أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مفيد بدر عبدالله - صبري الاعمى تاريخ وحكايات














المزيد.....

صبري الاعمى تاريخ وحكايات


مفيد بدر عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 4562 - 2014 / 9 / 2 - 17:29
المحور: المجتمع المدني
    



أبدأ كلماتي بتعريف القارئ الكريم "بصبري الاعمى"، هو (منولوج ست) أتخذ من أرصفة شوارع قضاء ابي الخصيب - جنوب مدينة البصرة- مسرحاً وفضاءً لإدائه فنونه المميزة، له جمهوره ومحبيه، أكثر من نصف قرن من الزمان قضاها يرسم البسمة على وجوه الناس بمواهبه المتنوعة، يجيد الغناء والمشاهد التمثيلية الساخرة، أضافة لتقليده لأصوات المكائن والحيوانات بموهبة واتقان قل نظيرهما، له قدرة كبيرة على التحكم بطبقاته الصوتية، فالمشاهد التمثيلية التي يؤديها بعدة شخوص، رجال ونساء واطفال، يقطع المسافات البعيدة لوحده ويتوقف في المحطات التي ينتظره فيها عشاقه، لم اره يوما يمسك عصا، تحمله أقدامه بحركاتها الرتيبة والسريعة، يتحسس موضع خطواته القادمة بأطراف اصابع قدميه قبل ان تطال الارض ، شاهدته مرات وانا طفل صغير في طريقي لمدرستي(باب سليمان) ،ظلت تلك الصور محفورة في مخيلتي ولم تغادرها الى اليوم، رغم اني في منتصف عقدي الرابع من العمر، تراودني كثيرا في منامي ويقظتي، يتراءى لي وهو جالس تحت "قصرالهارون" الاثري مستظلا بشناشيله المزدانة بأخشاب الساج ذات اللون البني الزاهي وبطابوق مزخرف مستورد من الهند حيث قام بجلبه الجد الاكبر لعائلة الهارون، فامتزجت فيه عدة فنون حتى صار احد روائع البناء في التاريخ الحديث، والصورة الاخرى لصبري وهو يعبر واثقا "جسر باب سليمان" الخشبي القديم، الذي بناه العثمانيون قبل دخول القوات البريطانية البصرة، وعند ناصيته الجسر الجنوبية يباع السمك والقصب والحلفاء، يربط الصيادون بخشبه قواربهم، كان صبري الاعمى يمر من فوقه ولا يخشاه، مشهد كنت اراه من امام مدرستي التي تقع على الجانب الاخر من النهر وفي موقع يتوسط المسافة بين الجسر والقصر، غادرت ابي الخصيب هاربا من رائحة البارود والموت في حرب الثمانينيات، أحمل معي ذكرياتي التي ظلت متقدة في ذهني وقلبي عشرات السنين، فالقصر والجسر وصبري الأعمى ومدرستي وذكريات الطفولة لم تفارقني، وما كان يذكرني بصبري في مكاني الجديد "تومان" عازف الناي بأنفه، المتمايل راقصاً بجسده الطويل والرشيق، شاهدته في بعض عروض الحفلات، وصرت اقارن لا اراديا بينه وبين صبري الاعمى، فوجدت تومان اوفر حضا من صبري فقد نال شهرة واسعة وتناولته وسائل الاعلام مرارا، واذكر اني شاهدت (اوبريت) سمي باسمه .
عدت لقضاء ابي الخصيب بعد توقف الحرب بأعوام، فلم اطيق البقاء بعيدا عن الترع والانهار، والنخيل وافياءها، وكل ما حول مسكني القديم من عوالم خصيبية، تبرق بالتعاطف والمحبة، لكن معاول الازمنة القاسية كانت قد فعلت فعلتها باشيائي التي اعشقها، فلم يعد القصر الذي كنت اعرف، ولا الجسر الخشبي الذي عهدته، تهرأت الشناشيل الخشبية وتساقطت اجزاء كبيرة منها ولم يعد يستظل بها صبري الاعمى، ترك المكان مبتعدا، اما الجسر فصار يخشى عبوره هو والمبصرون بعد ان صار محطما، مقطع الاوصال، و المفارقة العجيبة أن يحس الاعمى بالخراب ويبكيه ولا يحسه او يراه المسؤولون، يبدو ان التراث عندهم لم يعد ذا قيمة تستحق الاهتمام، فقصرالهارون وجسر باب سليمان الخشبي، يحتاجان للاهتمام والترميم، ومعهم صبري الاعمى هو الاخر يحتاج للرعاية الحكومية ليتقاعد ويخلد للراحة وهو يقضي ايامه الاخيرة بعد ان نوفر له حياة كرية ويمنح أجر ثابت مكافئة له بعد اكثر من خمسين عاما أمضاها للإسعاد الناس ولو كان زهيدا ولا يعادل عشر ما يتقاضاه البرلمانيون عن اربع سنوات أمضوها بعضهم في عرقلة التشريعات و ظلم الناس .



#مفيد_بدر_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مراهقة السياسيين وسياسة المراهقين
- عباس شعيّع يمتلك مفاتيح الحل
- كصة بكصة
- اقرب نقطة دالة
- الاعيب السياسيين في سوق الخضار
- لناخبينا ذاكرة
- الصحة ومحرقتها العجوز
- مخ ولسان
- الرقم الابيض وايامه السود
- ماؤنا مالح كدمعنا
- بصرتنا لا تزرع الشوك
- فؤاد المهندس
- من البصرة الى اسطنبول
- السراق وبائع الملح
- لم يقطفوا سوى الثمار الجوفاء
- الواحد أكبر من الاربعة
- أحذروا.. الديناصور يبتلع البصرة
- خارج أسوار الحياة
- الكهرباء تدخل موسوعة غينس
- ناصر(أبو الجرايد) سياسي بامتياز


المزيد.....




- بيان للولايات المتحدة و17 دولة يطالب حماس بالإفراج عن الأسرى ...
- طرحتها حماس.. مسئول بالإدارة الأمريكية: مبادرة إطلاق الأسرى ...
- نقاش سري في إسرائيل.. مخاوف من اعتقال نتنياهو وغالانت وهاليف ...
- اعتقال رجل ثالث في قضية رشوة كبرى تتعلق بنائب وزير الدفاع ال ...
- بايدن و17 من قادة العالم يناشدون حماس إطلاق سراح الأسرى الإس ...
- البيت الأبيض يدعو حماس لـ-خطوة- تحرز تقدما في المفاوضات حول ...
- شاهد.. شيف غزاوي يعد كريب التفاح للأطفال النازحين في رفح
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات مستقلة في المقابر الجماعية بغزة ...
- بلجيكا تستدعي السفيرة الإسرائيلية بعد مقتل موظف إغاثة بغزة
- العفو الدولية: الحق في الاحتجاج هام للتحدث بحرية عما يحدث بغ ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مفيد بدر عبدالله - صبري الاعمى تاريخ وحكايات