عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4562 - 2014 / 9 / 2 - 13:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
شبهات في التأويل
لقد وضع الشيخ الألباني في قوله هذا على رقاب العباد طوقا من العبودية للأشخاص وتقديس ما لا يقدس وخالف بذلك أسس العقيدة الإسلامية مستعينا بشبهة فكرية وعقلية فضلا كونها عقيدية أولا وهي الانتساب للعصمة التي ينكرها أساسا كحقيقة مطلقة تتسق وتتوازى مع قيمة النبوة والإمامة التي أمن بها ودعا لها القرآن الكريم بنصوص متعددة وثابتة منه ومن السنة النبوية الصحيحة باعتبار أنها من المتحول والمتجزئ محلها زمانا ومكانا.
وبالتالي فهو يطيح بها في مجالها الحيوي التي رتبها الله ليسوقها مرة أخرى على الكثرة والغالبية والمطلقة تجاه مجموعة من الناس أثبتت الوقائع التأريخية والمادية والواقع العملي على نفي نسبة العصمة لهم كما جاء بالنص التالي {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} النحل 92.
النص هنا يخاطب المؤمنين من أتباع الرسول محمد صل الله عليه وأله وسلم وهم من جملة ممن يخاطب الله زمانا ومكانا وهذا تحذير منه لعلمه بما سيكون في علمه السابق, وهو مما لا ينكره الشيخ الألباني ولا طائفة السلفية من أن أتباع الرسول ومن تبعهم وعاصرهم وتوالوا لم يسلموا من الاختلاف والمنازعة والتخاصم وصل لحد تكفير بعضهم بعض وتقتيلهم وإخراجهم من مساكنهم إلى أخر ما يسطره تأريخ المسلمين من فواجع وتجاوزات طالت أسس العقيدة والخيرة من المؤمنين {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}الأنفال 46.
هذا لا يستدعي استنكار السلفية لهذا الحال بل يبررون بل ويمنعون الناس من الكلام فيه أو التحدث عنه بحجة أنهم معصومون وأن الخوض في ما جرى بين الصحابة من منكرات لا يجوز شرعا ولا ينبغي للمسلمين أستذكاره لأن فيه فضح لأسس العصمة المزعومة وتهتيك وتفنيد لنظرية عدالة الصحابة التي في مجموعها تشكل قيم العصمة والسلفية عندهم.
والمطيعون في منهج الرسالة هم الناس الأحياء على مر الزمان وفي كل زمان، لذا لا نجد في القرآن الكريم أي أمر يتعلق بطاعة الأموات إطلاقاً، وإنما نجد الأمر بالإتباع أئمة الهدى سواء أكانوا أحياء أم أمواتاً كقوله تعالى{قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}آل عمران95،والإتباع يتعلق بالمنهج والملة والسبيل ولا يتعلق بالأقوال والأحاديث ،ومثله قوله تعالى لنبيه{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}آل عمران31 ، وإتباع النبي محمد صل الله عليه وأله وسلم وهو إتباع لما نزل عليه من منهج وشريعة المحتَوَيين في كتاب الله وفي صلب الرسالة لا إتباع أقوال أو أحاديث من عاشره وصاحبه ولو ليوم واحد أو لساعة واحدة, مع ترك التزكية لله ولو كان الأمر كذلك لجاء النص بالأمر بطاعة الأتباع شخصياً بذكر اسمه أو مقامه, وهذا غير موجود في النص القرآني قط، وإنما نلاحظ أن الطاعة متعلقة بمقام الرسول فقط، فلا يوجد في النص القرآني جملة (وأطيعوا المؤمنين كافة).
واضح أن الطاعة لله لها أصل وانفراد، وعطف الرسول عليه دون إفراد الطاعة له دليل على أنه حامل الرسالة من الله كرسول، لأن الرسالة لم تصل إلينا إلاّ عن طريقه فيصير الذي يطيع الرسول فيما نزل عليه من الله هو في الحقيقة يطيع الله نفسه من خلال الإيمان برسالته، ومن هذا الوجه أتت الآية التالية{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }النساء80.
الشبهة الثانية التي يقوم عليها مذهب السلفية هي الانتقائية في تطبيق موارد الآيات والأحاديث التي يروي علماءهم أنها عن لسان رسول الله صل الله عليه وأله وسلم وفقا لمرادات المذهب, ومنها مثلا موضوع أختلاف الأمة بعد رسول الله صل الله عليه وأله وسلم وهي حقيقة لا ينكرونها, كما يزعمون أيضا أن الاختلاف غير وارد أصلا ويقرون المسألتين ولكن يفرقون بينهما على أساس الزمن التأريخي وبدون دليل قطعي وحاسم لا من عقل ولا من نقل لمجرد أنها تتسق مع منهجهم الفكري فحسب.
وبالعودة إلى قول الشيخ الألباني نجد هذا التناقض الصارخ والتبرير اللا منطقي والمخالف للعقل والنقل واضحا بقوله ((حينما يأتون بقوله عليه السلام " لا تجتمع أمتي على ضلالة " لا يمكن تطبيقها على واقع المسلمين اليوم، وهذا أمر يعرفه كل دارس لهذا الواقع السيئ، يضاف إلى ذلك الأحاديث الصحيحة التي جاءت مبينة لما وقع فيمن قبلنا من اليهود والنصارى، وفيما سيقع للمسلمين بعد الرسول عليه السلام من التفرق، فقال عليه السلام "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ،والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستختلف أو ستتفرق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة "قالوا " من هي يا رسول الله ؟ " قال" هي الجماعة "،هذه الجماعة هي جماعة الرسول عليه السلام هي التي يمكن القطع بتطبيق الحديث السابق لأبي هريرة، أن المقصود في هذا الحديث هم الصحابة أو الذين حكم رسول الله عليه السلام بأنهم هم الفرقة الناجية، ومن سلك سبيلهم ومن نحا نحوهم)) .
ومن ثم لم يبين لنا الألباني ولا دعاة السلفية كيف تمسكوا بهذا التخريج ومن أباح لهم بأن يسقطوا الأحاديث وفقا للأزمان دون دليل قاطع, والآيات الشريفة التي تحدث عن الاختلاف والتنازع مطلقة غير مقيدة, فإن كانوا من أهل العلم فليتمسكوا بقواعد العلم التي من ضمنها قاعدة (المطلق يسري على أطلاقه ما لم يقيد بنص) فأين النصوص المقيدة للحديث الأول وما هي النصوص التي فعلت ذلك مع الحديث الثاني؟. فضلا عن النصوص القرآنية التي أشارت إلى موضوع التنازع والفشل{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }المائدة8.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟