أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - موسى وجولييت الفصل الثالث والثلاثون















المزيد.....

موسى وجولييت الفصل الثالث والثلاثون


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4581 - 2014 / 9 / 21 - 11:48
المحور: الادب والفن
    



يا لهم من مرضى هؤلاء الملائكة المنتصرون! مرضى بقوتهم! ويظنون أن قوتهم قوة، وأن الله معهم، وأنهم لهذا هم المحظوظون! لا يعرفون أن في قوتهم ضعفهم، وأن الله سيخونهم لما يميل الميزان بكفة الثدي والثمر، وبالاتحاد العادل. نعم، يا لهم من مرضى بقوتهم هؤلاء الملائكة البواريد! الحب لهم بحيرة دم، وحجر الحرية جريمة. تنظر جولييت إلى خيالات السجانين العملاقة عبر القضبان. ولكن ما هي إلا خيالات! الضوء المعتم يغلف حركة أصحابها بهالة من عدم الحقيقة. وترصد جولييت أقل حركة من حركاتهم. يأتون بشبانٍ سمر، ويعودون بشبانٍ أكثرَ سمارا، ولا يوفقون إلى إخفاء آثار التعذيب عن البشرة المدبوغة بلفح الشمس. يغدو الحجر حرية. الجرح والحب.
صاحت جولييت مناديةً موسى: تعال إليّ بلعنةٍ ووصية! إلا أنهم جاءوا جماعاتٍ لإسكاتها، ولإسكاتها ضربوها بأعقاب البنادق إلى أن جعلهم الدم يهتزون حتى أعماق قلوبهم. قالوا لجولييت لغيرك منا معاملة أخرى، ولكنك أنت قاتلةُ يوسُفَ، وأنت قاتلةُ يوسُفَ وحبيبةُ موسى.
آه، كيفَ يصبحُ الحبُّ جريمةً للمحبين! آه، كيفَ تصبحُ الجريمةُ حبًا للمجرمين!
مضت الظلال العملاقة، مرةً أخرى، أمامها، وهي تدفع أحد المنتفضين. كان في قدم الشاب ألم يعيقه عن التقدم بسرعة أقدامهم، فضربوه ليواكبهم، وجولييت يصلها كلامهم بوقاحة من تكلم واحتقر، بينا تحتضر جولييت بحماقة من احتضر واستسلم:
- هو لا يعدو كالظبي.
- هو لا يعدو.
- لو كان يهوديَّ الأصلِ لاستطاع أن يعدو كالظبي.
- لو كان يهوديَّ الأصل.
- في الموت كنا نعدو كالظباء.
- كنا نعدو.
- وكان الموت يهرب منا.
- كان يهرب.
تفجر دم جولييت، والموت يتقدم منها. جاء الولد الرديء، ومد لها كأس ماء، ومسح لها دمها. لم يقل لها كيف دخل زنزانتها، فهو ولد شقيّ، يخرج من بطون النساء اللاتي يقتلهن جنديُّ يكره النساء ويحب أثداءهن. ذاك الولد الرديء الذي أرضعته بُرْقَةُ من حليب ثديها حتى آخر قطرة، وجعلت منه ولدًا كبيرا. كل أيادي الوعد والوعيد التي حطمها الجنود المدججون خوفًا منها، تحولت أصابعها إلى حياتٍ تضربُ المِقلاع لتصطاد صقورًا أو لتدمي توتا. وحدثها قائلاً إن موسى لما كان في سجنٍ عربيّ، فجروا دمه، وجعلوا الموت يتقدم منه، ولكنه خرج من السجن أكثر عزمًا ومضاء. أما عنا، تابع الولد الرديء، نحن المناضلون في السجون، العرب واليهود، فمساواة التعذيب تجري علينا كما يجري الماءُ على الشفاه الظمأى، أحمرُ لنا جميعا. لاحظت جولييت أن الولد الرديء يُجري التركيز على كلمة "مناضلون"، فأيها منهم جولييت؟ جولييت الهوى والهواء؟ جولييت السور والإسار؟ جولييت الثدي والإطار؟ إلا أنها فهمت ما يريد قوله من معاملة السجانين للمجرمين اليهود خير معاملة. وعلى العكس، يهوديٌّ أم غيرُ يهوديّ، لما يكون المناضل هو المقصود، للكل الحق في أسوأ معاملة. الشيء ذاته مع السجانين العرب لما اعتبروا موسى، اليهوديَّ موسى، ولم يستطع الركض كما يريدون الركضَ:
- هو لا يعدو كالحمار.
- هو لا يعدو.
- لو كان عربيَّ الأصلِ لاستطاع أن يعدو كالحمار.
- لو كان عربيَّ الأصل.
- في الموت كنا نعدو كالحمير.
- كنا نعدو.
- وكان الموت يهرب منا.
- كان يهرب.
انفجر يسرئيل، السجين الحبيس مع جولييت في الزنزانة، يجهش بالبكاء لمضاء أدوات تعذيبهم التي دقوها في جسده وفي روحه. سألته جولييت عن ذنبه. لا شيء غير الخيانة في أعين "الشاباك". زرع له أطباء مِصريون كلية فلسطينية، وأنقذوه من موت أكيد. جلس الولد الرديء إلى جانبه، وراح يبكي معه. قال له ما أنت إلا ضحية من ضحايا، وما عذابك إلا عذاب من عذابات، فقد أغلظ موسى قلوبهم كي يصنع آياته هذه بينهم. ثم قال لجولييت مدي يدك من بين القضبان لأجل الجراد، ليصعد على أرض اللبن والعسل، ويأكل من عشب الأرض كل ما تركه البَرَدُ. فمدت جولييت يدها على أرض اللبن والعسل، فجلب الرب على الأرض ريحًا شرقيةً كلَّ ذاك النهار وكلَّ الليل. ولما كان الصباح، حملت الريح الغربية الجراد، فصعد الجراد على كل أرض اللبن والعسل في جميع تخوم فلسطين. شيء ثقيل جدًا لم يكن قبله جرادٌ هكذا مثله، ولا يكون بعده كذلك. وغطى وجه الأرض حتى أظلمت الأرض، وأكل جميع عشب الأرض، وجميع ثمر الشجر الذي تركه البَرَدُ، حتى لم يبق شيءٌ أخضرُ في الشجر، ولا في عشب الحقل، في كل أرض اللبن والعسل.
قال السجانون لموسى حبيب جولييت ولجولييت حبيبة موسى إنّا أخطأنا، والآن اصفحا عن خطيئتنا هذه المرة فقط، وصليا إلى الرب إلهكما ليرفع عنا هذا الموت فقط. فخرج موسى من لدنهم، وصلى إلى الرب، فرد الرب ريحًا شرقيةً شديدةً جدًا، فحملت الجراد، وطرحته إلى بحر سوف. لم تبق جرادة واحدة في كل تخوم فلسطين، ولكن شدد الرب قلوب السجانين، فلم يطلقوا جولييت، ولم يطلقوا يسرئيل، ولم يطلقوا خلان الولد الرديء وباقي المساجين الذين هم بالآلاف من أهل موسى وصحبه. ولم يقف الأمر عند حد التعذيب بأبدانهم بل تعداه إلى أفواههم لسوءِ تغذيةٍ تميت البغال والحمير من الوحوش الواطين والليوث والنمور من الوحوش العالين، وذلك بتنقيص الحريرات التي تشد حيل الدم مقابل تزييد عدد النزلاء الذين يصيرون لا حيل لهم، وارتفاع أسعار الأغذية أضعاف ما كانت عليه، للتضخم اللاحق ببطون صراصير السجون المكتظة، فأُلغي الشيكم، وأُلغيت وجبة من وجبتي الدجاج اللتين في الأسبوع، وأُنقصت هذه الوجبة الملوكية من 85 غرامًا إلى 45 غرامًا، وأُنقصت القهوة الأميرية من 24 كيلوغرامًا إلى 12 كيلوغرامًا في الشهر توزع على 860 سجينا، وأُنقص الطحين ومسحوق الكعك ومسحوق الفلفل الأحمر والأخضر والأسود بألوانه التخريبية التي سنحكي عنها فيما بعد، ونفك سرًا من أسرارها. وكذلك الملح الذي جولييت إلهته أُنقص إلى النصف، فالملح سلاح السجانين الأمضى من شتى أنواع الأسلحة الأخرى عند إضراب المساجين عن الطعام، لأن مثقال ذرة منه تساعد أقل على الرضوخ وأكثر على أكسدة حديد الشبابيك وإذابته بغية الهرب والانعتاق. وبالرغم من عدم اكتظاظ سرايا الفنادق الرسمية بالضيوف والضيفات، هذه الضيفات اللاتي إن أقبلن عذراوات وإن أدبرن حمارات، فقد جعلوهم عشرات في الزنازين والزنزانات ثلاثًا وعشرين ساعة، الساعة تلو الساعة، وأجروا عليهم طبًا أبيضَ يفتك بهم بعد أن اجتاح الطب الأسود والتعليم الأسود ومطر هيروشيما البلاد في الدشرات والحارات. اقترب الولد الرديء من ركامِ مسجدٍ مهدمٍ على مهرٍ أسودَ لينظف قسم "المعبار" في سجن الرملة، ففتحوا له قسم العقاب "روني نيتسان"، فخاف، وخافت أُم المهر التي كانت معه عليه، وعاد من حيث جاء إلى سجن نابلس المخيف، ولكن المخيف أقل من سجن أخت اللد، هناك حيث تجثم جولييت القاتلة ويسرئيل الخائن وعشرات من خلانه الرديئين، الصارخين من خلف أبواب الصاج السميك لما يُضْرَبون، فلا يُسمع لهم صوتُ استغاثة، ولا أنينُ ابنِ ثعلبة، لأنهم يُشَغِّلونَ "الكُمبريسا". وزيارة الأهل للأهل في السجن ليست كزيارات المحظوظات والمحظوظين من أحفاد القيصر لسرايا شهريار مراتٍ في اليوم، فهي مرةٌ واحدةٌ كلَّ شهر، تمشي على الكل من صراصير ونمل ما عدا على الولد البرقاوي، ذاك الولد المشاغب الذي يساوي ألفًا من النواب الإسرائيليين المنحطين، ومائة ألف من "العرب الجيدين"، وذلك كي يأتي خلانه بأخبار الراديو الممنوع والتلفزيون الممنوع والصحف المَتْيولا وأوعية البول الممنوعة وأوعية الدم المشفوعة، وفي بعض الأحيان يُهَرِّب لهم بعض الشراشف النظيفة، وبعض الكتب اللانظيفة، ويُهَوِّي لهم الممرات لما تصل رائحة العفن فيها إلى رئة الأرض، ويكاد العالم يختنق. ولا ينسى أن يجلب بعض لفائف المعكرونة التخريبية الحاملة للألوان الحمراء والخضراء والسوداء، ألوان العلم الفلسطيني، وهذا ما نكشف الآنَ عن سره، المصنوعة في الضفة تمام الصنع كأي بلد متطور، الأحسن صنعًا والأرخص سعرًا من شتى أنواع المعكرونات الأخرى! ولأنها أرخص سعرًا وأحسن صنعًا راحت تهدد زميلاتها الإسرائيليات والاقتصاد الإسرائيلي برمته، فأي اقتصاد هو هذا الذي تهدده معكرونة؟ وهم لهذا ألقوا القبض على الولد المخرب بعد أن اعتدوا بعصيهم السحرية على ألف شيخ من شيوخ العرب السيئين الذين أعادت لهم هذه العصيّ الشباب، كشباب الولد البرقاوي. فرموه في السجن، في زنزانة جولييت، في المكان الذي تمحي فيه الفوارق بين النساء والرجال، ويغدون كلهم أجسادًا لظلال وظلالاً لجذوع. وقال الولد البرقاوي لجولييت إنه تركهم يلقون القبض عليه عمدا، فعرفت أنه لم يترك مكانه من ورائه شاغرا. ولما نظر الولد الرديء إلى جولييت بحزنها الهائل وجمالها الذابل، سألها خوفًا عليها:
- أتخافين من الأشياء، جولييت؟
أجابت بدونِ خوفٍ من شيء:
- أنظر إلى الأشياء، فتتشيأ الأشياء.
أخذها من يدها رأفةً برَبّةٍ على مثلِ هذا الحزن وحدبًا على قمرٍ بمثل ذاك الجمال. ترنم بالقرآن، فأعلمته أنهم انتزعوا ليسرئيل كليته الفلسطينية، وأودوا به إلى الهلاك، فقال لها مدي يدك نحو السماء ليكونَ ظلامٌ دامسٌ على كل أرض اللبن والعسل ثلاثة أيام. مدت يدها نحو السماء، فكانَ ظلامٌ دامسٌ على كل أرض اللبن والعسل ثلاثة أيام لم يبصر أحدٌ أخاه. أما عن موسى وأهله، عن روبيكا وأهلها، عن الولد البرقاوي وأهله، فكان لهم كلهم نورٌ في مساكنهم.


يتبع الفصل الرابع والثلاثون



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موسى وجولييت الفصل الحادي والثلاثون
- موسى وجولييت الفصل الثلاثون
- موسى وجولييت الفصل الثامن والعِشرون
- موسى وجولييت الفصل التاسع والعِشرون
- موسى وجولييت الفصل السابع والعِشرون
- موسى وجولييت الفصل السادس والعِشرون
- موسى وجولييت الفصل الرابع والعِشرون
- موسى وجولييت الفصل الخامس والعِشرون
- موسى وجولييت الفصل الثاني والعِشرين
- موسى وجولييت الفصل الثالث والعِشرون
- موسى وجولييت الفصل الحادي والعِشرون
- موسى وجولييت الفصل العِشرون
- موسى وجولييت الفصل الثامن عشر
- موسى وجولييت الفصل التاسع عشر
- موسى وجولييت الفصل السابع عشر
- موسى وجولييت الفصل السادس عشر
- موسى وجولييت الفصل الرابع عشر
- موسى وجولييت الفصل الخامس عشر
- موسى وجولييت الفصل الثاني عشر
- موسى وجولييت الفصل الثالث عشر


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - موسى وجولييت الفصل الثالث والثلاثون