علي رمضان فاضل علي
الحوار المتمدن-العدد: 4573 - 2014 / 9 / 13 - 21:58
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
وحدة الوجود وحق كل إنسان في تصوره لله لدي ابن عربي
نظرية وحدة الوجود كانت قبل ابن عربي مبعثرة متناثرة في الكثير من الفلسفات الشرقية الهندية واليونانية, ولكن ابن عربي صاغها بأسلوب فلسفي صوفي, ووحدة الوجود عند ابن عربي تعني:
1 - الكائنات هي عين وجود الله تعالى
يقول ابن عربي موضحاً هذه الفكرة : " لما شاء الله سبحانه من حيث أسماؤه الحسني التي لا يبلغها الإحصاء , أن يري أعينها وان شئت قلت أن يري عينية , في كون جامع يحصر الأمر كله لكونه متصفاً بالوجود , ويظهر به سره إليه فأن رؤية ألشيء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر أخر يكون له كالمرآة فأنة يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجلية له وقد كان الحق سبحانه , أوجد العالم كله وجود شبح مسوي , لا روح فيه فكان كمرآة غير مجلوه ."
2 - العالم صورة الله
يقول ابن عربي مؤكداَ علي هذا المعني: " فهو الشاهد من الشاهد والمشهود من المشهود. فالعالم صورته وهو الروح العالم المدبر له فهو الإنسان الكبير."
فهو الكون كله ****** وهو الواحد الذي
قام كوني بكونه ******* ولذا قلت يغتذي
فوجودي غذاؤه * ****** وبه نحن نحتذي
فبه منه إن نظرت ******* بوجه تعوُّذي
3 - لابد لكل موصوف من صفة
يقول ابن عربي موضحاً وشارحاً كيف أن الموصوف لابد أن يكون هناك ما يثبت اتصافه بهذه الصفة , وان الله تعالي خلق الكائنات من اجل أثبات اتصافه بصفات العلم , والقدرة والرحمة فيوضح ذلك بالقول :" إن الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ولابد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزمة تلك الصفة. وقد عرفت أن النفس في المتنفس ما يستلزمة . فلذلك قبل النفس الإلهي صورة العالم . فهو كالجوهر الهيولاني وليس الا عين الطبيعة . فالعناصر صورة من صورة الطبيعة . وما فوق العناصر وماتولد عنها فهو ايضا من صورة الطبيعة وهي الأرواح العلوية التي فوق السموات السبع ."
فلولاه ولولانا *** لما كان الذي كانا
فإنا أعبدٌ حقّا *** وإن الله مولانا
وإنا عينُه فاعلم *** إذا ما قلت إنساناً
فلا تُحجب بإنسان *** فقد أعطاك برهانا
فكن حقًّا وكن خلقاً *** تكن بالله رحمانا
وغذّ خلقَه منه **** تكن رَوْحاً وريحانا
فأعطيناه ما يبدو *** به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوماً *** بإياه وإيانا
فكنا فيه أكواناً *** وأعياناً وأزماناً
4 – إلوهية العالم
يوضح ابن عربي هذة الفكرة فيقول :" إن الحق المنزه هو الخلق المشبه، وإن كان قد تميز الخلق من الخالق، فالأمر الخالق المخلوق، والأمر المخلوق الخالق، كل ذلك من عين واحدة، لا بل هو العين الواحدة، وهو العيون الكثيرة"
ويضيف قائلاً:
فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا **** وليس خلقا بذاك الوجه فاذكروا
من يدر ما قلت لم تخذل بصيرته **** وليس يدريه إلا من له بصر
جمع وفرّق فان العين واحدة **** وهي الكثيرة لا تبقي ولا تذر
5- الحق يظهر بصفات المحدثات وظهور المخلوقات بصفات الحق
يري ابن عربي أن هناك امتزاج واضح بين الله وبين مخلوقاته وخصوصاً في قضية الصفات فيري أن الله يظهر بصفات المخلوقات التي يعتريها النقص , مثل صفة المكر التي اخبر عنها الله في القران ويري أن المخلوقات تتصف بصفات الكمال التي هي عين صفات الله فيقول " ألا تري الحق يظهر بصفات المحدثات , واخبر بذلك عن نفسه وبصفات النقص وبصفات الذم ؟ ألا تري المخلوق يظهر بصفات الحق من أولها إلي أخرها وكلها كما هي صفات المحدثات."
7 - الإنسان الكامل
يري محي الدين ابن عربي أن وحدة الوجود لا تكتمل إلا بوجود الإنسان الكامل , فمخلوقات الله الكثيرة الظاهرة المتعينة هي الحق الباطن الغير مرئي وذلك لأن الحق يسري في صور جميع الموجودات , والإنسان هو أحق الموجودات لنيل درجة الكمال , ولهذا حق له التأله لأن الله خلقة علي صورته . ويوضح ابن عربي هذا بقولة :
فيحمدني وأحمده *** و يعبدني وأعبده
ففي حال أقربه *** و في الأعيان أجحده
فيعرفني وأنكره *** و أعرفه فأشهده
لذاك الحق أوجدني *** و حقق فيَّ مقصده
يري ابن عربي أن درجة الكمال هذه نالها الإنسان لأن الله خلقة علي صورته فهما اثنين في احتياج لبعضهما فالمخلوق في حاجة للخالق لتدبير أمرة وتقرير مصيره, والخالق في حاجة للمخلوق في إثبات صفاته . هذا التمازج الإنساني , الإلهي هو الذي اوجد الإنسان الكامل . يقول: فلا تحمد إلا نفسك ولا تذم إلا نفسك, وما يبقي للحق إلا حمد إفاضة الوجود لأن ذلك له لا لك . فأنت غذاؤه بالأحكام , وهو غذاؤك بالوجود . فتعين علية ما تعين عليك . فالأمر منة إليك ومنك إلية . غير أنك تسمي مكلفاَ وما كلفك إلا بما قلت له كلفني بحالك وبما أنت علية. ويسمي مكلفاَ."
فنحن من وجهة نظر ابن عربي إلا هو بتجلياته علينا وهو ليس سوانا بصفاته العلي , ومقاماته الإلهية فيقول :
فنحن له كما ثبتت **** أدلتنا ونحن لنا
وليس له سوي كوني *** فنحن له كنحن بنا
فلي وجهان هو وانأ *** وليس له أنا بأنا
ولكن في مظهرة *** فنحن له كمثل إنا
6 - اله الأديان من صنع الإنسان
يري ابن عربي أن تصور البشر لله مختلف وان كل تلك الاختلافات تنصرف كلها علي عين الذات الإلهية فكلهم من ذات الله ملتمس , فالمسلم , والمسيحي , والبوذي والهندوسي , والمادي كلهم يعبدون ويتوجهون إلي الله علي اختلف تصورهم له , وكلهم في الحقيقة راجعون إلية وليس من حق احد أن يحجر علي تصور احد طالما أن الكل عائدون إلية يقول موضحاً هذا الكلام :
قد صار قلبي قابلاً كلَّ صورة *** * فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبةُ طائف ***** وألواحُ توراةٍ ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت ***** ركائبه فالحب ديني وإيماني
مما تقدم يتضح أن الفيلسوف والصوفي الكبير محي الدين ابن عربي صاغ نظريته المتعلقة بوحدة الوجود صياغة كونية شاملة مزج فيها بين الخالق والمخلوق في بوتقة واحدة الواحد في الكثرة والكثرة في الواحد , القليل في الكثير والكثير في القليل والضيق في الواسع والواسع في الضيق , الكل في الكل حني سار هناك استحالة الفصل بينهما. ومن وجه نظر ابن عربي ليس هناك تصور خاطئ والأخر مصيب ولكن كل تصور لله فهو حق فتمثال الوثني , ونار المجوسي, وصومعة الراهب , كلها إشكال وصور يتقرب بها الإنسان إلي الخالق. هذه الرؤية الكونية الشاملة صاغها ابن عربي بأسلوبه الشعري الفريد, وجعل من خلالها لكل إنسان الحق في أن يري الله ويتصوره كما يعتقد وما هي إلا أسماء ظاهرة تعود كلها لأصل واحد هو خالق المخلوقات ومدبر أمرها.
الهوامش
ابن عربي: فصوص الحكمة , تحقيق ابو العلا عفيفي , دار الجيل العربي بيروت , 1984, ص 49
نفس المصدر : ص 111
نفس المصدر : ص ص 143 - 144
نفس المصدر : ص 78
نفس المصدر : ص 79
نفس المصدر : ص 80
نفس المصدر: ص 83
نفس المصدر : ص 83
ابن عربي : ديوان ترجمان الأشواق، ومحاضرة الأبرار , تحقيق محمد عبد الرحمن الكردي, دار بيبيلبون باريس , 1968 , ص 210
#علي_رمضان_فاضل_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
