أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - موسى وجولييت الفصل الرابع والثلاثون















المزيد.....

موسى وجولييت الفصل الرابع والثلاثون


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4582 - 2014 / 9 / 22 - 16:51
المحور: الادب والفن
    



قتلوا الولد البرقاوي، فأجرت بُرْقَةُ عليه الحداد أربعين يوما، وصار حمام البلاد أسود. قتلوا الولد الرديء. الولد المخرب. الولد الشقيّ. التقيّ المتذمر. قتلوا صاحب كل أمر حسن. وكل الرداءة التي فينا. إلا أن الرديءَ الذي كانه الولد البريء، راح ينبت كرزًا في جناتنا، فجناتُ بُرْقَة لم تزل تعطي الثمرَ أسودَ وأخضرَ وأحمرَ. سقت جولييت الشجر من دمعها، ولما جاؤوا بغيره إلى زنزانتها، قالوا لغيره هي صِنوه، وهي غيره، هي حبيبة موسى وقاتلة يوسف، وهو سجين مثلها، ولكنه لن يكون أبدًا مثلها: هي ذلنا وأنت ذلها. هي دمنا وأنت دمها. هي بيتنا وأنت بيتها... المتهدم. هي غريزةُ التناسل، وأنت آدمُ المطرودُ من جنتنا. اعتبرته جولييت أخًا للولد الرديء أو صديقًا أو واحدًا من أهالي بيت ساحور المحاصرة منذ أربعين يوما، مدةَ حفظِ النَّفْساءِ لنوعها، أو من عقبة الخالدية أو من باب السلسلة، من أولئك الذين لا يستطيعون العدو كظباء الجبل لألمٍ في أقدامهم. فاعتذر لأنه من شفا عمرو، اسمه وحيد العمري، حاول الانتحار لسبب شخصي بعد أن باءت كل محاولاتهم معه بالفشل، في الطريق، وفي الحريق، وفي العمل. قالت جولييت هم إذن رجال الشاباك أو نغالهم، وشددت العزم لديه، هي التي كانت في حاجة إلى من يشدد العزم لديها.
همهمت جولييت:
- سنموت في أي وقت.
أجابها وحيد العمري:
- سنموت في أي وقت ولكن كيف سنموت؟
سكت قليلاً، ثم أضاف، وهو يراها على حافة الموت:
- بعد محاولة انتحاري، سعيت إلى الخلاص بواجب أن استأهل الموت، أن أحيا.
فكيف يحيا؟ لا من جوه هم يسعفون ولا من بره هم ينجدون ولا أحد يقلق لأجله مثقال ذرة! كيف يحيا، وحيد العمري النبيل؟ كيف تحيا، جولييت النبيلة؟ كيف تسعى إلى الخلاص بواجب أن تستأهل الموت وموسى عنها بعيد؟ أيأتيها موسى قبل الموت أم بعده؟ أيأتيها قبل الموت فتكون له حَظِيَّة؟ أيغير من الصغير الذي مات، فيأتيها؟ أين يعقوب الموبخ؟ أين الاستخارة بالحُلم؟ يا حجر وجود الله! جاء السجانون، وذهبوا بوحيد العمري ليذهبوا بعمره. سيقولونَ: غيرهم منهم هم الذين قتلوه، فتقتتل القبائل فيما بينها وتنتحر بالتناحر، فهي كذبة على كذبة، كذبة بين كذبات لن تكون أوسخها. قامت جولييت في عذابها، وأرادت منعهم مما أرادوا له، فأرادوا لها هي الأخرى شرا. ضربوها على صدغها، وعلى صدرها، وعلى بطنها: صدغٌ تفاحيّ، وصدر عصفوريّ، وبطن أملس خالوه دِنَّ رملٍ أخذوا ينفخون فيه المعجزات، أولئك البرابرة. وجولييت تنادي عليه، فلا يسمع، وتنطق همسًا حروف اسمه، فلا يروع. تغدو جولييت شرارة دم في علمِ يوسُفَ الحاملِ الشعلة، وتغدو جولييت فراشة دم في كتابِ يوسُفَ الكاسرِ العفة. عفة من يظنون في أنفسهم التدنيسَ تقديسا. أتتركهم من بعدها، جولييت؟ ما الذي ربحته من كل هذا الحب؟ ما الذي ربحته من كل هذا الثكل؟ وهو، لماذا يأتي متأخرا؟ أيكونُ لهُ هجرٌ وعنهُ نكوص؟ أيأخذ العتاة منه القدرة؟ القدر؟ هو، نبي زمانه، أيكون بالمقابل اغتياله؟ أيكون اغتيال الزعيم الكبير بعد دخول؟ غادر الولد الرديء قبره – لا لمعجزة وإنما لشقاوته الأبدية – ودخل كعادته زنزانة جولييت. كانت بحيرةً للزنابق الميتة، فأجرى في جسدها ريحا، وفي دمها موجا، غير أنها لم تقوَ على النهوض، فحضّها على ألا تموت، كيلا يقولوا ماتت جولييت! جولييت ماتت! كيلا تجتاح الأردية المقدسة القدس الشرقية، وكيلا يقتلوا الولد الرديء الحبيب للمرة الثانية. هكذا يفضي موسى إلى حبه المستحيل. تصيب الرصاصة الحب حبًا بها. تقول الرصاصة. تلفظ كلمتها الحق لو قتلوا الولد الرديء للمرة الثانية، لو تكاثرت الأردية المقدسة، لو صمت بلبل الشعير. عندئذ سيغدو رشق الحجارة كآخر فرصة بلا موضوع، وسيتنازل الراشقون عن كل شيء بسبب جولييت، وموت جولييت المفاجئ، سيضيعون أنفسهم، ولن يبقى إلى جانب موسى أحدٌ سواها، حتى ولو ميتة: هي التي هي الجنة وهي الجحيم! أتكون له وهما؟ وهَمّا؟ كل واحد منهم جعلها ملكًا خاصا! أتطيب نفسه ونفوسهم مترفة أو غبية؟ يُسقطون الصداقة ويُعلون المصلحة؟ يُعدمون الكونية والأخلاقية والإنسانية إلى آخره... إلى آخره... ويوجدون الإقليمية والتعصبية والتحزبية أيضًا إلى آخره... إلى آخره...؟ يشجعون المزاجية، الحقد، الحقارة، يدعمون الأحكام المنزلات، الأحكام التهويمية، الأحكام التهويسية، تلك التي تتبصر في الخيانة تبصر خيالات كنعان، وتحكم على الإخلاص حكم ارتفاع أو انخفاض سعر أسهم الثرثرة، والساعة القائمة هو صاحبنا، صحبة الانتفاع وبغية الاتهام المُرجأ، والساعة القادمة هو طاحبنا، طحبة التلويث وبغية البراء المطلق، وذلك تأثرًا بمواقف الغير من مواقف الغير، وبقوانين اللاأساس من الصحة واللاحرية في الحركة إلا من داخل طوقهم العبوديّ؟ فصاح موسى في البرية صيحة الشقر التي لن تضيع عبثًا هذه المرة: لا السلام عليك، أيتها النفوس الدنيئة! وليس سبحانك، أيتها النفوس المنحطة! لا وليس لك الجلال، أيتها النفوس العرصة! وليسقط ما تصنعونه على أولادكم لأنكم لم تقلقوا بأولادي، ولا بحجر أولادي، أنا الخائن الوفيّ؟ أنا وحيد أمري! العبد لأمرها معي! فاقووا ما استطعتم، أيها الجبناء! ابطشوا، واسرقوا، واشهدوا على أقربائكم شهادة زور، واشتهوا بيوت أقاربكم، اشتهوا نساء أقاربكم وعبيدهم وإماءهم وثيرانهم وحميرهم وكل شيء لأقاربكم، لن يحميكم حجاب ولا دعاء ولا طائر جنة! أما أنتِ، أيتها النفوس الطوباوية، فلك الدعاء لأجلك، يا مسكينة، وعليك الشفقة، وكوني نفوسًا ليست مطمئنة! أأقول شفقة؟ أأقول رحمة؟ لن أقول شفقة، ولن أقول رحمة، ولتتزلزل تحت أقدامكم الأرض التي يحملها ثورٌ على قرن، وآن له من التعب أن ينقلها من قرنه هذا إلى قرنه ذاك، لتنشق الأرض، ولتقعوا في أعمق هاوية!
يئس موسى يأس فراولة الصحراء لما تمطر الصحراء بَغْتَةً، وتجعل من الطرقات طرقات وحل، فمن أين يبدأها بدايته الأخرى في محاولات الاختناق؟ سيدوم ما دامت الوحول، ولن يخنقه أحد بسهولة. سيعود إلى جوليت من قرطاجة بعد أن ينقذ قرطاجة من أهلها، ويأتي منها بأهلٍ له جددٍ جميلي العقول مديدي القامات "رديئي" الخطى، فلم تبق بعدُ جهود أو بعضُ جهود. راح موسى وأهله ممن اتبع خطاه يحاصرون سجن نابلس، قلعة جبارة سجن نابلس، وهم ببنادقهم كسهامٍ موجعة مدمية مرهقة لراحة العالم والأعصاب، ليريحوا أعصابها، جولييت، ويحرروا الولد البرقاوي، ويعيدوا الحق لوحيد العمري، ويطلقوا الجبل والبحر، فها هو موسى يأتيك، جولييت. ها هو يصل الحب بالحب الممكن. تصل الرصاصة شوقًا إليها. وراحوا يحاصرون حجارة الجليد. وبنادقهم تشخ. كانت طريقتهم في المقاومة. أن يشخوا الشجاعة، فالشخُّ عادةٌ للذئاب الجسورة. وللعاشقين. عندما يأخذون طريقًا إلى المواخير. والوطن العرص يستحم في الألم والندم. والوطن العاهر يطارد فراشات النار. يطرد حمامات التهزيم. تسري الريحُ لغةً للقوددة في بحورِ نمل وصراصير ضُربت عليها الذِّلة والمسكنة وسعادة الاستمناء وحلاوة البطيخ. هناك في زنزانة السجن، سيأخذ موسى جولييت بين ذراعيه، وسيشعر بالحرية بعيدًا عن كل المنتعظين الحاكمين أو الذين لا شأن لهم المخصيين المتحكمين بشؤون غيرهم المتحكِّم بشؤونهم أسيادٌ لهم شؤون المكملين لمسيرة السابقين البائعين للأكساس والأطياز والكبابيد المتساقطين على أقدامٍ تضربهم ضرب الأزباب للأزباب، أزبابٌ تتلوها أزبابٌ إلى ما لا نهاية، فلا تنتهي السياسة، وإلا كانت نهاية السياسيين. سيأخذ جولييت بين ذراعيه كرمةً لينضج عنبٌ في الشارع الذي سيكون له مثلما ستكون له جولييت وبُرْقَة، ويصير الحب لحظة الارتماء في أحضان الحقيقة. لأنه سيترك كل الكذب لهم. كل المني. سيتركهم في الكذب عندهم. في مواخيرهم. هذا شأنهم. فليتركوه إذن يحب الشمس على هواه. هو آدم ابن آدم الذي لن يعملوا فيه هيك! وجولييت الثدي، الحلمة! الفرج، المحراب! انتخبوا، لا تنتخبوا! ليس هكذا يفهم حبه لجولييت. هكذا تفهمه الرصاصة. تُفهمه للحجر الرصاصة. ذاك الوطن العرص. وهذا الوطن العاهر في العرصنة. في الداخل صراخ وفرح، وفي الخارج صراخ وموت. الفرح والموت متحدان في الصراخ. هجم موسى وبعض رفاقه لاقتحام الزنزانات، وأخذ يبحث عنها في الظلام المتحد بالقامات الناهضة بفواجعها القادمة إلى أن وجدها، جولييت. فرسًا مخضبة بالدم. ترك سلاحه إليها، ورفعها بين ذراعيه، وراح يبكي عليها بعد أن ظنها ميتة، وهي تتساقط مثل سوحرة. أتموت جولييت حينَ وصولِهِ إليها؟ أتموت في اللحظة التي قرر فيها اقترانه بها؟ في اللحظة التي سيأخذها فيها ليربيا ابنة أسماء وابن روبيكا؟ كان يريد أن يذهب بها إلى بيته. كان يريد أن يقول لها أحبك. كان يريد أن يسبل الماء وإياها. كان يريد أن يسقيها. كان يريد أن تشاركه طعامه. أن يأكل من الفطر الياباني معها. كان يريد. كان يريد. دفن وجهه في صدرها، وتنسمها كلها ملء رئتيه، مُحَرِّضَهَا على العودةِ إليه:
- عودي إليّ، يا جولييت! آه، يا جولييت! آهٍ منك! آهٍ منهم! آهٍ من النحلة!
وقال الرب لموسى اصعد الجبل إليّ، وكن هناك، فأعطيك لِوَحْيِ الحجارة والشريعة والوصية التي كتبتُها لتعليمهم، فرفع موسى رأسه، وراح يحدق في جمالها الذابل للمرة الأخيرة، وابتعد في رحلة الجمال وأوغل، كان يريدها أن تعود إليه، فاخترقته سلسلة من الطلقات، وخر صريعا.


يتبع الفصل الخامس والثلاثون والأخير



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موسى وجولييت الفصل الخامس والثلاثون والأخير
- موسى وجولييت الفصل الثاني والثلاثون
- موسى وجولييت الفصل الثالث والثلاثون
- موسى وجولييت الفصل الحادي والثلاثون
- موسى وجولييت الفصل الثلاثون
- موسى وجولييت الفصل الثامن والعِشرون
- موسى وجولييت الفصل التاسع والعِشرون
- موسى وجولييت الفصل السابع والعِشرون
- موسى وجولييت الفصل السادس والعِشرون
- موسى وجولييت الفصل الرابع والعِشرون
- موسى وجولييت الفصل الخامس والعِشرون
- موسى وجولييت الفصل الثاني والعِشرين
- موسى وجولييت الفصل الثالث والعِشرون
- موسى وجولييت الفصل الحادي والعِشرون
- موسى وجولييت الفصل العِشرون
- موسى وجولييت الفصل الثامن عشر
- موسى وجولييت الفصل التاسع عشر
- موسى وجولييت الفصل السابع عشر
- موسى وجولييت الفصل السادس عشر
- موسى وجولييت الفصل الرابع عشر


المزيد.....




- الفنانة يسرا: فرحانة إني عملت -شقو- ودوري مليان شر (فيديو)
- حوار قديم مع الراحل صلاح السعدني يكشف عن حبه لرئيس مصري ساب ...
- تجربة الروائي الراحل إلياس فركوح.. السرد والسيرة والانعتاق م ...
- قصة علم النَّحو.. نشأته وأعلامه ومدارسه وتطوّره
- قريبه يكشف.. كيف دخل صلاح السعدني عالم التمثيل؟
- بالأرقام.. 4 أفلام مصرية تنافس من حيث الإيرادات في موسم عيد ...
- الموسيقى الحزينة قد تفيد صحتك.. ألبوم تايلور سويفت الجديد مث ...
- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - موسى وجولييت الفصل الرابع والثلاثون