أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (59)














المزيد.....

منزلنا الريفي (59)


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4579 - 2014 / 9 / 19 - 16:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ديكارت يستفهم كرزازيا
هل الوعي إدراك عقلي أم شعور خبزي ؟

إذا كان الوعي عند ديكارت هو أن يدرك الإنسان ذاته، وأن يعي تصرفاته وأفعاله بقدر من التميز والبداهة والوضوح متخذا من العقل معيارا له، فما المقصود بالوعي حينما يتعلق برجل قروي ؟ إذا كان كوجيتو ديكارت هو أنا أفكر إذن أنا موجود ، فما هو كوجيتو الرجل الكرزازي ؟ هل هو نفس الكوجيتو ؟ وإذا لم يكن هو نفسه، فما المانع الذي يمنع هذا الكرزازي من تعقل كينونته ووجوده ؟
يستفهم ديكارت رجلا كرزازيا قائلا : أي شيء أنت إذن ؟ أنا كائن خبزي، أعبد من يمنحني الخبز، ومن يسد رمقي، ومن يشبع فاهي، أنا أتوق إلى الزرود والأعراس، أعبد من يمنحني كل هذا، وما الكائن الخبزي ؟ إنه كائن لا يشك، فالشك حرام يقوم على الظن، ويفكك أواصر التلاحم، كما أنه لا يفهم، فالفهم ميزة الإنسان، ولا يثبت ولا ينفي على اعتبار أنه ليس رجل مواقف، فهو كائن من قش تأخذه الرياح حيث تريد، ناهيك عن أنه لا يريد ولا يتخيل ولا يحس، فإذا كانت الإرادة هي التصميم الواعي على الفعل، فهل الكرزازي كونه كائنا خبزيا يملك إرادة ؟ وهل من ينصت لغريزته (البطن) يملك إرادة ؟ إن الكرزازي لا إرادة له، بل يراد له، فبيع الأرض إلى الجامعي ليس نابعا من إرادته، بل هي إرادة من يملك المال، ثم إن شراء السمك المقلي بذلك المال هي إرادة من يملك المال، فهو يستثير غريزتهم النابعة من البطن، فتدفعه إلى بيع المزيد من الأرض، وإبعاده عن فكرة التعلق بالأرض كدليل على وجوده وكينونته. لا يتخيل الكرزازي، فلو كان يتخيل، لتخيل الأرض في غضون المستقبل، لكنه كائن غريزي حيواني ابن اللحظة شأنه في ذلك شأن البهائم التي يسيل لعابها توقا إلى العلف، من هنا يبقى الكرزازي كائنا بافلوفيا شرطيا خاضعا للمثير والاستجابة، فالمثير هنا هو الصدقة و الزرود ، والاستجابة هي بيع الأرض، ومنذ تغلغل الجامعي في أرض كرزاز، كانت علاقته بالكرزازيين تقوم على هذه الثنائية، بل أكثر من ذلك كان يقدم صدقة إلى الأطفال (ألبسة، حلويات...) من أجل ربح المستقبل، فالجامعي يقول مع نفسه : مادام هنا بعض الناس أكثر تعنتا في بيع أرضهم، فعلينا أن نقدم صدقة لربح المستقبل، ومعنى ذلك شراء الأرض من هؤلاء الأطفال لما يكبرون.
يتساءل ديكارت : لم لا تكون هذه هي خصائص كوجيتو الكرزازي ؟ إنها خصائص المجتمع الذي لا يشك، ويسلم بكل شيء، إنها خصائص مجتمع قدري، لا يتصور، ولا يميز بين الأشياء الخاطئة والصائبة، ويقبل الخداع الآتي من الجسد ومن الوهم السائد في المجتمع نفسه، وفي ظل هذا الخداع، هل يمكن للكرزازي أن يعي وجوده ؟ يمكن للكرزازي أن يعي ذاته كذات متحيزة في أرض كرزاز، وأنها متجذرة في الطبقات السحيقة لهذه الأرض كيقين مطلق إذا تسلح بالعقل، فالعقل حسب ديكارت لا يمكن أن يضلل حتى لو أراد الإله أن يضلله ويوهمه، فما بالك بالبطن الجائع وبالمال الذي أباح أرض كرزاز عن بكرة أبيها ! من هنا فالكرزازي مفقود الهوية كونه لا أرض له، هاته الأخيرة شرعها للبراني كمن يسلم زوجته لرجل أجنبي، فراح الكرزازي يتسول الدقيق والزيت والشاي كداعرة تتسول الزبائن .
ما يظهر من هذا التحليل أن كوجيتو ديكارت يختلف عن كوجيتو الكرزازي، فإذا كان الأول يقوم على فكرة أنا أفكر إذن أنا موجود ، فإن الثاني يقوم على فكرة أنا لا أفكر إذن أنا موجود ، ومن ثمة يظهر الفرق بينهما، فديكارت يرى أن الوعي بالذات ككائن موجود متحيز في المجال مرتبط بالتفكير الواعي العقلي، بينما الكرزازي يرى أنه طالما تلهف إلى الصدقة، وباع الأرض واشترى السمك المقلي فإنه موجود، إذن وجوده مرتبط بخبزيته، وفي نكرانه للتفكير العقلي الواعي والمسهب والموجه نحو الأرض، فهاته الأخيرة لا معنى، فيتم بيعها للبورجوازيين من أجل الهجرة إلى أوروبا، أو المدينة، أو اقتناء سيارة أجرة. الكرزازي إنسان تواكلي، لو كان غير ذلك لكد وجد من أجل شراء تلك السيارة وليس بيع الأرض. إن هذه العقلية تدفعنا حتما إلى القول أن المجتمع القروي لا يملك الوعي، ومعنى هذا أنه لم يصل إلى درجة الإنسان، إذن فهو كائن قطيعي، والمانع الذي يمنعه من تعقل كينونته هو نفسه، لقد اختاروا له مصيره، وباختيارهم له اختار هو لنفسه مصيره أن يكون قطيعيا مادام الخبز هو الكوجيتو الذي عبره يفكر ...

عبد الله عنتار / الجمعة 19 شتنبر 2014/ بنسليمان – المغرب



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زهرة الناي
- منزلنا الريفي (58)
- منزلنا الريفي (57)
- رحلة إلى فضالات ...غبن يرتدي معطف الاستحمار
- منزلنا الريفي (56)
- رحلة إلى بوزنيقة ...رحلة بين أحضان الرعاع
- على شاطئ الموت
- دموعي من دموع غايا *
- أحلامي المقصوصة - قصيدة شاعر كرزازي مجهول
- منزلنا الريفي (55)
- رحلة بطعم الهدر
- قريتي العائمة
- أولى المحاولات
- رحلتي أنا و زيزو : بحث عن المواطنة الضائعة
- هارب من المنفى
- سطوة الأفول
- لا تثق فيهن
- البون الذي ينزف دما
- فلتكبري في حلمي
- منزلنا الريفي (54)


المزيد.....




- -جريمة ضد الإنسانية-.. شاهد ما قاله طبيب من غزة بعد اكتشاف م ...
- بالفيديو.. طائرة -بوينغ- تفقد إحدى عجلاتها خلال الإقلاع
- زوجة مرتزق في أوكرانيا: لا توجد أموال سهلة لدى القوات المسلح ...
- مائتا يوم على حرب غزة، ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية
- مظاهرات في عدة عواصم ومدن في العالم دعمًا لغزة ودعوات في تل ...
- بعد مناورة عسكرية.. كوريا الشمالية تنشر صورًا لزعيمها بالقرب ...
- -زيلينسكي يعيش في عالم الخيال-.. ضابط استخبارات أمريكي يؤكد ...
- ماتفيينكو تؤكد وجود رد جاهز لدى موسكو على مصادرة الأصول الرو ...
- اتفاق جزائري تونسي ليبي على مكافحة الهجرة غير النظامية
- ماسك يهاجم أستراليا ورئيس وزرائها يصفه بـ-الملياردير المتعجر ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (59)