أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - موسى وجولييت الفصل الأول















المزيد.....

موسى وجولييت الفصل الأول


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4565 - 2014 / 9 / 5 - 12:39
المحور: الادب والفن
    


ونحن نتبع خطى موسى، ندخل في هذه الرواية دخول الفُضوليِّ في ألبوم صور يدعونا المؤلف إلى تصفحه، ولكن، ابتداء من الصفحات الأولى، تتعدد الدروب المقترحة من أجل إعانتنا في وضع أسماء على الوجوه، على الأزمنة، وعلى الأمكنة، وتقودنا إلى متاهة من متاهات الجحيم. أين نحن: على عتبة بيت مهجور في أعماق حديقة اجتاحها العشب المجنون؟ في علامة التسديد لبندقية أو تحت حجارة الانتفاضة؟ ومن هم هؤلاء: داوود وجالوت؟ عيسى ويهوذا؟ روميو وجولييت؟ الناجون من أوشفتز؟ الله؟ هل هذا مسرح، رواية، الواقع؟

يجب عليك الركض حتى الكلمة الأخيرة، وأنت تلهث منبهرًا مجروحًا، لتحل المربك في حقيقة يعيدها أفنان القاسم إلى ذاكرتنا دون أن يوفر علينا سوادها، ولكنه يلوح بها كذلك كدعوة إلى الأمل. ستكون للفاجعة نهايتها في يوم ما، مهما كان ما يُوفق الناس إلى فعله القليل، لينتصر الحب بالدم ثمنًا وبالعذاب.

أن يُجمع في نص واحد بين ملاحم المسطورات المقدسة وأسطورة روميو وجولييت وتراجيديا الشعبين اليهودي والفلسطيني لهو رهان جريء من طرف المؤلف، أن يُجمع في وقت واحد بين الشعر والمسرح والرواية والتحقيق الصحفي والنقد السياسي لهو رهان أكثر جرأة. تبقى للقارئ الموافقة على أن يترك نفسه نهبًا لإعصار الأسئلة المعذِّبة، وبكل بساطة كذلك، لِلَذة القراءة.



أفنان القاسم من مواليد يافا 1944 عائلته من برقة قضاء نابلس له أكثر من ستين عملاً بين رواية ومجموعة قصصية ومسرحية ومجموعة شعرية ودراسة أدبية أو سياسية تم نشر معظمها في عواصم العالم العربي وتُرجم منها اثنان وثلاثون كتابًا إلى الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والروسية والعبرية، دكتور دولة ودكتور حلقة ثالثة من جامعة السوربون ودكتور فخري من جامعة برلين، أستاذ متقاعد عمل سابقًا في جامعة السوربون ومعهد العلوم السياسية في باريس والمدرسة المركزية الفرنسية وجامعة مراكش وجامعة الزيتونة في عمان والجامعة الأردنية، تُدرّس بعض أعماله في إفريقيا السوداء وفي الكيبيك وفي إسبانيا وفي فرنسا...


كُتبت هذه الرواية لأول مرة عام 1989



خطا موسى على رمل يافا خطواته الأولى بعد غياب طال كثيرا، ونظر حوله في الليل من غير دهشة، فالأشياء أخذت أشكالاً أخرى وأسماءً غير تلك الأسماء التي عرفها، لما كان طفلاً غِرّا، ولكنها بقيت ذاتها. ولما مَثَلَ بين يدي بيته الذي كان عمرًا رائحًا وحديقة، وغدا عمرًا غاديًا والحديقة أضحت رصيفا، قال هي المعاني ذاتها في السر وفي العلانية، فلا الأسرار حصن، ولا الأنوار صقر النفوس إليها، وما كان الدخولُ إلا ليجعله يسعى سعي الكوكب من وراء الفكرة السابقة، فلعله يكشف عن بعض منها، أو لعله يكتشف بعضًا منها غامضا، ويقول مما جاء فيها. واستعاد، وهو يقف أمام بيته القديم، حكاياتٍ جرت، فما رأى فيه إلاها، ومن غيره ما رأى فيها عالمه الغابر: التمثال الذي سقط على قدميه، والحمام الذي مات، وشجر البرتقال الذي حبل بثمر الخشخاش، والباب الخلفي الذي كانوا يخرجون منه إلى البحر، والذي وجدوه ذات يوم محطما، فقالوا إنها الريح الغضوب، أو إنهم ربما، بعضُ لصوصٍ أخطأوا المكان، فما أطاروا سيفا، وما اغتصبوا قبلة.
راح موسى يتبع من وراء موسى لما كان طفلاً سقيمًا بين ذراعي أمه وأخته البكر، وهما تركضان به تحت تنانير القمر الذليل. كانتا تريدان له الشفاء، بعد أن أعجز الأطباء شفاؤه، على يدي يهوديّ نِطاسيّ أنقذه من الموت في ذلك الزمن البعيد، فوجد نفسه في شمالي تل أبيب، وهو يدب في طريق ساكن كأنه الطريق الأول على الأرض، الطريق الأوحد نحو الموت، أَوَ يَعْرِفُ أن الموت مِخلب وحرير؟ لقد عرف الطريق، ولم يعرف نهايته. أراد التوغل فيه نحو التوقع واحتمالات المصير، فوصلته موسيقى مفاجئة، وانتبه إلى أضواء تجرفها العتمة، لم ير فيها غيرَ مراكبٍ آيبة. عقد العزم، واقترب منها ليصنع موعده معها، ليعقد أول العلاقة. كان بيتًا يرقص، ويضحك، ويغني، والبحر منه على مَقْرُبة، وكانت الأضواء تنطوي أمام زحف الليل الصامت أشرعة، وخيالات الأشجار لا تهتز متواترة. مضى به ثلاثة شبان وامرأة، الشبان يخفون وجوههم تحت الأقنعة، والمرأة تطلق في الليلِ نَفْسَها على سَجِيَّتِها. رأى يدها، وهي تمتد إلى قناع رفيقها بحثًا عن شفتيه، وتلقي به على الرصيف، ثم تتركه إلى ممثل آخر. وبعد أن ذهبوا ضاجين صاخبين في سيارة كانت واقفة، تقدم موسى من القناع، ونقله بيد راجفة. تأمله بإمعان ودقة، قبل أن يجعل منه وجهه إلى الحفلة. وفي الحفلة، كان الشبان مُقَنَّعين والشابات بلا أقنعة، الشابات أُرْفِيَّات، والشبان يأخذونهن بين أذرعهم مثلما تتطلبُ الرقصة، الشابات قُمْرِيَّات، وكأن الحياة تبدأ من صدورهن، ومن بطونهن، وتجري في حركة خصورهن، وسيقانهن، لترتقي الهضاب إلى بركان المتعة. فأين متعته مما هم فيه؟ لم يكن له ماء النيل أبًا، لا ولا جولييت أختا. كان قدرها، وكانت قدره. اقترب منها، ليقترن بها، وراح يراقصها. كانت جولييت هي التي يريد بكل ما فيها: شعرها القصير الشَّعِث وعيناها المتمردتان، بشرتها القمحية الحارقة وكتفاها اللوزيتان، نجمتها الماسية البارقة وأخواها المتناحران. انتفض ثدي جولييت، وهي تبحث من تحت قناعه عن معالمه، فلم تكتشف سوى لون البحر في عينيه، والذي كان أزرق نقيا. اقترب بها إلى قلبه، فسمع دقات قلبها، وسمعت دقات قلب البحر الذي غدا لونه في عينيه أزرق عتيا. شد كل منهما بقلبه على قلب الآخر، وغابا عن صيحات الراقصين لحظةً غياب الروح في الجسد والجسد في الروح لما تشتهي كالجسد الروح. وكان الطارئ أن انطفأت الأضواء، فأتى بها إلى بعضها المتمرد، وراح يمعن النظر في محاسنها الحسنى من جديد، فهذه جولييت هي التي يريد، هكذا قال لها بجسده وقناعه. وها هي ذي جولييت قد أجابت بجسدها ووجهها أن موسى هو الذي تريد، والذي لا تريد أن يكون أقوى من إرادة الصخور أو غير جوهر عاقد العزم، أن يكون إرادته، وأن يكون جوهره الفرد، فهل يكون إرادته وجوهره سيفًا نافعا؟ وهل يكون للمعاني فيها غير ما هي عليه وللمعاني أيضًا إرادتها وجوهر الشهوة؟ كان لا يقطع الطريق إلى الأشياء إلا ليصل إليها، أَوَ يَصِلُ إلى موجةٍ أم قافلة؟ الوصول هو غايته، هو النهايةُ وهو النهايةُ والبداية، الموت أو الحياة أو القيامة.
أحس بأصابعها على قناعه، فاقترب من شفتيها بشفتيه. وعلى مقربة منهما كان يوسف، أخو جولييت الجنديّ، يتابع المشهد الأصليّ، ويسمع موسى، وهو يقول لها: إني اخترتك من بين كل البنات لتكوني لي زوجة وفية، ولتأتيني بأبناء أصنع منهم أمة تجعل مني أباها الأوحد، فأنا الطفل الذي لم يعرف له أبًا، وقد كانت أمي من زاهداتِ مسجدٍ غدا هيكلاً بعدما ولدتني في عكا وربتني في يافا وهجرتني على أبواب اللد والرملة. أراد يوسف أن يذهب إليه بسلاحه، فيطلق في رأسه طلقة واحدة، ويرديه قتيلا، لكنه تردد في اللحظة التي تبدت له في سيمائه، لما عادت الأضواء تضيء، ملامحُ بطلٍ ضائعٍ في التاريخ، وقال لن تكون مهمتي سهلة، وعلى الخصوص عندما لاحظ تعلق جولييت به كل ذاك التعلق. راح يراقب عينيها الوالهتين، ويرتعد من الحنق والغيظ إن لم يكن الذعر، إلا أنه عزم على التريث في قتل هذا العربي الذي ليس ككلِّ عربيٍّ غيرِ حميدِ المحتِدِ، والذي له في الوقت ذاته أمائر الملوك الضالين، فحيره الأمر، وأعجزه التنفيذ.


يتبع الفصل الثاني





#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظاهرات ما بعد الحرب في غزة
- سميح القاسم الولد الرديء
- جثتان
- حوار بين جندي ومقاتل
- دمع
- جندي يموت من الحب
- حيض
- مقاومة
- غزة حبيبتي
- خفايا الربيع (الشتاء) البحريني
- خفايا الربيع (الشتاء) اليمني
- خفايا الربيع (الشتاء) المغربي
- خفايا الربيع (الشتاء) الليبي
- خفايا الربيع (الشتاء) التونسي
- خفايا الربيع (الشتاء) السوري
- خفايا الربيع (الشتاء) المصري
- خفايا الربيع (الشتاء) الأردني
- بديهيات الحرب في غزة
- ماكبث النص الكامل النهائي
- ماكبث المِصراع الثالث القسم الثالث


المزيد.....




- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - موسى وجولييت الفصل الأول