أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عبد المنعم عنوز - المعايير القانونية لتكييف مفهوم المواطن العراقي في الدستور الجديد















المزيد.....


المعايير القانونية لتكييف مفهوم المواطن العراقي في الدستور الجديد


عبد المنعم عنوز

الحوار المتمدن-العدد: 1288 - 2005 / 8 / 16 - 11:47
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


إن تحديد مفهوم الكائن المواطن Etre Citoyen كان ملازما في تاريخنا المعاصر بالممارسات السياسية للدولة . إلا إن التعبير عن ماهية المواطن كان في بداياته قائما على جانب فلسفي تناوله كثير من المفكرين مثل ابن خلدون وتوماس هوبس وجان لوك وكذلك جان جاك روسو منذ إقامته في فينسيا عندما كان سكرتيرا للسفير Montaigu . وحين ذلك اكتشف روسو إن كل شيء هو قادم من السياسة ومتأثر بها. ومن نتائج ذلك أن تقدم بإيجاد فلسفة سياسية جديدة يرى فيها ضرورة لتحديد معايير مفهوم المواطن. ويرى روسو في تفكيره السياسي بان أولويات بناء هذا الكائن المواطن هو ثقافة وتعليم الناس بحيث يمكن لأي منهم اكتشاف شروط الحرية والمساواة وفهمها بقدر يسمح بإيجاد التوافق اللازم بين مبدأ استقلال الإنسان كفرد Droit de L’homme ضمن مفهوم الحرية الفردية، ومع حياته داخل المجتمع وانضمامه طوعا إلى المجموعة على حساب فقدان قدر من هذه الحرية المطلقة لصالح هذه الجماعة كما جاء في مشروعه لنظرية العقد الاجتماعي Le Contrat social .لقد كان هذا الافتراض الفلسفي يعبر عن صيغة عقد افتراضي تحول بعدها إلى وثيقة مكتوبة نطلق عليها الدستور أو القانون الأعلى الذي يحدد قواعد بناء المجتمع السياسي والسلطة السياسية بحيث يسمو على كافة القوانين الأخرى ويحكم صلاحياتها وشرعيتها .لقد قدمت هذه الفلسفة مصدرا ثريا لبناء حالة السلم الاجتماعي لكثير من المجتمعات التي حرصت على بناء نظام الدولة الديمقراطية.لقد كان لهذه النظرية أثرا كبيرا في نصوص كثير من دساتير الدول المعاصرة التي حرصت على ترسيخ حقوق الإنسان في دولة حضرية . فهل ستجد لها مكانا في فلسفة نظامنا الدستوري القادم لتعريف من هو المواطن العراقي ؟

إن تحديد مفهوم المواطن العراقي بشكل عام يتطلب برأينا الإجابة عن محورين متلازمين ومتداخلين في المضمون والنتائج وهما : أولا، ممكن القول بأن المجتمع العراقي يعيش حاليا الحالة الطبيعية التي يقررها القانون الطبيعي للفرد قبل أن تنشأ سلطات ونظام الدولة بسبب غياب مؤسسات الدولة المنظمة للحياة العامة للمجتمع أو في أقل تقدير ضعف سلطة القانون أو حالة التخلف الاجتماعي للتفاعل إيجابيا مع سلطات القانون .عند ذلك ما هي نقطة البداية لبناء أركان الدولة الجديدة ، وما هي فلسفة النظام السياسي والقانوني القادم للدولة العراقية التي عليها أن تخلق حالة التعايش والتوافق في آن واحد بين حق الإنسان في الحرية الفردية التامة مع ضرورة الاتحاد والاندماج التام للجميع في المجتمع العراقي؟ وثانيا ، ما هي المعايير القانونية التي تقوم عليها حالة الاندماج والاتحاد هذه بين عناصر مركبات هذا المجتمع المتنوع الأعراق والمعتقدات ؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة يكمن بلا شك في تحديد مفهوم المواطن العراقي لأنه العنصر الجوهري في بناء دولة القانون.

إن من أولويات حقوق الإنسان هو بنقل المواطن إلى وضعه الطبيعي ككائن بشري بغض النظر عن عرقه ومعتقداته ، ثم بعد ذلك أن تقدم له المساحة الضرورية للتعبير عن ذاته ووجوده بكامل أخلاقية الحرية ومقوماتها الفلسفية والسياسية . ولا شك في أن يتأكد ذلك عندما يتم بناء المجتمع ضمن الضوابط القانونية، وحينما تجعل هذا البناء يصب في خدمته. وينتج عن ذلك أن تصبح قيادة أنشطة الدولة واتجاهها لصالح المجتمع الذي يكونه مجموع المواطنين. ومن جهة أخرى ، يجب أن يبقى المواطن في قلب القرارات السياسية لنظام الدولة . ثم لهذا المواطن الحق في أن يعطي حكمه في كل مراحل بناء المجتمع وان يقرر بحرية مطلقة ما يخدم حركة وفعاليات وحدة المواطنين. عند هذه الحالة يمكن اعتماد المبدأ الدستوري الذي يقضي بأن المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون.

إذا كان مفهوم المواطن بهذه الأهمية ، فما هي إذن المعايير القانونية التي يستند عليها المواطن في المجتمع العراقي لتحديد انتمائه لهذا المجتمع ؟ وكيف سيتعامل معها المشرع عند تحديدها في كتابة الدستور القادم ؟ وما هي أهم الشروط لتطبيقها واحترامها من قبل سلطات نظام الدولة؟





من المفيد أولا أن نبين بعض المقومات العامة التي تحدد أركان هوية المواطن والتي تعبر بشكل أو بآخر عن مصدر وباعث الرابطة بين الفرد والدولة :





أولا : من مقومات هذه الرابطة هو أن لها بعدا عموديا verticale يتجسد في خاصية ارتباط الفرد بالدولة . ونوع هذه العلاقة تبدو بدون شك ذات طابع سياسي تعبر عن علاقة ولاء أو تبعية للدولة . وفي الواقع فإنها علاقة شخصية أبدية للفرد مع دولته ذات السيادة على كل شيء والتي تفرض عليه قدر كبير من الالتزامات أهمها التزام الولاء أو الإخلاص باعتباره شخص معنوي من أشخاص القانون . و تكون هذه العلاقة وثيقة ودائمة حتى الموت كما هو الحال بما ينتج من الالتزام بأداء الخدمة العسكرية والدفاع عن الوطن. وفي المقابل تلتزم الدولة بتامين حماية المواطن اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا… وكذلك حقه في الحماية الدبلوماسية في الخارج .وقد كان هذا المعيار سائدا في ظل نظام فرنسا القديمة قبل ثورة 1789رغم محاولات تعديله مع مرور الوقت ، إلا انه بقي معيارا ذات باعثا سياسيا . وظاهرة ما يسمى بالولاء الأبدي نجدها أيضا في القانون الهندي والصيني المتعلقان بالجنسية. ويترتب على ذلك في القانون الصيني بان اكتساب الجنسية لا يحصل فقط بالولادة و إنما أيضا في الموت عندما تتم إعادة رفات المواطن للوطن للتمتع من جديد بالجنسية الصينية.



ثانيا : والمعيار الآخر له منظارا أفقيا horizentale يجعل من المواطن عضو في داخل الجماعة وهم مجموع المواطنين

الذين يكونون الدولة .و يتأكد هذا المفهوم بالتبعية ، سواء كانت فعالة إيجابية بالقيام بالعمل أو سلبية بالامتناع من القيام به، وإنها تعني تبعية لكل فرد لمجموعته القومية . وفي هذه الجماعة يستبعد وجود الأجنبي الذي لا يتمتع بما يوجد من قوانين وأنظمة خاصة شرعت لمصلحة هذه الجماعة فقط .

ومن المفيد أيضا أن نستطلع كيف تعامل الفقه والقانون الفرنسي مع فلسفة مفهوم المواطن في تحديد المعايير القانونية :-في الحقبة الوسطى بين بداية الثورة 1789 وصدور قانون نابليون ، كان تنظيم هوية المواطن يوجد في متن دستور1791، 1793 و1799 التي تتبنى نصوصها معيار مسقط الرأس ، أي رابطة الأرض jus soli في اكتساب الجنسية الفرنسية . وتبعا لذلك ظهر ما يسمى بالمواطن الجديد ، قل القومي Le national ، الذي يتحد بعلاقة انتماء للسيادة القومية . ويعني ذلك إننا أمام أمة Nation وليس دولة Etat لها .



أما حديثا، ففي المناقشات العمومية عام 1987 حول إعداد مشروع الجنسية الفرنسية الجديد ، برز مفهومين فقهيين متعارضين لمفهوم الوطن la nation يعبران برأينا بقدر أو بآخر عن أساس الأفكار التي رافقت تطور مفهوم المواطن الفرنسي.

لأول : المفهوم العرقي éthnique حيث يعتبر بان وجود الوطن يسبق وجود الأفراد .وفي هذه الحالة إذن لا يكون الفرد فرنسيا إلا إذا ورث ذلك من الناحية الجينية Génétique أي بالانحدار من أصل فرنسي بالولادة . ويفترض التمتع بحقوق المواطن عند ذلك ضرورة تحقق معيار البنوة الذي يقوم على رابطة الدم Jus sanguinis . فمن خلال ذلك يتحقق الحفاظ على الهوية العرقية والثقافية للوطن كما يزعم المدافعين عن هذا الافتراض . و تتبنى هذا المفهوم في تكييف من هو المواطن كثير من الدول حديثة الاستقلال خاصة تلك التي كافحت كثيرا من اجل التحرر الوطني . وهو ما يفسر ولادة ظاهرة التطرف القومي عند بعض الدول ضمن فلسفة ما يسمى بالدولة القومية Etat - Nation .



الثاني :هو المفهوم الاختياري الطوعي élective . أخذ بهذا المفهوم المجلس الأوربي وكذلك المشرع الفرنسي في القانون الصادر عام 1993.ومضمونه إن الوطن لا يوجد إلا من خلال قناعة الأفراد الذين يشكلون تركيبته الاجتماعية. فهو وطن لمجموعة غير منغلقة جاهزة لاستقبال كل من يشترك معها ببعض الروابط الموضوعية التي تعبر عن رغبة وحب الانتماء لهذا الوطن و بإرادة حرة لهذا الاختيار . أما الترجمة القانونية لهذا المفهوم ، هو أن تقوم حقوق المواطنة ( اكتساب أو منح الجنسية الفرنسية ) عن فعل يثبت رغبة وموافقة ذات العلاقة بفعل معين كحالة الولادة أو الإقامة الدائمة في فرنسا .

رغم تعارض المفهومين السابقين في الباعث والمحتوى ، نجد اشتراكهما في ربط تكييف المواطنة مع مفهوم الوطن . لقد تطور مفهوم الوطن عبر مراحله التاريخية إلى دولة . بينما بقي مفهوم المواطن يعبر فقط عن تلك العلاقة القانونية التي تربط الفرد بهذه الدولة واعتباره من رعاياها . هذا هو ما يعبر عنه في الأصل القانون الوضعي الفرنسي . وفي الخلاصة ، إن أساس مفهوم المواطن يقوم في الواقع على أساس مقدار توفر الروابط الموضوعية بين الفرد والدولة الفرنسية تتحقق من خلال معايير متنوعة ومثال ذلك حالة البنوة ، الولادة ، متابعة الدراسة ، الإقامة أو الخدمة العسكرية في فرنسا . ولكن ما هو الإطار القانوني الذي يحكم هذه العلاقة كي تنتج آثارها القانونية ؟

لمعرفة آثار ذلك على حياة الفرد ، من الضروري تحديد موقعها من الناحية القانونية . فهل نجعل قواعدها ضمن أحكام القانون العام ، أم إن القواعد التي تتناولها وتحكمها ينبغي أن تندرج ضمن نطاق القانون الخاص ؟

بالنسبة للفقه الذي يأخذ بنظرية الولاء للدولة ( التبعية السياسية )، يضع مفهوم المواطن وما ينتج عنه من حقه في اكتساب الجنسية، يضعه في إطار القانون العام . وحجته في ذلك بأن الدولة هي فقط التي تقرر بكامل سيادتها معايير الدخول إلى نظام التمتع بهذا الحق . ويدعم هذا الرأي قرار محكمة النقض الفرنسية الصادر عام 1921 التي أفادت في حكمها بأن : القواعد ذات العلاقة باكتساب أو فقدان الجنسية تتصل بالقانون العام ( Cass. Ch. Réunie, 2fév. 1921, S. 1921 , 1, p. 113, note Audinet ..

وقد ورد هذا الموقف أيضا لدى المشرع الفرنسي في محتوى عرض موجبات قانون الجنسية لعام 1945عندما نص بان الجنسية ما هي إلا نظام مستقل يعود إلى أحكام القانون العام .

إن هذا الموقف يعبر عن التمسك بمفهوم المواطن كما كان في فرنسا القديمة في العصور الوسطى الذي يعكس مفهوما سياسيا أساسه الولاء . في هذه الحالة قد يكون لتذبذب سياسة الدولة اثر سلبي في استقرار القواعد التي تحكم مفهوم المواطن الذي سيحكم نوع ودرجة علاقة الفرد بالسلطات ، لأن مثل هذا المفهوم سينتج آثاره فقط من خلال تطبيق قواعد القانون العام .ولا شك في أن طبيعة آثارها الإنسانية ستكون سيئة عند غياب النظام الديمقراطي للدولة بسبب تداخل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وبالتالي إمكانية التلاعب بقواعد القانون العام بما يخدم سلوك وسياسة نظام الحكم المنفرد.

أما الرأي السائد فانه يعطي أولوية في جعل الوضع القانوني لحق المواطنة وآثارها القانونية والاجتماعية تتصل بالقانون الخاص . فالجنسية مثلا في هذا الإطار هي نظام خاص يتصل بالأساس بالأحوال الشخصية للفرد statut personnel . ويتأكد ذلك من خلال كثير من الروابط الملموسة ذات العلاقة بنظام الزوجية ، البنوة أو النسب و أحكام سن الرشد . والمشرع الفرنسي في 22 تموز 1993 أعاد إلى القانون المدني ( قانون خاص ) ،كما حصل في قانون نابليون لعام 1804 ،جميع النصوص المتعلقة بالجنسية و أهمل بذلك مبدأ خضوع القواعد التي تحكمها للسلطات العامة . رغم ذلك يبقى للسلطة القرار الحاسم في الحكم في المنازعات التي تتناول الدعاوى ذات العلاقة في إثبات حق المواطنة أو الاعتراض على ما يمس بها أو الطعن في سندها الشرعي لأنها منازعات إدارية حيث لسلطات القانون العام الإدارية أو القضاء الإداري القرار الأخير .





بعد كل ما تقدم ، لابد إذن من استخلاص ما هو نافع لتحديد مفهوم المواطن العراقي وتحديد المعايير القانونية لها استجابة مع واقع المجتمع لعراقي وكيف سيتم تحديدها في نصوص الدستور الجديد؟.

أولا: يجب التطرق إلى أن واقع تركيبة المجتمع العراقي هي فريدة في نشأتها وتركيبتها العرقية مما تستلزم حلا قانونيا متميزا أيضا.لقد كان العراق مهد للحضارات الإنسانية القديمة. كما كان له موقعا أساسيا في بناء أركان الدولة الإسلامية في شكلها الحضري المتقدم في العصر العباسي والأموي.

كانت هذه هي أسباب ثراء العراق بأقوام وفدت إليه لتتعلم أو تنقل ما عندها من معارف إنسانية ثم استقرت فيه. هكذا تطور المجتمع العراقي متنوعا في أعراقه وأصوله التاريخية ، محلية كانت أو الدولية الوافدة إليه. وعلى أساس هذا التنوع في الأعراق والمعتقدات لابد من تنوع المعايير التي درج عليها الفقه القانوني الدولي ومنها الفرنسي عند تحديد من هو المواطن على هذه الأرض. ولغرض إثراء الموضوع ببعض الحقائق ، نذكر بعض ملامح تشخيصها.

لقد كان ثابتا منذ تأسيس أول دولة عراقية في بداية القرن الماضي عام 1921 بيان أسس التمتع بمفهوم المواطن العراقي وتحديد معايير انتمائه للوطن سواء كان ذلك بموجب الولادة من أبوين عراقيين أو ضمن معيار الإقامة الدائمة طبقا لشروطها كما تم ذكرها في أول دستور للعراق عام 1925. إلا أن هذه المعايير كانت عرضة لتقييم السلطات الإدارية العامة أو تعليق العمل بها أو إلغائها من قبل سلطات أنظمة الحكم المتعاقبة بعد عام 1963 لأنها اعتمدت دائما في تقييم السند الشرعي للمواطن العراقي على معيار التبعية السياسية والولاء .و بسبب غياب دولة القانون ، بقي كائن المواطن العراقي صعب تحديده بسبب تنوع تبعية الأبوين أو أحدهما . وهذا ما ثبت بشكل خاص في ظل فترات النظام السياسي لدولة البعث التي لا تعترف إلا بمن يتمتع بخاصية المواطن من التبعية العثمانية دون غيرها. وقد تجاهل هذا النظام العنصري أو كان يجهل بأن منح التكييف القانوني للفرد باعتباره مواطنا يستند بالأساس إلى معيارين ، أحدهما شكلي ، والآخر موضوعي. فان تمكن من تجريد هذا الفرد من خاصيته كمواطن بمصادرة وسائل الإثبات الشكلية وطرده خارج حدود الوطن، فانه لا يمكن مطلقا من إلغاء حق مكتسب فرضته الوقائع الموضوعية والقانون الطبيعي لانتماء هذا الكائن الإنساني أو ذلك إلى هذا الوطن منذ القدم كما يجد له سند في قواعد القانون الدولي والعرف الإنساني.

إن أي نظام دستوري ديمقراطي لابد من تكريس ثوابت الدولة الأساسية وفي مقدمتها مبادئ تحديد خواص كيان المواطن العراقي وتوفير الوسائل القانونية لحمايتها . وهذه هي من أولويات وضع حقوق الإنسان العراقي موضع التنفيذ بعد أن تم التجاوز عليها أو حتى إلغائها من كثير من المواطنين.

من الملاحظ أن الكثير يرى في نصوص قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية الصادر في 8آذار 2004 حلا لكل المشاكل العالقة في تنظيم حقوق المواطنين العراقيين . إلا إن لنا في ذلك رأي آخر وخاصة ما يتعلق بالتكييف القانوني للمواطن حيث يفتقر إلى أي مدلول قانوني يثبت ذلك بصراحة النص أو ضمنا . لقد أهمل المشرع في هذا القانون تسمية المواطن وأطلق عليه تارة ( العراقي ) أو ( الفرد ) أو ( الشخص )، في نص المواد التي تناولت المواطنة وحقوق المواطن وصيانة الحريات العامة التي جاءت في الباب الثاني من هذا القانون. وهذه بتقديرنا مفردات لغوية عامة ومجردة لا تتمتع بمحتوى قانوني محدد ، ذكرها المشرع في نصوص هذا القانون الذي اعتبره المشرع في نص المادة الثالثة منه بأنه القانون الأعلى للبلاد ، أي إنها تعتبر بمثابة قواعد دستورية.

نعم قد أشار مشرع هذا القانون بصراحة النص في متن المادة الحادية عشرة بأن (كل من يحمل الجنسية العراقية يعد مواطنا عراقيا وتعطيه مواطنته كافة الحقوق والواجبات وتكون مواطنته أساسا لعلاقته بالوطن والدولة) ونحن نفهم أن الواجبات تترتب على المواطن ولا تعطى له من خلال مواطنته. فكيف فات على المشرع دقة النص . ثم يتناول المشرع في نص المادة أعلاه - الفقرة ( ج ) بأن يحق للعراقي ممن أسقطت عنه الجنسية أن يستعيدها إن كان إسقاط الجنسية لأسباب ذكرها المشرع على سبيل الحصر وهي : دينية أو عنصرية أو طائفية دون أن يحدد مصير من أسقطت عنه الجنسية لأساب سياسية.

كذلك تجاهل المشرع في صياغته لهذا النص مصير الآثار القانونية التي ترتبت بين تأريخ إسقاط الجنسية عنه وتأريخ استعادتها الذي هو تأريخ نفاذ هذا القانون. لقد جاء النص واضحا لمن أسقطت عنه الجنسية بصيغة أن يستعيدها دون أن يجعل لهذا الإسقاط أثر رجعي في تطبيقه كي يتم إلغاء الآثار القانونية التي تعرضت إليها حقوق المواطن ، بالإسقاط أيضا، الحقوق المدنية للمواطن منها ما يتعلق على سبيل المثال لا الحصر بحقوق الوظيفة العامة أو الملكية وكذلك أثرها على الوضع القانوني لمن حصلت ولادته من الأبناء في هذه الفترة من أبوين لن يتمتعا في هذه الفترة بالجنسية العراقية بفعل الإسقاط .



إن مفهوم المواطن في العراق يتطلب أولا من الناحية الشكلية والموضوعية تحديد التكييف القانوني في الدستور الجديد بصياغة دقيقة واضحة لا تقبل الاختلاف في التفسير والمقاصد . ولتحقيق ذلك ، نوصي بما يلي :

من حيث الشكل ، يجب أن تكون تسمية المواطن موحدة وجامعة لكل الأعراق والديانات التي يتركب منها المجتمع العراقي . ولتحقيق ذلك ينبغي عدم ذكر الأعراق بأسمائها أو الاختلاف العقائدي أو الجنس كي تشمل صيغة المواطن الجميع كافة دون تمييز بسبب اختلاف هذه المعايير. ويقدم لنا الدستور الفرنسي بهذا المعنى نموذجا جيدا بهذا الغرض حيث تنص المادة الأولى من : أن فرنسا جمهورية غير قابلة للتقسيم، علمانية ،ديمقراطية واجتماعية . تضمن المساواة أمام القانون لجميع المواطنين دون تمييز أصل العرق أو الديانة…….

وهذا يعني برأينا أن ينص الدستور في صياغته بأن :

( يسري لفظ المواطن على كل عراقي دون اعتبار للعرق أو العقيدة أو الجنس .)



أما في المضمون ، فنحن نرى أن يستند التكييف القانوني للمواطن العراقي على تنوع وقائع نشأة المجتمع سواء كان هذا قائما على معيار البنوة من أبوين عراقيين أو من أحدهما ، أي استنادا إلى رابطة الدم ، والذي هو في الواقع لا يمكن فرزه نظرا لتمازج الأعراق وقدمها في هذا المجتمع . وكذلك على معيار مسقط الرأس لمن حصلت ولادته من أبويين أجنبيين أو أحدهما على الأرض العراقية ، أو الإقامة الدائمة التي تعبر عن انتماء واقعي في المشاعر والمصالح المشتركة مع المجتمع العراقي وهي تستند على التصاق الإنسان بهذا المجتمع وإرادته الحرة في الاختيار أن يكون مواطنا في هذا الوطن.

أما معيار الولاء والتبعية لا يصلح مطلقا في تكييف مدى تمتع الفرد العراقي بمفهوم المواطن لأنه غير محدد المعالم ومن الصعب إيجاد درجة من القياس لإثباته أو الطعن فيه . إن هذا المعيار ينبغي أن يكون ضمنيا محققا في انتماء المواطن للوطن أو من أراد ذلك من المقيمين على أن لا يخضع تقديره إلى أجهزة السلطة التنفيذية حيث دائما يغلب على أحكامها الطابع السياسي المنحاز بعيدا عن الموضوعية في التقييم .لابد إذن أن يترك تقديره إلى السلطات القضائية عند حالة الخلاف للبت فيه قضائيا كي يكون ملزما استنادا لسلطة دولة القانون.

عند ذلك ينبغي أن ينص الدستور الجديد على أن :

( يعتبر المواطن العراقي من تمت ولادته من أبوين عراقيين أو من أحدهما، أو من أبوين أجنبيين على الأراضي العراقية، أو ثبتت مواطنته بالإقامة التي يحددها القانون الخاص .)



وفي الأخير ، فإن إقامة دولة القانون هي الضمانة الوحيدة في صيانة الحقوق الأساسية للمواطنين وأهمها هي تكييف الوضع القانوني للكائن العراقي كمواطن . لأن ذلك هو الشرط الوحيد في منح الحرية التامة وتحقيق مبدأ المساواة لكي يشعر هذا المواطن بوضعه الطبيعي لممارسة حياته داخل المجتمع الواحد هو المجتمع العراقي ويعزز انتمائه إلى الوطن ويفني حياته حبا ووفاء له.

الدكتور عبد المنعم عنوز

دكتوراه في القانون - فرنسا

عضو نقابة المحامين العراقية - بغداد



#عبد_المنعم_عنوز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- من أجل صورة -سيلفي-.. فيديو يظهر تصرفا خطيرا لأشخاص قرب مجمو ...
- من بينها الإمارات ومصر والأردن.. بيانات من 4 دول عربية وتركي ...
- لافروف: روسيا والصين تعملان على إنشاء طائرات حديثة
- بيسكوف حول هجوم إسرائيل على إيران: ندعو الجميع إلى ضبط النفس ...
- بوتين يمنح يلينا غاغارينا وسام الاستحقاق من الدرجة الثالثة
- ماذا نعرف عن هجوم أصفهان المنسوب لإسرائيل؟
- إزالة الحواجز.. الاتحاد الأوروبي يقترح اتفاقية لتنقل الشباب ...
- الرد والرد المضاد ـ كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟
- -بيلد-: إسرائيل نسقت هجومها على إيران مع الولايات المتحدة
- لحظة تحطم طائرة -تو-22- الحربية في إقليم ستافروبول الروسي


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عبد المنعم عنوز - المعايير القانونية لتكييف مفهوم المواطن العراقي في الدستور الجديد