أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عطا درغام - الأرمن في الدولة العثمانية ( وفقا لرؤية بورنوتيان )- 2















المزيد.....

الأرمن في الدولة العثمانية ( وفقا لرؤية بورنوتيان )- 2


عطا درغام

الحوار المتمدن-العدد: 4565 - 2014 / 9 / 5 - 02:46
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ورغم كل هذا ، وعلي عكس مسيحي البلقان ، لم يتمرد الأرمن أو يثيروا أية قلاقل ضد الباب العالي . ولذا ، أطلق العثمانيون عليهم " الملة الصادقة " . وفي عام 1856 ، صدر " خط همايون " ، الذي قضي رسميا بأن الطوائف يمكنها اختيار إدارة تمثلها ، تختار من بين أعضاء الطائفة الدينيين والعلمانيين . وبذا ، كانت سلطة البطريرك تنحسر كمتحدث وحيد باسم الملة الأرمنية الرسولية. وفي هذا الصدد ، كان الأرمن أول طائفة قامت بتسليم مسودة في عام 1857 ، ثم لائحة منقحة عام 1859 . ورفض الأمراء ورجال الدين المحافظين كلتيهما . وفي 24 مايو 1860 ، وكحل وسط وافق مجلس دستوري من الأعضاء الدينيين والعلمانيين الأرمن ، علي أن يقوم مجلس منتخب بتنفيذ " دستور نامة الملة الأرمنية " ( الدستور الأرمني ) . وفي مارس 1863 ، قدمت لائحة مع بعض التعديل الطفيف ، وأصبحت جزءا من القانون العثماني فيما يتعلق بشئون الملة الأرمنية.
كان الدستور ثمرة جهد نمط جديد من الأرمن ؛ أي شباب زاروا أوربا او تلقوا تعليمهم في مؤسسات اوربية ، وتأثروا بالأفكار التحرية والدستورية. هذا ، وقد تكون الدستور من " 99 " مادة تعطي الشئون الدينية والمدنية للطائفة علي كل المستويات . وكان قوام المجلس الملي " 140" نائبا و"20" من رجال الدين ، "80" من العلمانيين في الأستانة ، "40" من المراكز الحضرية الرئيسية . وبذا ، لم يكن لمعظم الأرمن من الولايات الست ( أرمينية العثمانية ) ارتباط بهذه الآلية ، وبذا ، لم يكن لها تأثير عليهم .
وبحلول عام 1856 ، تسببت أنشطة المسيحيين وتبسيط الرقابة نتيجة التنظيمات في ظهور جماعة من المثقفين الاتراك عرفوا باسم " العثمانيين الشباب" . كان معظمهم قد درس في فرنسا ، وتأثروا بالليبرالية الاوروبية ، وسعوا لتأسيس حكومة دستورية. وأيضا ، شكل الشباب الأرمن من أبناء الموسرين ، دوائر ثقافية وسياسية في اوربا ، وسوف يبقون هناك، وسوف يقودون انشطة مضادة للحكومة في المنفي الاختياري، كما سيشكلون في النهاية أحزابا ذات تطلعات قومية.
وهكذا ، بعد خمسة قرون من سقوط آخر مملكة أرمنية في عام 1375 ، امتلك الأرمن أخيرا آلية لبدء صحوة سياسية . والثابت تاريخيا أن الأرمن العثمانيين لم يسعوا إلي الانفصال أو الاستقلال عن الدولة العثمانية ، بل طالبوا بإجراء إصلاحات داخلية في الولايات الأرمنية الست : فان ، بتليس ، أرضروم ، ديار بكر ، خربوط ، سيفاس في نطاق بقائهم ضمن رعاياها.وهنا ، أهملت السلطات العثمانية حل المسألة الأرمنية مما حدا بمثقفي الأرمن وزعمائهم بالأستانة إلي مناشدة الروس لتبني مستقبل الأرمن العثمانيين في مباحثات السلام إثر الحرب الروسية العثمانية 1877-1878 . وفعلا ، نجحت المساعي الأرمنية جزئيا ، إذ تضمنت معاهدة " سان إستيفانو" المبرمة في 3 مارس 1878 بين الدولتين الروسية والعثمانية المادة " 16" الخاصة بمسألة الإصلاحات الأرمنية ، وهي نفس المادة التي عدلت إلي المادة " 16" من معاهدة برلين المبرمة في 13 يونية سنتئذ والناصة علي أن : " يتعهد الباب العالي ، وبدون تأخير بإدخال التحسينات والإصلاحات التي تستلزمها المتطلبات المحلية في الولايات التي يقطنها الأرمن، وضمان أمنهم تجاه الجراكسة والأكراد، كما يتعين علي الباب العالي في حين لآخر أن يحيط القوي الكبري التي ستقوم بالإشراف علي تنفيذها ، علما بأي أمر يتعلق بذلك ".
وهكذا ، تصاعدت المسألة الأرمنية عقب معاهدة برلين من كونها مشكلة محلية عثمانية إلي كونها قضية دولية . بيد أن مراوغات الإدارة العثمانية عن تنفيذ الإصلاحات وانشغال الجماعة الدولية عن متابعة القضية الأرمنية ، انزلق بالتوجه الأرمني العام إلي المسار الثوري لحل القضية بعد فشل تسويتها سلميا .
وبذلك ، تبلورت الطاقات الأرمنية في هيكليات حزبية ثورية سرية وعلنية جيشت قواها داخليا وخارجيا لمزاولة ممارساتها الدعائية والثورية . هذا وقد تمخض عن تنامي المد الثوري الأرمني وانتهاج السلطات العثمانية سياسة قمعية صوبه، اندلاع سلسلة من الاضطرابات والقلاقل والمذابح ضد الأرمن بين عامي 1894 1896 راح ضحيتها عدة آلاف من الأرمن، وهاجرت عدة آلاف أخري منهم إلي البلاد العربية وروسيا القيصرية والبلقان وأوروبا وأمريكا.
وهكذا ، غدت المذبحة آلية عثمانية رسمية للتخلص من الناس حتي لا يتشيثوا بأراضيهم دون مراعاة لأية شرعية دولية أو إنسانية . ولعل ميوعة الموقف الدولي آنذاك قد يسر هذه المهمة علي النظام العثماني. ومع هذا ، عدل الأرمن الثورثون إستراتيجيتهم وتحالفوا مع جماعة " تركيا الفتاة " بغية إسقاط النظام الحميدي ، وهو مانجحوا فيه فعليا إثر انقلاب 24 يولية 1908 . وبذا ، أسدل الستار علي المرحلة الأولي من القضية الأرمنية لتبدا المرحلة الثانية الاكثر زخما بصعود نجم " تركيا الفتاة " ذات النزعة العنصرية المتطرفة ؛ الطورانية .
تمخض عن فعاليات هذه المرحلة أن صار التخلص من الأرمن ضرورة سياسية للاتحاديين بقدر ماهي اقتصادية ، وعرقية بقدر ما هي دينية كي تنسجم المنظومة الطورانية. ولهذا ، استغل النظام الاتحادي تقهقر جيوشهم علي جبهة القوقاز، وألقوا لوم الهزيمة علي الأرمن ؛ إذ استغلوا وجود الأرمن الروس المتطوعين يقاتلون في الجيش الروسي واتهموا الأرمن العثمانيين بالخيانة العظمي لأنهم لم يتطوعوا في جيشهم شان أقرانهم الروس. وفي هذا المناخ ، قرر الاتحاديون في فبراير 1915 إبادة الأرمن بالدولة العثمانية ، ووقعت مهمة تنفيذها علي عواتق الدرك والعصابات والتشكيلات المخصوصة.
وفي مارس 1915 قررت الحكومة العثمانية تدمير مركزي المقاومة الأرمنيين الرئيسيين زيتون وفان. وفي مساء 24 أبريل 1915 اعتقلت السلطات الاتحادية أكثر من مائتي أرمني من النخبة المثقفة بالأستانة واغتالوهم جميعا . ومنذ مايو أبرقت السلطات العثمانية أوامرها الصريحة إلي الحكام والقادة العسكريين بترحيل الأرمن عنوة من وطنهم الأم بحجة حماية المدنيين وحماية القوات المسلحة من خيانة متوقعة من الأرمن الممائين لروسيا.
وفعلا ، نفذت الأستانة هذه العملية في الولايات الشرقية علي مرحلتين : أولا ، قتل كل الرجال الاكفاء، ثم ثانيا ، نفي بقية الأرمن . بيد ان النفي لم يكن سوي الفصل الثاني من برنامج الإبادة.
وفي نهاية يولية 1915 قطع برنامج النفي أشواطا كبيرة ، ولم يعد ثمة أرمن في تلك الولايات التي كانت أوروبا تطالب الباب العالي دوما بإجراء الإصلاحات فيها . بيد أن الاتحاديين قلقوا من الأرمن قاطني غربي الاناضول وقيليقية . ومن ثم ، جاء دورهم منذ نهاية يولية 1915 . وبذلك نجح الاتحاديون تماما في تصفية الأرمن من أراضيهم التاريخية التي قطنوها منذ ما ينيف علي ثلاثة آلاف سنة .
ويكمن أساس هذه المأساة في تبني الاتحاديين المتعصبين قومية متطرفة ، وليس في خيانة الأرمن كما ادعت السلطات العثمانية . والحقيقة أن التخلص من الأرمن وقضيتهم سيجنب الحكومة العثمانية التدخلات الاوروبية المستمروة وسيزيل العقبة الرئيسية بين الأتراك العثمانيين والشعوب التركية الأخري فيما وراء القوقاز وبحر قزوين ، ويمهد السبيل لملكية جديدة أمام أبطال الطورانية .
وفي كلمة موجزة : تطورت فكرة التخلص من الأرمن بشكل متواز مع اندفاع تنامي الطورانية .وبأفول نجم الاتحاديين ( 1918 ) يسدل الستار علي المرحلة الثانية من القضية الأرمنية بعد ان نجحوا في إنجاز الشطر الأكبر من إبادة الأرمن العثمانيين .
ويبدأ الفصل الثالث والأخير ببزوغ نجم الكماليين الذين تبنوا مشروع إقامة وطن قومي لا يقبل التجزئة ، مما يعني رفض قيام دولة أرمنية في شرق الأناضول تضم الولايات الأرمنية الست وقيليقية . ولكي يقنع الكماليون المجتمع الدولي والأرمن سويا بجدية نواياهم ، صبوا جم غضبهم علي قيليقية وراحوا يطهرونها من الأرمن وبهجمات منظمة علي المدن والقري المأهولة بهم تحت بصر فرنسا وسمعها .
ولم يكترث الكماليون بأوامر الأستانة ، واعتبروا أنفسهم الحكومة الفعلية في الدولة العثمانية ، وهكذا ، أنذر الهجوم التركي علي قيليقية ورفض الفرنسيين الدفاع عنها بموت قيليقية الأرمنية .
ورغم هذا ، نجحت الدبلوماسية الأوربية في أن تملي علي الأستانة قبول معاهدة سيفر في 10 أغسطس 1920 التي كرست تمزيق الدولة العثمانية واختزالها في دولة أناضولية صغيرة محصورة بين بلدين ماتزال حدودهما غير مرسومة هما أرمينية واليونان. وبغية إسقاط سيفر وتجنب التهديد الذي تشكله " أرمينية مستقلة " ، أصدر مصطفي كمال في أواخر سبتمبر 1920 أمره إلي الجيش التركي باختراق الحدود وسحق الجمهورية الأرمنية القائمة في القوقاز ( 1918 – 1920 ) ، وتابعت دول الوفاق تقدم الجيش التركي في قلب الجمهورية الأرمنية في منتصف نوفمبر حتي احتلت المنطقة بأسرها ، وسيطر الأتراك علي المناطق التي كانت لهم قبل انسحابهم في نوفمبر 1918 .
وأخيرا أبرمت معاهدة لوزان في 24 يولية 1923 بشكل يتماشي مع أماني الأتراك القوميين. إذ إنها اعترفت لتركيا بحدود مستقرة تستوعب تراقيا الشرقية والأراضي المتنازع عليها في الأناضول؛ إقليم أزمير، قيليقية ، ساحل البحر الأسود، الولايات الشرقية ( أرمينية ) . وانعكس الانتصار المطلق للأتراك بأنه لم ترد في بنود لوزان النهائية كلمتا " أرمينية " أو " الأرمن " ، إنما تضمنت نصوصا عامة حول ضرورة عدم الاضطهاد " الأقليات " غير المسلمة عموما في تركيا . وهكذا ، أخليت تركيا من أضخم أقلية غير تركية ، وترسخت أسس الجمهورية التركية بإنجاز مستوي رفيع من التجانس علي حساب الأرمن الذين حكموا عليهم إما بالهلاك أو الشتات .
وتبعثر الناجون من الأرمن علي ظهر البسيطة ليكونوا بمثابة بصمات الجاني علي جسد المجني عليه .



#عطا_درغام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأرمن في الإمبراطورية العثمانية ( وفقا لرؤية بورنوتيان )
- الشرق والغرب يلتقيان ( مملكة قيليقية الأرمنية ) وفقا لرؤية ب ...
- أحوال أرمينية تحت الهيمنة العربية ( 640-844) ( وفقا لرؤية بو ...
- أرمينية في العهدين الفارسي والبيزنطي ( وفقا لرؤية بورنوتيان ...
- حول التاريخ الأرمني في العصور الوسطي ( من كتاب موجز تاريخ ال ...
- حول التاريخ الأرمني القديم ( من خلال موجز تاريخ الشعب الأرمن ...
- حول التاريخ الأرمني القديم ( من خلال موجز تاريخ الشعب الأرمن ...
- موجز تاريخ الشعب الأرمني من العصور القديمة إلي العصور الحديث ...
- الأرمن والفكر السياسي العربي : قراءة في فكر أديب إسحق – 6
- الأرمن والفكر السياسي العربي : قراءة في فكر أديب إسحق – 5
- الأرمن والفكر السياسي العربي : قراءة في فكر أديب إسحق-4
- الأرمن والفكر السياسي العربي : قراءة في فكر أديب إسحق-3
- الأرمن والفكر السياسي العربي : قراءة في فكر أديب إسحق-2
- الأرمن والفكر السياسي : قراءة في فكر أديب إسحق-1
- صورة أرمينية في المصادر العربية والأجنبية
- الكتابات التاريخية العربية عن الإبادة الأرمنية
- الصحافة الأرمنية في مصر
- الأرمن والفكر السياسي العربي: قراءة في فكر رزق الله حسون
- الطائفة الأرمنية تكرم الصحافة المصرية
- من أعلام الشعر الأرمني الحديث


المزيد.....




- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...
- زاخاروفا: إستونيا تتجه إلى-نظام شمولي-
- الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته خلال ا ...
- الدرك المغربي يطلق النار على كلب لإنقاذ فتاة قاصر مختطفة
- تنديد فلسطيني بالفيتو الأمريكي
- أردوغان ينتقد الفيتو الأمريكي
- كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي
- تظاهرات بمحيط سفارة إسرائيل في عمان


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عطا درغام - الأرمن في الدولة العثمانية ( وفقا لرؤية بورنوتيان )- 2