أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد فاضل المطلبي - الرائحة - قصة قصيرة














المزيد.....

الرائحة - قصة قصيرة


محمد فاضل المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 4579 - 2014 / 9 / 19 - 20:27
المحور: الادب والفن
    


بالرغم من إن عقله الباطن أراد تمويه تلك الرائحة بحلم إلا أن ذلك لم يجدِ.. فحدة الرائحة جعلته ينهض من فراشه.. مرعوباً.. باحثاً يميناً وشمالاً عن مصدرها..رائحة قوية,,نفاذة..لا يستطيع معرفة كنهها أو تفسيرها..بحث كثيرا عن مصدرها..فوق الرفوف..تحت الأسرّة.. وفي الزوايا..تحت البلاطات المتحركة ..و خلف الأبواب.. في خزانات الملابس..إلا إن ذلك كان دون جدوى…ثم قادته الرائحة نحو الباب الخارجي فتحه.. وسار باتجاه الرائحة..بالرغم من تلك الساعة المتأخرة من الليل… كان يسير كأرنب بليد يقوده مزمار سحري.. الشوارع نصف المضاءة.. والبيوت الغافية.. والبرد القارس لم يكن ليمنعه من متابعة تلك الرائحة الأخاذة…متجها بلا إرادة نحو أزقة.. وشوارع خالية…ماراً بالسوق الكبير.. الذي بدا رغم خلوه مسكوناً بكائنات غير مرئية… سار مسرعا نحو أطراف المدينة …ثم ما لبثت أن صارت المدينة وراءه …كان يتجه صوب المقبرة القديمة …..الذي يراه يظن انه سائراً في نومه..إلا أن ذلك لم يكن صحيحا البتّة.. فقد كان واعياً تماماً إلا انه وبتعبير أفضل كان مسلوب الإرادة… هو الذي لم يزُرِ المقبرة سوى مرة واحدة في حياته..هاهو يسير نحوها بكل ما أوتي من رغبة أو هكذا بدا.. يدفعه شئ ما..كأن نداءاً خفياً هو ذاك الذي تصدره الرائحة لتجعله يتبعها..القبور القديمة.. المتهدمة..والغرف الصغيرة.. المخيفة ..الجاثمة فوق قبور الموتى.. لم تكن لتردعه عن الاستمرار… كان يسير باتجاه معين.. قاصدا غرفة بعينها..وبالرغم انه لم يرها من قبل أبداً.. إلا من بعيد.. إلا أنها أليفة بالنسبة إليه ..حتى إذا ما وصلها.. دار حولها مرة أو مرتين..تجذبه الرائحة ذاتها…بدا كأنه منتظراً أمراً من تلك الرائحة للولوج .. لذا استمر بالدوران..حتى إذا ما اقترب من الباب في الدورة الخامسة أو السادسة ..أدرك أن الوقت قد حان.. متبعا كثافة الرائحة..ثم دفع الباب ودخل بهدوء الخائف من حدوث مفاجئة ما ناظراً يمنة ويسرة..للأعلى وللأسفل ..ورغم صغرها من الخارج إلا إنها بدت واسعة عالية السقف او القبة.. اللون الأخضر بتدريجاته المتعددة كعادة قبور الأولياء البسطاء هو السائد على جدرانها..وبدون شعور منه.. ورغم إن ذلك لم يكن مناسبا في موقف كهذا..و استكمالا لغرابة الليلة كلها اخذ يعد التدريجات اللونية .. ثم رأى شيئاً غريباً رأى ثقباً صغيراً في الطبقة القريبة من الأرض..اقترب منه مزيحاً تلك الطبقة كلياً ..حتى صار ذلك الثقب كوة كبيرة يستطيع المرور من خلالها إلى منطقة اكبر.. محدثاً نفسه عن غرابة ما يحدث..حتى إذا ما وجد باباً طرقه ثم ضحك في سره على نفسه من طرقه الباب وقبل أن يكمل حديثه الداخلي..سمع صرير الباب وهو يفتح للنصف.. ثم سمع صوت امرأة عجوز وهي تدعوه للدخول قائلة :
- أمك بانتظارك.
-أمي؟؟…قالها بطريقة المتفاجئ.. ثم استدرك كلامه….. امي؟… لقد ماتت منذ أمد بعيد.
ابتسمت المرأة.. وسحبته من يده بطريقة لطيفة… ودون إن يتكلم أو تتكلم…كان سائراً خلفها نحو فضاء واسع ورغم أنه كان مسلوب الإرادة كليا إلا أنه فطن أن.. الرائحة التي قادته اختفت تاركة مكانها لأخرى لم يفهمها أيضا… إلا أنها كانت رائحة آسرة.. أخّاذة…محببة…أليفة اليه…رائحة لم يشمها منذ أمد بعيد مذ كان طفلاً… كان الفضاء ممتداً امتداداً لانهائياً تخفي حدوده طبقات من الضباب الأبيض الجميل..وبالرغم انه لم يرَ أية أشجارٍ إلا انه كان يحس بوجودها… ثم توقفت العجوز وتوقف هو أيضا.. وانقشع الضباب عن مجموعة من النساء الجالسات على أريكة واسعة.
- أمك … قالت المرأة العجوز واو مأت برأسها إلى إحداهن
- أين؟ إنا اكبر منهن…….. قالها وهو يبتسم ابتسامة المندهش
ابتسمت إحدى النساء ابتسامة جميلة..فيما كانت الأخريات ينظرن اليها.. ثم سرعان ما تجمع الضباب مغطيا المشهد كله .. في اللحظة ذاتها جذبته المرأة العجوز من يده عائدة به من حيث جاءوا.


***************
كان في طريقه المعتاد إلى مكان عمله عندما اخرج قطعة النقود المعتادة لإعطائها إلى العجوز الأزلية.. أراد أن يضع قطعة النقود في الإناء الذي امامها.. إلا إن شيئاً ما دفعه دفعاً إلى الاقتراب منها..انه يراها لأول مرة بهذا القرب.. حتى إذا ما رأى وجهها فتح فمه مندهشا..ثم قال:-

- سيدتي هل أنت؟.. وقبل أن يكمل.. ابتسمت المرأة الفقيرة ابتسامة من لا يعرف عما يتحدث الأخر.. تركها وانصرف..تاركاً المحاولة.. مندهشا .. وبينما هو يبتعد كان صوت المرأة الفقيرة يأتيه من خلفه بالشكر والثناء…. صوت يشبه إلى حد كبير صوت المرأة العجوز التي فتحت له الباب في الليلة الفائتة.



#محمد_فاضل_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد فاضل المطلبي - الرائحة - قصة قصيرة