أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علاء عبد الهادي - اللغة والقوة














المزيد.....

اللغة والقوة


علاء عبد الهادي

الحوار المتمدن-العدد: 4564 - 2014 / 9 / 4 - 19:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    




تعتمدُ الهوية القومية على تاريخ مشترك, وصفات مميزة لأناس يجمعهم هذا التاريخ. وقد مثلت النزعة القومية المنتصرة الحقيقة المركزية للعصور الحديثة, ومارست الدولة القومية, على مرّ تاريخها, من خلال طرائق عديدة, ومختلفة, عملية إدارة المعنى, من أجل الحصول على شرعيتها, ارتباطًا باللغة القومية، وذلك من خلال ما تتوجه به أجهزة الدولة المختلفة, إلى رعاياها, لتغديتهم بالشعور الوطني, حفزًا لفكرة الأمة، وذلك من أجل بنائهم على المستوى الثقافي, بوصفهم مواطنين, وهي عملية تشتمل على قدر من تحقيق التجانس, بوصفه هدفًا للتخطيط الثقافي القومي. وقد فرض الوضع العالمي الجديد, على الثقافات القومية, متغيرات جديدة, ارتباطًا بالوارد إليها من ثقافات, تصل اتجاهاتها إلى النقيض, عبر وسائط اتصال حديثة, ومن خلال تدفقات ثقافية, تقع في خارج سيطرة رقابة الدولة الوطنية على فضاءاتها المعرفية, والاتصالية, من أجل هذا ذهب عدد من المفكرين إلى إننا نقف الآن، عند عولمة الثقافة.
وحين كانت الثقافة تمثل تدفقًا للمعنى في علاقات مواجهة مباشرة بين الناس , كنا نفكر في الثقافات بوصفها كيانات لها حدود مختلفة, واقعة في أقاليم, لكل إقليم خصائصه, لكن الأمر الآن اختلف عما كان عليه كثيرًا, وذلك عندما أتاحت التكنولوجيا وجهًا جديدًا للتواصل الثقافي، وأصبح الناس أكثر تحررًا من قيود الحركة والتنقل. وهذا ما أثر على تعريف الثقافة. وتظل قوة الثقافة كامنة في قوة العلاقات الاجتماعية التي تنقل افتراضات عن العالم, من شخص, أو موقف, إلى آخر, فالثقافة نصّ، ومادة ذات خصائص, قد تختلط, مع ثقافات أخر, أو تمتزج بها, حيث تنتقل ثقافات عديدة الآن في واقعنا المعيش بين التأثير والتأثر, من خلال جغرافية لغوية واتصالية جديدة, وهذا ما يفسر علاقة اللغة بالقوة.
وكما يقول الباحث الأسترالي بيل أشكروفت: "اللغة قوة, لأن الكلمات تبني الواقع, وغالبًا ما يفشل سكان الأطراف في إدراك أن الرابطة بين اللغة والقوة تكمن في القدرة على السيطرة على وسائل الاتصال", يلفتنا هذا إلى قضية مهمة، تقع في مركز أي نقاش حول العولمة والثقافة، وهي المرتبطة -تحديدًا- بالجوانب التصورية, والبراجماتية للتفاعل, ويتعلق هذا الجانب بعملية "بناء الواقع" القائمة عالميًّا الآن، فالوعي الواضح لدى الناس الآن يرى أن أحداث العالم كلها في متناول أيديهم. وبأنه ليست هناك ثقافة نقية, وأنها جميعًا مشتملة على عناصر من بقاع أخر. وهذا ما يشكل رؤية عن فسيفساء ثقافية تجري الثقافات فيها على حوافها, وتتدفق كل واحدة منها في الأخرى, وذلك بعد أن قطعت هذه التدفقات الثقافية حدود الجغرافيا, والعرق، وحدود الطبقة, والقومية، والدين, والأيديولوجيا.
من هذه الزاوية, تجد المجازات التي نطلقها حول هذه العملية مثل: التهجين, والمزج, والاختلاط, صداها. وذلك بسبب قدرة وسائل الإعلام والاتصال التكنولوجية الفائقة على نقل صورة الحدث, وما يشبه الواقع إلى أي مكان في الكرة الأرضية, من خلال لغة إنجليزية مهيمنة من جهة, ولغة صورة كثيفة وسريعة من جهة أخرى, حيث فرض اختلاف الوسيط المعرفي, من وسيط كتابي, إلى وسيط جديد مرئي, آليات جديدة في ما يُسمى أسواق الإنتاج الثقافية, خصوصًا ما يرتبط بنسبة الإقبال الجماهيري, وما ينتجه ذلك من تورط ملايين المشاهدين عاطفيًّا, أيًّا كانت أماكانهم, أو كانت لغاتهم, فيما يشاهدونه, وهي سمة أضحت شديدة التأثير على القيم الاجتماعية القومية, على نحو منح العالم مظهرًا يتسم بالاتساع الشديد, وبالضيق الشديد في آن, كما ارتبطت -على نحو لا فكاك منه- بالقدرة التكنولوجية, وبامتلاكها. فكل سلعة تقيم علاقة ما, تفرض شكلا من شكول التبعية بينها وبين مستهلكها.

تهيمن على هذه الثقافة المتداولة على نطاق عالمي الآن, والتي تحتل الثقافة الجماهيرية الأمريكية جانبًا كبيرًا منها, لغات اتصال قوية, حددت قوتها ثلاثة عوامل الأول: عدد المتكلمين باللغة التي يحدث بها هذا الاتصال, والثاني هو: نسبة توزع هؤلاء المتكلمين على مساحة جغرافية واسعة ممتدة, بما يفرضونه من تفاعل في بيئاتهم الثقافية المختلفة, ومحيط كل منهم الثقافي, وهذا ما يجعل من عدد المتكلمين بلغة ما من غير أهلها, عاملاً مهمًا في هذا الإطار, والثالث هو: وجود هذه اللغات, إنتاجًا واستهلاكًا, على نحو فاعل في المنتديات الدولية, والمؤسسات العالمية, والمنتجات الثقافية التي تتخذ سمتًا كوكبيًّا في انتشارها. فعدد المتكلمين بالصينية الآن هائل, لكن تأثير هذه اللغة على الشبكة, أو حضورها الفاعل في المؤسسات الدولية, لا يزال ضئيلاً, بسبب العامل الثاني السابق. ومن اليسير ملاحظة توافر هذه العوامل الثلاثة بقوة في اللغات: الإنكليزية, والفرنسية, والأسبانية, والألمانية, بخاصة, دون غيرها. ومن الجدير بالإشارة "أن اللغة التي لا تهييء ذاتها بيسر للترجمة من اللغات الأعلى انتشارًا, لن تحظى إلا بتقدير ضئيل, مثلها مثل العملات غير القابلة للصرف, فقيمة لغة ما تتحدد في إطار علاقتها بقيمة اللغات الأخر, فللغات قيمة سوقية, لها جانب تبادلي, قد تملكه اللغة بوصفها سلعة, بل إن ما نلاحظه من تواز بين قيمة اللغات القوية, وقيمة عملاتها! ما يستدعي الوقوف والتأمل.
يتضح -من خلال هذا التناول- أن التفوق الثقافي على المستوى الكلي, تتحكم فيه على نحو مؤثر العوامل الثلاثة المذكورة آنفًا, فكلما ارتفع نصيب لغة ما من عامل أو أكثر من هذه العوامل الثلاثة, زادت قوة هذه اللغة, وعظمت قدرة منتجاتها الثقافية على التأثير على الثقافات الأخر, وهذا ما يطرح أهمية أن يمتلك المشروع الثقافي المصري رؤية استراتيجية من الدولة تستهدف نشر منتجاتنا الثقافية على المستوى الدولي, فضلا عن ضرورة دعم اللغة العربية على المستوى المحلي. فالعلاقة بين قوة المنتج الثقافي, وقوة الاقتصاد القومي, هي علاقة طردية على الدوام, يؤثر كل طرف من طرفيها في الآخر..
*(شاعر ومفكر مصري)



#علاء_عبد_الهادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الهوية القومية والهوية الفردية
- الترجمة الآلية وتأثيراتها 2-2
- الترجمة الآلية وتأثيراتها 1-2
- الإيقاع في قصيدة النثر 3 /3
- الرقابة بين حريتين؛ الجميل والقبيح
- الإيقاع في قصيدة النثر 2 /3
- الإيقاع في قصيدة النثر 1 /3
- قراءة ميتا- نقدية عن كتاب -في الواقعية السحرية- لحامد أبو أح ...
- حق الأرض وحق الإنسان
- هل نحتاج إلى وثيقة جديدة لحقوق الإنسان!
- حول الهوية والثقافة
- تهافت الخطاب النقدي في كتاب زمن الرواية- جابر عصفور نموذجًا ...
- الترجمة وفكرة الأصل
- كرة القدم والهوية
- الترجمة, والثقافة العربية
- الثورة المعلوماتية, والنموذج الثقافي الأميركي؛ التكنولوجيا ب ...
- التدفق الثقافي: في عولمة الثقافة (4)
- الصورة واللغة: في عولمة الثقافي (3)
- سيادة أنماط الإنتاج الرأسمالي: في عولمة الثقافي (2)
- الإنسان الكوني وتهديد فضائه الفيزيائي: في عولمة الثقافة (1)


المزيد.....




- لماذا تهدد الضربة الإسرائيلية داخل إيران بدفع الشرق الأوسط إ ...
- تحديث مباشر.. إسرائيل تنفذ ضربة ضد إيران
- السعودية.. مدير الهيئة السابق في مكة يذكّر بحديث -لا يصح مرف ...
- توقيت الضربة الإسرائيلية ضد إيران بعد ساعات على تصريحات وزير ...
- بلدات شمال شرق نيجيريا تشكل وحدات حماية من الأهالي ضد العصاب ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود- على أهداف في العمق الإيراني و ...
- قنوات تلفزيونية تتحدث عن طبيعة دور الولايات المتحدة بالهجوم ...
- مقطع فيديو يوثق حال القاعدة الجوية والمنشأة النووية في أصفها ...
- الدفاع الروسية: تدمير 3 صواريخ ATACMS وعدد من القذائف والمسي ...
- ممثل البيت الأبيض يناقش مع شميغال ضرورة الإصلاحات في أوكراني ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علاء عبد الهادي - اللغة والقوة