أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح بوزان - عندما تعتقل الكلمة















المزيد.....

عندما تعتقل الكلمة


صالح بوزان

الحوار المتمدن-العدد: 1291 - 2005 / 8 / 19 - 11:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كنت أنتقد سابقا أولئك الكتاب الذين التجؤوا إلى الصمت رغم ما لديهم من الآراء النيرة وإمكانيات فكرية فعلية للمساهمة في قضايا الشعب والوطن. ولكن ..، ومع الأيام أدركت حقيقة مواقف هؤلاء الكتاب، وبدأت أتعاطف معهم، بل أشعر بشيء من الإجلال تجاه قرار صمتهم الذي يعبر عن الاحتجاج من ناحية، وعمق مأساة الأمة من ناحية أخرى. فعندما تعتقل الكلمة في الفم أو تغلق المنافذ أمامها للوصول إلى أذهان الناس، فإن ذلك يعني بالضرورة أن الأمة تسير إلى الجاهلية.
أزعم أن الكلمة فقدت فاعليتها وتأثيرها في هذا الشرق. فالنظام العربي -على سبيل المثال- وضع كل إمكانياته المادية والمعنوية لاضطهاد الكلمة واعتقالها أو تشريدها، بل وصل الناس إلى حالة أصبح ذهنهم لا يستقبل الكلام والفكر، بل ثمة شريحة واسعة منهم تنظر إلى الكلمة بشيء من الاحتقار. ويعتبر النظام العربي أن هذه الحالة هي الوطنية الحقة.
أتساءل أحياناً، لماذا تحولت مقولة السيد المسيح"في البدء كانت الكلمة" إلى عالم واسع رغم كل الاضطهاد في حينه، ولماذا استطاعت الآيات القرآنية الأولى أن تهز الأرض من تحت أقدام أقوياء مكة، بينما باتت الكلمة في بلداننا اليوم ذليلة، ضعيفة، عديمة الفاعلية في ظل الاستبداد الشرقي المتجدد. وإذا وضعنا الميثولوجيا الدينية جانباً، فحضارة البشرية الراهنة هي حصيلة ولادة ونمو الوعي البشري، لأن وراء كل حضارة مادية حضارة أخرى هي حضارة الكلمة(أي العقل). وقد بدأت كل الانعطافات التاريخية من مقولة بسيطة" هذا الواقع غير مقبول، ويجب تغيره لكي يصبح مقبولاً".
وهكذا وصلت البشرية إلى القرن الواحد والعشرين وهي تحمل لواء الكلمة الفاعلة، هذه الكلمة التي جعلت كل قرن أفضل من القرن الذي سبقه. ولكي لا أغوص في الاستطراد كثيراً، فإنك تستطيع اليوم أن تدخل عالم الانترنيت من خلال كلمة واحدة أو عدة حروف، وتفتح أمامك أبواب العالم، وإذا كنت تعرف الإنكليزية أيضاً، فبإمكانك أن تحصل على أية معلومة ومن أية بقعة في العالم.
لكن النظام الشرقي عامة والعربي خاصة وقف ضد الكلمة ومنطقها. فمنذ أن ركب ذلك العسكري دبابته وتجاوز القانون، معلناً نفسه حاكماً عرفياً مطلقاً على البلاد والعباد، ومن ثم قال للكلمة: تعالي خلفي، فمنذ ذلك التاريخ أصبح المنطق مغلوباً على أمره.
أزعم أن الخطوات الأولى للنظام العربي الراهن كانت شلّ جدلية التفكير ووضع قياس مسبق للكلمة بحدود قامة الحاكم العرفي الذي أخذ ينظر إلى كل ما حوله من خلال سبطانة دبابته التي دخل بها قاعة البرلمان. كانت لهذه الخطوة تأثيرها الكبير على الساحة الفكرية قبل السياسية. فتقلصت (عملياً انتهت) كل التيارات التي لم تلتزم ببيان رقم(1) الذي أصدره الحاكم العرفي. وكانت النهاية إما السجن أو التشريد، أو إجبار قسم من الكتاب والمثقفين على الصمت الذاتي. وكان هذه نوعاً آخر من سجون الشرق التي استحدثها النظام العربي(أقصد الصمت الذاتي). أما الذين خضعوا للحاكم العرفي، سواء بالترغيب أو بالترهيب، فتحولوا مع الزمن إلى كورس ديني لتبرير الاستبداد الشرقي المستحدث، بل اعتبروا هذا الاستبداد حكمة شرقية جديدة. فكل مستبد في هذا الجزء من العالم هو قائد المسيرة، قائد الضرورة، صاحب السياسة الحكيمة، هو الملهم والتاريخي... وغير ذلك من الألقاب التي استحدثها أدباء ومثقفو النظام العربي، وجعلوا من مسيرة كل حاكم عرفي ملحمة وطنية كبيرة للأمة، ومن لا يفتخر بها أو يقلل من شأنها يصبح لا وطنياً وربما خائناً ومرتبطاً بالعدو الخارجي. لقد أرّخ هؤلاء الكتاب "انتصارات" للحاكم العرفي، ومسيرات"ظافرة"، لدرجة عندما تقرأ إحدى هذه السير تشعر وكأنك أمام أحداث آلهة الإغريق.
وهكذا كانت سنوات حكم الحاكم العرفي العربي هي سنوات القحط الفكري، وفراغ الساحة الوطنية من العقول النيرة. وانتهت المعارضة الأصيلة إلى الموت البطيء أو التعايش مع وصايا الحاكم العرفي، وهو نوع آخر من الموت. وكان لطول عمر الحاكم العرفي وديمومة بقائه على كرسيه الذهبي دور أساس في كل ما تعانيه هذه المجتمعات من فساد عام. فساد في الاقتصاد لا مثيل له في العالم، وفساد في السياسة والفكر يذكرنا بعصر الانحطاط، وأهم من ذلك كله فساد في الأخلاق وفي الدين.
لقد أفرزت مرحلة النضال الوطني ضد الاستعمار الغربي حركة وطنية رائدة فكرياً وسياسياً وأخلاقياً، وبرز كتاب يحملون عن وعي وجدارة القيم الوطنية العالية والانفتاح الواسع مع الحضارة العالمية. كان هؤلاء الرواد يفرقون بين الغرب الاستعماري وغرب الحضارة، ففي الوقت الذي وقفوا ضد الغرب المستعمر، فإنهم سعوا بكل جدية للارتقاء إلى هذه الحضارة الغربية اجتماعياً وسياسياً وقانونياً. كانت إحدى الخصوصيات الأبرز لهؤلاء الرواد الانتماء للشعب. لكن ذلك الذي ركب دبابته وأعلن نفسه حاكماً عرفياً قتل فكرة التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي والتقدم الحضاري، وقضى على تراث أولئك الرواد الأفاضل، وأفرز بدلاً عنهم رهطاً من الكتاب يتقنون النهج الميكيافلي في الوصولية وتبريد نهب البلاد واسترقاق العباد. لقد تكون حول الحاكم العرفي فيلق من الكتبة لا قيم لهم سوى الانتماء إلى هذا الحاكم العرفي أو ذالك.
ربما لهذا كله أجلّ أولئك الكتاب الصامتين الذين أدركوا أن الحاكم العرفي أفسد التربة الوطنية وما عليها وجعل الأرض عاقرة. فلم يعد هناك أي معنى للوطن وللشعب والانتماء إليهما. هذا الانتماء الذي اعتبره الحاكم العرفي منذ بلاغه رقم (1) يهدد حكمه. ولهذا كله يجب أن نفهم لماذا الحاكم العرفي وحاشيته يشنون هجمتهم البربرية ليلاً ونهاراً على تلك البضاعة الغربية الملعونة التي تهدد الوطن والأمة والمسماة بـ ( الديمقراطية ).
من خلال التجربة العراقية الراهنة، نجد أن كتبة الحاكم العرفي من المحيط إلى الخليج أكثر جعجعة في الفضائيات العربية والإعلام عامة ضد الغرب وكل منتوجه، بما في ذلك الحضارة الغربية. ويجري التشكيك بها، والتباكي على الوطن والتراث القومي، في الوقت الذي كان حاكمهم العرفي وخلال حكمه المديد يقتل الناس ويذل العباد وينهب البلاد. إنهم لا يرون ما تقوم به زبانيته البربرية وجحافل زرقاوي المتوحشة بقتل يومي لا مثيل له في التاريخ المعاصر.
أتساءل أحياناً ما الفرق بين أن يذلك المستعمر وينهب خيرات بلدك أو يقوم بذلك الحاكم العرفي الذي هو من بني جلدتك، ففي الحالتين أنت مادة للقهر والنهب واستلاب الإرادة. وقد يلتزم المستعمر ببعض القوانين الدولية. مثلما خضع، وكما هو معروف، لقرارات الأمم المتحدة وخرج من العديد من البلدان العربية في القرن الماضي. لكن الحاكم العرفي العربي لا يخضع حتى للقوانين التي يصدرها هو.
إن اهتزاز العرش من تحت أقدام الحاكم العرفي العربي نتيجة تغيير الذي حدث في النظام العالمي وسيطرة القطبية الواحدة هو الذي يجعل صوته يعلو بالوحدة الوطنية ، غير أن الجميع يدرك، بما في ذلك هو أيضاً، أن الوطنية التي يقصدها هذا الحاكم العرفي أو ذاك هي الكرسي الذي يجلس عليه.
أخيراً، أزعم أن المشكلة الأساسية في هذا الشرق، بما في ذلك في العالم العربي سواء على صعيد الأفراد أو على صعيد الشعوب هي اعتقال الكلمة من قبل الحاكم العرفي، وعندما تعتقل الكلمة يغيب المنطق وينهار الأخلاق وبالتالي تختفي القيم الوطنية والإنسانية عامة. ومتى يتم تحرير الكلمة من الاعتقال عندئذ ستنهض الأمة بالتأكيد.



#صالح_بوزان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاصلاح وسيكولوجية الشعب المقهور
- دعوة لتشكيل جمعية وطنية للاضراب عن الكتابة
- وجهة نظر في بيان جماعة الاخوان المسلمين حول القضية الكردية
- أول شهيد للفكر التنويري في سوريا اليوم
- الماركسية إلى أين؟
- مظاهرة قامشلي والدرس الكردي
- من وراء اختطاف الشيخ معشوق الخزنوي؟
- تنويم الشارع السوري يعرقل التغير
- أزمة التغير في سورية
- العفو الرئاسي والتسامح الكردي
- الحوار العربي الكردي يحتاج إلى تغير العقلية السابقة
- حداث قامشلي ونظرية المؤامرة
- خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء
- حل المسألة الكردية في سورية استحقاق وطني
- العراق الموعود وتناقض المواقف
- تحية إلى التجمع العربي لنصرة القضية الكردية
- أي دور للدولة؟
- كلمة شكر ولكن
- لابد من العلمانية
- هل من طريق إلى وحدة الشيوعيين السوريين؟!


المزيد.....




- مطاردة بسرعات عالية ورضيع بالسيارة.. شاهد مصير المشتبه به وك ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة اختارت الحرب ووضع ...
- الشرطة الأسترالية تعتقل 7 مراهقين متطرفين على صلة بطعن أسقف ...
- انتقادات لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريحات -مع ...
- انهيار سقف مدرسة جزائرية يخلف 6 ضحايا وتساؤلات حول الأسباب
- محملا بـ 60 كغ من الشاورما.. الرئيس الألماني يزور تركيا
- هل أججت نعمت شفيق رئيسة جامعة كولومبيا مظاهرات الجامعات في أ ...
- مصدر في حماس: السنوار ليس معزولًا في الأنفاق ويمارس عمله كقا ...
- الكشف عن تطوير سلاح جديد.. تعاون ألماني بريطاني في مجالي الأ ...
- ماذا وراء الاحتجاجات الطلابية ضد حرب غزة في جامعات أمريكية؟ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح بوزان - عندما تعتقل الكلمة