أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العروبيون ورفض الاعتراف بالشعر المصرى















المزيد.....

العروبيون ورفض الاعتراف بالشعر المصرى


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4576 - 2014 / 9 / 16 - 14:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كتب الأديب الكبير يحيى حقى مقدمة مهمة عن بعض رباعيات فيلسوف الشعر المصرى (صلاح جاهين) ولكنه مشى وراء الثقافة المصرية السائدة والبائسة فكتب أنّ جاهين كتب أشعاره ((باللغة العامية)) ((صلاح جاهين- تقديم يحيى حقى- مكتبة الأسرة- عام 96- ص5) ولكى يُـقلل من شأن اللغة المصرية كتب ((ولا تحسبنّ أنّ سبب صِدق تعبير صلاح عن مزاج ابن البلد راجع إلى أنّ الرباعيات مكتوبة بالعامية ، فالمضمون فيها طغى على الشكل اللغوى حتى محاه. ولا أخجل من الاعتراف بأننى لم أكن أحس وأنا أقرأ الرباعيات أنها مكتوبة بالعامية)) (ص42، 43) ثم أضاف ((كتب صلاح بالعامية..عامية أنيقة رشيقة ولكنه طعمها بألفاظ وتراكيب غير قليلة من الفصحى.. وعرف صلاح كيف يضع على جميع المطبات قناطر يعبر فوقها برشاقة من كراكيب العامية. واللغة العامية أيضًا لها جذب شديد لا إلى أعلى بل إلى أسفل ، إلى الابتذال . وعرف صلاح كيف يتفادى هذا الابتذال)) ونظرًا لموقفه المُعادى لخصوصية شعبنا المصرى ، ولأنه لم يدرس علم اللغويات كتب ((ضع فى كيس واحد كل ما كــُـتب من أزجال وقصائد وأغان فلن يصعب عليك أنْ تلقيه فى أول كوم زباله يقابلك.. حتى بيرم التونسى لم يُـشكل خطرًا على (الفصحى) أما صلاح فقد رفع العامية بعد أنْ طعـّمها (بالفصحى) وثقافة المثقفين ، فهى فى الحقيقة لغة ثالثة رفعها إلى مقام اللغة التى تستطيع أنْ تـُعبّر عن الفلسفة وهذا خطر عظيم)) فلماذا هى خطر عظيم؟ الإجابة كما كتب حقى ((لم يُهدّد أحد اللغة (الفصحى) كما هددها صلاح)) وفى ختام دراسته كانت أمنيته أنْ تكون اللغة التى كتب بها جاهين ((عاقرًا فنحن فى غنى عن هذه البلبلة التى لابد أنْ تـُصيب حياتنا الأدبية)) (من ص44- 47) والملاحظ أنّ أ. حقى استخدم لفظ (زباله) ولم يستخدم لفظ (قمامة) العربى . ومع ملاحظة (ثانيًا) أنه يصعب استخراج اسم فاعل من قمامة لصعوبة استخدام (قمّام) ولكن شعبنا طوّع لغته فاستخرج منها (زبّال) ونفس الشىء فى كلمة حديقة العربية (حدائقى) فكان البديل أنّ شعبنا فضـّـل (جنينه) واستخرج منها (جناينى)
وبسبب العروبة التى كبّـلتْ عقل الأديب الكبير يحيى حقى ، وقع فى تناقضات عديدة إذْ وصف إحدى الرباعيات قائلا أنها ((فريدة فى الشعر العربى كله. ولا أعرف لها مثيلا فى روعتها)) (18) فكيف تكون الرباعية ب (العامية) ومع ذلك هى ((فريدة فى الشعر العربى كله))؟ وأكثر من ذلك ما كتبه عن رباعية ((أيوب رماه البين بكل العلل/ بعد سبع سنين مرضان وعنده شلل/ الصبر طيب. صبر أيوب شفاه/ بس الأكاده مات بفعل الملل)) فكان تعليق أ. حقى ((انظر إلى خفة الدم فى كلمة (فعل) فى هذه الرباعية. إنها مقتبسة رأسًا من قاموس العامية لا الفصحى)) (24) إذن هو يعترف بأنّ ما أطلق عليه (هو والثقافة السائدة) (عامية) لها قاموس مستقل عن العربية التى يُصر (مثل كل العروبيين) على وصفها ب (الفصحى) وهو وصف غير علمى لأنّ الفصيح هو الإنسان وليست اللغة (أية لغة) وهل يكتب الجزار الإيطالى كما كتب دانتى رغم أنهما يستخدمان لغة واحدة؟ ولأنّ أ. حقى لم يدرس اللغة المصرية القديمة ، لذلك لم يتوقف عند صيغة (مرضان) وهى صيغة مصرية نظمتْ فوضى الصيغ وتعددها فى اللغة العربية : حائر على وزن فاعل، أجرب (أفعل) كسول (فعول) بطر(فعل) مليىء (فعيل) مكروب (مفعول) متعب (مفعل) محتاج (مفعال) فتأتى اللغة المصرية وتختصر تلك الصيغ فى صيغة واحدة (فعلان) فتكون على التوالى : حيران ، جربان ، كسلان ، بطران، مليان، كربان، تعبان ، حوجان (الراحل الجليل بيومى قنديل فى كتابه حاضر الثقافة فى مصر- ط 4- ص159) ونفس الشىء فى صيغ أسماء الأشياء : كوب ، حبه ، مبراه، حدأه، طائرة بالعربى ، فتختصرها اللغة المصرية فى صيغة واحدة على التوالى : كبايه ، حبايه، برايه، حدايه، طياره. بل إنّ أ. حقى نفسه لجأ للصيغة المصرية عنما استخدم كلمة (عطشان- ص42) عندما عقد مقارنة بين عمر الخيام وجاهين، فلماذا لم يكتب (شعر بالعطش أو بالظمأ) وفق اللغة العربية؟ كما لم يتوقف عند لفظة (بس) التى يستخدمها شعبنا (والشعوب العربية) مرة بمعنى فقط : ((همّ دول الفلوس بس؟)) ومرة بمعنى لكن : ((عامل إنه بيحب ابنه بس ما بيصرفش عليه)) ونفس الشىء لفظ (لسه) : ((فلان لسه ماشى)) للتعبير عن الزمن الماضى القريب . و ((فلان لسه ما جاش)) للتعبيرعن الزمن الحاضر الخ.
بل إنّ أ. حقى لجأ إلى التعبير المصرى عندما كتب أنّ جاهين كان يكره ((النفخه الكدابه)) (29) فهذا التعبير يحتاج إلى ترجمة من المصرى للعربى ليدل على الغرور والإدعاء الكاذب ، وكتبها وفق النطق المصرى (الكدابه) بالدال وليس بالذال . كما أنه لم يكتبها (الكاذبة) وفق الكتابة بالعربى ، ولشدة إعجابه بشعر جاهين كتب أنه ((هيهات أنْ تجد مثله فى الغرب)) (39) ولو نـُصب له تمثال لكان ((خليقــًا أنْ يكون هو النبى الذى يطوف به فى الشرق ركب أهل التصوف)) (40) وأنّ الرباعيات عمل فنى رائع ((وأول ما تجده فيها هو تعبيرها الصادق الظريف خفيف الدم عن مزاج ابن البلد فى مصر. فصلاح ابن بلد مصفى لم يُـفسده التعليم أو التثقيف بل زاده رقة على رقة.. وأنا واثق أنّ صلاح لو كتب باللاوندى لفهم القارىء أنّ المؤلف ابن بلد فى مصر)) (42، 43) والأدق لغويًا (ابن بلد من مصر)
ونظرًا للقيد العروبى فى عقلية أ. حقى كتب عن ما يُسميه (العامية المصرية) فقرة هى خليط من المديح والهجاء ، فكتب ((واللغة العامية (لاحظ قارئى أنه استخدم تعبير اللغة) مملوءة بمطبات كثيرة وجلدها سريع التحول من النعومة إلى الخشونة بحيث يحق لمن يتأملها أنْ يؤمن بأنها تتأبى أنْ تنقاد وتدخل فى قيود بحور الشعر. هى لغة فى صميمها فوضوية. خذ مثلا النفى بحرف الشين الساكنة فى ذيل فعل ماض، آخر حرف فيه ساكن وأيضًا لأنه مجزوم بكلمة (ما) الواردة قبله. وأنت تعلم أننا نكره التقاء الساكنيْن)) (45) فهل درس أ. حقى قواعد اللغة المصرية القديمة كما شرحها العالم (ألان جاردنر) فى كتابه (النحو المصرى) أو عالم المصريات (فيرنر فيسيكل) فى قاموسه الاشتقاقى للغة القبطية وغيرهما من العلماء الذين شرحوا أداة النفى فى اللغة المصرية القديمة (خاصة مرحلتها القبطية) وأنها استمرتْ مع اللغة المصرية الحالية التى يتكلمها شعبنا. وكان من حُـسن حظ الراحل الجليل بيومى قنديل أنْ تمكن من الحصول على نسخة من رسالة الدكتوراة التى أعدها د. إبراهيم أنيس من جامعة لندن عام 1941 فنقل عنه ((فسّرالباحثون باستمرار اللاحقة (ش) بأنها تحوير إو إدغام لكلمة (شىء) باللغة العربية الكلاسيكية. وقرّر هؤلاء الباحثون أنّ (موش) تركيب إذا فككناه لوجدناه مماثلا للتركيب الفرنسى ne…pas ومضى البعض شوطــًا أبعد فى تأييدهم لهذه الفرضية بأننا إذا استبدلنا (ش) بكلمة (شىء) فإنّ المعنى يظل أحيانـًا مستقيمًا)) ثم ضرب بعض الأمثلة من النفى فى اللغة المصرية الحديثة : ما يهمدش، ما انتاش بردان؟ موش أخوك؟ موش إنت؟ وامتلك د. أنيس الشجاعة الأدبية فكتب فى مقدمة رسالته ((تلك التى يُسميها الباحثون لهجة من لهجات العربية الكلاسيكية ، قد تكون كذلك فيما يتعلق بالألفاظ . ولكن هذه (اللغة) ينبغى النظر إليها على المستوى النحوى والصوتى كلغة مستقلة تضم هى ذاتها لهجات عديدة ، الأكثر سيادة بينها هى لهجة القاهرة)) (حاضر الثقافة فى مصر- مصدر سابق- من ص 202- 209)
وفى تحليله لرباعية ((مع إنْ الخلق من أصل طين/ وكلهم بينزلوا مغضين/ بعد الدقايق والشهور والسنين/ تلاقى ناس أشرار وناس طيبين)) كتب أ. حقى ((فالبيت الثالث هنا لغو لأنه استمرار فى العرض، لا تتمثل فيه حركة جانبية وزاد من ضعف هذا البيت الثالث أنه جاء على روى الرباعية مع أنّ الأصل فيه وحلاوته أنْ يكون على خلافها)) (7) وأعتقد أنّ أ. حقى جانبه الصواب ، لأنّ البيت الثالث كان ضروريًا وليس (لغو) كما كتب ، لأنّ الشاعر أراد التأكيد على أنّ كل البشر- بعد الولادة- (بينزلوا مغمضين) أى أنهم لم يكتسبوا خبرة الحياة ، ولكن بعد أنْ يبلغوا سن الرشد ولديهم القدرة على التمييز بين الخير والشر، يكون الاختلاف فيما بينهم ، وهذا لايمكن أنْ يحدث إلاّ بعد مرور الشهور والسنين كما كتب جاهين، فأين (اللغو) والتزيد ، بل بالعكس لو أنّ جاهين لم يكتب البيت الثالث لصارت الرباعية عسيرة على الفهم.
ورغم أنه مدح الشاعر عن رباعية ((مرحب ربيع مرحب ربيع مرحبه/ يا طفل يا اللى فى دمى ناغى وحبا / علشان عيونك يا صغير هويت/ حتى ديدان الأرض والأغربه)) وانصب مديح أ. حقى فى أنّ البيت الثالث مخادع ويخيل للقارىء أنّ جاهين ((يحب القمر والزهور والجمال ، ولكنه يُـفاجىء القارىء بعد هذا الارتفاع بهبوط من شاهق فإذا هو يحب كذلك ديدان الأرض والأغربه)) ولكنه تجاهل المفردات المصرية فى تلك الرباعية ، (ناغى وحبا) فهاتان الكلمتان من أصول مصرية صميمة وانتقلتا إلى اللغة العربية وتستعملهما الأمهات مع أطفالهن.
ورغم أنّ أ. حقى أصرّ على أنّ جاهين كان يكتب ب (العامية) كتب أنّ الرباعيات ((هى أفضل القوالب للشاعر الفيلسوف الذى يريد أنْ يعرض علينا مذهبه ، لا فى بحث فقهى أو فى تتابع منطقى بل فى ومضات متألقة. الديوان حينئذ يأخذ شكل العد الذى تنسلك فيه حبات من أحجار كريمة مختلفة المياه ولكنها تنبع من معين واحد)) (10) فإذا كان الأمر كذلك فلماذا الاصرار على التهوين من شأن اللغة المصرية ونعتها ب (عامية اللغة العربية)؟ خاصة وأنّ أغلب الرباعيات عالج فيها جاهين أدق القضايا الفلسفية وفق بنية اللغة المصرية (رغم استخدامه للعديد من الألفاظ العربية) لأنّ العبرة ببنية اللغة Structure وليس بالكلمات التى هى (الطوب) كما استقر علماء اللغويات على هذا التقسيم لكل لغات العالم . وعندما كتب جاهين ((صوتك يا بنت الإيه كأنه بدن/ يرقص يزيح الهم يمحى الشجن/ يا حلوتى وبدنك كأنه كلام/ كلام فلاسفه سكروا نسيوا الزمن)) ورغم إعجاب أ. حقى بتلك الرباعية فإنه تجاهل أنّ كلمة (الإيه) من اللغه القبطية ، وهذا نظرًا لأنه لم يدرس تلك اللغة ، ومع افتراض أنّ جاهين أيضًا لم يدرسها إلاّ أنه استجاب لنداء الفطرة الطبيعية ونقلها عن شعبه الأمى الذى حافظ على التراث اللغوى المصرى.
ولكن يُحمد للأستاذ حقى أنْ كتب ((شكرتُ لصلاح أنْ أتاح لى أنْ أشهد تشييد بنائه الفذ البديع)) وامتدح رباعيته التى قال فيها ((كان فيه زمان سحليه طول فرسخين/ كفين عيونها : وخشمها بربخين/ ماتت، لكن الرعب لم عمره مات/ مع إنه فات بدل التاريخ تاريخين)) ولكنه لم يهتم – نظرًا لخلفيته العروبية- ليتوقف أمام لفظة (خشمها) والمقصود بها (الفم) بالعربى . كذلك لفظة (بربخين) التى تعنى بالمصرى الاتساع وطول المسافة، وهى قريبة من اللفظة العربية (برزخ) وهى ((الحاجز بين الشيئيْن وهو أيضًا ما بين الدنيا والآخرة)) (مختار الصحاح- ص61) ومن هنا انحاز جاهين للكلمة التى فضلها الأميون المصريون (بربخ)
وأعجب أ. حقى برباعية ((أحب أعيش ولو أعيش فى الغابات/ أصحى كما ولدتنى أمى وأبات/ طاير. حُـوان. حشره. بشر، بس أعيش/ محلا الحياه.. حتى فى هيئة نبات)) ولكنه لم يتوقف عند كتابة كلمة (طاير) ولم يسأل لماذا لم يكتبها جاهين (طائر)؟ ولو سأل نفسه لعرف أنه رغم أصلها العربى إلاّ أنّ شعبنا نحت منها (طاير) بالياء ، فلماذا انحاز شعبنا للياء ورفض الهمزة على نبرة؟ مثلما فعل مع كلمة (ذئب) بالعربى لتصير(ديب) بالمصرى. وعندما تكلم عن رباعية أيوب كتب أ. حقى ((كان يدور على بيوتنا ونحن صغار باعة يُـنادون على عشب برى هو (رعرع أيوب) ولأنه غير مهتم بالمفردات التى ميّزت اللغة المصرية ، لم ينتبه إلى خاصية تلك اللغة فى الكلمات التى تستخدم حرفيْن مُـتكرريْن فى الكلمة الواحدة (رعرع، لعلع، زهزه الخ) ولماذا تمنى أ. حقى أنْ يكون مصير رباعيات جاهين العقم ، رغم أنه كتب أنّ ((صلاح جاهين متصل شعوريًا ببودلير)) فكيف وصل جاهين إلى ذاك المستوى من الإبداع الرفيع وهو يكتب بلغة شعبنا المصرى؟ أليست الإجابة تكمن فى خاصية اللغة التى عرف الشاعر عمق بلاغتها؟ فرغم إعجابه برباعية ((يا حزين يا قمقم تحت بحر الضياع/ حزين أنا زيك وإيه مستطاع/ الحزن ما بقا لهوش جلال يا جدع/ الحزن زى البرد زى الصداع)) فلم يهتم بسؤال : لماذا لم يستخدم جاهين كلمة (مثل) العربية واستخدم كلمة (زى) المصرية، خاصة وأنّ حروفها ليست لها علاقة بأصل الكلمة العربية. بل إنّ أ. حقى نفسه كتب أنّ الإنسان عند جاهين مثل بالون الأطفال ((يكفى أنْ تلمسه بسن إبره حتى ينزل على فاشوش)) (30) مع ملاحظة أنّ ((ينزل على فاشوش) تعبير مصرى ترجمته إلى العربى يعنى أنّ مجهود الشخص ضاع بلا أية نتيجة إيجابية. وهكذا فإنّ أ. حقى استخدم التعبير المصرى ولم يلجأ للغة العربية. ورغم ذلك عندما علــّـق على رباعية ((قالوا الشقيق بيمص دم الشقيق/ والناس ما هياش ناس بحق وحقيق/ قلبى رميته وجبت غيره حجر/ داب الحجر.. ورجعت قلب رقيق)) لم يتوقف أ. حقى عند حرف الباء فى (بيمص) فذاك الحرف كان مستخدمًا فى اللغة القبطية للدلالة على المضارع المستمر: الواد بيلعب، الواد بيذاكر الخ. أى أنّ جاهين انحاز لحرف الباء ليؤكد على استمرارية القسوة حتى بين الأشقاء ، ثم كانت عبقريته الفذة عندما وضع حجرًا مكان قلبه ، فتكون المفاجأة فى البيت الأخير ذوبان الحجر (ورجعتْ قلب رقيق) أما تعبير (الناس ما هياش ناس بحق وحقيق) فهو مستمد من التعبير الشائع على لسان شعبنا للتأكيد على حقيقة معينة وليس التظاهر بالحقيقة فمن الشائع لدى شعبنا أنْ يقول شخص لآخر (كلامك جد وبحق وحقيق ولاّ كلام أونطه؟) وجاهين كتب ((أنا كل يوم أسمع فلان عذبوه/ أسرح فى بغداد والجزاير وأتوه/ ما أعجبش من اللى يطيق بجسمه العذاب/ وأعجب من اللى يطيق يعذب أخوه)) والملاحظ أنّ أ. حقى كتب (الجزائر) همزة على نبرة (31) بينما صلاح كتبها بالياء (الجزاير) كما ينطقها شعبنا. كما أنه كتب وفق أجرومية اللغة المصرية التى لا تعرف الإعراب فكتب (يعذب أخوه)
والشىء المُـلفت للنظر أنّ أ. حقى تجنـّب التحليل السياسى لبعض الرباعيات ، مثل رباعية ((يا طير يا عالى فى السما طظ فيك/ ما تفتكرشى ربنا مصطفيك/ برضك بتاكل دود وللطين تعود/ تمص فيه يا حلو ويمص فيك)) وعن تلك الرباعية قرأتُ (وللأسف لا أتذكر المصدر) أنّ جاهين كان يقصد عبد الناصر بتعبير(طظ فيك) خصوصًا وأنه كتب رباعية ((مركب ورق من نفخه بتتطوح/ ركبتها والكل بيلوح/ سوّحتْ فيها اتنين وخمسين سنه/ للآن.. لا بتغرق ولا بتروح)) فهل كان جاهين يقصد بالمركبة مصر؟ أم يقصد حكم ضباط يوليو الذى بدأ عام 52، ومن هنا كان استخدامه لهذا الرقم؟ وبغض النظر عن أى تفسير، فإنّ رباعية (يا طير يا عالى فى السما طظ فيك) فإنّ الاسقاط فيها واضح فى إدانة رمز أى سلطة سياسية باطشة.
وكيف تمنى أ. حقى العقم لرباعيات جاهين وهو الذى كتب أنها عامتْ فوق بحر التصوف (41) رغم أنّ جاهين كتبها بالمصرى؟ وأكثر من ذلك اعتراف أ. حقى بأنه ((لم يُهدّد أحد اللغة (الفصحى) كما هددها صلاح)) (47) أليستْ هذه الجملة اعتراف باللغة المصرية ؟ وأنها (تـُهدّد) اللغة العربية التى يُصر على وصفها ب (الفصحى) ويرفض استخدام لغة العلم بأنها (العربية الكلاسيكية) كما هو الأمر المُستقر فى علم اللغويات. وكان المرحوم د. سيد عويس قد اختلف مع يحى حقى عندما قال أنّ ((اللغة وعاء للفكر. ولغتنا عربية. إذن فكرنا عربى)) فكان تعليق د. سيد عويس ((هذا غير صحيح ، فنحن نتكلم مئات بل آلاف الكلمات الفرعونية (يقصد الهيروغليفية) والقبطية. فأنا عندما أقول (بلح) هل هذه لفظة عربية؟ إنها من الهيروغليفى واللفظة العربيه (تمر) وعندما أقول (بصاره) أو (بتاو) أو (سمك بورى) أو (بساريه) أو (نبوت) فكلها ألفاظ مصرية)) (أبعاد الشخصية المصرية بين الماضى والحاضر- مجموعة محاضرات تقديم وإعداد طلعت رضوان- هيئة الكتاب المصرية- عام99- ص82، 83) مع ملاحظة أنّ د. سيد عويس ركز على الكلمات ولم يتعرّض لبنية اللغة كما فعل د. إبراهيم أنيس.
ولأنّ العروبيين مُـتطابقون لذلك كتب د. محمد عبد المطلب أنّ الكتابات التى قرأها وفيها دفاع عن اللغة المصرية (التى أطلق عليها عامية) أشبه ((بعبث الصبيان)) (أهرام 16 أغسطس 2014) فهل قرأ سيادته كـُـتب الذين دافعوا عن اللغة المصرية ؟ مثل كتاب (حاضر الثقافة فى مصر) للمرحوم بيومى قنديل ، وكتاب (لغتنا المصرية المعاصرة) للباحث أ. عبد العزيز جمال الدين أو رسالة الدكتوراه للدكتور إبراهيم أنيس وغيرهم . أو ما كتبه المفكر الكبير إسماعيل أدهم الذى ناشد شعبنا قائلا ((اتركوا اللغة العربية ، فلكم فى العامية لغة قومية. نظموها وضعوا لها قواعدها. تحرروا من ربقة اللغة العربية واستعبادها لكم . وإنى شخصيًا لم أعرف العامية إلاّ منذ أعوام قلائل وعرفتُ العربية من الكتب . ولكن منذ حططتُ رحالى فى مصر لدراسة حياتها الاجتماعية والأدبية ، وقفتُ على ثروة جديدة هى اللغة المصرية (والقول) بأنها عامية العربية خطأ. فهذه هى لغتكم وهى أولى بعنايتكم من إحياء لغة بدو لا يربطكم بهم صلة ولا رابط)) وأكثر من ذلك كتب أنه إنْ كان للمصريين أنْ يعرفوا قدر تاريخهم وحضارتهم المصرية ((فلابد لهم من ثورة فكرية اجتماعية وسياسية تتصل بمشاعرهم قبل عقولهم تتمزق خلالها أوصال العقلية العربية وتتخلص مصر من الكابوس العربى)) (قضايا ومناقشات- ج3- دار المعارف المصرية- عام 86- ص34، 65، 66)
وإذا كانت الثقافة المصرية السائدة تزدرى لغة شعبنا ويُـطلق المتعلمون عليها (عامية العربية) فعلى المُعادى لخصوصية شعبنا اللغوية تأمل هذا المثال الذى تتساوى فيه اللغتان العربية والمصرية فى القدرة على صياغة أى معنى : فى اللغة العربية نقول ((ما علاقة هذا بذاك)) بينما شعبنا الأمى ترجم نفس المعنى قائلا ببلاغته الفطرية (( إيه اللى جاب دا لدا )) وهل يستطيع أساتذة ورؤساء أقسام اللغة العربية فى كل جامعات مصر، وعلى رأسهم فضيلة شيخ الأزهر، والمفتى ورئيس مجمع اللغة العربية ، وصف ماتش كوره باللغة العربية؟
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعر فلسفيًا والفلسفة شعرًا
- السنة المصرية وجذور التقويم العالمى
- الحمساويون دمّروا غزة
- العلاقة بين الكلمة والفنبلة
- بيرم التونسى والشعر المصرى
- عندما تكون الرواية (وليمة للذئاب)
- الأدب والقمع الدينى والسياسى
- مصر بين العدوان الإسرائيلى والإرهاب الحمساوى
- الترجمة من المصرى للعربى
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (9)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (8)
- أحزان السياب السبعة
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (7)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (6)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (5)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (4)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (3)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (2)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (1)
- الفكر الأحادى وأثره على البشرية


المزيد.....




- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العروبيون ورفض الاعتراف بالشعر المصرى