والمزيف الذي انتقل إليه لذا فانه لن يتمكن على الإطلاق من الرؤية السليمة للآخر ولن يجهد نفسه في محاولة رؤية حقيقة فكر هذا الآخر وثقافته ومفاهيمه سواء كانت ( طائفية أم مذهبية أو سياسية ) فهو مستسلم أساساً لفكرة أنه الوحيد الذي يحتكر الحقيقة المطلقة ( الفرقة الناجية ) واضعاً حولها الكثير من الخطوط الحمراء .
لقد اعتدنا بحكم الموروث أن نطلق على مفاهيم الآخر وثقافته ومعتقداته أسوأ النعوت والأحكام وأن نطلق العنان لخيالنا المشوه المريض ليرسم عنه أسوأ الصور الكاريكاتيرية المستفزة لا لشيء إلا لأنه لا يوافقنا آرائنا ومفاهيمنا ومعتقداتنا بالكامل
إن هذا هو الجانب الأشد إظلاماً في موروثنا الثقافي الاجتماعي , وهو موروث قمعي بالمطلق فمبدأ ( من لم يكن معنا هو ضدنا ) أطلقه نظامنا السياسي العربي منذ ظهوره واستمر حتى أصبح جزءاً أساسياً من ثقافتنا نتوارثه أباً عن جد ولم نعرف غيره ثقافةً .
إن من أسهل الأمور لدى كل منا إطلاق أسوأ النعوت والأوصاف والشتائم والاتهامات على كل من يختلف معه حول أية قضية مهما كانت تافهة فكيف بنا إذا كانت هذه القضية هامة تمس المعتقد الموروث . ونتمادى في ذلك إلى حد رسم أسوأ الصور عن هذا الآخر وتلفيق أقذر وأحقر القصص التي ينضح بها الخيال المريض المقزم والغاية الوحيدة التي سنصل إليها حقيقةً هي تفريغ شحنات الحقد المريض الأعمى تجاه النقطة الأضعف , كون النقطة الأقوى لا نجرؤ إطلاقاً على النظر إليها .
هذا واقع يجب أن نعترف به بكل جرأة إذا كنا نمد بأنظارنا نحو مستقبل يحفظ كرامتنا وامتنا ووطننا ويضعنا على درب الحضارة ؟؟؟!!
إن هذا الموروث قد جعلنا من أكثر شعوب العالم نفاقاً وكذباً , نظهر عكس ما نبطن بدوافع كثيرة منها الخوف الذي يلاحقنا في كل خطوة ومع كل نفس يعتمل في صدورناذلك أساساً أننا قد تعلمنا نفاق النظام , فنظهر له الموالاة في الوقت الذي تمور فيه صدورنا بكل عوامل الحقد عليه ونمتدحه في الوقت الذي نعيش فيه كل مفاسده وانحرافاته , فنزعم بالصوت المرتفع أنها غير موجودة ذلك أن التصريح بالحقيقة قد يجر علينا الويلات والبلاء ويصل بنا إلى ما لا تحمد عقباه . إن هذا حقيقة ما تعلمناه ورضعناه في بيوتنا كما تعلمنا عدم الثقة بالآخر مع ضرورة عدم إظهار ذلك مما يوفر هامشاً لتوجيه اللوم لهذا الآخر والثورة في وجهه إذا ما قابلنا بنفس الأسلوب ذلك أنه فهم نوايانا ولكننا نستطيع أن نكذبه طالما أننا لم نصرح بها مباشرة , فهل هناك أكثر قبحاً من هكذا نفاق ودجل ؟!!.
إن الموروث القمعي وثقافة القمع ( التي أرساها النظام السياسي العربي) المغلفة والممزوجة بنكهات دينية مختلفة والتي أضفت عليها شيء من القداسة , قد تسببت في تكريس كافة أنواع المفاسد التي اختلطت في مفاهيمنا ووجدنا لها كافة أشكال التبريرات وهكذا أصبحت قيم مثل : الانتهازية النفاق , الكذب الغيبة , النميمة , التحاسد والبغضاء , والدسيسة والوقيعة , سمات أساسية واضحة في مجتمعاتنا
كل ذلك مترافق مع الشعور بانتفاء الأمان والخشية من المستقبل الغامض والمجهول والترقب والقلق والخوف إلى درجة الرعب من أمر ما .. قادم ؟؟؟!!!
باختصار فإننا شعوب مصابة بحالة خطرة من (الشيزوفرانيا) متقدمة جدا مترافقة بضعف شخصية وحالة ( فوبيا ) يمكن تسميتها ( رهاب المجهول ) تأتي نوباتها بأشكال متعددة بحيث يستعصي على الخبير النفسي فهمها و أساليب علاجها ..؟!!!! .
شعوب ضائعة تهرب إلى اللازمان و اللامكان لا تملك أية قدرات على فهم ومعالجة واقعها السيئ والمقيت إلى درجة القرف إلا من الجوانب البسيطة التافهة , تتجرع الذل والمهانة بمنتهى البساطة التي تتنفس فيها الهواء و على أيدي أنظمتها , التي حكمت بها كل تافه , ساقط , منحط , فاقد القيم والأخلاق , إمعانا في إذلالها فتهيأت لقبول الإذلال القادم من خارج الحدود , ولم تعد تحرك ساكنا كونها أصيبت ببلادة الإحساس حتى أن كل ما يجري حولها وداخلها من هدر لكرامتها وانتقاص من شرفها بأيدي حثالات العالم التي تسبب نظامها التاريخي بكافة أشكال بؤره باستقدامها لم يعد يثير فيها أية نبضة مختلفة , فهل أصبحنا بحاجة للحقن بمادة الأدرينالين كي نستعيد المحفز وردة الفعل وحتى لاتنتفخ أوداج البعض غضبا ( حقيقياً أم مزيفاً كان) بقصد إيهام ألنفس أولا بعـدم صحة ذلك . لنستعرض معا بعض الأمثال الشعبية الدارجة والمتداولة لدى غالبية مجتمعاتنا والتي يندر وجود من لم تطرق أسماعه في البيت والشارع والعمل كنصيحة ذهبية في كافة الأحيان وهي أمثلة تشجع على الخسة والنذالة والوضاعة ومنها : ( ألأرض الواطية تشرب مائها وماء غيرها ) هذا المثل يقال لمن يملك روحا متمردة يجاهر برفض الواقع والذي ينتقد ويشير إلى الخطأ ويقف بوجه من يمارسه أينما كان وكائنا من كان ولمن يطالب بحقوقه بصوت مرتفع .
لنحاول الآن تصور هذا المثل وتجسيده كصورة في الخيال , وبالمناسبة لا علاقة لهذا المثل بالتواضع بقدر ماله علاقة أساسية وتجسيدا كاملا لمعاني النفاق والنذالة والتظاهر بالضعف والوضاعة ولا أظن أن كلمة ( واطي, واطية) تشير هنا إلى الأرض الواقعة في منبسط من وادي أو أسفل السفح كما يدل عليه ظاهر الحال خاصة وان إيرادها ضمن سياق مثل شعبي يقال للآخر كنصيحة لا يوحي إلا بمعنى الإتضاع الذي يقود إلى الوضاعة وليس الإتضاع بمعنى التواضع .
هناك مثال آخر هو بمعناه أكثر خسة ووضاعة وهو ( بوس الكلب على تمو حتى تاخد حاجتك منو ) ولغة نقول " قبل فم الكلب كي تنال منه ما تريد أو يلبي لك حاجتك " وفي مصر يقولون ( إذا كان لك حاجة عند الكلب فقل له ياسيدي ) .
وفي نفس السياق هناك مثل شعبي آخر يقول : الأيد اللي مابتقدر عليها بوسها وادعي عليها بالكسر ولغة نقول " إذا كانت يد غيرك أقوى من يدك فقبلها وتمنى لها أن تكسر "
لا نعتقد أن هذين المثالين يحتاجان إلى كثير من الشرح لنعرف مدى ما يختزلان من قيم النفاق والخسة والغدر والوضاعة وكافة أشكال القيم المنحطة , ورغم ذلك نشاهد دائما من ينفخ صدره من مصطنعي الحكمة والوقار ؟؟ ويردد هذه الأمثلة كنصائح لأبنائه أو لأصدقائه ولمستمعيه , منتظرا أن يحظى بنظرات الإعجاب والتقدير لمستوى الحكمة التي يتمتع بها .؟؟ ومثال آخر وضع قيد التداول في حينه ومنذ مئات السنين لخدمة النظام وهو"من أخد أمنا صار عمنا " والمقصود بإيراده تماما هو القبول بمن يحكم أو يمارس سلطة كائنا من كان بغض النظر عما إذا كان هذا ( الأخذ للأم) شرعياً أم اغتصاباً .
فهلا أمعنا النظر بمعاني هذه الأمثلة حقيقة وأنبنا من يرددها , لأننا لم نعد مستعدين بعد الآن لإنتاج مزيدا من العبيد لخدمة السلاطين والأذناب ومعهم المحتلين الأعــداء .
إن ما أوردناه هنا ليس سوى غيض من فيض من الأمثال المتداولة والتي تطرق أسماعنا يوميا على ألسنة الكبار من مصطنعي الحكمة. والخطورة تكمن في أن الأطفال يبدأون بتلقيها وتعلمها منذ نعومة أظفارهم حتى تترسخ في أذهانهم وتبدأ العمل الدائم في الـلاشـعور . وهكذا تكرست كموروث ثقافي اجتماعي لكافة الشرائح وألوانها وليست حكرا على شريحة أو طائفة أو مذهب بحد ذاته .
من جانب آخر ( إذا استثنينا العقيدة التلمودية الكاباليه ) فإنه من المستحيلات أن نجد عقيدة خالية من الإيجابيات , بل أنها كلها هدفت إلى تحقيق غايات إيجابية تصب في مصلحة المجتمع والإنسانية عموما ولو اختلفت السبل المؤدية لتحقيق هذه الايجابيات فكلها تبحث عن العدالة في جوهرها وتكريس إنسانية الإنسان بوجه من الوجوه .
بعض هذه العقائد قد إختـار سـبلا شائكة وعرة والبعض الآخر بحث عن السبل الأكثر سهولة وذلك حسب الظروف المحيطة وربما من اختار الطرق الوعرة كان ذلك بسبب الظروف التي حاصرته ومنعته من الجهر بآرائه وكان سبيله الوعر الذي اختاره على كره منه ( وهذا هو سبب مهم من أسباب انتشار المذاهب الباطنية والتنظيمات السرية في منطقتنا أكثر من أي مكان آخر في العالم ) , إلا أن نظرتنا السلبية المسبقة للآخر جعلت الخلاف يستهلكنا بكل هذه الحدة ذلك أننا رفضنا البحث في الجوانب الايجابية وربما غير مصدقين أن هناك جوانباً ايجابية لهذا الآخر واتهمناه بكل ما هو سلبي انطلاقا من الشكليات التي نبحث عنها ونقيم الآخر من خلالها بعيدا عن الجوهر والمضمون ودون أن ننظر في داخلنا أيضا, لأنه وعملاً بموروثنا وثقافتنا التي أرساها النظام السياسي والقوى المتخلفة الخارجة من رحمه كان الشكل هو الأساس والأهم وهو الباعث على الحكم وليس حقيقة ما يؤمن به هذا الآخر , وهكذا سيطر علينا الغباء وتعطل العقل عن استعمال المنطق , فإذا كانت الغاية هي الإيمان بالله وتوحيده فان هذا الإيمان يجب أن ينبثق حكما من المنظومة الأخلاقية والعمل بها وتمثلها أما الشعائر والشكليات فليطبقها كل بالطريقة المناسبة لأن المهم هو المنظومة الأخلاقية فبفقدانها تصبح الشعائر مجرد حركات وإشارات لا معنى لها إطلاقا مع التأكيد على أن من يتمثل المنظومة الأخلاقية هو الأكثر قدرة على ( تعظيم شعائر الله ) .
أما إذا كان الهدف هو الحرص على خدمة المجتمع فليخدمه كل بالطريقة التي تناسبه شريطة عدم الإسـاءة للمنظومة الأخلاقية واعتماد مفاهيم مقلوبة ومغايرة لها مهما كانت المبـررات , وبشـكل لا يعرقل حركة الغير بحيث تنعكس سلبا على المجتمع ككل
أما أن يعمد الأقوى على فرض مفاهيمه وأسلوبه متسلحا بالسلطة أو بأي شكل من أشكال القوة حتى ولو انعكست سلباً على المجتمع أو على شرائح منه فهذا هو الخطأ القاتل بعينه وهو أساس التسلط والظلم ومصادرة الحريات .
إن هذا ما فعله النظام السياسي العربي بالتعاون مع القوى الظلامية المتخلفة في المجتمع والتــي ســاندته مع اختلاف الأهداف والغايات والتي كانت بالنسبة للنظام هي إستمراريته بأي شكل كان ومهما كان الثمن الذي تتكبده هذه المجتمعات , بالرغم من أن هذه النظام ومنذ أمد بعيد قد فقد أية قدرة على تطوير نفسه ومسايرة روح العصر وبالتالي فقد ألزم مجتمعاته بالوقوف على قارعة الطريق تنظر بحسرة إلى بقية المجتمعات وهي تعبر الطريق نحو المستقبل دون أية قدرة منها على التحــرك خاصة
وان الزبانية وجيوش الفقهاء والمشرعين وقوى الظلام والجهل والتخلف تقف راصدةً أية نأمة أو حركة تهدف إلى العودة للطريق الصحيح والسليم بغية اللحاق بركب التطور والحضــارة .
هكذا فرضت حالة من الطلاق التام والنهائي الذي لا رجعة فيه بين هذه المجتمعات وبين موروثها الحضاري السليم وعلى رأسه الرسالة الإسلامية المحمدية بمفاهيمها الراقية النبيلة وبمسافة زمنية قاربت الأربعة عشر قرنا . عمل النظام خلالها على ملء الفراغ الناجم عن هذا الطـلاق بثقافته الغثة ومفاهيمه المنحرفة .
لذا يجب ألا نستغرب كيف أن البعض الذي يحاول أو يزعم العودة إلى الأصول نراه ينهل من نفس الموروث الغث الذي راكمه النظام طيلة هذه القرون وباسم الرسالة أسوأ المفاهيم ليلقي بها في وجوهنا ووجوه العالم على أنها من الرسالة، والرسالة منها براء وبعد ذلك عندما يعودون لأصول النظام حقيقة يستخرجون لنا أساليب متخلفة في القمع ليعيدوا إنتاجها وفرضها على هذه المجتمعات المغلوبة على أمرها دائما والتي إذا خيرت فستقف حائرة مع رغبة بإظهار ميلها إلى القوى الغريبة والغربية لو ضمنت صدق ما تدعيه تلك القوى من حيث رغبتها بنشر الحرية والديمقراطية لكنها أثبتت في العراق أنها لا تقل سوءا عن النظام السياسي العربي , وإنها بمستوى سوء ما يسمى بإسرائيل في مواجهتها للمدنيين العزل في فلسطين المحتلة . ومع ذلك فان هذه المجتمعات ستنحاز كليا إلى القوى الغريبة بالمقارنة مع ما يسمى بالأصولية أو ( قوى التخلف والظلام ) فهل هذا هو المطلوب الذي كرسته القوى الظلامية ؟؟.
إن هذه الخيارات هي الوحيدة المطروحة أمام هذه المجتمعات المنكوبة وأحلى ما في هذه الخيارات هو بالتأكيد سيء جداً و شديد المرارة . هكذا وكما قلنا سابقا تتكرس حالة الطلاق لتهرب هذه المجتمعات إلى الأمام في مواجهة هذه الخيارات دون أن تكون قادرة على إنتاج البدائل فالأفضل الموجود أمامها هو ما تطرحه القوى العالمية من أفكار وشعارات مشوهة عن الحرية والديمقراطية تجلت تماما في الحالة العراقية حيث تستعمل كالجزرة في طرف العصا دون أية إمكانية للوصول إليها فعلياً .
لقد بينا سابقاً أن الرسالة الإسلامية المحمدية قد تربعت على قمة التطور التاريخي الحضاري الإنساني في حينه , حاضنة لما قبلها من رســالات سماوية وممهدة في الوقت عينه لنقلة حضارية إنســانية رائعــة لكن النظام السياسي العربي الذي انقلب عليها فيما بعد قد تمكن من قطع الطريق على هذه النقلة الموعودة وعطلها لمدة تزيد عن عشرة قرون هي المدة الفاصلة مابين ظهور وأفول النظام السياسي العربي ونهاية القرون الوسطى أو مطلع المرحلة الصناعية في الغرب وانتهاء سيطرة الكنيسة بالثورة الفرنسية وأفـكارها الجديدة والعمل بمفاهيم الحرية والديمقراطية على أرض الواقع . حيث بدأت الحضارة الأوربية تقفز قفزات واسعة إلى الأمام لا يمكن تصور مدى إندفاعتها في الوقت الحالي بعد أن وصلت إلى مستويات مذهلة متسارعة تقطع ألأنفاس.
رغم ذلك فقد كان من الممكن للبشرية أن تكون قد وصلت إلى ما وصلت إليه الآن قبل مايقارب العشرة قرون لولا العرقلة التي أحدثها النظام السياسي العربـي في حينه وانحرافه عن خط الرسالة وتشويهه لها , ولبقيت هذه المنطقة بؤرة إشعاع إنساني حضاري متطور .
هذا النظام الذي جعل من نفسه وفكره المتخلف بديلا للرسالة مشوها لها ومنتجا لأسوأ أشكال الانحراف والفساد والعنف والظلم والتخلف متكئا على الفتوحات والانتصارات العسكرية كبديل عن النهج الذي أسست له الرسالة الإسلامية المحمدية الراقية بكل أبعادها السامية فكانت الحصيلة مانحن عليه الآن . أكثر من مريعة .
ولنلاحظ كما سبق وأوضحنا أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ( رض) وبعد أن تم تحرير سوريا الطبيعية في عهده حتى جبال طوروس والخليج قد قال جعلها الله سدا بيني وبينهم رافضاً تجاوز الجيش هذه الحدود منهياً بذلك أية حروب شمالاً وشرقاً , لأنه كان يكمل رسم الدور المنوط بالرسالة الإسلامية المحمدية وهو تحرير الأرض
( الحوض العربي ) للتفرغ لبناء الدولة المتطورة ويتمكن من تجسيد مبادئ الرسالة بحيث تكون مركز إشعاع حضاري إنساني وليس مركز فتوحات واستعمار وبناء أمجاد زائفة وتكديس الثروات , يساعده في ذلك ثلة من الصحابة الذين تفهموا هذا الدور الحضاري الإنساني والأخلاقي المنوط بهم .
إن هذا الموقف الذي أصر عليه عمر بن الخطاب كان من أهم الأسباب التي دفعت بالطامحين لتأسيس إمبراطورية اعتماداً على القوة والفتوح العسكرية للتآمر عليه واغتياله بتخطيط خبيث من ( كعب الأحبار ) الذي أسس لكل الخلافات والفتن التي حدثت فيما بعد .وهذا ماسبق وبيناه
إن بقايا النظام السياسي العربي بكافة أشكالها ومسمياتها والتي بدأت بالتهاوي الآن نحو القاع تحاول أن تشد معها أشلاء هذه المجتمعات المنكوبة بها . هذه المجتمعات التي تبحث عن قشة تتمسك بها علها تنقذها من الغرق مع هذا النظام .
هنا يأتي دور النخب الوطنية المثقفة والواعية , الحاملة للأفكار الحضارية , لتكون خشبة الخلاص لهذه المجتمعات المنهكة ,الخائفة والمشتتة كي تعيد تشكيل نفسها وفق الأسس الأخلاقية الإنسانية الحضارية تاركة بقايا النظام في كافة بؤره وعلى الأخص التي رعت الفكر الظلامي المتشدد وغذته ليكون وسيلة إذلال لهذه المجتمعات تلاقي مصيرها المحتوم سواء بحكم الواقع المبني على ما أسست له هذه البقايا أو بأيدي صانعيها أو رعاتها بعد أن انتهت مدة صلاحياتها ولتأخذ معها إلى القاع كل ما أنتجته من أمراض وعقد وانحرافات وأكاذيب عبر تاريخها المخزي والمظلم .
إن هذا يفرض على هذه النخب مواجهة حتمية لابد منها وأن تضع هذه المجتمعات في خط المواجهة الأخطر حيث تتمكن من تحقيق القفزة المطلوبة حضارياً .
إن هذه المواجهة الصعبة هي مواجهة مع الذات بكل ما تحمله من موروث فبقدر ما تملك القدرة على ذلك وعلى الاعتراف بالخطأ أينما كان هذا الخطأ بعيدا عن إحاطة هذا الموروث في كثير من الحالات بهالة من القدسية والمحرمات , بقدر ماتتمكن فيه من تسريع النقلة الحضارية المطلوبة . فكل شيء يجب أن يطرح على بساط البحث كما سبق وأوضحنا , وقبل كل شيء هذا النظام منذ تأسيسه قبل قرون طويلة. فإلى متى سننتظر حتى نتأكد من أنه هو السبب الرئيسي في كل ما حدث ويحدث لهذه الأمة من مصائب وتخلف وا نحطاط لنوفر الأرضية الصالحة للانطلاق نحو المستقبل متكئين على المنظومة الأخلاقية الإنسانية التي تحقق المصالحة مع الذات أولاً . ثم مع الآخر ثانياً. داخل المجتمع بكافة أطيافه وتعدد وجهات النظر والانتماءات السائدة والمعروفة داخله .
وهل هناك دليل أكيد على صحة هذا التوجه من أقوال أعداء الرسالة والإنسانية ونقصد بذلك حاخامات التلمود والكابالاه . ففي بروتوكولات حكماء صهيون ( البروتوكول الأول) جاء مايلي : على من يريد السلطة أن يلجأ إلى الرياء والغدر , إننا نسلم بأن فضيلتي الصدق والاستقامة شعار ( الخوارج ) غير اليهود .!
وفي (البروتوكول الرابع) ورد مايلي : من شأن الإيمان أن يقود الشعب إلى الامتثال لنصائح القادة وبهذا الامتثال ينمو الشعب ويرقى لذا يجب علينا أن نهدم أركان كل إيمان .
هكذا يتضح أن المنظومة الأخلاقية هي أكثر ما يخيف قوى الشر والظلام من أعداء الإنسانية لـــذا فان هذه المواجهة المطلوبة والملحة ليست سهلة على الإطلاق كما سبق وبينا خاصة وإنها مواجهة مع الذات وهي الأشد إيلاماً وقد تسبب الصدمة لكثير من شرائح المجتمع ولكن إذا كان الشفاء لايمكن أن يتحقق إلا بالجراحة فانه لابد منها , لأن البديل الأكيد هو الموت أو الانجراف مع مخلفات وبقايا النظام السياسي العربي بكل تخلفه وانحرافه نحو هاويـة لا قرار لها .
إن ما لدينا من التراث الأخلاقي الإنساني المغيب والمدفون والذي لابد من إخراجه إلى دائرة النور وتخليصه من الشوائب التي أهالها عليه النظام السياسي العربي , ما يكفي ويزيد , فتراثنا الإنساني يعود إلى فجر البشرية مرورا بالرسالات السماوية ومنظومتها الأخلاقية وهذا التراث مع مستجدات العصر الفكرية والثقافية قادر على توفير التحصين اللازم للمجتمع وصخرة صلبة نتكيء عليها بشكل دائم , لكن المطلوب الآن أيضا هو إعادة وصل هذه السلسلة من آخر حلقاتها وهي ( الرسالة الإسلامية المحمدية ) بأخلاقياتها الإنسانية النبيلة وهي الحلقة الأهم التي أقدم النظام السياسي العربي وقوى الظلام على قطع التواصل معها وما بينها وبين ما سبقها من حلقات . الأمر الذي تسبب بكل هذا الخراب والانهيار الــــذي نشهده في هذا العصر .
نحن الآن نقف على مسافة زمنية بعيدة جدا عن هذا الموروث الحضاري وإعادة الوصل تستلزم جهوداً حثيثة مضنية ومتواصلة بهمة لا تفتر للتنقيب عنه وتنقيته من الشوائب ثم وضعه قيد التداول .
وكما أن الرسالة الإسلامية المحمدية لا تنفصل عن رسالة السيد المسيح السابقة لها كذلك رسالة السيد المسيح لا تنفصل عن رسالة النبي موسى و ما قبلها إلى آخر الحلقات .
وعليه فان الحضارة الإنسانية المادية لا تفترق عن القيم الأخلاقية التي كرستها الرسالات السماوية وقيم باقي الشعوب وهما تسيران جنبا إلى جنب , والحضارة الإنسانية عموما كل لا ينفصل ولا يتجزأ فهي نشأت من رحم بعضها البعض أو أنها رفدت بعضها بعضاً والكل أضاف ونهل بآن واحد منذ نشوء التجمعات البشرية واكتشاف الأدوات والزراعة وتدجين الحيوان إلى ركوب البحر وصناعة الفخاريات والألبسة وصولا إلى الدولاب ثم الآلة وانتهاء بالرقميات وفك شيفرة الخلية وفي تراثنا منذ أكثر من أربعة عشر قرنا ما يدل على ضرورة التواصل الإنساني الحضاري نستشفه من حديث الرسول الأعظم ( اطلبوا العلم ولو في الصين ) فهل هناك أدل من هذا التوجيه نحو عملية التواصل الإنساني الحضاري وهي عملية لابد منها ولامحيد عنها وإنها أمر واقع لا محالة وقاعدة ثابتة , لقد كان الأمر المفروض بالحضارة العربية وسنداً للرسالة السامية التي حملتها أن تكون الآن متربعة فوق ذلك كله وأن تكون هذه التطورات الحضارية مشهودة منذ قرون طويلة وأن تكون الإنسانية بالتالي قد وصلت إلى مرحلة متقدمة جداً عن وضعها الحالي . لكن هذه الفرضية قد أسقطها النظام السياسي العربي الذي أبقى هذه الشعوب على هامش الحضارة المادية بنفس الوقت الذي دفن فيه قيمها الأخلاقية الإنسانية .
إن ظهور بعض البقع المضيئة عبر هذا التاريخ لايمكن سحبه على النظام بالكامل لأنه وفي الحقيقة حتى هذه البقع المضيئة قد عمل النظام على إخراجها من خلاله ووفقا لمفاهيمه المنحرفة وهذا تكراراً لما سبق .
هكذا نكون قد فقدنا الحق بالانتساب إلى هذه الحضارة مالم نكشف عن الجوانب الأخلاقية الإنسانية التي أرستها الرسالة الإسلامية المحمدية مكرسة أخلاقيات ماقبلها من رسالات ومتممة لها وتخليصها من كل هذا الركام والشوائب .
ولكي يتحقق ذلك يتوجب توفير مناخ الحرية اللازمة كشرط أساسي من شروط الانطلاق لأن هكذا مناخ هو الذي يطلق الإبداعات في المجتمع والفرد .
فالحرية التي قدستها الرسالة الإسلامية قد تعطلت بفعل النظام الذي أحل مكانها ثقافة القمع والعنف وكتم أنفاس أي رأي آخر , ماعدا رأي القوى الانتهازية الموالية له بثقافتها الشاذة المنحرفة والتي بررت له كل انحرافاته ومظالمه معتبرة أن كافة الآراء الأخرى كافرة , مرتدة وخائنة .
فهل نحن قادرون على وضع الأمور في نصابها الصحيح.؟
إن هذا التساؤل هو برسم النخب السياسية المثقفة والملتزمة وطنيا , فهي الأكثر قدرة على الإجابة كونها الأكثر خبرة بواقعها كما هو مفترض أن يكون فقدرتها على الإجابة تنبثق من إمكانيتها وقدرتها على استقراء المستقبل وفهمها الصحيح لمكامن الخطأ دون أي تحيز وبعيدا عن العواطف وقدرتها على الإمساك بنقاط الالتقاء بين كافة الشرائح ,لكن هذه النخب محدودة القدرة على الحراك بسبب تعرضها الدائم لعملية طحن عظم دون حماية من المجتمع الذي يقف موقف المتفرج عندما تكون واقعة مابين سندان الأنظمة ومطرقة القوى الظلامية المتخلفة ومجموعات فقهاء السلطة التي تمارس تظليل المجتمع , في أسوأ عملية قمع متصاعد ومستمر عبر العصور فإذا ما تمكنت هذه النخب من التقاط أنفاسها في ظرف ما سرعان ما يتم إعادتها إلى المواقع السابقة ليعاد تشتيتها وتفتيتها من قبل تحالف قوى الشر المعادية للمجتمع وأية حركة تطور وهذه القوى هي (النظام وحلفائه وفقهائه وقوى الظلام المتخلفة )
مع ذلك فهي قادرة تماما على وضع الأمور في نصابها الصحيح لو أتيحت لها الفرصة في ظل مناخ من الحرية والديمقراطية المحمية بقوانين سليمة .
وهذه القدرة تتجلى بسلامة تشخيصها للواقع ولمس الحقيقة ومعالجتها سيما وإنها تعيش هذا الواقع وعلى الرغم من أن قسما من هذه الشرائح المثقفة متأثر تماما بالمدارس الفكرية الغربية( الليبرالية ) أو الشرقية ( الاشتراكية) إلا أن هذا التأثر سيكون عامل اغناء لأية تجربة يجري وضعها موضع التطبيق عبر عملية تلقيح ذات طابع إنساني حضاري مع التراث الأصيل والحقيقي للفكر الرسالي وثقافته السليمة البعيدة كل البعد عن ثقافة النظام وفقهائه وموروثه المنحرف ولا نعتقد أنه سيكون هناك أي تضارب بين هذه الثقافات خاصة وان نخبنا قادرة على التقاط الايجابيات لدى كافة المدارس الفكرية بتناغم يصب في مصلحة المجتمع باستثناء بعض الجوانب القانونية التي تحكم العلاقات الاجتماعية كقوانين الإرث (مثلا) مع قناعتنا بأن تطبيق القانون المدني في العلاقات الاجتماعية سيؤدي حتما إلى ذوبان أسوأ المظاهر ( المذهبية والطائفية ) كما أنه سيساعدعلى تخفيف حدة التناقضات الاجتماعية والقضاء عليها بمرور الوقت . وربما كان تطور القوانين الغربية وشمولها لأدق التفاصيل بسبب فارق التطور الزمني سيسبب لمجتمعاتنا بنوع من عسر الهضم إلا أن التغلب عليه ممكن بمرور الوقت وبحكم التعود , وان هذا يجب أن يشكل دافعا أكبر لنخبنا السياسية الوطنية المثقفة لتسريع عملية الانتقال وتكثيف الجهود لا نجاحها وهذا ما يحتم على هذه النخب أن تتحمل صعوبات الاصطدام بالواقع والإصرار على هذا الصدام بغية تذليل الصعوبات في أقصر وقت ممكن لنتمكن من سد فجوة الفارق الزمني الحضاري .
والمطلوب تماماً إذاً هو : مجموعة قوانين بديلة تؤسس لذلك وتحمي عملية التغيير المنشودة
وإلا فان أية محاولة تصبح ضربا من العبث لأن قــوى الظـلام والتي باتكائها على الـدين تعيش ضمن ( تابو) وتضفي على كل ما يصدر عنها طابع القداسة والتحريم موفرة لنفسها حماية ممزوجة بإرهاب فكري بشع تمارسه بشكل غير مباشر ضمن شرائح المجتمع , قادرة على التخريب وتعطيل عملية التغيير وسـيكون هــؤلاء هم البـديل الأكـيد حيث سيتوقفون ضمن العصور الوسطى ليتمكنوا من إعادة إنتاج محاكم التفتيش ولكن بشكل أسوأ وأشمل فمحاكم التفتيش كانت توجه تهم السحر والشعوذة ولكن هنا كل التهم جاهزة وهي تشكيلة تهم لها أول وليس لها آخر وأن أول الضحايا ستكون النخب المثقفة تليها كافة الشرائح المتنورة في المجتمع .
هناك عامل كبح آخر للنخب المثقفة يتجلى في الفسيفساء المذهبية والطائفية والأثنية السائدة في العالم العربي وهي عوامل كبح ذاتية تتجلى في تجنب النخب المثقفة السياسية في توجيه النقد على هذا الأساس خشية ردود الأفعال المصطنعة والتي تقف خلفها القوى الظلامية المتشددة والتي ستستغل الجميع تحت شعار الدين وزعم حمايته كما أنها ستحاول أخذ النقد على محمل سيء بغية الإثارة والتحريض لأن التوصل إلى قاعدة فكرية واحدة سينسف مواقع هذه القوى الظلامية , بنفس الوقت فان السلطة ستلتقي مع هذه القوى الظلامية من خلال الحفاظ على الموا قع والمصالح وبالتالي فإنهم إذا
عجزوا عن الإيقاع بالنخب الوطنية المثقفة سياسياً وأيديولوجياً سيمسكون بقرون العامل المذهبي والطائفي تحت شعار الكفر والإيمان في مواجهة هذه النخب .
إذاً فان الصعوبة ستكون كبيرة للغاية إلا في ظل ثورة تقلب القوانين المتخلفة السائدة وتنقلها إلى مستوى حضاري يحمي الحريات وكما أن القرآن الكريم قدس الحريات لذا يجب أن تنسجم القوانين المطلوبة مع حالة التقديس هذه وغير ذلك هو الكفر الحقيقي بعينه والخروج على النص وعلى كافة المفاهيم الإنسانية الأخلاقية ولا سبيل آخر لكبح جماح قوى الظلام وأكاذيبها واستغلالها للنص بشكل غير صحيح .
( وعليه اذاً فان المخرج الوحيد يكمن في إيجاد قاعدة تلتقي عليها كافة النخب المثقفة من كافة الأطياف تتفق فيها على تجاوز الموروث ) .
إن المصيبة التي نعيشها تكمن في أن من يخالف النص فعلاً هو الذي يتهم الآخرين بالكفر والإلحاد ( بمعنى أن الكافر هو الذي يكفر الآخرين ) في الوقت الذي يكون هو فيه يعيش الكفر ويتنفسه لكن مفهومه المنحرف الذي تجذر في مجتمعاتنا هو المقياس في هذه الحالة وهو يستغلها إلى أقصى الحدود وقد اعتاد على دعم بؤر النظام المتخلفة له على قاعدة تبادل المصالح .
إذاً فان إمكانية الرد على القوى الظلامية التي ترفع المصاحف في وجه قوى الخير والحضارة والإنسانية متوفرة وواضحة ولا ندري ماهي الأسباب التي تحول بين النخب المثقفة وبين محاولة فهم النص القرآني بشكله الصحيح لتسفيه آراء قوى التشدد والظلام التي احتكرت النهج الديني بشكل منحرف بقصد الحفاظ على مصالحها ومصالح النظام السياسي العربي ومصالح القوى العالمية التي تستفيد من هذه التناقضات لتحقيق مآربها وتسويق طروحاتها وأفكارها التي أصبحت تلاقي رواجا لها في المنطقة .
إن مشكلة غالبية الشرائح المثقفة لدينا أنها ذهبت في إعجابها بالعقليات والأفكار المستوردة سواء كانت أوربية غربية أم شرقية إلى حد التماهي مع طروحاتها وأفكارها دون نقاش أو تفكير عقلاني يأخذ بعين الاعتبار اختلاف المجتمعات والفارق الحضاري والثقافي الكبير وعدم قدرة مجتمعاتنا بكافة شرائحها وأطيافها على الإحاطة بكل هذه التطورات بشكل فوري ومفاجئ .
نقول أن نخبنا قد تما هت إلى حد أنها استخدمت نفس المصطلحات التي تنتجها النخبة الأوربية كما هي وبلفظها الأصلي مع كافة أفكارها وحلولها الملائمة لمجتمعاتها والتي قد لاتتلائم ولا تنسجم مع واقعنا في كثير من الجوانب .. وكأن نخبنا العتيدة هذه لا تستطيع أن تدلل على مستواها الثقافي المميز إلا بترداد نفس المصطلحات والنظريات كما هي وبحرفيتها .
والسؤال هنا : أليس بإمكان نخبنا أن تنظر إلى واقع مجتمعاتها بعين المدقق الخبير ومن خلال معاناتها ومعاناة مجتمعاتها ؟ ثم ألا تستطيع تركيب مصطلحاتها الخاصة بها ؟؟؟ ثم من قال لهؤلاء أن استعمالهم للمصطلحات التي تنتجها النخب الغربية أو الشرقية قد تعزز نظرة الاحترام لهم ضمن مجتمعاتهم وتؤكد على تميزهم .؟؟ إنه أمر مثير للاستغراب بقدر ماهو مثير للاستهجان !! . فان لم يكن هذا السلوك يدل على ضعف شخصية وعدم الثقة بالنفس فانه يدل على قصور ثقافي حقيقي , وهذا ما لا نريده لنخبنا المثقفة والوطنية التي نأمل منها أن تقود مرحلة الانتقال إلى الحالة الحضارية . ...
إن قراءة صحيحة للمنظومة الأخلاقية كما هي في الكتب السماوية مع إضافة مفاهيم تنسجم وروح العصر والوقوف بوجه قوى التخلف الديني و أية اجتهادات مخالفة للنص والمنطق والعقل . ستكون حجر الأساس في عملية التغيير والانتقال بالمجتمع إلى حالة ثقافية منسجمة تعيد تركيبته إلى وضعها السليم والصحيح مع التشديد على توفير مناخ الحرية لتكون أساسا لإطلاق روح الإبداع والوقوف بوجه القوى التي ما تزال تضخ أفكارا سامة متخلفة تزرع الحقد والكراهية بين أبناء المجتمع الواحد .
إن هذا كله ليس وقفا على النخب المثقفة لمذهب أو دين أو شريحة محددة بل يشمل كافة النخب في كافة شرائح وتفرعات المجتمع وأطيافه دون استثناء فالانحراف والخطأ قد أصاب الجميع ونحن نتحدث عن أبناء الوطن الواحد والمسؤولية تقع على عاتق الجميع من كافة الانتماءات *.
ولنلاحظ ( وبشكل فعلي) أن مجتمعاتنا لم تتعرف على أية ثقافة سوى ثقافة ( البيعة والموالاة ) في الوقت الذي كانت تجتث فيه كافة أشكال المعارضة عبر التاريخ لأن المعارضة ممنوعة بالمطلق في عرف النظام وهي موصومة دائما بالكفر والزندقة والخيانة والمروق كما سبق وأشرنا .
هكذا فانه إلى جانب الموالاة هناك ثقافة القمع بكافة صورها وأشكالها , وكان الخلاف منذ ظهور الإمبراطورية العربية إلى العلن على الأحقية في السلطة , وطالما أنه من المحظورات ظهور أي رأي يخالف رأي النظام وأسلوبه ( لايمكن بالتالي الوصول إلى أية حالة حوار يحترم فيها الرأي الآخر ومحاولة تفهم الجوانب الايجابية في طروحاته بل يجري مطاردته وقتله وتغييبه ) . لذا لم يكن هناك بديل أمام الرأي الآخر سوى إرساء ثقافة الانتقام بأي شكل من هذا النظام المتغطرس الظالم وتحين الفرص للإيقاع به للاقتصاص منه . هكذا كانت ثقافة العنف تنتشر على كافة مستويات المجتمع (عنف السلطة وظلمها وأمل المعارضة بالانتقام وهو الخيار الوحيد المتبقي أمامها ) بديلا عن الأسلوب الحضاري الإنساني في الحوار للوصول إلى ما يحقق مصلحة المجتمع وإفساح المجال أمام قوى الخير لبناء مجتمعها السليم القابل للتطور .
لقد تأكد كل ذلك تاريخيا عند انهيار الحقبة الأموية وظهور الحقبة العباسية إذ أن الإبادة كانت هي الوسيلة التي اعتمدتها الحقبة الجديدة والتي شملت كافة رموز العهد السابق في ترجمة دموية لعملية الانتقام في حين أن المعارضة المثقفة والصحيحة التي تهدف خير المجتمع قد انسحبت إلى الظل خائفة مرتعدة من أن يصيبها سيف الانتقام والحقد في مثل هكذا بيئة دموية أوجدها النظام الجديد الذي قفز إلى السلطة بداعي الثورة على الظلم فإذا به يغرق في نفس المستنقع الموحل , مستنقع السلطة وشهوتها والتي يتضح دائما أنها هي الغاية والهدف خلافا لكل الشعارات والأكاذيب التي يتم خداع المجتمع بها .
هكذا فان السلطة الجديدة حلت محل القديمة بكافة سلوكياتها وربما بأشرس منها بكثير دون أن تأتي بجديد للمجتمع أكثر من الوجوه . لذا فانه من المستحيل أن تخرج معارضة خيرة إلى العلن مالم تتعود مجتمعاتنا مناخ الحرية الحقيقية وتحسن التعامل ديموقراطياً على كافة المستويات والصعد بالشكل السليم بحيث يكون لكل فرد فيه دوره الصحيح والسليم والذي هيأته الطبيعة والتعلم والتطور له .
من هكذا مناخات يمكن أن تخرج معارضة صحيحة تراقب , تصحح , تنتقد , تحاور النظام و تتقدم ببرامجها للمجتمع مشخصة أمراضه لتضع الحلول والعلاج لها دون أن تشحن المجتمع بمزيد من الأحقاد مؤسسة لحالة من السلم والسلام تسود هذه المجتمعات الضائعة والمطحونة مابين قسوة النظام الظالم وثقافة الحقد والانتقام التي تضخها فيه هذه الأشكال الطامحة من المعارضات .
إلى ذلك يتوجب أن يتواجد هناك نظام يرتقي بكوادره إلى مستوى حضاري قادر على تفهم الآخر ومحاورته , يستفيد منه ويتعاون معه لخلق حالة حضارية ترتقي بالمجتمع إلى المستوى الحضاري المطلوب ضمن مناخات حرية حقيقة لا مداورة فيها ولا مناورة ولا أكاذيب وطلاء تجميلي والتي يصونها قانون سليم بحيث يحمي هذه الحرية ويحيطها بهالة من القداسة التي لا يجوز المساس بها .هذا القانون يجب أن يكون مرناً قادرا على التحرك بحيث يراعي كل ما يطرأ من تطورات تنتجها حركة المجتمع باتجاه المستقبل .
بنظرة واقعية للمناخات السائدة وتراث الثقافات القمعية القسرية المفروضة على المجتمع سواء كان ذلك من قبل النظام أو من قبل معارضة يقوم قسم منها بضخ نصوص مشوهة باتجاه المجتمع تزعم أنها مقدسة ربطتها بالتراث الديني للمجتمع بطريقة خبيثة واحتيالية كي تتمكن من السيطرة عليه تمهيدا لقفزة باتجاه السلطة على الطريقة ( الطالبانية الأفغانية) والقسم الآخر قاصر عن رؤية المحيط المحلي والعالمي يقدم خدمات مجانية للقوى المعادية بحسن نية أحيانا ؟ وقسم آخر وضع بيضه كله في سلة القوى المعادية للوطن مروجا لأكاذيبها عن رغبتها بتحرير مجتمعه وتطوير وطنه في الوقت الذي تصادر فيه الحريات في وطنها . بنفس النظرة نرى أن الحالة الحضارية لدينا مخترقة ومشوهة وهناك ثغرة واسعة جدا بيننا وبين العالم قد تركناها خلفنا وتجاوزناها عبر الالتفاف حولها دون الاقتراب منها ظنا منا أننا قد دخلنا مرحلة متطورة بهكذا أسلوب والحقيقة أننا بذلك قد مارسنا خداع النفس قبل كل شيء . فإذا استثنينا مصر من بين كافة بؤر النظام السياسي العربي نرى أن بقية المجتمعات العربية قد دخلت النصف الثاني من القرن العشرين دون قوانين ملائمة ودون أية قاعدة تمهد لهذا الدخول وبتركيبة وخلفية رعوية , زراعية بدائية , وإقطاعية دينية متخلفة تفتقر لكافة جوانب وأسس التطور الطبيعي المتكامل ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً يمكن أن تنتج قوى سياسية قادرة على استيعاب هذا النقص واستكماله بمعنى أننا لم ننتقل بشكل طبيعي متدرج إلى حالة تطور ملائمة للعصر الذي نعيشه لندخل في صورة أقرب إلى المهزلة وحالة من العبث واللامعقول . وهكذا نسينا مشية الغراب ولم نحسن تقليد البطة .
لذا فان القوى التي قفزت إلى السلطة كانت قوى خارجة من هذه البيئة تفتقر إلى الوعي الكامل بمحيطها متأثرة بتركيبة مجتمعها الذي أفرزها لتحمل معها كل تناقضاته وأمراضه فتحكم بعقلية البيئة التي أفرزتها وعقلية البيعة والموالاة مستندة بذلك إلى ارث السلطان المطلق الصلاحية الذي استحضرته معها من أعماق القرون الغابرة مع حكايات الجدات عن الشاطر حسن وعن شهرزاد والملك شهريار وحكا يا علي بابا والأربعين حرامي لتزداد أعداد الشاطرين والشهريارات وتمتلئ الشقق والقصور بالشهرزادات ويزداد عدد الأربعين حرامي بشكل هائل فأصبحوا يشكلون طبقة اجتماعية كاملة . لكن هذه السلطة ألبست كل ذلك ثيابا عصرية وصفات جديدة فقط بينما بقي كل شيء على حاله فبدت بعض مصطلحات العصر التي ألصقت على طرازه القديم المتخلف شكلا كاريكاتيرياً يثير الحزن والقرف معاً بقدر ما يبعث على الضحك والسخرية. ثم جلست هذه البؤر التي تشكل أوجه النظام السياسي العربي تتحدث عن حضارة وتحضير وتستعمل مصطلحات العصر ترددها بشكل ببغائي دون أن تفهم مضامينها الحقيقية أو أنها فهمت ومارست التحايل على مجتمعاتها وقد وصف ذلك
في بعض الأحيان من قبل رموز هذه البؤر بأنه إخراج جديد بسمات خاصة بهذه المجتمعات .
حتى النظام في لبنان الذي كان يقال فيه أنه الحالة الديمقراطية الوحيدة والحقيقية في هذا المحيط المتخلف تبين أنه ليس سوى تجمعا طائفيا لقوى طائفية ومذهبية تقاسمت السلطة حسب حجم وقوة كل منها و تمارس كل تناقضاتها علناً وبلا خجل لتتفجر حربا طائفية دمرت كل شيء فيه في أواخر سبعينات القرن العشرين.
وهي ليست الحرب الطائفية الأولى في تاريخ هذا البلد الصغير مع ذلك فقد شكل لبنان بكل هذه التناقضات حالة حضارية متقدمة جدا على بقية بؤر النظام السياسي العربي وهذه هي قمة السخرية بحق .
أما مصر فقد كانت البؤرة ( الأكثر عراقة ) والتي شكلت حالة متطورة منذ عهد محمد علي الكبير الذي أرسى أسس النهضة الصناعية والزراعية والثقافية فيها في حينه وتمكن من خلق المؤسسات التي تعطي شكلاً حضاريا للدولة وتطور الجانب الثقافي كثيرا بحيث سبق بقية البؤر العربية بمراحل متقدمة جدا والأهم من ذلك أن المؤسسة القانونية في مصر قد حافظت على تقاليدها واستقلاليتها بحيث أنها ما تزال مرجعاً لكافة بؤر النظام السياسي العربي وهي ( أي مصر ) وان بقي النظام فيها فرديا شموليا سواء كان النظام الملكي أم الجمهوري لكن المؤسسات بقيت على مسافة واحدة وخاصة المؤسسة القضائية وهكذا فإنها تمكنت أن تفرز قيادات أكثر نضوجا ووعيا بعيدا عن الطرازات الثورية الانفعالية التي ظهرت فيما بعد في بعض البؤر الأخرى .
لهذا السبب نرى استقرار القوانين وتطورها المستمر وكذلك نظام المجتمع بشكل متواز برغم الحالة الاقتصادية الصعبة للمجتمع المصري عموماً , وهذه هي من أهم الأسباب التي جعلت من مصر الأكثر عرضة لضغوط القوى المعادية العالمية والمحلية لأنها المهيأة فعلاً لقيادة التغيير على مستوى المجتمعات العربية كافةً, وكانت مرحلة جمال عبد الناصر أكبر دليل على قدرة مصر هذه والذي تمكن من جعل مصر تقود كافة بؤر النظام السياسي العربي طيلة وجوده وتفرض على هذه البؤر سلوكا محددا لمصلحة مجتمعاتها .


فــي عودة إلى التساؤل الأهم وهو:
هل يمكننا إعادة صياغة الروابط الحضارية داخل مجتمعاتنا وتجاوز الموروث المنحرف الذي أنتجه النظام السياسي العربي والقوى المساندة له ..؟؟
وهل نحن نملك القوى والرموز السياسية الاجتماعية التي تشكل الحامل الحضاري للتغيير وتكون قادرة على تحقيق النقلة الحضارية المتكاملة :؟؟ وماهي إمكانات التغيير ؟؟؟ .
بالنسبة لواقع المجتمع وإضافة لكل ماأوردناه , حقيقة ً يمكننا القول إنه واقع مثير للدهشة والجدل فنحن وبحكم مسبق نعتبر من أكثر الأمم قمعاً ورفضاً للآخر في الوقت الذي نزعم فيه الإيمان بأهم رسالتين سماويتين عبر التاريخ الإنساني ونقصد بالطبع رسالة السيد المسيح ( عليه السلام ) التي أرست مباديء وقيم المحبة والتسامح والحرية والسلام إلى جانب المنظومة الأخلاقية ورسالة الرسول الأكرم محمــد ( ص ) التي حوت ماقبلها وكرست مباديء المحبة والتسامح والحرية والسلام والمنظومة الأخلاقية وتربعت على القمة كآخر نقلة حضارية سماوية ومن اطلع على القرآن بعقل واع منفتح وليس بترداد ببغاوي ( على الطريقة التلمودية ) يتأكد له أن هذه الرسالة هي قمة التسامح والحرية بامتياز وهذا ماسبق وأثبتناه ( بالنص القرآني) , لأن كل مافيها رفض للقسر بأنواعه ومنع فرض الرأي والإلزام إلى ما هنالك من مصطلحات تلغي الآخر .
إلى هذا الجانب :
نرى أنه لابد من إجراء مقارنة سريعة بين المستوى الذي وصلت إليه القوى السياسية في الغرب ( جارتنا أوروبا ) من حيث دورها وعلاقتها بمجتمعاتها ..؟
وبين وضع القوى السياسية المتواجدة على ساحتنا والدور الذي تقوم به وعلاقتها بالمجتمع ..؟؟.
أولاً – بالنسبة للقوى السياسية في الغرب ( أوروبا) كونها الأقرب إلينا ويجب أن يكون تأثيرها أكبر من غيرها :
- هي تبحث دائما عن أفكار خلاقة وجديدة لتقديم نفسها كعامل تطوير لمجتمعاتها .
- تحولت إلى مؤسسات اجتماعية اقتصادية سياسية تعمل على تحقيق أكبر قدر من الفائدة لأعضائها وللمجتمع .
_ طورت أساليب الحوار البناء مع القوى الأخرى على ساحتها وارتقت بتفكيرها وتفكير مجتمعاتها ومستوى القبول بالآخر كما طورت مفاهيم الحرية والديمقراطية تطبيقا وممارسة بشكل متواصل يتلاءم وتطورات الحضارة والعصر .
- والأهم أنها تمكنت من صياغة وصناعة الوحدة الأوربية مع تعدد اللغات والمذاهب ورغم التاريخ العدائي المليء بالحروب ( حربين عالميتين في العصر الحديث ) وقد وصلت إلى مرحلة توحيد العملة وتوحيد الموقف السياسي والتكامل الاقتصادي وهي تعمل الآن على إنجاز دستور موحد لكل الدول الأوربية المنضوية تحت لواء الوحدة .
- تداولت السلطة بأسلوب حر ديمقراطي وعملت من خلال السلطة على تطبيق أفكارها ملتزمة بوعودها للمجتمع وتحملت تبعات أخطائها وفشلها بكل رحابة صدر دون أن تبحث عن مبررات وأعذار .
- تساوت في ذلك قوى المعرضة والقوى الموالية وتنافست هذه القوى في سبيل التطوير الدائم لمصلحة مجتمعاتها .
ثانياً : أما بالنسبة للقوى السياسية العربية :
- هي تبحث عن أخطاء غيرها لتقلبها إلى جرائم ولا ترى أخطائها بل وترفض إطلاقاً الاعتراف بها ولا تملك أية قدرة على تقديم أية أفكار لصالح المجتمع .
- مجرد عالة على المجتمع تتعاطى بالشأن السياسي البحت والفائدة محصورة بقياداتها دون أعضائها والمجتمع ولم تتمكن من الانتقال إلى التأسيس الاجتماعي الاقتصادي .
- رسخت ثقافة القمع داخل تنظيماتها وداخل المجتمع على حد سواء من خلال النظرة العدائية للقوى الأخرى التي تشاركها الساحة وحتى في داخلها فان الاعتراض والنقد ومناقشة الأخطاء ممنوعة , وهكذا فان الانشقاقات قد تتالت في داخلها وداخل المجتمع المتأثر بها ولم تتمكن من تطوير أفكارها بسبب سواد قيم الأنانية فانعزلت عن الشارع .
- رسخت الإقليمية بالرغم من شعارات الوحدة ووجود مقومات الوحدة بين كافة المجتمعات العربية ولم يتمكن أحدها من تقديم النموذج الأمثل بالرغم من وصول بعضها إلى السلطة وترسخت الخلافات داخلها كما أنها رسخت الخلافات الاجتماعية الدينية المذهبية بدلاً من تجاوزها ولم تتمكن من الوصول إلى حالة وحدة وطنية ضمن أصغر مجتمعاتها .
- تبعاً لما سبق فقد انتقلت إليها أمراض التخلف السائدة في المجتمع ( الطائفية والعشائرية والعائلية والمذهبية ) ..الخ وأحضرتها معها الى السلطة ولم تتمكن من تطوير مفهوم الوحدة ضمن المجتمع ولم تطبق دستوراً في أي من البؤر التي حكمت فيها وذلك لصالح قوانين الطوارئ والقوانين الاستثنائية فتناقضت الممارسات مع الشعارات .
- اغتصبت السلطة ولم تصل إليها بإسلوب ديمقراطي واعتبرت هذه السلطة ملكا وحقا لها ولا يحق لأحد كائناً من كان الاعتراض على ذلك مع ثبوت الأخطاء ومارست شتى أشكال القمع تساوت في ذلك المعارضة والموالاة من خلال السلطة وتنافسوا في ابتداع وسائل القمع والإرهاب المادية والفكرية وكرست تخلف المجتمع الذي لم تقدم له سوى المصائب .
- فقدت القدرة على الإبداع أو بالأحرى لم تملك أية إمكانية للإبداع فتكلست وتحجرت وتقوقعت تجتر أفكارها القديمة دون أن تملك أية رؤية لفهم ما يجري حولها من تطورات محلية وعالمية حتى أنها قد قاربت أن تكون قيادات بلا قواعد .
- تركت الشارع خالياً نهباً لأفكار القوى الظلامية المتخلفة المغلفة بما تسميه تلك القوى إيمان .!!!
إذاً بهذه القوى لايمكن على الإطلاق إعادة صياغة الروابط الحضارية.مع ذلك فإننا نملك الكوادر المؤهلة لذلك وهي تملك القدرة والنضوج الكافي للقيام بأعباء هذه المهمة إلا أنها مشتتة متفرقة بفعل ضغوط النظام والقوى الظلامية بآن واحد على امتداد الساحة وتوزع بؤر النظام السياسي العربي بكافة وجوهه (وهي بالطبع غير القوى التي أطلت برأسها مؤخرا تحت شعارات المعارضة والتي لاتملك أي مفهوم وثقافة معارضة صحيحة ) : والمطلوب من هذه القوى أن تبدأ بتجميع بعضها والدخول في حوار مكشوف مع أية بؤرة متطورة فكرياً( من بؤر النظام) لغاية الوصول إلى حالة تفاهم توفر تسخير الإمكانيات اللازمة للدخول في مرحلة التغيير المنشود . وهذه الكوادر هي ملتزمة وطنيا ترفض التحالف مع أية قوى غريبة مهما كانت المغريات والضغوط , وعلى البؤر المتطورة فكرياً في النظام العربي أن تبادر للقاء معها قبل فوات الأوان فقد تبرز القوى السياسية العميلة والتي باعت نفسها للشيطان على أنها المنقذ الوحيد وتساهم في خداع الشارع مستغلة الدين والأوضاع الحرجة.
إن الموضوع المهم والذي يجب أن يأخذ أكبر مساحة من النقاش بحيث تقع تحته غالبية الإجابات على التساؤلات وهو : ماهي المرتكزات الثقافية للتغيير وإذا كنا لا نملك في تراثنا سوى ثقافة القمع لدى الجانبين ( ثقافة البيعة والموالاة ) و ( ثقافة الانتقام والحقد ) . فما هي إمكانية إيجاد معارضة وثقافة معارضة راقية وعلى مستوى العصر قادرة على تبادل الأدوار على السلطة فنصل إلى سوية حضارية مع جارتنا الأقرب
( أوروبا ) ؟؟؟.



* * *






الموالاة والمعارضة في مفاهيمنا
حميـــر القوافل
بداية نرى ضرورة النظر إلى حالتي المعارضة والموالاة بشكل عام وحضاري على أنها ثقافة (قبل أن تكون شكلا من أشكال المواقف السياسية) تصب في مجرى المصلحة العامة , وهي ثقافة يحرزها المجتمع وتتطور بتطور العصر لتترسخ فيه على اختلاف أطيافه وشرائحه في مناخ من الحرية والديمقراطية حيث تتبدل المواقع بين مرحلة وأخرى لتصبح الموالاة معارضة والعكس بالعكس والتنافس يجب أن يكون على من يقدم خدمات أكبر للمجتمع تساهم في تطوره وتوفر له القدر الأكبر من الرفاهية ضمن أجواء من الحوار المنطقي الهادئ يكون المجتمع فيه هو الحكم بين القوى السياسية التي تطرح نفسها على الساحة ومدى تقبله لها من خلال صناديق الانتخابات النزيهة واستطلاعات الرأي المحايدة .
فما هي سمات هذه الثقافة في حضارتنا التي نتغنى بها بمناسبة وبلا مناسبة ونصدع رأس العالم بها ؟؟ ونحن أول من يقف حائراً إزاء حقيقتها !!!؟
للإنصاف يمكننا القول أن حضارتنا ؟!! لم تطلق النار على رأس الحصان العجوز لتتخلص منه بل حافظت عليه تاركة له الحرية يجوب الميدان والمرعى كما يحلو له حتى ينتهي بالشكل الطبيعي وربما لمس هذا الحصان العجوز في نفسه بعض القوة استعادها فيعود ليختلط بالخيول الفتية مشاركا إياها مضمارها فارضا عليها في كثير من الأحيان إن لم يكن دائما نمط تفكيره وأسلوبه وربما تمكن من السيطرة عليها
( وهذا ما يحدث غالبية الأحيان) , . بدلاً من ترك هذه الخيول الفتية حرة تملأ الميدان حيويةً ونشاطاً مستغلا في ذلك مواقع الأبوة وتراث احترام الأكبر , وهكذا يتعرقل نشاط واندفاع الخيول الفتية التي تبقى محكومة بعقلية زمن سابق مضى ولانفع منه .
هكذا تتعرقل حركة المجتمع إن لم تتعطل تماما , ويجب أن لا يغيب عن البال أن ثقافتنا الحقيقية التي تعود في أسسها إلى الرسالة الإسلامية المحمدية الأصيلة والتي يزعم النظام السياسي العربي والقوى الظلامية الانتماء إليها , قد حرمت العمل بمقولة ( هكذا وجدنا آباؤنا) ( بالنص) .بمعنى أنها حرضت الأجيال الجديدة على التفكير وفق نمط مستقل يتلاءم وعصرها بعيدا عن أسر الأفكار الموروثة وأطلقت مبدأ ( لاتقسروا أولادكم على أخلاقكم فقد ولدوا لزمان غير زمانكم ) وبالطبع فان المقصود بالأخلاق هنا ., هو ( العادات ومنهج الحياة العملية ) وليس الأخلاق بالمفهوم السائد أي القيم الإنسانية النبيلة .
مع ذلك فان النظام السياسي العربي بما أرسى من مفاهيم خاصة به قد خالف هذه المبادئ من ضمن مخالفاته لكل حقائق ومنهجية وأخلاقية الرسالة , ومخالفاته هذه قد انسحبت على المجتمع لتصبح من ضمن الموروث وبالتالي تعطلت حركة الخيول الفتية وكبح جماحها ومعها حركة التطور الاجتماعي الطبيعية .
في حين أن الحضارة الغربية وبدافع ارثها وتجربتها ونتيجة انعتا قها من ربقة الكنيسة كنظام سياسة و حياة مفروضة كانت قاسية مع الخيول المسنة فلم تلتفت إليها وأطلقت على رؤوسها رصاصة الرحمة مفسحة المجال واسعا أمام الخيول الفتية تجوب الميدان فسيحا رحبا واسعا حرا وفق رؤيتها الجديدة لهذا (الواقع) لا يشاركها أحد مضمارها أو يتسبب بعرقلة اندفاعها ويلزمها بأنماط فكرية أو خبرات قد لاتكون مفهومة منها أو ملائمة لها وهذا بالتأكيد ما أدى إلى حركة التسارع الحضاري المذهل الذي شهده الغرب وما يزال .
ونرى بدورنا أنه ليس هناك ما يمنع من الإفادة من حكمة الكبار وخبراتهم شريطة عدم التدخل في حركة الأجيال الشابة بشكل يؤثر في اندفا عتها باتجاه المستقبل , وأن يتم الاكتفاء بما تريده هي وما ترغب به تحقيقا لمزيد من القدرة في الاندفاع من الخبرات المتحصلة عبر الأجيال من تجارب ثبت نجاحها وما تزال مطلوبة على أن تتناغم وإيقاع آلية العصر وإلا فلا . وعلى اعتبار أن أية عرقلة وتأخير لحركة الأجيال الشابة هي تعطيل لحركة المستقبل ستؤدي بالتالي بالمجتمع للتخلف عن مجرى الحضارة الذي لا يتوقف لعقود طويلة .
وعليه يصبح من الضروري البحث عن الجوانب السلبية التي أثرت وما تزال تؤثر في حركة مجتمعاتنا وضرورة إظهار هذه السلبيات للجميع دون حرج , لأن من يهرب من سلبياته والإقرار بها ثم مواجهتها سيكون من المستحيل عليه التحرك خطوة واحدة إلى الأمام أو الانتقال إلى الجانب الآخر الإيجابي. ولنتشــارك معا في استحضار صورة أخرى من عمق الذاكرة لما لها من تأثير في السلوك الجمعي , سلطة ومحكومين , موالاة ومعارضة , على حد سواء .
لقد اعتدنا عبر تاريخنا على مشاهدة صاحب أو مالك القافلة يمتطي حمارا تنعقد بذيله قياد مجموعة من الجمال على شكل سلسلة , والجمال تسير خلف الحمار صابرة محتسبة !!
إذاً فالحمار هنا يتولى قياد القافلة أو يقوم بدور الدليل بأوامر من المالك , وهكذا عرفنا أو ترسخت في قناعتنا عبر أجيال أن الحمير هي التي تقود القوافل أينما سارت وحيثما كانت وجهتها .
ربما تكون هذه الصورة قد ذهبت بعيدا في الوجدان الشعبي حتى صارت موروثا أصيلا يستحضرها اللاوعي عند أول منبه ليترجمها الوعي إلى صورة على امتداد مساحة الرؤيا فتتجسد مفاهيماً وممارسةً وسلوكاً قد يكون لاإراديا في كثير من الأحيان وفي أحيان أخرى قد يكون إراديا لأسباب عائدة لعقد نفسية مغروسة منذ بدء الوعي أو موروثة لافرق ؟؟
لقد انسحبت هذه الصورة على الكثير من المشاهد في واقعنا العربي واستمرت على أرض الواقع ولكن بأشكال وأساليب مختلفة وبالسلوك الإنساني لمجتمعاتنا وذلك بفعل أساليب السلطة أو النظام السياسي العربي . هذا النظام الذي قام بتشظية مجتمعاته إلى مذاهب مختلفة ووضع حواجزاً مختلفة بين الطبقات وقام بتقسيم هيكلية الدولة وتوزيع مفاصل السلطة وفقا لرؤيته ثم جاء بأشد مواليه ( موالاة عمياء ) بغض النظر عن إمكانية هؤلاء الموالين وقدرتهم على الإدارة وخدمة المجتمع فهذه ميزات غير مهمة مقارنة بالموالاة , وهذا أكثر من كاف لكي يبدو المشهد العام وكأنها عملية تقاسم للحصص والغنائم وأصبحت الدولة مجرد بقرة حلوب يتشاطر النظام ومواليه عملية شفط حليبها بالكامل في الوقت الذي تتشكل فيه طوابير طويلة من الجائعين بانتظار قطرة حليب ولكن دون جدوى .
لقد بدت الصورة واضحةً تماماً كما نعتقد فهؤلاء الموالين قد تم توزيعهم على مفاصل الدولة ليتحكموا فيها ويتولوا قيادتها في حين كان النظام يتربع على ظهور هؤلاء
( حمير القوافل ) .
إن استمرار هذا النمط ( الصورة ) قد راكم حقداً هائلاً لدى الجمال المشهورة أصلاً بحقدها الذي لو ترجمته عمليا لدمرت كل ماحولها بشكل لاقبل لأحد به خاصة إذا أصرت الحمير على عدم تبديل مواقعها وأصرت على التمسك بها ( ودرس العراق ليس ببعيد ) .
إن المصيبة الكبرى تكمن في أن ( حمير القوافل ) هذه تصر تماماً على التمسك بمواقعها لدرجة أنها أصبحت قادرة على التمرد على أوامر المالك ( النظام ) الذي سبق وحدد لها مواقعها مقنعة نفسها بأنها صاحبة الحق . كل ذلك دون أن يفكر أي من الطرفين بقوافل الجمال التي وقفت تراقب هذه المهزلة وهي تتميز غيظا فالجميع كان يتحدث باسمها ويزعم العمل على خدمتها والسهر على راحتها في حين أن الواقع يؤكد أنها في آخر سلم اهتمامات هؤلاء وإنهم يقودونها على غير هدى خاصة وان تاريخ حمير النظام هذه مليء بإضاعة الطريق والهدف على الرغم من أن هذه الصورة لم تعد ملائمة لروح العصر ومشاهده وإيقاعاته المتسارعة إلى حد الإذهال .
ألأكثر غرابة : هو أن المنطق يؤكد على أن الوعي سابق لأي تطور كونه هو الذي يتخيل ويرسم هذا التطور قبل أن يحوله إلى واقع ملموس , لكنه وبفضل حمير القوافل قد تم عكس هذا المنطق رأسا على عقب وفي ظل بؤر نظامنا السياسي العربي تعطلت حركة الوعي لدينا وصارت هي التي تلهث خلف التطورات وآلية العصر وتقنياته المختلفة من علوم ومعلوماتية ورقميات وبكافة مجالات الصناعة والعلوم بقصد تضييق الفجوة بيننا وبين روح العصر ومجتمعاته المتقدمة وما أفرزته من نظم وأساليب . لكن دون جدوى ., فاستناداً لمسير حمير القوافل وبطء استيعابها القاتل يصبح من المؤكد أن اللحاق بباقي المجتمعات المتطورة وتقصير المسافة الهائلة التي تفصلنا عنها يصبح أمراً مستحيلاً . وعلى الرغم من كل هذا الخراب الذي سببته لمجتمعاتها فإنها متشبثة بمواقعها حتى أنها أصبحت تتمرد على من وضعها في هذه المواقع كما أشرنا , في الوقت الذي لاتسمح فيه لسيدها أن يسمع سوى نهيقها وتسبيحها بحمده .
كان لابد من إخراج هذه المشاهد في محاولة للولوج إلى الذهنية العربية خاصة ذهنية النظام السياسي العربي ومواليه لنتمكن من خلالها الإلمام الجيد بثقافة الموالاة وثقافة المعارضة الموروثة في ظل هذا النظام والتي سبق وحددنا أهم أسسها وهي
( ثقافة القمع مقابل ثقافة الانتقام ) وعلى خلفيته التي باتت هي ثقافة الشارع العربي وبالتالي إتمام سبر المفاهيم التي ترتكز عليها الذهنية العربية عموما ( سلطة وموالاة ومعارضة ) إن وجدت فعلا .
من حيث السلطة فان مجتمعاتنا لم تتعرف سوى على نوع واحد من السلطة وإن لبست أزياء مختلفة ( خلافة – سلطنة – إمارة – ملكية _ جمهورية – رئاسية – ثورية ) وقبل ذلك سلطة المستعمر الأجنبي ,( وعلى ما يبدو فهي تعود مجددا هذه الأيام ) . كل هذه الأشكال مارست القمع والقسر والإرهاب بأسوأ أشكاله ولم تسمح بأي شكل من أشكال الحرية للمجتمع الذي بقي غائبا مغيبا يحكم من فوق بأوامر تصدر عن فرد واحد وحيد أوحد يعطي ويحرم يمنح ويمنع يعفو ويعاقب يهادن ويحارب كل شيء يصدر بإسمه ويلغى بإسمه , ولا ظل إلا ظله .!!! فصار كبير الآلهة يحكم بواسطة آلهة أصغر منه وعلى الجميع أن يسبحوا بحمده , أصاب أم أخطأ فهو مأجور فـــي الحالتين ..؟!! على رأي فقهائه . *
هذه هي الثقافة التي أرساها النظام السياسي العربي منذ نشوئه وحتى الآن , لم تتغير ولم تتطور ولم يتعرف المجتمع على أي شكل حضاري من الثقافة أسوة ببقية مجتمعات العالم , إلا ما تسرب إليه منذ بضعة عقود فقط ورغم الرقابة الصارمة .
فالاستعمار العثماني سار على نفس النهج معتمدا على تراث النظام السياسي العربي وأضاف إلى التراث رؤيته الخاصة , بحيث سيطرت تماما على ثقافة المجتمع طيلة أربعة قرون وخرج تاركاً لنا عادات وإضافات حلت محل ما قبلها تداخلت مع الدين وليست من الرسالة في شيء فأسست لكل هذا الفكر ألظلامي المتشدد والمنحرف .
أما الاستعمار الغربي فلم تطل مدة إقامته بالرغم من أنه حاول إرساء مفاهيم حضارية لشكل ونموذج الحكم لكن النظام العربي سرعان ما عاد إلى نهجه بزوال هذا الاستعمار الذي قسم المنطقة إلى دويلات تاركا على رأسها وكلاء له . أما المعارضة فلم تقم لها قائمة كون النظام قد عاد إلى سابق عهده وتراثه ينهل منه أسلوبه الخاص في الحكم فحرم أي صوت أو رأي آخر . بنفس الوقت فان القوى التي تشكلت كمعارضة عادت لما سبق لتغذي الشرائح التي تؤيدها بالحقد والأحقية بالاستيلاء على السلطة على الرغم من الشعارات التي رفعتها عن العدالة والاشتراكية أو الديمقراطية وسيادة القانون لكنها وعندما وصلت إلى السلطة في النصف الثاني من القرن العشرين وبدلا من ترجمة شعاراتها دخلت في دوامة الانتقام ومطاردة القوى السابقة ثم انتقلت بعد ذلك لتكميم الأفواه ومطاردة كل من ينتقد أو يعارض حتى ولو كان من بين مؤيديها السابقين أو من قواعدها وكوادرها لتفرز بعد ذلك نخبتها الخاصة التي تحكمت بكل شيء وجيرت إمكانيات المجتمع لخدمتها .
إذاً فإن المعارضة وتاريخها لدينا يؤكد أنها لم تؤسس لأية ثقافة أو أفكار وقواعد حضارية (عدا شريحة قليلة منها بقيت محاصرة ومطاردة على مر القرون ) لكنها زرعت عنفا مقابل العنف فلم يترك لها النظام الذي كان يقتل على النوايا أي خيار آخر . وتتابعت ثقافة القمع والانتقام والحقد التي تطورت أشكالاً وأساليباً من قبل الطرفين .
باختصار فان المعارضة اليوم في مجتمعاتنا ليست أكثر من رد فعل خال من المنهجية لأنه وبسبب الانتقام من عنف النظام وتعدياته قد عميت عن رؤية الواقع وعن إيجاد السبل السليمة للتوجه نحو تثقيف المجتمع وتلقينه كيفية فرز ما أدخله النظام من انحراف على ثقافته ومنظومته الأخلاقية , كما أنها لم تتمكن من تثقيف نفسها وتطويرها بحيث تواكب التطور الحضاري الطبيعي الذي يحصل من حولها , فكانت التطورات تفاجئها وتشلها وتقعدها عن الحركة ولم نراها تقدم نفسها للمجتمع كحامل حضاري ولم تطرح أمام المجتمع أي برنامج فكري , اقتصادي , سياسي تلزم نفسها به وتتبناه وجل ما طرحته أنها كررت الحديث عن أخطاء النظام التي يعرفها القاصي والداني وحتى أن النظام يعترف بها علناً ولا ينكرها في بعض الأحيان . لكننا في الوقت عينه لاننكر بروز مفكرين وفلاسفة أظهروا تفهماً عميقاًً ورؤية دقيقة للواقع ووضعوا الحلول الصحيحة لكن جهودهم كانت كصرخة في واد بسبب إهمال النظام لهم ونقيق الموالاة الغبية مع مايثيره الأصوليون المتخلفون من غبار يعطل الرؤية ويشوش عليها نتيجة الخوف من يقظة هذه المجتمعات مع ذلك فقد لقيت تأثيراً مهماً نوعاً ما.؟
وبالرغم من أن هذه المعارضة في ظروف سابقة مختلفة قد مالأت النظام وأظهرت التحالف معه تحت شعارات قومية أو اجتماعية ( طبقية ) ..الخ إلا أن هذا النظام لم يمنحها ثقته وبقي يتعامل معها بحذر وتوجس في الوقت الذي كان فيه يحاول التحالف مع القوى الظلامية ويلبي طلباتها سراً وعلناً ويمنحها هامشا من الحرية لم تحصل عليه القوى التقدمية والحضارية والليبرالية حتى الآن . ذلك لأن القوى الظلامية وبزعم الدفاع عن الدين وبسبب تخلف المجتمع القسري بقيت قادرة على تعبئة بعض الشرائح بشكل أعمى بمواجهة القوى التحررية بزعم حماية الدين من الكفر والإلحاد والارتداد . خاصة وان هذه القوى الظلامية كانت وربما ما تزال تحظى بتغطية ودعم لا محدود من القوى الخارجية وعلى رأسها النظام الأمريكي , فطيلة ما أتفق على تسميته بالحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي استعملت القوى الظلامية ( المسماة بالإسلامية ) ككلب حراسة شرس بيد النظام الأمريكي يشهرها بوجه أي من بؤر النظام السياسي العربي التي ترغب بالإنعتاق من السيطرة , والتحرر من الوصاية . للتوجه وطنياً بما فيه مصلحة مجتمعاتها . تحت عناوين ومزاعم الوقوف في وجه المد
( الشيوعي ) وحماية المجتمع من الكفر والإلحاد . وهي الآن تنبح العلمانية بنفس الأسلوب ؟!!. والواضح أن المعسكر الغربي وعلى رأسه النظام الأمريكي كان يعد هذه القوى بإيصالها إلى السلطة دون أن يحقق لها ذلك بالفعل , مع ذلك فإن المعسكر الغربي قد تمكن من إيجاد وخلق حالة من التنسيق بين هذه القوى الظلامية وبين البؤر الأوتوقراطية في النظام السياسي العربي للوقوف بوجه قوى التحرر والحداثة داخل المجتمع وخارجه فكانت هذه القوى تنفذ ما يخجل النظام السياسي العربي وحتى الأمريكي من تنفيذه , من تصفيات جسدية واغتيالات لنخب المجتمع وقياداته التحررية وخبراته الاقتصادية والمهنية والسياسية , ولما كان النظام السياسي العربي بحاجة ماسة لإرضاء النظام الأمريكي فقد عمل على إبقاء نوع من العلاقة بينه وبين القوى الظلامية وعدم المساس بها أو إزعاجها سيما وأنها كانت تقدم خدمات جلى للمعسكر الغربي بما فيه إسرائيل .
ونتيجة لضيق أفق النظام السياسي العربي وقصر نظره ظن في نفسه أنه قد أرضى أمريكا بذلك ناسيا عن عمد أو عن غباء أن مصالحها هي التي تحكم علاقاتها .
والواضح الآن أنه وبعد أن انتهت الحرب الباردة بانتصار المعسكر الغربي بدأت أمريكا بالتخلي عن القوى المتخلفة الظلامية ( كلب الحراسة ) هذا بعد أن انتهت مدة صلاحيته ومعه الكثير من بؤر النظام السياسي العربي وذلك لإيجاد كلاب حراسة جديدة وبديلة, فقد فرضت مصالح النظام الأمريكي خلق أساليب جديدة وإيجاد وجوه جديدة متطورة وقادرة على التلاؤم مع التوجهات العالمية الجديدة وفقاً للرؤية الواردة في ( بروتوكولات حكماء صهيون ) والتي يجري تطبيق كل ماجاء فيها بالحرف الواحد , وقد انتقل التطبيق الآن إلى العلنية بعد أن كانت سرية جداً وكانت الصهيونية تنكرها .
هنا بدأ النظام السياسي العربي بكافة بؤره يكتشف رداءة المستنقع الذي غرق فيه فعندما حاولت بعض بؤره الانفتاح على القوى الوطنية وتحسين إدائها لمصلحة مجتمعها إنبرت لها القوى الظلامية لإعادتها بالمطلق تحت سقف الهيمنة الأمريكية , وقد تجلى ذلك في مصر على وجه التحديد وما تزال الجزائر تعاني الفظائع الوحشية التي ترتكبها هذه القوى , وقبل ذلك عانت سوريا من إجرام هذه القوى عندما رفضت توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل وفق نمط ( كامب ديفيد ) .
والغريب في الأمر أن بعض القوى السياسية التي تعتبر نفسها من قوى المعارضة قد ابتلعت الطعم واعتبرت أن هذه القوى الظلامية من المعارضة أيضا فتحالفت معها بزعم تشكيل جبهة موحدة رافعة ألوية الحرية والديمقراطية . ولنتصور بعد ذلك شكل الحرية ونوع الديمقراطية التي تنادي بها هذه القوى التي كانت اليد الضاربة للنظام السياسي العربي منذ نشوئه وانقلابه على الرسالة الإسلامية المحمدية النبيلة بقيمها وتطلعاتها الإنسانية وساعدت على دفن هذه القيم وإحلال أفكار منحرفة متشددة غبية بديلا عنها ثم عمدت إلى إغتيال ومطاردة النخب المثقفة في المجتمع في كل مرة يكون فيها هذا المجتمع على أعتاب نقلة حضارية , هذه القوى الظلامية بتاريخها الأسود المقرف تصبح فجأة قوى ليبرالية حضارية معارضة تنادي بحرية لم تؤمن بها يوما ولن تؤمن بها ومع ذلك انظمت إلى تحالف أطلق على نفسه تسمية ( معارضة ) ..؟!! وبدأت بضخ أكاذيب لها أول وليس لها آخر زاعمة أنها قد ساهمت في تثقيف المجتمع وأنها قد سبق لها ورفعت شعار تحرير المرأة و ساهمت سابقا في رفع شعارات الحرية والمشاركة الديمقراطية بالرغم من أن حاضرها مايزال يكشف ماضيها !!!.
فما هي هذه المعارضة على حقيقتها : عندما تهيأت الظروف لهذه المعارضة كي تطل برأسها إكتشفنا أي موروث يعشش في رؤوس قسماً كبيراً من أطرافها , فثقافة القمع متأصلة حتى العظم لدى الجميع حتى في مركز خلايا كل منهم وحصر الصراع بين هذه المعارضة وبين السلطة ومواليها . بينما المجتمع بكافة شرائحه هو الغائب الوحيد عن أدبيات هؤلاء وإن حدث ذلك فمن باب التنويع اللفظي ورفع العتب ويمكننا أن نتجرأ ونؤكد على أن هؤلاء لم يلحظوا أي إهتمام جدي بالمجتمع رغم العبارات والمصطلحات الطنانة والشعارات الجوفاء التي رددها هؤلاء في أدبياتهم والتي يتشدقون بها وكأن الحرية والديمقراطية التي ينادون بها مفصلة على مقاساتهم فقط أو كأنها سلعة مسروقة منهم شخصيا وهم يعملون على استردادها لا أكثر ولا أقل , هذه المعارضة أطلت برأسها من خلال أحقيتها بالسلطة سنداً لفشل النظام السياسي العربي بشكل عام فرأوا أن القطيع جاهز لنقل ملكيته وإنهم على إستعداد لإبرام عقود البيع والتنازل هذه , وليس القصد هو تطوير المجتمع ( القطيع) إذ أنهم لم يتقدموا بأي برنامج يتضمن ما يشير إلى عملية التطوير وكيفية إرساء أسس الحرية والديمقراطية وثقافتها في المجتمع كما لوحظ أن هذه المعارضة لاتملك أية مفاهيم واضحة للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي تتشدق بها سوى بعض المصطلحات والعبارات التي استعارتها من الخارج ورغم ذلك فقد أفرغتها بممارساتها البهلوانية من مضامينها الحقيقية .
لقد كان هناك مجموعات من الثرثارين مدعي الثقافة تزعم المعارضة إلا أن مفهوم المعارضة لديها غائم وينطلق من دوافع وأسباب شخصية بحتة والواضح أنه إذا انتفت هذه الأسباب توقفت عن الثرثرة وأصبحت خارج المعارضة وربما انتقلت إلى الموالاة , عدا زعم الثقافة واتضح أن هؤلاء لا يمكنهم أن يدللوا على مستواهم الثقافي إلا من خلال مجموعة كبيرة من المصطلحات يرددونها كالببغاوات ولا يدخل ذلك ضمن مفهوم الترف الفكري على مساوئه وهم ينكرون ثقافة غيرهم إذا ما رفض استعمال هذه المصطلحات حتى ولو كان يتعامل مع معانيها أو مرادفاتها وعلى الرغم من افتضاح ثقافتهم المزيفة وجهلهم بمعاني المصطلحات لكنهم يصرون بإلحاح عجيب على استعمال المصطلح بلفظه الأجنبي وعلى الرغم من أن المواطن العادي ورجل الشارع الذي يستمع إليهم هو بحاجة لمعنى المصطلح ومضمونه , وللأسف فإن هؤلاء الثرثارين قد تمكنوا من جر بعض المثقفين الجادين الملتزمين فصاروا يرددون المصطلحات كما هي دون الاهتمام باختلاف السويات الثقافية وهذا ما جعل حوارا تهم أشبه ما تكون بحوارات الطرشان .
(إن المزعج في الأمر والمثير للسخرية بآن معا هو أن بعض مثقفينا الذين نحترمهم يدللون على صدق وصحة تحليلاتهم مستشهدين بأسماء مثقفين غربيين وكأنهم يقرون بعدم أهليتهم في التحليل والبحث أو أن أحداً لن يستمع إليهم مالم يرد في بحوثهم أسماء مثقفين أجانب تدليلاً على صحة ما أوردوه , فإن كان ذلك صحيحا فإنه إعتراف بعجزهم عن فهم واقعنا. والإدانة هنا توجه إلى الباحث والمتلقي على حد سواء ., ونرى أن الباحث الجاد والمثقف الملتزم هو الذي يرى واقعه بعيونه هو وليس من خلال رؤية الغير وهو الذي يتعامل مع واقعه بمنتهى البساطة دون الحاجة إلى أي موزاييك , وهو الذي يخاطب عقل المواطن ووعيه إذا كان يرى أنه جزء من هذا المجتمع جاد في خدمته وتطوير مستواه )
وتأكيداً على ثقافة القمع المتأصلة في أدمغة هذه المعارضة فقد لاحظنا من خلال ممارساتهم وسلوكياتهم في علاقاتهم ببعضهم البعض أن العقلية التي تتحكم بكل ذلك لاتقل شراسة عن عقلية بعض أطراف النظام السياسي العربي إن لم تكن تفوقها شراسة فيما لو قدر لهؤلاء الوصول إلى السلطة .
لقد أثبت القسم الأعظم من هؤلاء أنهم يعانون من حالة (انفصام شخصية) متقدمة وخطرة لم يعد ينفع معها أي علاج سوى بالحجر عليها فهم الأكثر قدرة على ممارسة القمع والقهر الفكري وتبريره في الآن عينه ؟؟!! وإظهار العكس أيضا !!
ومن خلال ملاحظة تصرفات هؤلاء وأقوالهم التي أنتجت انقسامات متتالية في مرحلة زمنية قصيرة نسبيا يتأكد أي نوع من القمع والإرهاب الفكري الذي يمارسه هؤلاء والذي أنتج هذه الانقسامات بهذه السرعة في الوقت الذي يتباكى فيه هؤلاء على
الحرية !! فأية حرية هذه التي يؤمن بها هؤلاء ؟؟ لقد لاحظنا أن كلاً منهم يرى في نفسه عبقري زمانه الأوحد وكل منهم يرى أنه صاحب الفكرة والنظرية والمشروع النهضوي وصاحب التحليل السياسي الفذ فإذا تعارض منطقه مع منطق معارض آخر فإن الاتهام جاهز ., ليصبح هذا الأخير خائناً وعميلاً للسلطة ومتآمراً عليه وعدواً للشعب ..الخ . وكل منهم يتحين الفرصة كي يكون الزعيم الأوحد والقائد الشعبي الذي يحيط به المعجبين بشخصيته وأفكاره وينتظر بفراغ صبر تشكل فرق المداحين به وبأفكاره والمتغنين بمواقفه ومواهبه !!؟؟ فبماذا يتفوق عليه ( ليش فاليسا ) ؟؟ مثلاً , وآخر عمل على استفزاز السلطة بكافة الأشكال وبطروحات مليئة بالشتائم كي يتم استدعاؤه وتوقيفه عله يصبح بطلاً شعبياً وضحية تكتب فيه القصائد وتنتشر صوره على الجدران ليخرج محمولاً على الأكتاف ؟؟! ولكنه عندما خرج وحيداً صار الشعب ناكراً للجميل ولا يستحق التضحية .
إنها ثقافة القمع المتأصلة في النفوس والتي تمكن النظام السياسي من غرسها وتجذيرها منذ بداية نشوئه وحتى اللحظة , هذه الثقافة التي أفرزت وعممت عقدة الأنا كيف يمكن لمن تشربها أن يتفهم ثقافة الحرية والديمقراطية ويتصدى لحمل رايتها ويترجمها سلوكاً وعملاً ... بكافة الأحوال هي ثقافة سائدة لدى كافة القوى السياسية
لدينا ؟؟؟
ونتساءل بحق : أليست السلطة والسلطة فقط هي الغاية والهدف لهذه المعارضة ؟؟ وبأسلوب لا علاقة له بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة كما يتشدقون !! ( نحن هنا لسنا في معرض الدفاع عن السلطة ) فإذا كانت السلطة سيئة ؟ هل نستبدلها بالأسوأ ؟؟ منطق غريب !! والتساؤل هنا يفرض نفسه وهو : كيف تتحالف قوى الحرية المزعومة مع قوى الظلام ؟؟ الملوثة أيديها بدماء المجتمع .
هؤلاء الذين مارسوا القتل وعمليات الإغتيال والتفجيرات التي طالت النساء والأطفال والشيوخ وفجروا الحافلات ودربوا عناصرهم على إطلاق النار على عمال النظافة البسطاء ثم قاموا بإحراق المؤسسات العامة هؤلاء كيف يقدمون أنفسهم كقوى معارضة يتشدقون بالحرية والديمقراطية ويتحدثون عن تاريخ من المشاركة الديمقراطية والنضال الوطني وعن تحرير المرأة وتعليمها ..؟؟ونشر التعليم ضمن المجتمع !!! ( كما أعلن كبير قرودهم مؤخراً ) فهل هم ( يستغبون المجتمع ) ؟!.أم أنهم يعتقدون أن المجتمع قد نسي ممارساتهم الإجرامية المشينة هذه وفوق ذلك يتباكون على أنهم ضحايا ويطالبون العالم أن يطالب بدماء مجرميهم الذين فتكوا بالرضع والأولاد والنساء والشيوخ وطلبة المدارس والعلماء والمثقفين .!! أما هؤلاء الضحايا الذين سفكوا دمائهم فهم يتناسونهم ويريدون من الجميع نسيان ممارساتهم وجرائمهم هذه , فهل هناك من وقاحة أكبر وتجاوز وافتئات على الحق والحقيقة ؟؟!!! أليسوا هم أنفسهم الذين يدعمون أعمال الزرقاوي والمقدسي وبن لادن وهم الذين يوفرون المبررات تلو المبررات للقوات الأمريكية والإسرائيلية في العراق وفلسطين وغدا في مكان آخر ؟؟؟
أليس هم هؤلاء أنفسهم وعندما تحشر أمريكا في موقف لاأخلاقي مدان حضارياً وإنسانياً يسارعون لتبني عملية قذرة تستخدم للتغطية على الموقف الأمريكي .!!أليسوا هم أنفسهم من يوزع الكفر والإيمان ذات اليمين وذات الشمال ويمنعون عناصرهم وأنصارهم من الإطلاع على ثقافة الآخر ويصدرون الفتاوى بتحريم ذلك ؟!! أليس هم هؤلاء أنفسهم الذين تنضح كتبهم وأدبياتهم بشتم الآخرين ووصمهم بالكفر وتبيح سفك دمائهم كما تبيح أعراضهم وأموالهم ؟!!, أليس هم هؤلاء أنفسهم من يتحدث بالطائفية والمذهبية ويعمل على تشظية المجتمع بكافة الوسائل والأساليب وصادروا صلاحيات
( الله عز وجل ) ؟!!, أليسوا هم أنفسهم الآن من يرسل عضوات من تنظيمه في الأسواق للتحرش بالنساء والفتيات وتوجيه الإهانات لهن لإرغامهن على ارتداء الحجاب ؟!!. ومع ذلك كله ينافقون ويتحدثون عن الحرية والديمقراطية ويزعمون أنهم قوى تغيير ؟!!
فهل هم بالفعل قوى تغيير أم قوى تأخير ؟؟!! مع ذلك كله فان هذه المعارضة الهزيلة تعمل على تسمين خصرها بهؤلاء بغض النظر عن الشعارات التي ترفعها هذه المعارضة ؟؟؟ فكيف بعد ذلك كله يمكن منح الثقة لهكذا معارضة ؟ وهل أمنت هذه المعارضة من ألا يعود هؤلاء إلى سلوكهم الهمجي المتخلف إذا توفرت الظروف الملائمة لهم ؟؟ وماهي الضمانات ؟؟ أليسوا هؤلاء هم من ينادي بحكم الخليفة ؟؟ وأمير المؤمنين ولاندري أياً منهم الأموي أم العباسي أم العثماني !!!! وأصول النظام السياسي العربي وهو كما نعلم ليس من أصول الرسالة بشيء والتي هي بالتأكيد المنظومة الأخلاقية والمفهوم الإنساني الحضاري ؟!!
نحن نعرف بما ذا سيجيب هؤلاء ؟ ولكن من يصدق؟؟!! بعد هذا التاريخ الطويل من الإجرام والتحايل السياسي وتبديل الأقنعة والعمل في خدمة القوى العالمية المعادية واغتيال وتصفية قوى الخير والحرية ونخبة المثقفين في المجتمع . . !!! مع ذلك فان إحدى قوى المعارضة اليسارية طالبت هؤلاء بالاعتذار عن ممارساتهم وعن الدماء التي تسببوا بسفكها في مرحلة الثمانينات لكنهم رفضوا الاستجابة ؟!! بكافة الأحوال فإننا نقول أنه إذا كان بديل النظام هو هذه القوى الظلامية التي باعت نفسها للشيطان وما تزال تعرض نفسها على بسطات الأرصفة , وتأتينا كل يوم بقناع جديد وتحت عناوين وأسماء جديدة أو تتبرأ من منظمات ومجموعات مجرمة حاقدة وتزعم أنه لا علاقة لها بهم في الوقت الذي نعرف فيه تماما أنها هي التي أنتجتهم وأخرجتهم من رحمها لكي تخدعنا ,إذا كان البديل هو هؤلاء مع عودة إلى العصور الوسطى
فليذهب هؤلاء إلى الجحيم , لأن جحيم النظام سيكون أفضل بكثير من جنة هؤلاء ومن جنة هكذا معارضة تافهة وهزيلة ؟؟ فيما لو تقلصت الخيارات إلى هذا الحد ؟!.
هناك قسم آخر من المعارضة وهي وطنية وشريفة طرحت هموم المجتمع وحملت لواء مكافحة الفساد هادفة تطوير المجتمع وإصلاح شؤونه ودفعه باتجاه مواقع حضارية متقدمة على أسس أخلاقية وتنادي بترسيخ سيادة القانون بحيث يكون فوق الجميع دون استثناء , هذه المعارضة التي تطالب باجتثاث الفساد من جذوره وتتقدم بدراسات وحلول لكافة القضايا الشائكة وإلغاء الامتيازات والاستثناءات في الدولة والمجتمع وتقديم الكوادر الوطنية الواعية ,المثقفة والمتخصصة لتأخذ دورها في كافة المجالات , هذه المعارضة ضاعت أصواتها في زحمة الضجيج والجعجعة الفارغة التي أنتجتها تلك المعارضة الأخرى التي تحالفت مع الشيطان والقوى الظلامية ضد مجتمعها ووطنها !! وكان من المفروض بالنظام ( في سوريا ) حسب طروحاته الأخيرة والتي جاءت بها المرحلة الجديدة( التطوير والتحديث ) أن يدير حوارا صادقا مع هذه المعارضة الوطنية التي رفضت أن تتطلع إلى الخارج وذلك لأنها تلتقي معه في الحالة الوطنيةالإستراتيجية ( على الأقل) حسب ماهو مفترض . ومن الممكن جداً لهذه المعارضة أن تتلاحم معه داخليا في عملية التطوير الاجتماعي الحقيقي ومكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين والمفسدين ثم تحديث بنية الدولة وطرح تصحيح الموروث الثقافي من خلال حوار بناء يساهم فيه الجميع وتشارك فيه كافة شرائح المجتمع على اختلاف مستوياتها وتوجهاتها يطرح فيه كل شيء على بساط البحث للوصول إلى نقاط مشتركة تعزز اللحمة الوطنية وتلبي رغبة المجتمع ضمن مناخ من الحرية وفي ظل ديمقراطية حقيقية لا تعبث بها القوى المتضررة من التغيير داخل السلطة يحميها قانون ومؤسسة قانونية سليمة وخالية من الشوائب التي أفقدتها صدقيتها أمام المجتمع بشكل عام وهكذا يتم التأسيس لمرحلة جديدة من البناء الشامل . اجتماعياً , سياسياً , اقتصادياً بحيث تتدعم القدرة على مواجهة الأخطار , ذلك لأن الإصلاح الحقيقي لايتم بقرارات تصدر من الأعلى . بل يحتاج الى جناحين أحداهما المجتمع الحر الديمقراطي
مع كل ذلك فإن أية إجابة تفتقد القدرة على الإقناع مهما بلغ صاحبها من الحنكة والمقدرة أمام حق من تسببت أجهزة الأنظمة بإهدار كرامته وقتل أبنائه أو والديه أمام عينه وإذلاله والإساءة لإنسانيته ومحاصرته وتجويعه ولفقت له هذه الأجهزة مختلف التهم لتبرر سلوكياتها الدنيئة وضمان صمته الدائم ويبقى حق الضحية ثابتا في الانتقام ومعاقبة كل من ساهم في ذلك لا لسبب سوى الدناءة واللهاث خلف المكاسب الشخصية والاستيلاء على حقوق الضحية .
وهنا نتساءل : أين كانت تلك المعارضة التي تتمتع بالدعم اللوجستي الخارجي الآن عندما كان يحدث كل ذلك على مرأى ومسمع ؟؟ لماذا لم نسمع كلمة احتجاج واحدة ضد كل تلك الممارسات القذرة والحقيرة والتي تميز بها نظام سياسي كان يتشدق بالقومية العربية والوحدة ويستعرض جيوش تحرير القدس في الوقت الذي كان يعمل على تشظية مجتمعه وباقي المجتمعات العربية ( طائفيا ومذهبيا وعشائريا وعائليا واثنياً) يطارد ويقتل النخب الواعية المثقفة ويشرد ما يقارب ربع عدد السكان خارج حدود الوطن ؟؟!!
بنفس الوقت فإننا لانبريء بقية بؤر النظام السياسي العربي لأنها كلها ودون استثناء قد مارست نفس الأساليب وبأشكال مختلفة قد تكون أشد أو أقل قسوة.
مع ذلك لم نسمع أي صوت لهذه المعارضة ضد كل تلك الممارسات لأنها كانت تمد أيديها لهذا النظام أو ذاك وتتعاون معه مستفيدة من عطايا السلطان الأوحد الرمز , الملهم , القائد , العبقري , المحيي والمميت , المغفورة خطاياه . أما ضحاياه من الباحثين عن لقمة الخبز وقليل من الكرامة والإنسانية ونسمة من حرية فهم خونة وعملاء ..!!!
إذا هذه هي المعارضة التي وقفت إلى جانب النظام السياسي العربي في بؤره المشبوهة تطل علينا الآن حاملة ً رايات الحرية والديمقراطية !!! . ولقد رأينا في مايسمى مؤتمر الفكر العربي المنعقد في بيروت من 4/12/الى 6/12 2003 تحت عنوان استشراف المستقبل العربي , كيف تحدث الجميع متهمين الشعوب العربية بالتقصير وعدم الاهتمام بما يحدث موجهين اللوم لهذه الشعوب المغلوبة على أمرها والمحكومة بالخوف وبالحديد والنار عبر قرون طويلة في الوقت الذي وصف فيه المؤتمرون أنفسهم بالنخب العربية من المثقفين والمتعاطين بالشأن السياسي والكتاب والصحفيين والأدباء وممثلي التنظيمات السياسية .
بالرغم من أن عمرو موسى ( الأمين العام لجامعة الدول العربية ) قد لامس الحقيقة في كلمته عندما وجه تهمة التقصير للأنظمة العربية في دعم الجامعة العربية على الأقل وأعرب عن اهتمامه بالتنسيق بين الدول العربية من خلال ممثلين منتخبين للشعوب العربية , قد عبر بشكل خجول جداً عن حقيقة الأنظمة وعن ضرورة إعطاء دور لشعوبها في التخطيط للمستقبل , إلا أن الواقع قد أكد حقيقة هذه النخب ؟!! فقد ظهر واضحاً أنها قد وجهت اللوم للشعوب العربية دون الأنظمة متهمة إياها بالتقصير وعدم الإحساس واللامبالاة مبرئةً ً بذلك الأنظمة من تهم التقصير والتواطؤ وتغييب شعوبها القسري في ظل حالة من العجز التام تجاه القوى الخارجية التي تحرك هذه الأنظمة وفق مصالحها وأهوائها والتي ضمنت ممالأة الأنظمة لها مقابل الإبقاء عليها متحكمة بمصير هذه الشعوب .
والواضح أن هؤلاء المؤتمرون قد تمثلوا دور فقهاء السلطة بأفضل مايمكن وبجداره تامة منحين باللائمة على هذه الشعوب كما سبق وأوضحنا ومبرئين أنفسهم من التواطؤ مع هذه الأنظمة الظالمة متهمين المجتمعات بالتقصير والتراخي .؟؟ أمر عجيب !!, كيف نسي هؤلاء أو تناسوا أن أفضل ماقاموا به على مر عقود سابقة هو تنفيس الغضب الشعبي بشتى الوسائل وحركات المهرجين واحتوائه عن طريق التلاعب بعواطف هذه الشعوب وزرع الآمال الوهمية بالوحدة العربية والحلم الاشتراكي الذي اقتصر على توزيع ثروات الشعوب بين المحاسيب والأزلام وقضى على التطور الطبيعي لهذه المجتمعات وبالتالي لم يحصد المجتمع معها سوى الريح .. وان هذه النخب في الواقع قد عاشت على فتات موائد الأنظمة ورضاها عنها مقابل خدماتها هذه بدليل تباكيها الآن على نظام صدام حسين الأسود ( حجاج القرن العشرين ) .
كما أسلفنا فإن مفاهيم المعارضة والموالاة في المجتمعات المتحضرة تنجم عن ثقافة راكمها المجتمع بقيادة نخبه الواعية المثقفة عبر أجيال عدة وضمن أطر متعددة أهمها , تقديس حرية الفرد والمجتمع واحترام حقوقه وحمايتها واحترام القانون وسيادته , بحيث تصبح هذه الثقافة سلوكاً غريزياً يساهم في استمرار عملية التطور ولا يتحول صراعاً مادياً بين موالاة ومعارضة ينجم عنه رابح وخاسر . , لأن الصراع في المجتمعات المتحضرة يكون مجرد تنافس ديمقراطي بحت يتجلى في توفير أفضل الخدمات للمجتمع وتقديم كافة الأفكار القابلة للتطبيق والتي تساهم في رفع السوية الاجتماعية وتفعل احترام إنسانية الإنسان الذي هو القيمة العليا والغاية والهدف بحيث تتوفر عوامل سعادته ورفاهيته ولايمكن لأحد التجاوز على حقوقه مهما بلغت مكانته
إن مجتمعاتنا لم تتعرف على هذه الثقافة إطلاقا لأن النظام السياسي الذي تأسس انقلاباً على الأسس المنطقية والحقيقية للرسالة اعتبر الحرية كالكفر من المحرمات أو المحظورات وثقافتنا كما بينا هي ثقافة قمع وانتقام فقط ؟ وبالرغم من ذلك تنبري هذه المعارضة الفارغة التي لم تتقن سوى ممارسة الترف الفكري على أرصفة المقاهي ومد اليد للتسول من هذه البؤرة أو تلك من بؤر النظام السياسي العربي لافرق لديها كي تلقي بثرثرتها في جعبة من يدفع أكثر.
هذه المعارضة العقيمة التي لم تضم في صفوفها إلى جانب القوى الظلامية سوى المعقدين والعاجزين الذين يعانون من عقم فكري فيرددون كالببغاوات ما يقرأون من مصطلحات وأفكار جلها موضوع لمجتمعات سبقتنا بمراحل بعيدة جداً على دروب الحضارة والعلم , هذه المعارضة التي في غالبيتها تعاني من كافة أشكال الأورام الديمقراطية وانحراف في الرؤيا وعمى الألوان والأنيميا الوطنية والأيديولوجية .
لماذا لم يحددوا مواقفهم من ذلك النظام الذي استباح دماء وأعراض مواطنيه واغتصب حقوقهم وشردهم في شتى أصقاع الأرض ؟
أليس مثل هذا النظام أسوأ من الأعداء مهما رفع من شعارات تقدمية ووطنية , وهو لم يترك أي خيار أمام مواطنيه سوى التحالف مع الشيطان في سبيل التخلص منه والقضاء عليه . هكذا وبكل بساطة قكان الاجتياح ؟؟
لماذا المسحوقين والمظلومين هم المطالبون بالالتزام بالوطنية والقومية في ساعات الشدة والجد في الوقت الذي لم يترك فيه النظام أي شكل من الموبقات إلا وارتكبه ؟؟ أهكذا يكون الالتزام والوطنية ؟؟ فلا كانت الأوطان التي تهدر فيها الكرامات والحقوق ويذل الإنسان ولا كانت هذه الانتماءات ..!؟
لماذا وعندما يبحث المظلوم عن ناصر له تصبح الأوطان في خطر وتقوم القيامة ؟؟ ألم يؤسس النظام السياسي العربي عبر تاريخه الطويل ومعه قوى الظلام المنحرفة لكل ما يحصل اليوم ولكل هذه الأخطار التي بدأت تعصف بالمجتمعات والأوطان ؟؟
إنه النظام الذي تأسس انقلابا على أشرف رسالة إنسانية سماوية في التاريخ البشري وأساء بالغ الإساءة لحملتها وعلى رأسهم النبي الأكرم (ص) واستمر في غيه عبر التاريخ مصعدا الظلم والعنف والتحريف والتشويه ومخالفة سنن التطور الطبيعي بأبشع صوره معادياً للحرية بأبسط أوجهها , هو الذي جر على هذه الأمة كل هذه الويلات . بدءا من وجوده مرورا بغزو المغول والتتار والحروب الصليبية فالاستعمار العثماني ثم الأوروبي وضياع فلسطين وقضم أطراف الوطن. كل ذلك ترافق مع إذلال المواطنين لدرجة تعويدهم على الذل والبلادة وفقدان الإحساس بكل شيء وكل ما حدث ويحدث وسيحدث مستقبلا .
أما الداء الذي لاينفع معه أي دواء فيكمن في استمرار هذه العقلية التي بني عليها النظام السياسي العربي , رافضا تغييرها ولو من باب تقليد الآخرين على الأقل. مسببا ً في تقسيم مجتمعاته مذاهباً وشيعاً وما يسمى ( بالأصولية) أو القوى الظلامية المنحرفة والغبية المتخلفة , فكل هذا المطر ألحامضي المدمر من ذاك الغيم الملوث الفاسد الذي أنتجه هذا النظام وما يزال ينتجه بإصرار غريب عجيب وكأن هناك حالة عداء متأصلة بينه وبين هذه المجتمعات المنكوبة به .
مامعنى هذا البكاء أو التباكي والنحيب الذي نسمعه الآن من هذه المعارضات المصنعة مسبقاً والتي قفزت إلى الواجهة قاطعة الطريق على القوى الخيرة في المجتمع . لانعتقد أنه أكثر من ( دموع التماسيح ) التي تزدرد فريستها , وأنه بكاء على المصالح .والامتيازات والمنافع وليست هناك أية أسباب أخرى لكل هذا التنظير الذي يثرثر به مثقفوا الأرصفة والمقاهي والملاهي والبارات وممارسة ممجوجة للترف الفكري الغث الهزيل وللباحثين عن عظيمات يلقيها لهم سدنة النظام السياسي العربي الذي يصر على نمطيته الشاذة وتفكيره المتخلف برغم كل هذه الصدمات والفشل الذر يع الذي تشجعه عليه هذه الأشكال القزمة من المهللين والمصفقين والمنظرين لإنجازاته العظيمة .. وأية إنجازات ؟؟!! لكن الأكيد أنه لا أحد من هذه (المعارضات ) قارب الحقيقة في طروحاته لذلك لم يبق أمام المواطن ما يخسره أكثر .؟ ولم يبق أمامه من حل سوى الإلتزام بالجرأة في التعامل مع الحقائق كما هي ( حقائق هذا البؤر المتفرعة عن النظام السياسي العربي التي تحمل عقليته وعن حقائق هذه القوى التي برزت تحت اسم المعارضة والتي تريد استغلال ردود الفعل وثقافة الثأر والانتقام للوصول الى السلطة
لتدخل المجتمع مجددا ً في دوامة المجازر والدم والحقد الأعمى ) وتعرية كل ذلك دون خوف أو وجل بعد أن وصل إلى المرحلة التي لن يكون بعدها أسوأ مما كان ويكون على أرض الواقع وعلى مرأى ومسمع فكل الأقنعة قد سقطت ومن يكذب أو يخادع فإنما يكذب على نفسه ويخادع نفسه وعليه أن يسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية المجردة فلم تعد هناك أية ضرورة للممالأة والرتوش واستعمال العبارات والمصطلحات الديبلوماسية القابلة للتأويل . فبعد هذا العري الفاضح المفضوح , لم يعد لدينا ما يستحق التستر عليه خاصة وإن الإحساس بالخجل أمام الواقع والماضي وتجاه بؤر النظام وتجاه الموروث قد مات وانكشف المستور كله وانتهى الكذب وتحللت أو ذابت كل الأصبغة التي تراكمت عبر قرون طويلة والتي كنا نظن أنها تجمل الوجه القبيح .
إن مواجهة الواقع والماضي بحقائقه المرة والمريرة قد بات ضرورة ملحة , هذا إذا أردنا إنقاذ ما يمكن إنقاذه وولوج المستقبل الذي يحفظ لأجيالنا مكاناً تحت الشمس وبشيء من كرامة .
من الواضح أن أية مكابرة على الحقائق وتغليف القباحات بالعبارات المبهمة وإلقاء التبعة على قوى خارجية والتمسك بنظرية (المؤامرة ) سيكون بالتأكيد بمثابة رصاصة الرحمة في رؤوسنا وسيكون ذلك هو الأسوأ الذي سيمنعنا من ملامسة المستقبل وإلـــى الأبــد . فكل هذا الانهيار المخزي لم يعد يحتمل أية مجاملات وانتظار ما لن يحدث على الإطلاق ( لأن زمن المعجزات والأقدار العظيمة قد انتهى ) ولن يحتمل أية أكاذيب على الذات وعلى الغير وإدعاء ما ليس فينا حقيقة ولم يكن فينا في يوم من الأيام , أما السماء فلن تساعدنا مالم نساعد أنفسنا ( والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .
لقد بات ضرورة ملحة جدا أن نتمكن من إيجاد العلاج الملائم ومعرفة كيفية
استعماله لمكافحة كافة الأمراض التي تنخر بمجتمعاتنا وتضعها على حافةالموت وعلينا أن لا نخجل من الاعتراف بحقيقة هذه الأمراض وأسبابها ومسبباتها بـدلا من التأوه والشكوى بوتيرة مملة أزعجت العالم لتدفع به كي يتخلص منا على اعتبار أننا قد أصبحنا عالة عليه وعلى الحضارة الإنسانية وأنه لا أمل من شفائنا هذا إذا استمرينا كمجتمعات وأنظمة بالمكابرة ( حسب العادة ) فننكر المرض ونرفض العلاج والمشكلة أننا في موقع من يكذب على من يعرف أنه يكذب !!!.
إن هذا الذي يحدث لايمكن أن يحدث إلا في الحالات التي يعود فيها المرض لأسباب مخزية فيزعم المريض أسبابا غير الحقيقة حتى يصل به المرض إلى مراحل متقدمة لاينفع معها أي علاج ونحن قد قطعنا أشواطاً في هذا الإتجاه بالتأكيد. كما أن الواقع يؤكد أن هذه هي حقيقة أنظمتنا أو نظامنا السياسي العربي وحقيقة مجتمعاتنا ( شاء من شاء وأبى من أبى ) . لنتوقف فورا عن ضخ المزيد من الأكاذيب والأوهام وتزييف لحقائق ليس لها وجود إلا في مخيلة مريضة معقدة , زاعمين حضارة ليس لها أي ظل على أرض الواقع وقد قطعنا أية صلة لنا بها منذ ظهور نظامنا العتيد ففقدنا حق الانتماء لها لأنها صارت فعلا من حق الإنسانية جمعاء . ويكفينا كل هذا الموروث المخجل والمخزي الذي أنتجه النظام السياسي العربي وفقهائه المنحرفين الذين أفرغوا فيه كل مافيهم من سادية وعقد وشذوذ وتخلف بشع تمجه أكثر العقول بدائية كما أنه لم يعد يحق لنا في الوقت نفسه الزعم باحتكار الإيمان من خلال احتكار الرسالة الإسلامية المحمدية السامية وإعطائها أية سمة من الخصوصية بعد أن شوهها النظام السياسي العربي وما نزال نتابع مسيرة التشويه هذه بما تنتجه مجتمعاتنا من قوى ظلامية بفعل تراث هذا النظام المنحرف الذي تراكم عبر القرون .
إن الرسالة الإسلامية المحمدية وكما بينا سابقاً لم تكن في يوم من الأيام بأهدافها السامية النبيلة وإنسانيتها مخصصةً لنا أو حكراً علينا , فهي موجهة للإنسانية جمعاء
لقد أنزلت أصلاً لتحقق النقلة الحضارية الإنسانية الأخيرة وتتمكن بعدها الإنسانية من متابعة مسيرتها الطبيعية على سلم الحضارة , لكن النظام السياسي العربي الذي يجتر موروثه المنحرف ويعيد اجتراره الآن تصرف بها وكأنها حكراً علينا. قد أعاقها وعرقل مسيرة التطور المنشودة بتصرفه هذا والذي أقدم عليه عن سابق تصور وتصميم , ولهذا السبب فإننا قد فقدنا حق التمترس خلف هذه الرسالة والزعم بأننا حماتها والمدافعين عنها , فهذا من حق من آمن بها ( قولاً وعملاً ) وطبق أهدافها النبيلة ومارس أخلاقياتها على أرض الواقع وقدس إنسانية الإنسان وحريته وحقوقه في أي مكان من هذا العالم , أما النسبة العظمى من مجتمعاتنا وأنظمتنا فلا علاقة لها بذلك كله على الإطلاق وقد سبق وبينا الأسباب .
إن الحضارة الإنسانية تصب في مجرى واحد وإن اختلفت ينابيعها وتعددت أسمائها , وليس هناك أي صراع حضارات أو نهاية للتاريخ كما زعم البعض من مبشري ثقافة الشيطان أمثال ( هيتننغتون وفوكوياما ) الذين تحدثوا عن صدام الحضارات ونهاية التاريخ ؟؟!!! .
مبشرين بحضارة شاذة بأخلاقياتها وسلوكها وإلغاء التاريخ البشري بضربة واحدة فأي صدام حضارات هذا الذي يتحدثون عنه وأي نهاية للتاريخ ؟؟؟ الواقع أنه صدام الحضارة الإنسانية جمعاء مع تراث الشيطان , فهل سيبدأ ون منذ الآن فصاعداً بكتابة التاريخ الشاذ الذي أنتجه شذاذ الآفاق الذين سبق ولفظتهم البشرية وألقتهم على مزابل التاريخ ؟؟
إن منبع الحضارة ومنشؤها واحد هو الإنسان أينما كان وحيثما وجد على ظهر هذا الكوكب وبالتالي فإن هدفها ومجراها واحد مهما تعددت الروافد وهي ليست حكرا على مجموعة بذاتها أو شعب بعينه ولكنها حصيلة جهد كل فرد وجد وعاش على ظهر هذا الكوكب وفي كافة حقب التاريخ , فالإنسانية قد تستفيد من حصيلة خبرة من عاش معزولا في مجاهل الأمازون أو القطب , لأن قدرته على التكيف مع الظروف المناخية وعلاقته بالبيئة المحيطة تشكل خبرة راكمها واستفاد منها وتفيد في الوقت عينه كل من يتعرض لنفس الظروف وبالتالي فإن هذه الخبرة ستصب حتما في مجرى الحضارة الإنسانية وتفيد آخر في مكان آخر أو في عصر آخر .
كذلك التاريخ فهو حامل لهذه الحضارة وحاضنها والمتنقل بها من مرحلة إلى أخرى مراكماً هذا الكم المعرفي ( الحضاري) لتسليمه إلى الأجيال اللاحقة وهكذا , في مجرى دائم الجريان لايمكن قطعه أو وقفه أو حرفه عن مساره فهو قادر على جرف كل من يحاول الوقوف في طريقه .
هذا هو منطق الأمور بكل بساطة ولايمكن أن يرى الذي يراه كل من ( هيننغتون وفوكوياما ) إلا المصاب بانحراف الرؤيا أو بعمى الألوان ومن يملك عقلية شاذة ثقافيا وفيزيولوجيا تفتقر إلى أبسط حدود المنطق ومبنية على قواعد تهدف إلى سيطرة استعمارية جديدة وعنيفة تبيح لنفسها تدمير كافة منتجات الفكر البشري الحضاري ذي الطابع الإنساني وإحلال ثقافة آلية بديلة شيطانية ممسوخة . (قارنوا بين هذا المنطق وبين ماأوردته الثقافة التلمودية في بروتوكولات حكماء صهيون )
إن مسيرة الحضارة والتاريخ الإنساني ستستمر بخط بياني متصاعد شاء في ذلك هيتننغتون وفوكوياما ومن يقف خلفهما من أتباع مدرسة الشيطان الكابالي أم لا . والتاريخ لايمكن أن ينتهي إلا بفناء الحياة على سطح هذا الكوكب وسيظل يضيف إلى سجله الأسود كما فعل دائما كل من يخالف الجوهر الإنساني للحضارة وكل أعداء الإنسانية الذين يستعدون لبسط سيطرتهم وإحلال قيمهم المنحرفة بعقلية وأنماط شاذة ذلك لأن نظام الولايات المتحدة الأمريكية يريد ذلك فهو النظام الوحيد عبر التاريخ الذي لا يملك تاريخا حضاريا مشرفا وكل إرثه يبدأ من إبادة الهنود الحمر مرورا بتجارة العبيد وهو بالطبع تاريخ ليس ببعيد وأكثر من مخجل يندى له جبين الإنسانية خجلا. بناه وأسس له مجموعات من قطاع الطرق وشذاذ الآفاق الملفوظين من شعوبهم الأصلية في بداية تأسيس تلك الدولة لذا فإنها كنظام لا تعترف بالحضارات العريقة وتحاول أن تقضي عليها بأي شكل لتؤسس لعالم جديد بلا تاريخ أو موروث حضاري وأخلاقي وهذا ما يتلاءم تماما وثقافة حاخامات التلمود والكابالاه الذين أطلقوا على الولايات المتحدة ( اسم صهيون الجديدة ) ..؟؟!! المعادية للإنسانية والمعادية قبل كل شيء للتوراة التي تزعم الانتماء إليها بما تحتويه من منظومة أخلاقية الوصايا العشر
هكذا فان الحضارة الإنسانية قد ساهم فيها أبناء هذه المجتمعات في أماكن تواجدهم كما أسس للحضارة الإنسانية وصنعها أجدادهم منذ فجر التاريخ وكان من الممكن أن تكون مساهمتهم أكبر بل كان من الممكن أن يكونوا متربعين على قمة هذه الحضارة الآن لولا سوء النظام السياسي العربي وتفاهته وابتعاده عن ركب الحضارة الإنسانية وقطعه للتواصل معها وإرغامه مجتمعاته على ذلك .
مع ذلك فإننا نقول أن الحضارة الإنسانية منذ بداية ظهورها المادي قد استندت إلى مجموعة من القيم بدأت في الظهور في هذه المنطقة ونمت وترعرعت فيها حتى أصبحت منظومة متكاملة وهذه القيم انقسمت إلى شقين :
الأول . مجموعة القيم الروحية الأخلاقية الإنسانية النبيلة ( كما في الكتب السماوية ) والتي تهدف لسمو الإنسان من خلال تنمية وعيه سندا لأسس منطقية تشمل الفرد والمجتمع الذي انقسم فيما بعد إلى شرائح ولكل شريحة إسلوبها الخاص في تنمية هذه القيم وغرسها في عقول أبنائها إلا أنها لا تبتعد عن الخط الأساسي ( المنظومة الأخلاقية الواحدة ) . فمجتمعاتنا في قسم كبير منها تضم بشكل رئيسي أتباع الرسالتين المسيحية والمحمدية لكن تربية كل منهما وأسلوب التلقين لايمكن فرضه على المجتمع بالكامل. مع ذلك ورغم الاختلاف في الاسلوب من حيث الشكل وممارسة الشعائر إلا أنهما تشتركان تماما في المنظومة الأخلاقية ( الوصايا العشر ) في الإنجيل و ( الحكمة ) في القرآن الكريم . فالإسلام المحمدي الذي تقدم بهذه القيم بجذورها المسيحية قد طور ووضح هذه القيم بما يتلاءم مع مستجدات العصر ولم يغيرها أو يبدلها سندا لما ورد في القرآن الكريم وأكده حديث الرسول الأكرم ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ووصفه القرآن الكريم ب( وانك لعلى خلق عظيم ) ولائحة مكارم الأخلاق تشتمل على كل القيم النبيلة التي عرفتها الإنسانية بحضاراتها ورسالاتها السابقة مع مفهوم متطور يتلاءم والمستقبل البشري , ومن المؤسف أن يستمر الخلاف في الشكل طالما أن المضمون والجوهر الأخلاقي واحد .
الثــا ني : هي القيم المجتمعية المدنية المستمدة أساسا من القيم الأخلاقية أو بالأصح المستندة إليها وهي قيم مقوننة تنظم شبكة العلاقات في المجتمع وتوفر الحماية للمنظومة الأخلاقية , وهذه القيم المقوننة هي قيم متحركة مرتبطة بحركة التطور المجتمعي بشكل توفر له التناغم والانسجام على اختلاف شرائحه وما تفرزه الحضارة من أشكال جديدة في العلاقات الاجتماعية , الاقتصادية , السياسية .( إلا أنها عندنا مجمدة متجلدة لم تلمس التطوير منذ عهود بعيدة نوعاً ما) ؟.
كانت الجريمة الكبرى للنظام السياسي العربي إضافة لسجله الإجرامي الأسود بحق مجتمعه وتراث هذا المجتمع أنه قد داس هذه القيم وأفرز قيمه الخاصة المنحرفة عن الخط الأساسي للقيم النبيلة وعزز القيم المخالفة لحقائق المجتمع والتطور , فمن خلال إطلاقه الحبل على الغارب لمجموعات فقهائه الذين اعتمدهم في توجيه المجتمع , تم تفصيل قيم على مقاسهم ومقاس سادتهم تبرر كل ما في الظلم من انحراف فأحلوا الانحراف مكان النهج السليم وغيروا وبدلوا المنظومات الأخلاقية وضربوا أسس النظام المجتمعي المبني على هذه المنظومة , كما تصدوا لكل محاولة عودة إلى الطريق القويم لنصل إلى ما وصلنا إليه من تخلف وضعف وذل وهوان. فهم وكما فعلوا بالشعائر التي أبرزوها على حساب المضمون وجزأوها باختراع تفاصيل لانهاية لها , قاموا بتجزئة المنظومة الأخلاقية وأضافوا إليها الكثير مما يلائم عقليتهم وأوجدوا مبررات مخالفتها عند اللزوم لذلك فان لائحة المبررات والأعذار طويلة جدا لدينا , ولقد تشددوا في بعض الجوانب واخترقوا جوانب أخرى حتى خرجت هذه المجتمعات بتركيبة متناقضة من العادات والتقاليد بحيث يصاب الباحث بالحيرة الشديدة أمام ضبابية الصورة والخلط الشديد بين الجيد والرديء ليكتشف أن المظاهر الأخلاقية الجيدة تخفي تحت عباءتها من الرداءة ما يبعث على الذهول فالممارسة دائما هي عكس ما يقال وما يطرح .


* * *


عوامل السقوط
لايمكن البحث في إمكانات التغيير قبل فهم عوامل السقوط الأخير وأسبابها وبداية إنهيار النظام السياسي العربي .
في الرد على مزاعم بعض المعارضة والقوى السياسية العربية حاليا والمتباكية على العراق الذي أحتل من قبل القوى الأجنبية . يمكننا القول أن العراق قد أحتل في اللحظة التي استولى فيها نظامه السابق على السلطة, أما ما حدث مؤخرا فهو مجرد تواجد عسكري علني لا أكثر ولا أقل وهو تواجد أقل شراسة من النظام السابق حتى الآن (على الرغم من حالة الفوضى السائدة فيه الآن)
فهذا النظام ومنذ اللحظات الأولى لاستيلائه على السلطة قد أثبت وبما لا يقبل الشك أن كل تحركاته وممارساته وسلوكياته معادية لشعبه بالتحديد ولكل ما يمت للأمة بشكل عام فقد افتتح عهده بمجزرة أطاحت بكل رفاقه كما بدأ بحملات تطهير على مستوى الشارع العراقي شملت كل من يتوقع معارضته له من كافة القوى السياسية الموجودة على الساحة , ثم باشر حملات تطويع وتطهير عرقية وطائفية في استمرارية بشعة للنظام السياسي العربي منذ بداياته حيث لا مجال هناك لتعدد الخيارات : إما موال بالمطلق أو معاد بالمطلق يستباح دمه وماله وعرضه وصار الشعب العراقي كله عبيداً بالبيعة وأسيرا لهذا النظام بعد ذلك وقع إتفاقية شط العرب المذلة للكرامة الوطنية مع شاه إيران شرطي أمريكا السابق والتي فرضها الشاه بكل صـلافة وعجـرفة.
من هنا بدأت القوى العالمية وإسرائيل بسبر ردود الفعل لدى الشارع العربي عموما تمهيدا لما يحدث الآن ولأن المخططات قد قاربت وضعها موضع التنفيذ ثم وعندما نجحت الثورة الإيرانية وتغير النهج وصارت سفارة إسرائيل سفارة لفلسطين وأعلن النظام الجديد دعمه المطلق للقضايا العربية وأهمها قضية فلسطين إنقض عليها هذا النظام ليدخل معها في حرب طاحنة استمرت قرابة ثمان سنوات استهلكت خلالها قدرات البلدين وضحايا بالملايين ( تحت شعارات من المزاعم الطائفية ) مع أن الواقع يؤكد أن هذه الحرب كانت نيابة عن أمريكا وإسرائيل . كان النظام العراقي خلالها يتلقى الإمدادات من النظام السياسي العربي وأمريكا وإسرائيل بشكل غير محدود لتستمر هذه الحرب العبثية والتي انتهت إلى اللاشيء سوى الخراب والدمار وضحايا بريئة بالملايين من الطرفين , وبعد انتهائها تحول إلى الكويت ثم يخرج منها مدمرا ما بقي من إمكانات لديه وبأيدي القوى التي ساندته في حربه مع إيران ورغم ذلك لم يتوقف بل استدار نحو الداخل ليشن حربا ضد شعبه ارتكب خلالها من المجازر ما تخجل منه أشد القوى همجية وبربرية من الشمال إلى الجنوب وتكشفت أبعادها مؤخرا من خلال المقابر الجماعية التي جرى ويجري الكشف عنها بعد سقوطه , خلال ذلك قام بخداع الثورة الفلسطينية من خلال إيهامها بالدعم الكبير وجيش المليون لتحرير القدس المزعوم الذي لم نعد نرى له أثرا بعد انفراط عقد النظام , فكانت عملية إعادة السيطرة على القسم الذي تسلمته السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ومحاصرة رئيس السلطة بشكل مسرحي كان الإسرائيليين خلالها يهدمون مقرات السلطة حجرًا حجراً أمام شاشات التلفزة وكانت هذه أيضا عملية سبر لردود فعل الشارع العربي ( الذي اتضح أنه قد تمكن النظام من جعله عقيماً ومخصياً ) فهو قد تحرك بشكل مسرحي موجه ثم عاد ليستكين بحيث أصبحت أخبار المجازر وصورها الحية التي تبث دائما أقل من عادية لا تسبب أية ردة فعل في هذا الشارع في الوقت الذي كانت فيه القوى السياسية والمنظمات الأهلية في الغرب المتعاطفة مع القضايا العربية والتي أثارتها هذه الممارسات تتظاهر محتجة لم تمد لها يد المساعدة ولم يتحرك الشارع العربي تضامنا معها في الوقت الذي كانت فيه تطالبنا بالتحرك كون القضية هي قضيتنا كما ندعي (هكذا كانت إسرائيل وأمريكا تتابعان ردود فعل الشارع العربي الذي اطمأنت إلى أنها مهما تمادت في تصرفاتها لن تجابه بأي تحرك في الشارع العربي يكون على مستوى الحدث وهذا ما حصل بالفعل ) ليتابع الصهاينة بعد ذلك تدمير كل مقومات الشعب الفلسطيني وبالمقارنة فإن هذا العدو لم يصل بممارساته إلى المستوى الذي وصل إليه النظام العراقي السابق مع أبناء شعبه من الوحشية والبربرية وبقي قادرا على الزعم أنه النظام الأكثر حضارية في المنطقة ..وبالمقارنة فإن النظام العراقي خير دليل .
هكذا اقتنع النظام الأمريكي بإمكانية الانتقال للتواجد المباشر في المنطقة لإعادة صياغتها وفق ما أعد لها من مخططات وبرامج سندا لهذه المقارنات التي وفرها النظام السياسي العربي على طبق من ذهب وعلى رأسه النظام العراقي السابق .
يشير الواقع الذي وصلت إليه هذه المجتمعات المنكوبة بالنظام السياسي العربي والقوى الظلامية التي توفر الذرائع لكل من يفكر باجتياح المنطقة وخاصة النظام الأمريكي الذي يحاول إعادة تشكيل العالم وفق رؤيته الخاصة , أنها قد أصبحت تبحث عمن هو الأقل سوءا من بين الخيارات السيئة المطروحة أمامها وفي ظل محدودية الخيارات , فكان النظام الأمريكي هو الأقل سوءا ( مع ذلك فإن حماقة النظام الأمريكي لاتعادلها حماقة في تاريخ الأنظمة السياسية عبر التاريخ ؟ فهل من المعقول أن هذا النظام لايعلم أنه لو اتخذ موقفا متوازنا من الصراع العربي الإسرائيلي ولم يعتمد سياسة الكيل بمكيالين لاستقبلته الشعوب العربية بالأزهار ؟ , لكن الأمر الذي يخفف من حدة الاستغراب هو أن النظام الأمريكي لايبحث عن مصلحة أمريكا والشعب الأمريكي بقدر مايهمه تنفيذ أوامر خمسة عائلات يهودية ( تلمودية ) تحكم أمريكا فعليا ومن خلف ستار وهي التي تنصب الرؤساء ولايمكن ترشيح رئيس من أي من الحزبين مالم يحظى بمباركة هذه العائلات وهي عائلات روكفلر وروتشيلد وكونراد بلاك وأقواها عائلة بيلدربرغر وهذه العائلات أو المجموعات هي التي تتحكم بالاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مع العلم بأن المركز الرئيسي لهؤلاء في لندن حيث قيادة المصارف العالمية والأوامر الحقيقية تصدر من هناك ولايمكن أن يفوز أي مرشح لرئاسة أمريكا مالم يحظى بمباركة هؤلاء فالرئيس جيمي كارتر لم يتمكن من الفوز إلا بعد انضمامه لنادي روكفلر والذي بيده تحديد من هم رؤساء الولايات المتحدة كذلك كلينتون لم يتمكن من الحصول على موافقة حزبه على الترشيح إلا بعد حضوره اجتماع مجموعة بيلدربرغر وبالتالي حصل على دعم عائلتي روكفلر وروتشيلد وهذه العائلات ( المجموعات ) هي التي تقرر الحروب ومكانها وزمانها وهي تعمل في المصارف منذ حوالي خمسمائة عام وكانت تسيطر على تجارة العبيد والأفيون والسلاح , ويطلق عليها اسم النخبة العالمية التي تتحكم بالعالم فعليا ولكن من وراء ستار حتى الآن لذلك فإن ما يسمى بالنظام العالمي الجديد هو من صناعتهم تماما وهم يسيرون الآن باتجاه إنشاء حكومة موحدة للعالم أجمع من هنا تشن هذه الحرب التي لا هوادة فيها على القوميات وعلى الحضارات العريقة أو المناطق الأكثر عراقة وحضارية في العالم وإن سيطرة هؤلاء الآن على طباعة العملة في الولايات المتحدة وعلى الصحافة وأجهزة الإعلام قد جعلت منهم سادة الكون وهم يريدون ذلك ويعملون له وفق ماجاء في بروتوكولات حكماء صهيون التي ما يزالون ينفون نسبها لهم بالرغم من ثبوت ذلك ومع ذلك فهناك من لا يريدهم أن يكونوا أسياد الكون في أمريكا والعالم ؟؟ * . لذا فان احتلال المنطقة هو لمصلحة إسرائيل بالكامل ولا مصلحة لأمريكا فيه حتى ولو بزعم السيطرة على النفط المسيطر عليه أساساً ودون احتلال) بالرغم من معرفة هذه المجتمعات بخلفياته ودوافعه وأهدافه وإسهاماته في كل إرتكابات النظام السياسي العربي بحق مجتمعاته . فالمواطن يتحدث بسخرية مريرة ضاربا الأمثلة الحية عن مشاهداته للمظاهرات السلمية التي ينظمها المواطنون ويرفعون فيها شعارات معادية سواء كان ذلك في فلسطين أم في العراق دون أية اعتقالات أو إطلاق نار طالما أنها سلمية لا يستخدم فيها المتظاهرين العنف ويكتفون بالهتاف والشعارات المضادة , فلو خرجت مثل هذه المظاهرات في أية دولة عربية ما الذي سيحدث؟ بالطبع سيتم إطلاق النار عليها مباشرة واعتقال من يبقى حيا , هذا إذا استثنينا مصر ولبنان في بعض الأحيان , فهل يحتمل النظام العربي رؤية مواطن يوزع بيانا يتضمن رأيه في قضية ما؟؟ أو أنه يشرح فيه مشكلة اعترضته ؟؟ بالطبع فإنه سيتم إعتقاله فورا !!! وسيذل ويهان وتهدر كرامته حتى يكفر بكل شيء .
إن هذه المجتمعات تعي تماما أن النظام السياسي العربي في غالبية بؤره قد انتهت مدة صلاحيته بالنسبة للنظام الأمريكي الذي يعمل دائما لإيجاد البدائل والتي لن يكون النظام السياسي العربي بتركيبته وعقليته الحالية أو القوى الظلامية إحداها مهما حاولوا فقد استهلك هؤلاء تماما , وبعد ذلك سيكون لكل حادث حديث .
إن من أهم الأسباب التي تمنع هذه المجتمعات من التحرك والحركة تجاه كل ما يحدث هي أنها باتت غير مصدقة لأية طروحات وقد فقدت الثقة بكل القوى السياسية المتواجدة على ساحتها فهي قد خبرت كل القوى المتواجدة على ساحتها وتبين أن المسافة بينها وبين هذه القوى قد أصبحت بعيدة جدا فبالرغم من كل المصائب التي عرفتها هذه المجتمعات تبين أنها تسبق هذه القوى بمسافة زمنية لابأس بها من حيث فهمها لواقعها وللتطورات والأحداث في العالم بينما بقيت هذه القوى سواء ماكان منها في السلطة أم مشاركاً فيها أم خارجها على حد سواء متكلسة متحجرة متقوقعة على مرادفاتها التي لم تحسن الخروج منها تجتر ماضيها الذي لو فرضنا أنه كان ملائماً في حينه لما كانت بهذه الحالة التي هي عليها الآن.
بكافة الأحوال فإنها لم تحسن تطوير نفسها بشكل تستوعب معه المفاهيم الجديدة على الساحتين المحلية والعالمية .
إن ما يثير السخرية والقرف فيما يحدث في فلسطين والعراق معاً هو أن أحدا لم يرتقي إلى مستوى الحدث بأكثر من الجعجعة الفارغة وبشعارات وعبارات بالية تعود إلى فترة الخمسينات والستينات من القرن المنصرم , فما بين عواء الذئاب ونهيق الحمير تعالى نقيق الضفادع في هذه المستنقعات الراكدة والممتدة مابين ( المحيط البائر والخليج العاثر ) بعد أن خبط الكاوبوي بقدميه معكرا ركودها فاستفاق الجميع من رقدتهم لنكتشف أنهم وبلا استثناء صاروا طلاب حرية وديمقراطية وبرز من بينهم منظرون وأساتذة في الحرية والديمقراطية ولا ندري أين كان هؤلاء قبل ذلك ؟؟ فهل كانوا في حالة سبات شتوي ؟؟ أم أن الوحي قد هبط عليهم فجأة ؟؟ وربما ستخرج علينا مجموعات من الباحثين( الجادين ) .؟!! بين لحظة وأخرى ليكتشفوا أن كل مقولات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتطبيقاتها في العالم هي من مخلفات مستنقعاتنا الراكدة الضحلة والتي سرقتها أمم الأرض ونسبتها لنفسها !!! فالعالم وحسب العادة مدين لنا بكل شيء ومن بينها أسباب نهضته وحضارته فلماذا لا يكون العالم مديناً لنا أيضا بهذه المقولات ,{ لقد اعتاد عدد كبير من دعاة الثقافة في مجتمعاتنا وبعض من يصفون أنفسهم ( بالباحثين الإسلاميين ) على تقليب صفحات الكتب القديمة للمفكرين العرب عند ظهور مكتشفات جديدة أو إطلاق نظريات حديثة في الطب والفيزياء والكيمياء وحتى في المجتمع أو علم الاجتماع إلى نسبة هذه الاكتشافات لعلماء عرب عاشوا في القرن الرابع أو الخامس الهجري أو ما قبل أو بعد ذلك ؟؟ وهنا نتساءل لماذا ينتظر هؤلاء لغاية الإعلان عن هذه المكتشفات ليسارعوا في نسبها إلى علماء عرب سابقين عاشوا قبل أكثر من عشرة قرون والحديث عن أمجادنا وحضارتنا السابقة !! لماذا لم يكتشفها هؤلاء بأنفسهم أو يشيروا إليها على الأقل ويعلنوا عنها قبل اكتشافها من قبل الغير ؟!! ثم لماذا لم يعملوا عليها ويطوروها ؟؟!! ألم يتساءل أحد عن أسباب عدم وجود علماء في مجتمعاتنا يطلقون اكتشافاتهم أو يعاودون اكتشافات سبق وبحثها علمائنا السابقين ؟؟ ولماذا سدنة النظام العربي في كافة بؤره يحتقرون الأذكياء والعلماء ويتعاملون معهم بلا مبالاة في الوقت الذي يقدم فيه الغرب لهم الرعاية الكاملة ؟؟ .
نحن على ثقة من أن القرآن الكريم يضم بين دفتيه الكثير من النظريات التي لم يتم الكشف عنها حتى الآن كما يضم كافة الأسس الصالحة لبحوث علمية واجتماعية ؟ ومع ذلك فانه عندما يتم الكشف عن نظرية جديدة في الغرب نعود لنقلب سور القرآن الكريم بحثا عن أسسها وكأن القرآن الكريم ملكاً خاصاً لنا لا يحق للغير أن يتفهمه إلا بموافقة أو ترخيص صادر عنا وإلا فإنه يسرق من تراثنا , فهل نسي هؤلاء أن القرآن الكريم هو رسالة عالمية ولا علاقة لنا به إلا من حيث الإيمان بهذه الرسالة وتفهمها بالشكل الأمثل ؟ ثم أليس من يترجم ما ورد فيه إلى واقع هو المؤمن لأنه قد عمل لمصلحة ومنفعة الإنسانية ؟؟؟
ألم يقل الرسول الأكرم ( الخلق كلهم عيال الله وأحبكم إلى الله أنفعكم لعياله ) أم أن للمتفقهين رأي آخر وترجمة سرية خاصة لهذا الحديث الشريف !!! وبهذا ألا تصبح شخصية مثل أديسون التي أنارت ظلمة البشرية بالكهرباء أفضل بكثير من هؤلاء المتفقهين , ألم يكن نافعا جدا للإنسانية على مر العصور وحتى المقبلة ؟؟؟ وللعلم فان البعض يقول أن أي مسلم مهما كان سلوكه متدنياً وخسيساً هو أفضل منه لالشيء إلا لأنه مسلم أو يزعم الإسلام لافرق !!! عجيب كيف دمجوا الإيمان بالتخلف والتعصب الغبي التافه ؟!!!
المهم في الأمر أن هؤلاء المثقفين الباحثين ربما اكتشفوا أن أنظمتنا العتيدة وسدنتها بكافة أشكالها ومسمياتها أو باختصار ( النظام السياسي العربي ) كان وما يزال هو ملهم الحرية والديمقراطية الأول والأخير لشعوب العالم وبالتالي فإنه يتوجب على ضفادع هذه المستنقعات ألا تتوقف عن النقيق تسبيحا بحمده وعرفانا بجميله !!! مع ذلك وللسخرية المرة قفز من قلب العتمة من يزعم أن العلمانية والديمقراطية والحرية هي كفر والحاد , هكذا وبكل صفاقة يريدون أن يؤكدوا للعالم أجمع أننا رواد التخلف والعداء للإنسانية ويلصقوا هذه الصفة بنا رغماً عنا ؟!! !!!! .
من بين الحقائق التي تكشفت مؤخرا هي أن أشد الذئاب العربية شراسة والتي عاشت على دماء ولحوم شعوبها بوحشية قل نظيرها ( تخجل منها حتى الذئاب الحقيقية ) قد انقلبت بقدرة قادر إلى حملان وديعة ناعمة وسط دهشة شعوبها واستغرابها لهذه المعجزة ( الفيزيولوجية ) وكأنها سحر . وبشكل غير مسبوق , جبنا وخوفا من التغيير الذي أحدثه الكاوبوي الأمريكي في المنطقة بالطبع وليس بسبب فورة أخلاقية أصابتهم .
إلى جانب ذلك ظهرت حفنات متناثرة هنا وهناك أطلقت على نفسها صفات ومصطلحات ومسميات شتى جديدة طارئة ومثيرة للسخرية خاصة وان غالبية هؤلاء من الذين لفظتهم أحزابهم ومن المرضى النفسيين والمعقدين الذين يبحثون عن أية نظرة احترام فلا يجدونها إما لسلوكياتهم المنفرة أو لوضاعتهم فحاولوا الالتصاق بعدد من النخب المثقفة الذين لا يعرفون عنهم شيئا علهم يحظون بما لم يتمكنوا من الحصول عليه في محيطهم فجلسوا يبحثون عن مسميات لتجمعاتهم هذه الأشكال من المعارضة التافهة والسخيفة يمكن أن نصفها بطريقة ساخرة ومثيرة للضحك والقرف بآن واحد :
( معارضة على أنغام الروك والراب ) ( ناشطين بنكهة بلاك ليبل ) ( دعاة حوار بالهامبرغر ) ( دعاة مجتمع مدني فاست فود ) ( دعاة حقوق الإنسان برعاية مارلبورو ) ( التجمع الديمقراطي برعاية بامبرز ) ..الخ من التسميات والمصطلحات الجاهزة للتسويق والطازجة جداً , جداً, جداً .!! كما غيرها من الصرعات التي تردنا دوما طازجة ومطابقة للمواصفات والمقاييس العالمية كون هؤلاء المحترمين جداً, جداً !!! من الذواقة الذين لايستطعمون إلا كل ماهو طازج !!.
كل ذلـك ضمن إطار غائم بالنسبة لمفهوم الثقافة والمثقف فمن غير المعقول مشاهدة أي ممن كانوا ومايزالون يتقافزون أمام محطات الراديو والتلفزة الأجنبية وينشرون خواطر في صحيفة هنا وصحيفة هناك وكل من قرأ مقالاً أو تحليلاً سياسياً في إحدى الصحف أو حفظ بعض المصطلحات أو عبر عن إعجابه بخط سياسي ما أو تكتل بعينه أو حزباً أو نظريةً ؟! يرى في نفسه أنه قد صار مثقفاً وبالتالي فقد أصبح من حقه التعاطي بالشأن العام وتقييم هذا الباحث أو ذاك ونقد نظرية ما؟؟ وهو لايعلم عنها شيئا وصار يطلق على نفسه صفات مختلفة ( ناشط .. عضو تجمع )..الخ .
إن هذا الضرب من السلوك ليس تعبيراً عن ثقافة بقدر ماهو التشبه بذلك الضفدع الذي حاول نفخ جسمه ليتشبه بالثور ولنفاجأ بذلك الدعي لايحسن تركيب جملة مفيدة دون خطأ .
إن هذا السلوك ليس سوى تقزيم لصورة المثقف الحقيقي وإساءة مقصودة ومبرمجة وإذا أحسنا الظن فقد تكون إساءة صادرة عن غباء .. بكافة الأحوال هي إساءة .
إن المثقف هو متفرغ أو أكاديمي متخصص ( أديب . كاتب . باحث . تقني ) يتعاطى بالشأن العام إضافة لتخصصه الذي يجيره للإهتمام بقضايا شعبه السياسية والإجتماعية والإقتصادية وقد يشمل هذا الاهتمام قضايا ذات أبعاد إنسانية تتجاوز حدود شعبه وبالتالي فهو قادر على أن يعكس هذه القضايا من خلال تخصصه , فالسينمائي والشاعر والباحث والأديب والأكاديمي ..الخ هم متخصصون وتقنيون ينقلبون إلى مثقفين عندما يكون لديهم إهتمام بالشأن العام والقدرة على خدمة قضايا شعبهم , فقضايا الحرية والديمقراطية ومحاربة مظاهر الفساد والظلم والإنحراف هي قضايا ومظاهر يعالجها المثقف من خلال تخصصه ويتبنى هذه المعالجة بحيث تصبح هماً له ورسالة يتحمل مسؤولية توضيحها للغير سواء كان ذلك من خلال السينما والمسرح أو القصيدة أو الدراسات والبحوث التي يعمل عليها .
من هنا يمكننا القول أن مجتمعاتنا غنية بالمثقفين ولكنهم وباعتبارهم هدفا دائما للنظام السياسي سواء بمحاولة تدجينهم أو إسكاتهم بأي شكل أو من خلال اضطهادهم
و مطاردتهم وإبعادهم , تم افساح المجال واسعاً أمام الأدعياء لاختراقهم وإضافة المزيد من التشويش على صورتهم . إذاً : فالمعارضة هي قوى تغيير ذاتية
( وليست مستوردة أو مصنعة في الخارج ) ذات أهداف تطويرية حضارية تحمل هموم المجتمع وتستوعبها بشكل واع لتعيد إنتاجها على شكل حلول واقعية بمعنى أنها المنتج للحلول الحضارية التطويرية للمجتمع الذي تؤهله ليكون الحاضن لها ليستمر في الإنتاج الحضاري عبر عمليات ولادة سليمة ودائمة وليست رافداً لضخ الأفكار المسمومة الحاقدة.
وفي مجتمعاتنا فإن دورها يجب أن يتجلى في :
- إبراز الجانب الأخلاقي في مقابل الفساد والانحراف الذي يتسبب في تفكيك بنية المجتمع الوطنية و التمهيد للإنتقال من الشمولية إلى الديمقراطية بطريقة سلمية وصحيحة والتنبيه إلى طروحات الحرية والديمقراطية الملغومة الواردة من الخارج والهادفة إلى تفكيك مجتمعاتنا وإثارة الصراعات والأحقاد .
- طرح وجهات نظرها من حيث إعادة صياغة مفاهيم المجتمع وتثقيفه باتجاه تمتين بنيته ونسيجه والتنبيه إلى مخاطر العولمة المتوحشة التي تعمل على هدم الميزات والتراث الأصيل ومنظومة القيم الأخلاقية للمجتمعات والتي ثبت من خلال مراقبة سلوكيات القوة الأمريكية في العراق أنها تشجع على التعصب الديني والعرقي والمذهبي .
إذاً فان هذا هو دور المعارضة وحقيقتها وهي ليست قوى تضخ روح الانتقام في طريق بحثها عن السلطة وتزيد من تقسيم المجتمع حتى ولو أدى ذلك إلى تدميره نهائيا كما ظهر من سلوكيات بعض هذه المعارضة التي أطلت برأسها مؤخرا وبمزاعم إنقاذ المجتمع .
إن من يزعم الإمساك بالخطأ والتصدي لمعالجته يجب عليه قبل كل شيء أن يتحاشى الوقوع في الخطأ ويبتعد عن إختلاق المبررات والأعذار محلاً لنفسه ماينكره على الغير
إن هذا ماتأكد من خلال سلوكيات بعض هذه المعارضة والتي طفت على السطح للتشويش على المعارضة الإيجابية التي تتبنى قضايا المجتمع , ولقد أكدت سلوكيات هؤلاء أنهم قد تقيأوا كافة أشكال الانقسام والتحريض داخل المجتمع تحت شعارات الحرية والديمقراطية ومن خلال تتبع مقولاتهم تبين أنهم قد جنحوا لتسوية كل شيء بالأرض وبأساليب غبية حمقاء مرددين مايسمعونه من الخارج عبر معارضات مصنعة هناك مطالبة بالتمهيد لبرامج القوى العالمية تجاه المنطقة وبشكل يخدم أهداف إسرائيل فقط .
وقد لاحظ جميع من شاهدوا وسمعوا تلك المعارضة التي تطل علينا عبر شاشات محددة مدى تفاهتها وغثاثة طروحاتها ومدى عدائها الشديد للوطن كل الوطن تحت شعار خلافها مع النظام .
كل ذلك وهذه المجتمعات المنكوبة بكل شيء تراقب وهي تهرش برأسها وتتذكر فيما إذا كانت هي قد أنتجت مثل هذه الأشكال المريضة وتراقب مسرحياتها ( الكوميدرامية ) الممزوجة بالكثير من العبثية والخالية من الإحساس بالنكتة حتى ولو كانت نكتة با يخة لاتبعث على إظهار ولو ظل ابتسامة بقدر ما تبعث على القرف والغثيان الممزوج بالاحتقار .
ونسأل السادة العتاريس , ألم يأن الأوان للتخلص من حمير القوافل والاستغناء عنها وإرسالها إلى الإسطبلات أو إلى الحدائق العامة لنحدث أطفالنا عنها وعن تاريخها حتى لا يتكرر المشهد مستقبلا ً.
ألم يأن الأوان للاستغناء عن أسلوب القوافل وتقسيم الشعب إلى قطعان على رأس كل قطيع مرياع وحوله مجموعة من الكلاب لتعيد الخراف الشاردة إلى القطيع , في عصر التنزه في الفضاء وغزو المريخ واكتشاف المجرات .
ألم يأن الأوان للتخلص من الأحمق الذي يقوم بدور القاضي با سلوب سيء الذكر
( قراقوش) ونفسح المجال للشرفاء دون رقابة ودون أغطية عيون البغال .
ما الفائدة من مراقبة الأفكار المحلية في عصر الانترنيت والفضائيات والرقميات وتقنيات الاتصالات عالية الدقة . إن اللعنة الأكبر قادمة , قادمة , قادمة , فلماذا لا يستعمل الجميع عقولهم ويزيلوا عنها الصدأ ويفرغوا مافي أجوافهم من نتانة وقرف . لماذا ؟أليس الوطن هو الأهم .؟ .؟؟؟!!!!!
إن المستقبل قادم بحكم حركة الزمن فلماذا لانفسح له المجال كي يصلنا سليماً مشرقاً ونؤهل أنفسنا وأجيالنا للتعايش معه حتى لاتلعننا هذه الأجيال على الأقل ..؟! ونستغرب أن يكون هناك من يصنع بيديه أسباب لعنته من أبنائه وأحفاده .


* * *


نهاية الجزء الثالث



#خليل_صارم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النظام الساسي العربي (الموروث و المرتكزات ) الجزء الثاني
- النظام الساسي العربي (الموروث و المرتكزات ) الجزء الأول


المزيد.....




- ?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو ...
- أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال ...
- الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ ...
- مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
- تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو ...
- ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري ...
- قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
- 8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
- لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - خليل صارم - النظام السياسي العربي - الجزء الثالث