أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - مجاهد عبدالمتعالي - -دور القضاة والمدعين العامين والمحامين في الحد من تطبيق عقوبة الإعدام في الدول العربية-















المزيد.....


-دور القضاة والمدعين العامين والمحامين في الحد من تطبيق عقوبة الإعدام في الدول العربية-


مجاهد عبدالمتعالي
كاتب وباحث

(Mujahid Abdulmotaaly)


الحوار المتمدن-العدد: 4564 - 2014 / 9 / 4 - 19:14
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


ورقة العمل المقدمة لورشة العمل الإقليمية الثانية / الكويت ـ 27 إلى 29 مايو 2011م.

"دور القضاة والمدعين العامين والمحامين في الحد من تطبيق عقوبة الإعدام في الدول العربية"

دائما ما يطيب لي أن أستفتح البحث في المسائل القانونية بعبارة لمونتسكيو في كتابه روح القوانين يقول فيها: (واضعي القوانين الطامحين هم الذين يجاملون رذائل إقليمهم، بينما واضعوا القوانين الصالحين هم الذين يعارضون هذه الرذائل)، وفي هذه الورقة أحاول أن أطرح تساؤلات لواقع القضاء الشرعي، أكثر مما أطرح إجابات، وفي ذلك خلاص من دوغمائية الإجابة المقفلة، وتمسك بفضيلة السؤال وما فيه من تواضع.
وسنستعرض في هذه الورقة بعض هذه التساؤلات من خلال أبحاث محكمة قدمها رجالات السلك القضائي في السعودية وقد أشرت إليها موضحة بالهامش وذلك لمن يريد العودة لها بالتفصيل.
وسيكون ذلك من خلال النقاط التالية:
أولا: عقوبة الإعدام في السعودية بين الاتفاقيات الدولية والمفهوم الاجتماعي:
تجد عقوبة الإعدام في السعودية احتراما يتجاوز الحدود التقليدية للاتفاقيات الدولية التي انظمت إليها المملكة رسميا وهي:
1.الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، الموقعة في 21 ديسمبر 1965م، والتي انضمت إليها المملكة في نوفمبر 1997م.
2.اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، الموقعة في 18 ديسمبر 1979م والمنضمة إليها المملكة في ديسمبر 2000م.
3. اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو أللإنسانية أو المهينة، 10 ديسمبر 1984م والتي انضمت إليها المملكة في نوفمبر 1997م.
4. اتفاقية حقوق الطفل الموقعة في 20 نوفمبر 1989م والتي انضمت إليها المملكة في فبراير 1996م.
بالإضافة طبعا إلى الإعلان العالمي الذي يعبر عن طموحات وتطلعات البشرية فقط، ورغم ذلك فقد صوتت المملكة لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي أقر الإعلان في 10 ديسمبر عام 1948م وتحفظت على المادتين 16 و18 من مواده*1
.

وتعود أهمية عقوبة الإعدام، لارتباطها في ذهنية المواطن السعودي بمعتقده الديني*2، ولهذا فلها بعد مقدس يعتبر امتدادا لطريقة الحكم الملكي السعودي الذي مازال يقوم على نظرية الحق الإلهي في إدارة دفة السياسة، إذ تعتبر بعض الجرائم ذات بعد ديني فهي: "حق لله.... فلا تسقط العقوبة ولا تبدل بسبب عفو صاحب الحق عن حقه، وهذه الجرائم هي الردة عن الإسلام، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، والقذف على رأي بعض الفقهاء.." *3
ولهذا ولأهمية هذه العقوبة في الوجدان الشعبي كأرضية للشرعية الدينية للدولة، لا نجد أحدا من السعوديين يتساءل لماذا هذا التوسع في العقوبة والمستمد من قوله تعالى:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم"*4.. والتي يمكن استثمارها في جميع الاتجاهات السياسية والاجتماعية والدينية، متناسين أو متجاهلين "أن مدارس القانون ثلاث الروماني والانجلوسكسوني والإسلامي، وقد استقرت تلك المدارس في أكسفورد وبولونيا والقاهرة، إذ كانت تلك المدن مقصد حقوقيي المدارس الثلاث، والتشابه الذي يجمع بين المدارس الثلاث هو في تطورها الذي تدين به لعلم الحقوق لا للتشريع نفسه، إلا أن المفارقة تكمن في أن الفقه الإسلامي، لم يستطع أن يتبلور رغم المحاولات الدائبة منذ بداية القرن العشرين لتحديد مفهوم مصطلحي الفقه والشريعة تحديدا أدق، لاستخلاص روح القانون السماوي والتفريق بينه وبين القوانين التي سنها بشر مسلمون، يصيبون ويخطئون، إذ يتفرد الفقه الإسلامي بأن أول أبوابه دائما عن الطهارة، بعدها تأتي أبواب الصلاة والزكاة والصوم والحج والمعاملات... الخ فالفقه الإسلامي ينتظم أمور الحياة جميعها، واضعا لها قوانين تكفل تنظيمها، صغيرها وكبيرها بلا مثيل سوى في شريعة موسى، حتى السلوك وقواعد الذوق والمعاملات ذات طبيعة قانونية فيه، أدى هذا إلى عدم التفريق بين عالم الدين، وبين المتخصص في علوم القانون الإسلامية، وعلى العكس من النظم الغربية لا يفرق علم الفقه الإسلامي بشكل غير مبدئي بين: القانون والعادات والتقاليد، ولا بين القانون الخاص المدني والقانون العام، ولا القانون الجنائي وقانون العقوبات الخاص بالأفعال الممنوعة المعروفة بالمظالم، ولا القانون الخاص (المدني) للدولة، وقانون الأجانب، والقانون الدولي، دون أن تفوت الإشارة طبعا إلى أن القرآن المصدر الرئيس للفقه الإسلامي وقوانين الإسلام.... ولهذا بقيت الكتب التراثية لأئمة الفقه تحظى بتقدير وإجلال العامة، وأنها يمكن بناء على ذلك أن تحقق الإلتزامية للقانون، رغم أن ذلك يفضي إلى حقيقة مرة يجب أن يعترف بها رجال الدين، ألا وهي المثالية المغرقة في الخيال التي تطبع الفقه الإسلامي، بين هذه المثالية التي يمثلها أئمة الفقهاء، وبين واقع القضاء الذي يتمثل في تطبيق الخلفاء له، ثم ممارسات الوزراء والسلاطين والأمراء، بون شاسع وفجوة بدأ حجمها يزداد اتساعا منذ فجر الإسلام"*5
صحيح أن القضاء السعودي لأول وهلة يتماثل مع القضاء المدني في الشكليات التنظيمية، كمسميات المحاكم.... مرورا بتحديد فترة الاعتراض على الحكم الخ من مظاهر تنظيمية.... لكن المتأمل للحالة القضائية يشعر بمدى الأزمة التي يحتكر فيها رجال الدين الجسم القضائي، وما يستتبع ذلك من تقليدية وارتجال (وفق المقررات الشرعية!!) فعقوبة شارب الخمر بالقتل في الرابعة "وقيل قتله تعزير حسب المصلحة، فإذا كثر منه ولم ينهه الحد واستهان به فللإمام قتله تعزيرا لا حدا"*6 خصوصا عندما نعلم أنه حتى الآن لم يتم تقنين الشريعة، وتجد مسألة التقنين معارضة كبيرة داخل رجالات القضاء أنفسهم تحت ذرائع ليس هنا مجال طرحها.
ثانيا: التشريعات والجرائم المعاقب عليها بالإعدام في القضاء السعودي:
الإعدام يشمل عموما في المفهوم القضائي السعودي ثبوت (القتل العمد، الردة، زنا المحصن ، السحر*7، الحرابة، البغي) استنادا لبعض الآيات والأحاديث، ويلاحظ هنا المفردة التراثية الدينية التي تؤكد احتكار القضاء من قبل رجال الدين.
فرغم الترافع العقلي لدى القضاة عن حكم الإعدام بصفته وسيلة من وسائل ضبط المجتمع إلا أنهم لا يدخلون في تفاصيل ونتائج هذا الضبط، وهل فعلا ثبت بالدراسات الاجتماعية المقارنة ازدياد الجريمة في بلد لا يقيم عقوبة الإعدام، ونقصانها في بلد يحرص على الإعدام!؟!!.... وهل لنا أن نتساءل عن فائدة ربط حكم الإعدام بالدين، وهل هو نوع من الميكافيللية التي تعتني بالدين لأغراض الهيمنة، لا لأهداف الفضيلة!؟!!.
ويتضح ذلك في قضايا الإرهاب مثلا فرغم أن القضاء يقر بأنه يقع عبء إثبات الدعوى الإرهابية ودلائل تجريمها على الادعاء العام وفق المادة (16) من نظام الإجراءات الجزائية: تختص هيئة التحقيق والادعاء العام وفقا لنظامها بإقامة الدعوى الجزائية ومباشرتها أمام المحاكم المختصة ـ طبعا ما ينص عليه النظام لا علاقة له بواقع الحقيقة على الأرض من أن المباحث العامة هي صاحبة القول الأول وعدم إشراف هيئة التحقيق والادعاء العام على السجناء فيها ـ طبعا يطرح أحد القضاة تفصيلاته الاجتهادية بحسب الفعل الذي صدر من الجاني في الإرهاب على النحو التالي:
1ـ العقوبة على التخطيط.
2ـ العقوبة على التحريض.
3ـ العقوبة على المساعدة والإعانة ـ الردء.
4ـ العقوبة على الشروع في الجناية وعدم إتمامها.
5ـ العقوبة على التنفيذ.
6ـ العقوبة على العلم وعدم الإبلاغ
لكنه يشير في نهاية محاولته التأصيلية إلى أن تحديد هذه العقوبة عائد للقاضي ناظر القضية*8 بحسب ما يسمى في الفقه الإسلامي (التعزير) والتعزير عند الفقهاء باختصار هو: "العقوبة المشروعة على جناية لا حد فيها وقيل في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة.... ـ وقد رجح أحد أساتذة الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء السعودي ـ أنه لا حد لأكثر التعزير... ولهذا... تبين أن التعزير بالقتل مشروع عند كثير من العلماء وهو في ذلك يحقق مقاصد الشريعة"*9 انتهى كلامه. وهو المعمول به في المحاكم في أنه لا حد للتعزير ولو وصل إلى القتل!!.
ثالثا: الإشكال في مسيرة الترافع القضائي ضد المحكومين بالإعدام والحد من هذه العقوبة:
لو سلمنا بأن عقوبة الإعدام بحسب الوجدان الشعبي هي ضرورة دينية ووطنية لحفظ الأمن الاجتماعي والسياسي، فهل آليات الترافع القضائي ضد المحكومين بالإعدام كافية لتحقيق ضمان سير العدالة، أم أن هناك قصور فيها؟! هل يتم توفير محامي من قبل الحكومة لمن لا يستطيع الترافع عن نفسه؟ لماذا يترك ذلك لحسن الظن بأفراد القضاء، ولإمكانيات المتهم المادية... بينما يوفر مدعي عام في المطالبة بالإعدام.
"لما كانت الاستعانة بمحام في أثناء التحقيق تعد من أهم الضمانات الإجرائية للمتهم في نظام الإجراءات الجزائية، تلك الضمانة التي تدعم حق المتهم في الإدلاء بأقواله دون تأثير على إرادته باستعمال وسائل الإكراه ضده؛ أي أن وجود المحامي مع المتهم يعزز من موقفه ويحميه من التأثير عليه ؛ إلا أن نظام الإجراءات الجزائية لم ينص على حق المتهم في الاستعانة بمحام في مرحلة الاستدلال ، كما أنه أجاز في المادة (69)*10 للمحقق أن يجرى التحقيق في غيبة المتهم والمجني عليه والمدعي بالحق الخاص ووكيل كل منهم أو محاميه أو بعضهم متى رأى ضرورة لذلك لإظهار الحقيقة . ونرى أن حضور المتهم مع المحامي منذ مرحلة الاستدلال يعد ضمانة أساسية لمنع التعذيب عنه أو المعاملة غير الإنسانية أو التأثير عليه عند القبض عليه من قبل رجال الضبط الجنائي أو عند إبداء أقواله لدى المحقق"*11.
يلاحظ عند الادعاء العام بالإعدام طلب الحد الأعلى في العقوبة ضمن مفهوم الحرابة الواسع، الذي يرجع فيه إلى كتب الفقهاء التراثية، ليبقى الأمر في يد القضاء من حيث إنفاذه من عدمه، دون وجود مواد قانونية يشار إليها في نص الاتهام، بل يشار إلى نص آية الحرابة أو آية القصاص في القرآن الكريم.

أ ـ مفارقات في المسئولية الجنائية لحكم الإعدام:
إذا سلمنا أن القضاء يعتمد حكم الإعدام كحكم شرعي/إلهي سماوي لا يقبل التغيير، فهل مسيرة الوصول إلى هذا الحكم وما ذكرناه من ضمانات المتهم للمحاكمة... كافية أم لا؟ وهل يتم الاعتراف بالأسباب المخففة أم لا؟ كالقصاص مثلا من مصاب بمرض نفسي.
في إحدى الحالات لا يتم الالتفات للتقرير الطبي بل يتم الاعتماد على ما قرره الفقهاء في معنى المسئولية الجنائية، رغم أن "التقرير الطبي شخص حالة المتهم بـ(الفصام) مع تاريخ سوء استعمال المواد المحظورة، ورأت اللجنة الطبية الشرعية بالمستشفى أنه نظرا لوجود المرض العقلي (الفصام) وما يصاحبه من أفكار ومعتقدات مرضية خاطئة، فإن ذلك يخفف من مسئوليته الجنائية، ويجعلها مسؤولية جزئية.... ودفع القاضي بدراسة القضية والتحدث مع المدعى عليه لتبين مدى إدراكه ولحضور الشهود للحادثة، وشهدوا بأن المدعى عليه لا يعرف باختلال في عقله.... وقد قرر القاضي أن ما قرره أهل العلم من أن مناط الأهلية هو العقل الذي يكون به التكليف وهذا لا يمكن إلا مع إدراك الخطاب، فكل من فهم الخطاب فهو مكلف، والجنون اختلال القوة العقلية لدى الإنسان فلا يميز بين الحسن والقبيح.... وإذا أريد تخريج المرض العقلي النفسي على ما هو منصوص لدى الفقهاء، فإننا يمكن تخريجه على الغضبان الذي هو غير تام الإرادة، ومعلوم أن الغضب لا يمنع القصاص... وبناء عليه ولتوفر شروط القصاص وانتفاء موانعه، وحيث تبين بإقرار المدعى عليه أنه كان يتعاطى المخدر، وأفادت التقارير الطبية أنها سبب من أسباب إصابته بمرضه، فالمرض أثر للسكر الذي لا يمنع القصاص، فالمسبب عنه كذلك، قال في الإقناع: (والسكران وشبهه إذا قتل فعليه القصاص) وأما ما دفع به المدعى عليه من عدم إرادته قتل المجني عليه مورث المدعيين، وإنما قصد معصوما آخر، فهذا لا يمنع من القصاص، لأنه استعمل في القتل آلة تفضي للموت غالبا، والقصد ليس هو مناط العمدية، وإنما مناطها الآلة المستخدمة..." ثم استشهد بأقوال الأئمة كمالك وأحمد بن حنبل*12. وقد أشار القاضي في ختام بحثه لهذه الواقعة بأنه لا يوجد وصف في الشريعة الإسلامية يطلق عليه (مسؤول جزئيا) بل إما أن يكون الإنسان مكلفا أو غير مكلف.
ومن المفارقات الأخرى أن قاتل ابنه في التشريع الإسلامي السعودي لا يقتل (فلا يقاد والد بولده)، لكنهم يوردون في أبحاثهم القضائية نقولات فقهية عن إمكانية إعدام الأم إن قتلت ابنها لأنها ليست كالأب في مقام التسامح الشرعي وإن لم يرجحوا هذه النقولات في قتل الأم*13.
طبعا نلاحظ أن العقوبات التعزيرية في الأصل الشرعي قائمة على معنى التأديب، وإبقاءه على مفهومة الفقهي الأصلي الذي يهدف إلى التأديب أولى من تجاوزه إلى القتل ـ أخذا بالقول المتشدد في المسألة ـ ما دامت القضية في النهاية تعتمد الخلافات الفقهية بدلا من دعوى الدلالات القطعية وعند التمحيص الفقهي نجد خلاف ذلك.
ب ـ حكم الإعدام واتفاقية حقوق الطفل:
"تنص المادة 37 (أ) على أن تكفل الدول الأطراف : "ألا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة. ولا تفرض عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة دون وجود إمكانية للإفراج عنهم".
إجمالي بنود هذه المادة تحتم وجود نظام جزائي متكامل خاص بالأحداث، سواء فيما يتعلق بالعقوبات أو بالإجراءات. وهو ما أكدت عليه المادة 13 من نظام الإجراءات الجزائية بقولها : "يتم التحقيق مع الأحداث والفتيات ومحاكمتهم وفقاً للأنظمة واللوائح المنظمة لذلك". ولكن لم يصدر نظام جزائي خاص بجرائم الأحداث على غرار ما هو موجود في معظم دول العالم. حيث أن الوضع الراهن يترك للقاضي حرية تحديد سن المسئولية الجنائية وهو ما يترتب عليه مخالفات صريحة لهذه المادة من الاتفاقية.
وفي جميع الأحوال، فإن الفقرة (أ) من المادة 37 تمنع صراحة توقيع عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة لمن تقل أعمارهم عن 18 عاماً. غير أن المحاكم لم تحترم هذا النص من الاتفاقية وأصدرت بعضها أحكاماً بالإعدام على أحداث. وكان الفرض أن وجود هذه المادة من الاتفاقية يمنع ذلك، طالما أن تحديد سن المسئولية الجنائية محل خلاف في الفقه الإسلامي"*14.
"تنص الفقرة 5 من المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه "لا يجوز الحكم بعقوبة الإعدام على جرائم ارتكبها أشخاص دون الثامنة عشرة من العمر". هذا النص موجود أيضاً في اتفاقية حقوق الطفل (المادة 34). والمشكلة التي يثيرها ناتجة عن كون الفقه الإسلامي لم يُجمع على تحديد سن المسئولية الجنائية. ويوجد توجه لدى القضاء للاعتداد بالبلوغ كمسألة واقع وليس اعتماد سن معينة، فمن بلغ فعلاً وواقعاً أصبح من الجائز توقيع عقوبة الإعدام عليه، وهو ما أدى إلى إصدار أحكام بالإعدام على من لم يبلغوا سن الثامنة عشرة. أما من الناحية القانونية أو النظامية، فلا يوجد نظام متكامل خاص بالأحداث.... وينظم هذا الموضوع في المملكة لائحة دور الملاحظة الاجتماعية الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 611 وتاريخ 13/5/1395هـ والتي تقضي بضرورة إيداع الحدث، وهو من لم يبلغ سن الثامنة عشرة وفقاً للمادة الأولى من هذه اللائحة، دور الملاحظة الاجتماعية فور القبض عليه. ويتم التحقيق معه ومحاكمته ومجازاته داخل هذه الدور. ولكن يستثنى من هذه المعاملة ويعامل بالتالي معاملة الرشيد الحدث المتهم في جرائم الخطف والسطو والقتل والرجم والقطع (وهو ما نصت عليه قرارات وتعميمات وزارة الداخلية*15، مثل القرار رقم 8ت 142 وتاريخ 12/8/1410هـ). وهو ما يؤدي إلى إمكانية الحكم بالإعدام على الحدث (من بلغ السابعة من العمر ولم يتجاوز الثامنة عشرة) فقهاً ونظاماً. وأمام هذا الوضع المخالف للفقرة الخامسة لا مناص إذاً من أحد حلين :-
الأول: التحفظ على هذه الفقرة، وذلك إذا كان الرأي الراجح في الفقه الإسلامي يعارض توقيع عقوبة الإعدام على من هم دون الثامنة عشرة. علماً بأن تقرير المملكة المقدم إلى لجنة حقوق الطفل في نوفمبر 2004م أشار إلى أن الشريعة الإسلامية لا تفرض تطبيق عقوبة الإعدام على من لم يبلغوا هذه السن.
الثاني: إصدار نظام جزائي خاص بالأحداث يتناول الجوانب العقابية "الجرائم والعقوبات" والجوانب الإجرائية لجرائم الأحداث، وهو الحل الأمثل والذي هو من مستلزمات اتفاقيات حقوق الإنسان التي انضمت إليها المملكة، ولاسيما اتفاقية حقوق الطفل. وهو أيضاً الحل الذي يقتضيه نص المادة 13 من نظام الإجراءات الجزائية*16... كما يمكن إدخال نص على لائحة دور الملاحظة الاجتماعية يمنع استثناء أية جريمة من المعاملة الخاصة للحدث، بحيث يمنع تطبيق عقوبة الإعدام على الحدث.
ثمة عدة اعتبارات يمكن أن تدعم هذا الحل، فسن الثامنة عشرة هو السن الذي اعتمدته العديد من الأنظمة واللوائح كسن للرشد، وهو الذي اعتمدته صراحة المادة الأولى من لائحة دور الملاحظة الاجتماعية كسن للمسئولية الجنائية. فلا عبرة إذاً بالبلوغ، حيث أن سن الرشد يُنظر في تحديده إلى قدرة الصبي على الإدراك والتمييز، وهي مسألة عقلية وليست عضوية كالبلوغ. وارتكاب الجرائم هي مسألة إدراك وتمييز وليست مسألة نمو عضوي، ولذلك لا يُعدَم المجنون وإن بلغ. فليس كل من بلغ عضوياً توفر لديه الإدراك والتمييز اللازمين لحسن التصرف. فقد يكون البلوغ عند العاشرة من العمر، فهل يعدم ابن العاشرة ؟! يعزز ذلك أيضاً عدم وجود إجماع في مذاهب الفقه الإسلامي على تحديد سن المسئولية الجنائية، مما يسمح لولي الأمر بتحديد هذه السن على ضوء مراعاة ظروف المجتمع السعودي ومصالحه"*17
"إن أهم المآخذ النظرية على من يحاربون حقوق الإنسان في مجتمعاتنا باسم الخصوصية، قصرهم هذه الخصوصية عن جهل أو سوء نية على التيار المحافظ الذي نظّر له فقه القرن الثاني للهجرة، والحال أن هناك تياران آخران عقلاني وروحاني*18 تواصلا إلى يومنا هذا كجزء لا يتجزأ من التراث يتناغمان مع المفاهيم الجديدة دون أدنى صعوبة"*19.
ختاما قد نقسو بالحديث عن مفاهيمنا القضائية في مسألة حكم الإعدام، ولكنها قسوة المحب الذي يدرك صدق كلمات ابن عربي عندما قال: (ليس في العالم مرض يحتاج لعلاج، بل فيه تعصب يحتاج للتواضع)*20 وما أحوج تشريعاتنا لهذا التواضع.
مجاهد بن إبراهيم عبدالمتعالي
28/5/2011م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
1/ المرجع في الاتفاقيات التي انظمت إليها السعودية: موقع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان http://nshr.org.sa/default.aspx.
2/ لا تستخدم مفردة (الإعدام) في السعودية سواء على المستوى الشعبي أو الشرعي، بل قصاص أو قتل أو حد، أما كلمة (القانون) فتجد تحفظا شديدا من السلك القضائي/الديني لدرجة إصدار بحث من قبل المحامي والباحث في الشأن العدلي/ بكر بن عبدالله الهبوب بعنوان: "رفع الحرج المظنون عن استعمال لفظ القانون". مجلة العدل العدد 42ربيع الآخر 1430هـ ص 214. وقد قوبل هذا البحث برد يستهجن أن يصدر مثل هذا البحث في مجلة محكمة تصدر عن وزارة العدل السعودية.
3/ الشيخ:سفر سليم السواط، القاضي بمحكمة بني سعد/ بحث: المجتمع الإسلامي في ظل الشريعة الإسلامية وأحكامها ـ مجلة العدل العدد الثالث رجب 1420هـ ص 165ـ157 ويرى الشيخ أيضا أن "عقوبة الردة لحماية حرية الاعتقاد..... لقوله صلعم: من بدل دينة فاقتلوه ولا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث زنى بعد إحصان، وقتل النفس التي حرم الله بغير الحق، والتارك لدينه المفارق للجماعة"نفس المرجع ص157ـ158.
4/ سورة المائدة آية 33.
5/ لمزيد من التفصيل التقني حول إشكاليات التطبيق الفقهي راجع : مراد هوفمان دكتوراه في القانون جامعة هارفارد(سفير المانيا السابق بالرباط) في كتابه "الإسلام كبديل" ص177 وما بعدها ـ منشورات مكتبة العبيكان/ الرياض، السعودية ـ ط3 عام 2001م.
6/ د:علي راشد الدبيان، قاضي بوزارة العدل ورئيس تحرير مجلة العدل، بحث: الخمر عقوبتها وآثارها ـ مجلة العدل العدد 37 محرم 1429هـ ص 242
7/ في مارس/آذار 2008 طلبت هيومن رايتس ووتش من مسؤول رفيع المستوى في وزارة العدل السعودية توضيح تعريف جريمة السحر في السعودية والأدلة المطلوبة كي تثبت المحكمة مثل هذه الجريمة. وأكد المسؤول عدم وجود تعريف قانوني ولم يوضح الأدلة ذات القيمة الثبوتية في محاكمات السحر. ولا يوجد في السعودية قانون عقوبات، وجميع القضايا تقريباً التي ينظرها القضاة تخضع لتعريفهم للأعمال التي يرونها إجرامية، كما أن لهم سلطة تحديد العقوبات الواجبة فيها. http://www.hrw.org/ar/news/2009/11/24-2
8/ د:ناصر بن إبراهيم المحيميد ـ رئيس محاكم منطقة عسير وخبير الفقه والقضاء بجامعة الدول العربية. بحث: وظيفة القضاء في التعامل مع الإرهاب، مجلة العدل العدد الثاني والعشرون ربيع الآخر 1425هـ وقد أقر في نهاية بحثه أن العقوبات: "إما أن تكون مقدرة من الشارع كالحدود والقصاص، وإما أن تكون غير مقدرة، ويترك تحديدها للقاضي ليوقع من العقوبة ما يوافق الجناية ويناسبها وهي عقوبة التعزير بأنواعه". راجع ص 29من البحث المشار إليه.
9/ د:سعد عمر الخراشي الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء في الفقه المقارن، بحث: التعزير بقطع الطرف "دراسة فقهية مقارنة" مجلة العدل العدد 44 شوال 1430هـ ص 178.
10/ مادة 69 من نظام الإجراءات الجزائية: للمتهم والمجني عليه والمدعي بالحق الخاص ووكيل كل منهم أو محاميه أن يحضروا جميع إجراءات التحقيق، وللمحقق إن يجري التحقيق في غيبة المذكورين أو بعضهم متى رأي ضرورة ذلك لإظهار الحقيقة، وبمجرد انتهاء تلك الضرورة يتيح لهم الإطلاع على التحقيق.
11/ دراسة مدى انسجام الأنظمة السعودية مع اتفاقيات حقوق الإنسان الرئيسية ص30 / صادر عن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان ـ السعودية.
12/ د:هاني عبدالله الجبير قاضي المحكمة العامة بمكة المكرمة، بحث: القصاص من مصاب بمرض نفسي، مجلة العدل العدد 40 شوال 1429هـ ص 257ـ 258.
13/ نقلا عن ما أورده عضو هيئة كبار العلماء معالي الشيخ عبدالله آل خنين القاضي بمحكمة التمييز بالرياض سابقا، والذي رجح القول الأول بعدم القصاص ـ مجلة العدل البحثية (العدد 31) رجب 1427هـ ص 24.
14/ دراسة مدى انسجام الأنظمة السعودية مع اتفاقيات حقوق الإنسان الرئيسية ص 40ـ 41، صادر عن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان.
15/ يلاحظ هنا أن قرارات وتعميمات وزارة الداخلية تأخذ طابعا تشريعيا، رغم أنها من السلطات التنفيذية!
16/ نص المادة 13 من نظام الإجراءات الجزائية: يتم التحقيق مع الأحداث والفتيات ومحاكمتهم وفقا للأنظمة واللوائح المنظمة لذلك.
17/ دراسة مدى انسجام الأنظمة السعودية مع اتفاقيات حقوق الإنسان الرئيسية ص 45، صادر عن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان.
18/ للاستزادة حول وجود العقلانية كرافد حضاري راجع: طارق البشري/ نظرة تقويمية في حصيلة العقلانية والتنوير"ملف" ـ مجلة المستقبل العربي أيار مايو 2005م العدد 315 ص146ـ162.
19/ هيثم مناع/ موسوعة الإمعان في حقوق الإنسان ج1 ص32.الأهالي للطباعة والنشر سوريه دمشق ط1/ 2000م.
20/ نصر حامد أبو زيد "هكذا تكلم ابن عربي" ص 107ـ الهيئة العامة المصرية للكتاب ط/2002م.



#مجاهد_عبدالمتعالي (هاشتاغ)       Mujahid_Abdulmotaaly#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- داعش بين منيف وابودهمان وشحبي
- انتهاء عصر الأمة بداية عصر الدولة
- لأجل الضحايا قولوا عمار يا مصر
- اللاأدريون والإخوان ومستقبل الحركات
- سؤال الديمقراطية في مصر أم سؤال الإسلام؟
- مصر من العسكريتاريا إلى الإسلامتوبيا
- الدين بين دم الطائفة ودم الإنسان؟
- السحق الطبقي في (تدين المحتسبين) و (أصالة الدرباوية).
- عندما تضيع بوصلة القبيلة
- سلمان العودة وخطابه المفتوح.. شاهد على المشكلة أم شريك؟!
- الجميلة ورجل الظلام
- قينان والإخوان هناك طريق آخر
- الخطاب الديني من جيفارا إلى راسبوتين
- الحرية والمخال الكاذب
- الشعوب بطبيعتها ليبرالية والإسلاميون عكس الطبيعة
- عقل الطفل يعري السياسة
- مجتمع يجتر الجيفة
- دمج المقدس بالحداثي في برامج رمضان
- المثقف... قصيدة أم نظم؟!
- ثوابت الأمة أم ثوابت الرعب؟!


المزيد.....




- اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق ...
- ميقاتي يدعو ماكرون لتبني إعلان مناطق آمنة في سوريا لتسهيل إع ...
- شركات الشحن العالمية تحث الأمم المتحدة على حماية السفن
- اعتقال رجل هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإيرانية بباريس
- طهران تدين الفيتو الأمريکي ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- عشية اتفاق جديد مع إيطاليا.. السلطات التونسية تفكك مخيما للم ...
- الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس في الشرق الأوسط
- سويسرا تمتنع في تصويت لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم ا ...
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر مؤيد للفلسطينيين من حرم جامعة كولو ...
- بمنتهى الوحشية.. فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي لاعتقال شاب ب ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - مجاهد عبدالمتعالي - -دور القضاة والمدعين العامين والمحامين في الحد من تطبيق عقوبة الإعدام في الدول العربية-