أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - رواية -المهزوزون- عبد الله البيتاوي















المزيد.....



رواية -المهزوزون- عبد الله البيتاوي


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 4562 - 2014 / 9 / 2 - 09:27
المحور: الادب والفن
    




رواية "المهزوزون" عبد الله البيتاوي

تكمن أهمية الرواية بتأريخها للواقع الفلسطيني قبل احتلال بقية فلسطين عام 1967، خاصة في منطقة "الضفة الغربية"، وكيف أن رجال النظام كانوا يمارسون ساديتهم على المواطن، مستغلين مواقعهم التنفيذية لتحقيق مآربهم الشخصية، هذا على صعيد الأحداث، أما بخصوص الشخوص فالرواية تحدثت عن أكثر من عشرين شخصية، وكلها تحدثت بلغتها الخاصة، كما أن دور المرأة كان حاضرا وبقوة، إن كانت أماً أم زوجة، متعلمة أم أمية، فكانت فاعليتها كبيرة ومؤثرة في الأحداث، كما يضاف لهذه الرواية زخم الأقوال الشعبية الفلسطينية التي سردتها الرواية، فكل الشخصيات ـ بصرف النظر عن مكانتها ودورها، سلبيا أم إيجابا ـ كانت تطلق قولا مأثورا ومعروفا على المستوى الشعبي الفلسطيني، وهنا كان الكاتب قد قدم لنا الفلسطينية، بكل تجلياتها من خلال تلك الأقوال والأمثال، وهذا الأمر ينم على امتلاك الكاتب لذاكرة خصبة للتراث الشعبي الفلسطيني.
الرواية من إصدارات دار الفاروق، نابلس، الطبعة الأولى، تموز/ 1996، الكاتب ينويه إلى انتهاءه من كتابتها قبل عام 1967، لكن الظروف لم تحول دون طباعتها في ذاك الحين، فهو يقول معتذرا عن عدم مواكبتها ـ لعصر الحداثة ـ "واعلم بأن نشرها اليوم ـ وقد تطور الشكل الروائي كثيرا ـ فيه من الظلم الكثير لها" ص5، بهذا لتواضع تم تقديم الرواية، فكان بذاك يمهد المتلقي لتناول عمل روائي فلسطيني متواضع، إن كان على صعيد الشكل أم المضمون، لكنه فاجأنا وأدهشنا بتلك الحبكة التي استطاع أن يربط شخصيات الرواية بالأحداث الجارية، ولم نجد تصرف أو قول لأي شخصية يتناقض مع طبيعتها، فكانت كل الشخصيات تتحدث وتقوم بدورها حسب ما رسمه الكاتب، دون أن نجد أي هفوة أو خطأ، فكان عبد الله البيتاوي مسيطرا على كافة الشخصيات ضمن ما وضعه لها من أدور.
فوجود أكثر من عشرين شخصية في رواية، ليس بالأمر السهل، فما بالنا إن تم السيطرة والتحكم بها بدقة واتزان متقن!، وهذه السيطرة بحد ذاتها تمثل انجازا فنيا وأدبيا للكاتب، فهو لم يفاجئنا وحسب، بل أدهشنا بهذه الرواية، وهنا تستحضرنا رواية "العشاق" لرشاد أبو شاور، ورواية "بوصلة من اجل عباد الشمس" لليانة بدر، التين تحدثتا عن فترة ما قبل 1967، في "الضفة الغربية، ولسنا في مجال المقارنة بين هذه الروايات، لكننا نقول بكل تجرد بان رواية "المهزوزون" تشكل ما يشبه الوثيقة التاريخية للأحدث قبل عام 1967.
المكان
المكان يعد ذات أهمية كبرى في ذاكرة الفلسطيني، وذلك يعود إلى طبيعة الصراع على الأرض الفلسطينية، من هنا نجد المكان حاضرا باستمرار، فهو أصبح هاجس أي كاتب فلسطيني، إن كان في وعيه أم في ألا وعي، الجغرافيا إن كانت عامة أم بتفاصيلها، دائما يتناولها الأديب، فهي تعيد تخصيب الذاكرة بتلك الجغرافيا، ومن ثم تربط الإنسان بتلك الأرض التي ما زالت تشكل هاجسا له.
"لم تعد مراهقا تجوب شوارع القدس العتيقة لتتصيد السائحات.. ولكنني سئمت جو رام الله، رغم ما فيه من حرية وانطلاق، وغدا أسأم جو طولكرم" ص11، بذكر تلك المدن أنعش وعينا عبدا لله البيتاوي، فالقدس ورام الله وطولكرم ليست بمكان هامشي بل له حضوره، وهي من المدن التي قدمت الكثير من العطاء، ولعبت دورا حيويا لنيل فلسطين حريتها، كما تعد من المراكز الأساسية للفعل النضالي الفلسطيني.
"ـ ... فأية ارض أخرجت نبتك الشيطاني؟
ـ القدس..
ـ ملعون بصقتك القدس.. أنت من "طراطير" نعيم ... آه ..؟" ص13، على مر الزمن تأخذ القدس المكان المقدس في الذاكرة الفلسطينية، فمن يعيش فيها له مكانه استثنائية، فالجغرافيا والإنسان يشكلان واحدة واحدة، فقدسيتها تكمن بوجود الإنسان الذي يعمرها، ومن يغادرها يفقد تلك الخصوصية، من هنا نجد "هيلانه" توبخ الأستاذ "عادل عبد الرحيم" عند أول لقاء بينهما، فهي تذكره بأنه قد خرج من القدس، القدس المقدسة، وجاء إلى مكان لا يقارن بتلك القدس العظيمة، كما نجد الربط بين ذلك الخروج منها، وفقدان القدسية، والانتقال إلى حالة مزرية، التعامل لصالح رجل المخابرات سيئة الذكر "نعيم عبد الوهاب" هذا الكلام تم قبل أن يتعرف كلا منها على الآخر بشكل حقيقي.
مرة ثانية يتم استيضاح المكان الذي جاء منه الأستاذ "عادل" لكن هذه المرة من قبل النادل "سعيد" في قهوة أبو صالح: " حضرتك لست من المنطقة..
ـ من القدس..
ـ أنت موظف في البريد..
ـ لا.. مدرس..
ـ أهلا وسهلا .. لقد شرفت البلد .. ستعجبك طولكرم.. إنها مدينة هادئة، وادعة، كفتاة بكر. لا صخب .. ولا عنف..."ص20، تكمن أهمية هذا الذكر للقدس كمكان لا ينجب إلا المتعلمين أصحاب الشهادات، الكفاءات، فهي مكان يعد مركزا ثقافيا وتعليميا ودينيا للفلسطيني.
أما بخصوص مدينة طولكرم في تبقى اضعف اقتصاديا وتعليميا ثقافيا من القدس، من هنا تم وصفها بمدينة هادئة وبالبكر.
تناول الجغرافيا التي توحدت قبل هزيمة 1967، مسألة مهمة جدا، فالكثير من جيل اليوم لا يعي بان تنقل المواطنين من وإلى الأردن كان كمن يغادر نابلس إلى جنين، وهنا يذكرنا الكاتب بوحدة الجغرافيا رغم وجود الدول، "ـ لا تكن جاحدا .. فنقلك كان يجب أن يتم إلى الجنوب... الشوبك أو وادي موسى.. طولكرم لا تبعد كثيرا عن القدس.." ص32، كما أن هذا التذكير يشير ـ بطريقة غير مباشرة ـ إلى سقوط بقية فلسطين وهي ليست محكومة من قبل الفلسطينيين، بل من دولة عربية، الأردن .
ربط ذكر الجغرافيا الفلسطينية بحالة المقاومة للاحتلال الذي تم في عام 1948، وأيضا بحالة القمع والبطش التي تعرض لها على يد النظام الأردني، مسألة في غاية الأهمية، فلم يكن العمل المقاوم بالأمر الميسر، بل هناك عراقيل وصعوبات كثيرة وعديدة، جلها يكمن باليد الحديدية التي يعامل بها ألفلسطينيي.
"ـ سمعت أن الفدائيين قد نسفوا جرارا إسرائيليا عند طبريا..
...قال السائق في تنبيه:
ـ اقتربنا من مخفر "دير شرف" ...
ـ الله يتوب علينا
ولوى آخر شفتيه في امتعاض، وانكمش الآخرون على أنفسهم، والسيارة تتوقف أمام الحاجز القائم عند المخفر. وتقدم نحوهم احد رجال الدرك، وقد التف بمعطف واق من المطر. أنحنى لينظر إلى ركاب السيارة.. وبوجه متجهم زاده المطر والبرد كدرا قال:
ـ أيوجد شيء في خزانة السيارة؟
ـ لا
وأعاد النظر في ركاب السيارة، ثم قال بصوت خال :
ـ كلكم إلى نابلس
فقال عادل:
ـ أنا من القدس
ـ زيارة؟
ـ أنا من سكان القدس
ـ وماذا كنت تفعل في طولكرم؟
ـ مدرس" ص61
نجد أن النظام الأردني كان يتعامل مع الفلسطيني وكأنه احتلال، فلحواجز لم تتغير، وبقية حاضرة في كل العهود ، إن كان في الزمن التركي أم الانجليزي أم الأردني أم الإسرائيلي، كلهم تعاملوا كقوات احتلال وليس كوطنيين، من هنا نجد الامتعاض من وجود الحاجز وتلك الأسئلة التي تلازم كل الجنود على الحواجز.
الحواجز التي لا تنتهي، في الجغرافيا أو في الذاكرة الفلسطينية، فهي منتشرة على مر الزمن، وفي كافة الأماكن، فبعد حاجز "دير شرف" هناك حاجز "اللبن" وكأن الحواجز قدر على الفلسطيني وعلى الأرض الفلسطينية، "واحتد النقاش،.. ولم يتوقف إلا عند توقف السيارة عند مخفر اللبن" ص63، ضمن هذا الواقع، هل كان بإمكان الفلسطيني أن يقاوم الاحتلال؟ وهل كان باستطاعته أن يشكل قوة ردع لأي عدوان جديد عليه أو على أرضه؟
الفلسطيني اجبر على ترك وطنه في عام 1948، فكان يعيش في بحبوحة ونعيم، فالوطن بالنسبة له أيضا يمثل نعيم الحياة "...ومشعل كانت حالة متيسرة بين يديه وهو يعيش وأهله في يافا" ص91، بهذا الكلام يتم وصف فلسطين عام 48، هي مكان للرخاء والبحبوحة.
وها هو "الشيخ سعيد" يتحدث عن الأرض التي احتلت عام 1948 بحنين وعاطفة وحب وأمل الرجوع: " أنا أصلا يافاوي.. ولدت هناك، وأمضيت زهرة شبابي، وشرخا من كهولتي أتنسم عبيرها.. جذوري نبتت قرب جامع البك، كان والدي ـ رحمه الله ـ واحد من مشايخ الطريقة القادرية الجيلانية.. وكان يعمل بالتجارة وهو على صلة بمعظم تجار فلسطين، من رأس الناقورة شمالا إلى رفح جنوبا.. ومن حيفا وعكا إلى القدس والخليل ورام الله ونابلس وطولكرم" ص 121، إذا قارنا وضع "الشيخ سعيد" بما كان عليه في يافا، وما هو الآن في طولكرم، نجد التباين الواضح بين الحالين، فالأفضلية ليافا، وهذا الأمر تكرر مع فلسطينيين ال 67، عندما طردوا منها إلى الشتات، فكأن الجغرافيا بالنسبة لفلسطين تمثل الفردوس المفقود، من هنا نجده دائما في حراك نحو الهدف، إلى الجغرافيا التي تمثل بالنسبة له الحياة، الخلاص من البؤس والشقاء، ورغم أن الأرض تأخذ مفهوم العودة ـ الورائية ـ إلى الخلف، إلا أن مضمونها التقدم نحو السعادة، وهذا الأمر يتباين مع الشعوب والجماعات الأخرى، التي تبحث عن ارض جديدة، وليس العودة لأرض قديمة.

الجفر
هذا المكان السيئ الذكر، محفور في ذاكرة الفلسطيني كالوشم، فكل من دخله يعرف معنى الاعتقال، معنى التعذيب، الإهانة، وتجريد الإنسان ـ أن كان جلادا أم ضحية ـ من إنسانيته، فهو مكان خارج الزمان والجغرافيا الأرضة، هذا إذا اعتبرنا بان الأرض مكان للحياة البشرية، وليست للحيوانات المفترسة، العديد من الكتاب في فلسطين والأردن تناولوا هذا إل "الجفر" بصورة الجحيم، "ـ فقد امضيت في "الجفر" وقتا لن أنساه بسهولة..
ـ أكنت في الجفر حقا؟ ... آه ...لا ... قال أنك في السجن ولم يقل الجفر.
ـ وماذا أفرقت؟
ـ أفرقت كثير ... فلا يذهب إلى الجفر إلا الرؤوس الكبيرة.." ص49، هكذا كان الجفر مكان تكسير الرؤوس، تحطيم الجسد قبل الإرادة، قتل الروح قبل الجسم، لتحويل الإنسان إلى آلة، مكانة تتحرك حسب متطلبات النظام، أو تحويله إلى جندي في النظام الرسمي العربي، بحيث لا يعرف سوى كلمة : "حاضر سيدي" ولا توجد في قاموسه كلمة "لا"، فقط "نعم وحاضر وأمرك يا باشا".

صور القمع
المواطن العربي عامة والفلسطيني خاصة يصف النظام ورجالة وكل من يتعامل معه، صفة القامع والمضطهد، فأينما كان رجال الأمن كان القمع، فهم يمثلون صورة الجلاد الذي يلاحق الناس الآمنين، من خلال هذا المفهوم تناول عبد الله البيتاوي رجال الأمن، وقدم لنا صور من القمع والاضطهاد الذي يتعرض له الفلسطيني على يد هؤلاء.
فها هي "هيلانه" تصف رجال الأمن بهذه الصفة: "وصنعتكم تلفيق التهم للناس، لتدفنوهم في السجون..
في الأسبوع الماضي، أخذتم ولدي رغم انه ولد طيب وعلى نياته" ص13، لم يكن رجال الأمن إلا بهذه الصورة القبيحة والقذرة، فهم لا يرحمون أحدا، برئ أم مذنب، مهمتهم تنغيص حياة الناس، وتحويلها إلى جحيم، إبقاءهم في حالة من الخوف والهلع، هم السيف فوق الأعناق، يوجب على الإنسان أن يحسب لهم ألف حساب.
احدى صور القمع كانت تأكيد مكان الإقامة يوميا، فهذا الأمر كان يعد احد الطرق التي اتبعها النظام لترويض الناس، فالإنسان يكون مجبرا على التوجه إلى مركز الأمن لكي يثبت تواجده يوميا، أحيانا في المساء فقط وأحيانا صباحا ومساءا، هذا ما حدث مع الأستاذ "عادل عبد الرحيم" فبعد أن غادر طولكرم دون أن يخبر المخفر هناك، كان يتوجب عليه إخبار الأمن في القدس بأنه نسيه هذا الأمر، من هنا كان استجوابه من قبل "الشاويش عبد الحق"ـ حتى نغلق الموضوع، لا بد من اتخاذ بعض الإجراءات .. فأرجو الإجابة عن بعض الأسئلة..
ثم سأله عن اسمه وتاريخ ومكان ولادته وعمله، ثم عن أسباب مغادرته دون أن يخبر المركز وهو يعلم بأنه ملزم بإثبات الوجود مرتين يوميا" ص 77، هل يمكن لإنسان أن يعيش تحت هذه الظروف؟ فهو في حقيقة الأمر يكون سجينا، عليه الخضوع للعد التفقدي صباحا ومساءا، فلا يختلف حاله عن حال السجين أو العسكري.
التدخل بشؤون الإنسان الخاصة، يعد انتهاكا لحقوقه، وتدخلا سافرا من قبل النظام في حياته الخاصة، لنتابع الأسئلة التي وجهها "الشاويش عبد الحق"ألم تقابل أحدا في القدس؟
ـ لا
ـ ألم يزرك احد؟
ـ لا
ـولا حتى الجيران؟
ـ لا.. فقد كان المطر شديدا مما ألزم الناس على البقاء في منازلهم.
ـ ومتى وصلت طولكرم؟
ـ قبل ساعة تقريبا
ـ أين أمضيتها؟
ـ هنا في انتظارك
ـ أثناء تفتيش غرفتك المستأجرة من قبل المدعو عبد الدايم النماس، عثرنا على كتابين أثار عنوانهما الريب..
ـ هذان الكتابان لك؟
ـ نعم
ـ أليسا ممنوعين؟
ـ لا.. وإلا لما بيعا على الأرصفة وفي المكتبات ..
ـ من أين اشتريتهما؟
ـ من مكتبة المحتسب في القدس.. اضن أن ختم المكتبة يثبت ذلك..
ـ المقاومة في فلسطين المحتلة.. أيتحدث عن رجال المقاومة؟
ـ أمتأكد من أن الكتابين قد دخلا إلى البلاد بطريقة مشروعة؟
ـ نعم.." ص78و79، هل يمكن أن نجد تدخلا سافر كهذا في العالم؟ حتى الكتب يتم التعرض لها بالمراقبة، وزجها إلى المحرقة، إن لم توافق مزاج رجل الأمن، هو يتحكم في كل شيء، له أن يمنع هذا الإنسان من الخروج من المخفر، وله أن يمنع هذا الكتاب من التداول، فهو الحاكم والمتحكم بكل شيء.

نعيم عبد الوهاب
شخصية رجل الأمن الفاسد والمفسد، الذي لا يتوانى عن اقتراف كل المحرمات والجرائم فقط لتحقيق مآربه الشخصية، يتاجر بأعراض الناس، يتعامل معهم وكأنهم عبيد، فهو يملكهم كما يملك الراعي أغنامه، من حقه أن يذبح هذه وان يترك تلك، يتعامل بانتهازية مع المقامات الأعلى منه، يستخدم كافة السبل للوصول لغاياته، يكشف لنا الكاتب عن أربع علاقات نسائية قام بها نعيم، الأولى كانت مع "جولييت" التي تزوجها ثم تركها، والثانية مع "عفاف" ابنه عبد الدايم النماس، التي تعامل معها على أنها متاحة له متى أراد، والثالثة "سهام" ابنة مهند عطا الله، والرابعة مع المرأة التي تزوجها لمصلحة شخصيا وليس حبا بها، هذا ما كشفه لنا الكاتب، مضافا تلك العلاقات الغابرة التي يقوم بها إثناء قيامه بمهام عمله.
لقد جعل الكاتب من هذه الشخصية محرك رئيسي لأحداث الرواية، "... فبات من السهل عليه النيل منها وطره... وبعد فوات الأوان أدركت انه مسلم، ولكن ذلك لم يردعها عن الضغط عليه للزواج منها حتى لو اضطرت لإشهار إسلامها... فإن ما بات يهمها هو أن ترتق ما أفسده وأفسدت.. ويبدو انه ملها سريعا، فأدركت ـ بعد فوات الأوان ـ انه ليس رجل زواج، وإنما "ملقاط" يفتقر إلى الكثير من القيم،... وهناك تزوج من أخرى من إحدى العائلات القريبة من سدة السلطة ليقوي بها مركزه" ص100، صورة شخص وصولي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، يتعامل مع النساء كمتاع أو كوسيلة للوصول إلى ما هو اكبر وابعد، لا يقدر تضحياتهن، فهن في نظره مجرد أدوات لتفريغ الشهوة، كأس يشرب منه، ثم يلقيه أرضا، ويمكن أن يكسره، فهو السيد وهن الجواري، يكذب ولا يبوح بالحقيقة، هكذا تعامل مع جولييت.
أما عفاف ابنة عبد الدايم النماس، فكانت أكثر سهولة من جولييت، فوالدها كان مخصي، وخاضع "لنعيم" الذي استسهل الوصول إليها، كما أن زوجته "أم منير" كانت قد شاركته في عملية ترويض البنت وتهيئتها "لنعيم" فكانت تمثل حالة المرأة التي تعيش في مجتمع ذكوري بامتياز، لكن وجود الأستاذ "عادل" وتصرفه الذكي استطاع أن يزوجها "لمصطفى" بعد أن تم اكتشافه بالجرم المشهود معها وفي غرفة "عادل".
يحاول نعيم إقامة علاقة محرمة مع عفاف بعد تزوجها من مصطفى، يخاف عبد الدايم أن تنفضح البت، وينكشف المستور، يتدخل عادل ويرسل "منير" إلى عمان ليخبر زوجة نعيم ما يجري في طولكرم، وهناك يتم الاتفاق على نقله من طولكرم إلى عمان، وان يخرج من جهاز المخابرات والأمن إلى دائرة السير،
"ـ ماذا افعل مع نعيم عبد الوهاب؟ إنه يسعى لإعادة علاقته بعفاف بعد أن قلنا :الله ستر عليها.. ويطلب مني بوقاحة أن أسهل مهمته" ص166، إذن رجل شبق لا يعرف إلاً ولا ذمة، ولا ما هو حرام.
والعلاقة الثالثة كانت مع سهام ابنة مهند عطا الله، المتنفذ عند السلطة، يحاول الني
منها بعد أن مهد طريقه بالكذب والكلام المعسول، لكن تورط "نعيم" مع أكثر من امرأة ومحاولته الاعتداء وبالإكراه على عفاف، جعل البناء الذي أقامه على الكذب والوعود الوهمية ينهار بسرعة كبيرة، يقوم نعيم بكشف حقيقة "نعيم" لسهام لكي لا تقع في حباله، وعندها تبدأ عملية الانهيار تتسارع أكثر وأكثر، "ـ هل تعلمين أن نعيم عبد الوهاب متزوج؟
... ـ يبدو أن زوجته لم تطق بعده، فهي تبذل المستحيل حتى ينقل إلى عمان ثانية..
ـ أهي من عمان؟
ـ ومن أسرة لها وزنها هناك..
ـ أتعرفها
ـ لا
ـ لا بد أنها جميلة
ـ الذي اعرفه أنها غنية.. وإن لم تكن جميلة، فالمال والمركز يخلقان الجمال" ص178و179.
هكذا تم توضيح صورة "نعيم" الحقيقية، فهو يعد مسخا في سلوكه، وشيطانا في أساليبه، وانتهازيا في تفكيره، وهذه المكاشفة جعلته في أزمة حقيقية، أمام سهام ووالدها، وإمام زوجته ووالدها المتنفذ.
وهنا يسقط "نعيم" سقوطا مدويا، ويتم استدعائه إلى عمان بعد أن يعزل من عمله الأمني، وينقل إلى دائرة السير، " وعندما عاد إلى البيت، وجدت زوجته قد عادت فهم بتقبيلها، فنفرت منه وهي تقول:
ـ أنت تعلم بان الأمراض الجنسية منتشرة في هذه الأيام، فقبل أن تقربني عليك أن تجري بعض الفحوصات.. فمن يدري كم مرض علق بك من "رمرمتك" ص217، هنا يفقد "نعيم" احد أهم الركائز التي تسنده في حياته العملية، ثم يبدأ التخلي عنه إلى أن يتم تصفيته جسديا.

المرأة
في رواية "المهزوزون" يتناصف فيها المرأة والرجل الأدوار، فهناك"هلانه" التي يقابلها "مشعل الرمة" وهناك "جولييت وعفاف وسهام ورقية" اللواتي يقابلهن "مصطفى زوج عفاف، ومحمود، والشيخ سيعيد وأبو صالح" كما نجد الزوجة "أم منير" التي كانت أكثر ايجابية من زوجها عبد الدايم النماس.
وتقوم بدور المعلمة مثل "سهام ورقية" ومنهن من يقمن بعمل نضال ثوري كما هو الحال عند "جولييت وهيلانه" ومنهن من تقوم بدور الزوجة كما هو حال "أم منير".
فها هي أم محمود زوجة الشهيد الذي سقط في حرب 48 تقوم بتربة طفليها بكد وعرق، رغم أنها كانت تعيش في بحبوحة ونعيم قبل استشهاد زوجها، "وكيف باتت وطفليها دون معيل.
لقد كانت منعمة مرفهة إلى ابعد الحدود... وفجأة ضاع كل شيء، وفرض عليها الجوع والحرمان والتشرد، وكان من السهل على امرأة عاشت ظروفها أن تلين قناتها، ولكنها انقلبت فجأة وقررت أن تقوم بدور الأم والأب معا" ص45 و46، هي المرأة العربية الفلسطينية التي تتكيف مع الظروف، وتقوم بدورها بكل إتقان ودون تردد.
يقدم لنا الكاتب صورة المرأة التي تنتصر على ذاتها قبل أن تنتصر على واقعها، "جولييت" تمثل هذه المرأة التي تركت الانتقام لنفسها من "نعيم" لكي تنتقم لشعبها، "ولبعض الوقت فكرت بخيانة الانتقام منه، وقد كان سهلا عليها لولا أن من الله عليها بلقاء إحدى الصديقات القديمات، واخذت بيدها.. .. وكيف أنهما كانتا لا تتركان مظاهرة إلا وشاركتا بها .. وذات يوم فوجئت جولييت بصديقتها تعرض عليها الانضمام للمقاومة" ص100، المرأة تتفوق على الرجل، اقتصاديا ونضاليا، تتغلب على نفسها، لكي تتقدم إلى شعبها، تضحي بهمومها لصالح الوطن، فأيهما أعظم عطاء، المرأة أم الرجل؟ .
رقية التي يتقدم عادل لخطبتها تتحدث معه ممتلكة ومسيطرة لزمام أمرها، تعرف ما تريد، ولا تقدم على عمل، ـ رغم أن غريزتها تدفعها لقبوله ـ إلا بعد أن تفكر مليا فيه، " ـ ما عنيت شيئا مما قلت، فقط، أريد التريث حتى لا نقع في أي مطب" ص162، المرأة أكثر كياسة من الرجل، فهي تفكر بعقلها وتستبعد عاطفتها، لا تريد أن تقدم على أمر دون التفكير فيه.
سهام المتحررة والتي تبحث عن شهوتها والانتصار على رقية تتحدث بحرية مطلقة، تتجاوز العرف والعادة، تكسر الرجولة في عادل، الذي يكون محافظا، خجولا أمام جراءتها "ـ لا احد في المنزل إلا أنا وأنت .. و ..
ـ من؟
ـ على رأيهم.. الشيطان..
وهم بالنهوض عن مقعدة...
ـ أأنا مخيفة إلى هذه الدرجة؟
ـ أراك كاسية عارية.. وأعصابي لا تحتمل هذا لأني لم أعتده من قبل...
ـ إن كان ما يخيفك هو لباسي، أغيره." ص256، رغم وجود مفاهيم المجتمع المحافظة اتجاه المرأة نجد التمرد من سهام، والثورة على كل ما يتعلق بالمرأة، هي هنا تتجاوز مسألة العفة والشرف، لا تريد أن تبقى ضمن المفاهيم الاجتماعية السائدة، فكما تمردت "جولييت" على واقعها من خلال انخراطها في المقاومة المسلحة، نجد "سهام" تقوم بعين التمرد، لكن بشكل مغاير، يأخذ الطابع الشخصي، لكنه يبقى تمرد، فكلا من جولييت وسهام شكل خاص للتمرد.
ويقدم لنا عبد الله البيتاوي شكلا آخر لتمرد المرأة المتزوجة، والتي لم تكن إلا مطيعة بما يأمر به الذكر، وراضية بنصيبها من الحياة، لكنها حين تصل الأمور إلى حد معين، نجدها تتقدم على الرجل، تكون هي المبادرة للرفض والتمرد على الواقع، وتكون على استعداد عن التخلي عن رجلها في سبيل إحقاق الحق وأزالت الظلم، "ـ لقد أردت التأكد إن كان يروي نهمي.. "أختفوه" ... على هيك رجال..
ـ إلى متى تستمر سخريتك مني؟
ـ إلى أن تكون رجلا..
ـ ألست رجلا يا ابنه العكروت؟
ـ بمحاولتك المستمرة لبيعي وبيع ابنتك.. إنك لا تستحق حتى نظرة قرف من أية امرأة" ص265، بهذا الشكل تم وضع حد الانزلاق وخنوع "عبد الدايم النماس" الفرق بين زوجته "أم منير" وبينه، انه ساكن لا يتحرك، رغم تغير الظروف وخطورة الأمر، بينما هي استوعب الأمر، فوجب التغير والانتقال من متلقي وتابع إلى متغير وفاعل.

الأسرة
عبد الله البيتاوي عمل على تجاهل القبلية والعشيرة، فالنص الروائي كان يتحدث عن الإنسان دون أن يتحامل على هذه الأسرة أو تلك، فكانت عائلة "عبد الدايم النماس" تتكون من الأب والأم ومنير وعفاف" ومع هذا أن عفاف كانت ضحية السلوك المزري لوأدها المخصي فعليا وفكريا معا، فلا مجال لتحميلها فوق طاقتها في ظل وجود مجتمع ذكوري لا يرحم النساء، إلا أن منير كان يشكل انقلابا على هذا الأب وسلوكه، فقام بجلب الرايات وليافطات لكي يجهز لمظاهرة، كما نجد ثورته الشخصية على والده وعلى "نعيم عبد الوهاب" عندما هم ليقتله، لولا تدخل الأستاذ "عادل" الذي قدم مقترحا قاتلا "لنعيم" عندما طلب منه الذهاب إلى زوجته في عمان، ويخبرها بما يقوم به من أعمال. فهنا لم يكن الأب ـ الذي من المفترض أن يورث سلوكه السيئ للابن ـ قادر على السيطرة على منير الذي يعد شخصية تتناقض تماما مع الأب إن كان في التفكير أو السلوك.
حزب التحرير
الكاتب قدم لنا صورة ايجابية عن حزب التحرير من خلال الشيخ سعيد ورقية، فهو حزب ضد النظام، له منطلقات فكرية إسلامية، يأخذ العصر والمعاصرة في الحسبان، يقدم أفكارا حديثة عن المرأة، فنعتقد بان أهم مسالة طرحها الكاتب موقف الحزب من المرأة، فمن خلال رقية، نجد الحزب استطاع أن يربي نساء عصريات، منفتحات فكريا، يعامل كإنسان له احترمه، وليس كشيء زايد عن الحاجة."ـ لم لا تستمعين بحديثنا؟
ـ قد يكون حديثا خاصا..
ـ إن لحزب التحرير رأيا جريئا في قضية المرأة ، تعتبره كل الجماعات الإسلامية رأيا متطرفا، ذلك بأنهم أباحوا لها حق عضوية مجلس الشورى..
ـ فقالت رقية في تردد
ـ أليست المرأة نصف المجتمع؟
ـ ... ما دامت ملتزمة بقواعد الإسلام، من حقها أن تكون حيث تؤهلها قدراتها " ص124، إذن الحزب تقدم مفهوما متقدما للمرأة، هي موازية للرجل في القيادة، ولم تعد "ناقصة عقل ودين" كما يشاع من الأطراف الدينية المتخلفة.
يقدم الشيخ سعيد على تفجير الأنثى في ابنته "رقية أمام عادل، لكي يجعله يوقن بأنه أمام امرأة مفعمة بالعاطفة والأنوثة، وأيضا تشع جمالا وأناقة، وتتسم بالعلم والمعرفة والاتزان، " ـ أنت تعلمين بأنه لا يوجد احد لي سواك، أردت فقط أن تعرفي مع من تتعاملين، ولثقتي من انك تفكرين بعادل كما أفكر أنا به، أردت أن يراك على حقيقتك.. امرأة رقيقة قد تجرحك كلمة عادية، ربما بدت للبعض تافهة.. وقد تفرحك كلمة، قد يراها البعض أيضا تافهة.. امرأة تصلح أن تكون أما بكل المقاييس، لأنني أنشأتها لتكون كذلك" ص176، هنا تعامل الشيخ سعيد مع ابنته كما أنها شيء ثمين ونادر، لا يعرف جوهره سواه، فأراد أن يظهره ويقدمه لشخص عزيز عليه، هو عادل، الشيخ يفكر به، بمصلحته كما يفكر بمصلحة ابنته "رقية" من هنا يريد أن يقرب بينهما، وان يجمعهما معا، كحبيبين وصديقين وزوج وزوجة.
موقف يحسب للحزب الذي يتجاوز كل المفاهيم المتخلفة عن المرأة والرجل، يقوم الشيخ سعيد بتحطيم فكرة المجتمع عن المرأة عندما يخطب "عادل" لابنته "رقية" "... والآن ألا تعدين العشاء لي ولخطيبك؟
فإذا كانت رقية قد أربكتها المفاجأة وهزتها، وتلعثمت الكلمات في حلقها، فإن المفاجأة كانت أعمق في نفس عادل الذي حار ماذا يقول أو يفعل.. ولم يسعفه إلا صوت الشيخ سعيد وهو يقول:
ـ إنهم يقولون السعيد من يخطب لابنته..
ـ وأنا سعيد بهذا الشرف" ص177، أهمية هذا الموقف انه لم يقدم نظرة دينية المتحررة وحسب، بل قام بنسف تقليد اجتماعي، من الصعب جدا اختراقه أو المس به، فهو الحصن الحصين، يمكن للمجتمع أن يغفر زلة دينية، لكنه لا يمكن إن يغفر اخترق للعرف أو العادة، وهنا يكمن أهمية الموقف التقدمي اتجاه المرأة أولا، وتجاوز العرف لاجتماعي وتخطيه بهذا الموقف الثوري من الشيخ سعيد.
الشيوعي
تتحدث للرواية عن زمن الفكر الاشتراكي والقومي، فهما من كانا في مواجهة الأنظمة، وهما من عملا على وضع الأسس الفكرية التحررية والقومية في المجتمع، من هنا كان الشيوعيين يمثلون حالة نضالية، يتعرضون للاضطهاد والقمع بأشد أشكاله، ومن إحدى أشكال الاضطهاد التي تعرضوا لها، تشويه النظام والجماعات الدينية السياسية فكرة الاشتراكية، ونسب الإلحاد بها، وعدم تلاقيهم مع الدين، وانحلالهم الخلقي، فهم ـ حسب إدعاء النظام ورجال الدين السياسي ـ يتعاملون كالبهائم مع النساء، بشكل مشاع، من حق أي رجل أن يضاجع أي امرأة، "ـ ... لقد تحدثت كثيرا عن النساء .. فما رأيك بعشرتهن؟
ـ لم أجربها..
ـ يا رجل ... أتريد أن تقول لي بأنك لم تخبرهن؟ أيمكن أن يكون مثلك "خاما"؟ الذي اعرفه هو أن شباب اليوم يسدون حاجاتهم من هنا وهناك..
ـ فقال عادل في امتعاض :
ـ أعوذ بالله، حرام. يملأ بطنا ولا يقضي وطرا..
ـ من يسمعك يطن انك متدينا لا كما يقولون : شيوعيا.." ص41، هذا الحوار الذي دار بين مصطفي، المنغمس في الرذئلة ـ الأخلاقية والآمنة ـ وبين عادل المتزن فكريا ومسلكيا. فصورة الشيوعي عند الناس لم تكن إلا تلك التي رسمها لهم النظام، سلبية، دينيا وأخلاقيا.
لكنها من وجهة نظر المثقفين والثوريين تعد الشيوعية فكرة نبيلة، وليس باستطاعة الكل الوصول إلى هذا الفكر، فهو مخصص للنخب فقط، "ولكنه يتجمل بالشيوعية... هل أصبحت الشيوعية تمثل حلم الصفوة؟ كل ما يعرفه أن الشيوعية استطاعت أن تجذب اهتمام بعض من الطبقة الكادحة المطحونة بعد أن غذت حلمهم بالانتقال من القاع إلى القمة .. ربما حلم القوة والجبروت .. ولكنه بالتأكيد ليس حلم الانفلات الأخلاقي الذي يبحث عنه مصطفى وهبي" ص88، هذا الكلام جاء على لسان "عادل" فهو يعطي حقيقة الفكر الاشتراكي، الذي يسعى إلى تحقيق العادلة الاجتماعية، كما انه يوضح بان الفكر الشيوعي بعيد جدا عندما يشاع عنه بأنه إباحي فهو فكر أخلاقي يحافظ على المفاهيم الاجتماعية والأخلاقية السائدة في المجتمع.
"فتح"
هذه الحركة الفتية استطاعت أن تلهب حماس المواطنين، وان تجعلهم يعيدوا النظر بل ما يجري على الساحة الفلسطينية من مهاترات سياسية، فكل الخطب والكلمات الرنانة لم تفعل شيئا لفلسطين، من هنا كانت حركة "فتح" تشكل الأمل الذي يمكن أن يحقق شيئا على أرضا الواقع، "ـ لقد سمعت وأنا بالجفر بأنهم قد فتحوا باب التطوع لجيش التحير في القدس...
ـ أنا لا اعني الشقيري وجيشه.. فهم لا يجيدون إلا الكلام.. أريد الانضمام لفتح... فلقد ارهقوا الصهاينة من منطقة الخليل وأجبروهم على القيام بعملية السموع .. أريد من يتحرك لا من يقعد ليتحدث" ص50، هذا الصورة التي قدمها "عبد الدايم النماس" تظهر حقيقية توجه الشارع الفلسطيني، فقد شبع من الخطب الرنانة، والكلام المنمق، ويرد عملا، من هنا كانت "فتح" هي الجهة الأكثر فاعلية على ارض الواقع.
الإخوان المسلمين
الإخوان لهم تاريخهم أيضا ودورهم في فلسطين، فهم يسرحون ويمرحون في حضن النظام كيفما شاءوا، هم الجهة الوحيدة التي تدعي السياسة وتعمل بالعلن، وتدعم من النظام، "حسن البنا طالب بتطبيق الأحكام الإسلامية، أضف إلى أنهم جماعة أو جمعية وليسوا حزبا.. ونشاطهم يقتصر على ما تبثه لهم الدولة من دعم.. والجمعيات ـ كما تعلم ويعلم الجميع ـ خاضعة في نشاطها لرقابة وزارة الشؤون الاجتماعية..." ص123ن هكذا كان دور جماعة الإخوان المسلمين، الجميع يعمل لفلسطين وهم يعملون لصالح الدين، دين ليس له علاقة بفلسطين ولا بالفلسطيني، دين سماوي خارج الجغرافيا، يأخذون الدعم من الدولة الرشيدة! يقومون بأحسن مهمة، خدمة الدين!.
الأب
العديد من الكتاب عندما تحدثوا عن القمع السياسي في بلدانهم تحدثوا أيضا عن قمع الأب، فالأب يماثل النظام بقمعه لأولاده، فلا يرحمهم، ويمارس سادية كسادية النظام على الشعب، "عبد الدايم النماس" يمثل صورة الأب المخبر القمعي الذي لا يرحم، فهو جزء من جهاز الأمن، ويجتمع فيه صفة القمع والتخلف معا، "ـ هذه آخرة الدلع وقلة الحياء.. "العكروت" يريد أن يخرب بيتي في جريانه وراء الصيع..
... ـ أهناك أب يفعل بفلذة كبده ما فعلته يا رجل؟
ـ ليمت في ألف داهية.. .. لم يجد مكانا يكتب به خراب البيوت إلا في داري..
ـ واقترب من منير الذي كان يعاني من الأم مبرحة ن وقال:
ـ تحرك أم بك كسور..؟" ص126 و127، سلطة الأب القمعية تتوازى مع سلطة النظام، فكلاهما يعمل العجائب.

البهول والصعلوك
شخصية "مشعل الرمة وهيلانه" يقدمهما الكاتب على أنهم يمثلان الثورة ليس على النظام وحسب بل على المجتمع أيضا، فهما يظهران التشرد والتزهد، ويرتديان الأسمال البالية، فهما بشكلهما يحاربان مفاهيم المجتمع التي تهتم بالمظاهر فقط، وهذا يعد أمرا ايجابيا، كما أنهما يقومان بعمل يألف بين الناس، فهما من قاما بإثارة موضوع الجمع بين "عادل ورقية" كما أنهما يقومان بمناهضة النظام وأدواته القمعية، دون أن يثيرا الشكوك حولهما، "وبعد النكبة كاد يفقد إيمانه بكل شيء في الحياة. فلوجوه مع المقاتلين استطاع أن يقف على حقائق كثيرة في غاية الأهمية.. جيوش تنسحب دون مبرر.. أسلحة فاسدة .. مواقع كثيرة بحاجة إلى دعم بسيط كي تستطيع الصمود، لكن لا حياة لمن تنادي... فمشعل لم يكن يخسر بالقمار إجمالا.. بل أن أكثر من بيت مستور كان مشعل يزوده بالمؤونة أسبوعيا دون إن يشعر به احد، وبصراحة فقد اختار مشعل ذلك الطريق ليكون ساترا له" ص152، شخصية تبدوا شكلا مستهترة، تافه، خرجت من المجتمع، بعد أن أفسدها اللعب بالقمار، وترك الزوجة والأولاد، لكن مشعل يتحمل كل هذا الصفات السلبية فقط من اجل الناس والوطن، "فمشعل" وهيلانه يمثلان العطاء والمتناهي للناس ونكران الذات في سبيل القضية.
الكتاب والأدباء
كل كاتب يقدم في عمله الأدبي للقارئ مجموعة من الكتب والأدباء، داعيا المتلقي لتناولها والنهل منها، عبد الله البيتاوي قدم لنا مجموعة من هؤلاء الكتاب وتلك الكتب، ففي الصفحة 88 و89 يقتبس مباشرة من كتاب غسان كنفاني " أدب المقاومة في فلسطين المحتلة، ويقدم لنا مجموعة كتب في هذا الفقرة "فقد قرأت كتب الفلسفة الإسلامية.. وقرأت رسائل إخوان الصفا كما قرأت "المجالس المؤيدية" لبهية الله السيرازي .. في ذات الوقت الذي قرأت فيه ابن تيمية وابن عبد الوهاب، وحسن البنا وسيد قطب، كما قرأت ماركس وسارتر وولسون.. فما وقع بين يدي كتاب إلا قرأته" ص114، تكمن أهمية هذه الكتب والكتاب هو تباينها التفكير والمنهجي، فكلا منهم طريقه الخاص في التفكير، وهذه إشارة إلى النهل من كافة المعارف والأفكار دون استثناء، فكلا منها ايجابيات، وما علينا إلا التعرف عليها، كما أنها تمنحنا الانفتاح الفكري على كل ما هو أنساني.
الكتابة موضوع آخر يتجاوز القراءة، فهي بحاجة إلى العديد من العناصر لكي يستطيع الإنسان أن يقدم ما هو جديد، فيصفها لنا عبد الله البيتاوي : "وما أن اسند سن القلم إلى رأس الصفحة البيضاء الأولى، حتى تدفقت العبارات والأفكار فجرى القلم بين يديه لاهثا، يسابق الأفكار التي كانت تنهمر من رأسه كوابل ودق، وقد أمضى أكثر من ساعتين، وهو يحبر الورقة تلو الورقة بالأفكار، ويرسم الصور بالكلمات المتوهجة تارة، والباردة الفاترة تارة أخرى ... ولم يعده إلى دنيا الواقع إلا صوت رقية وهي تقول بصوت عذب مؤنس:
ـ أهكذا تأخذك الكتابة من عالم الواقع" ص232، نجد هنا دعوة ـ غير مباشرة ـ للقارئ لكي يهتم بما يكتب، فالكتابة فعل متقدم، وبحاجة إلى بذل مجهود خاص ومميز من الكاتب.

عبد الناصر
أعقد بان عبد الناصر يعد أهم شخصية عربية في القرن الماضي، فنكاد لا نجد حديثا عن العرب أو الاستعمار إلا كان عبد الناصر حاضرا، ومن من حديث عن الحرية والوحدة إلا ويتم الاستشهاد بعد الناصر، وما من حديث عن الهزيمة والتقهقر العربي إلا وكان عبد الناصر له نصيب منه، بهذه الإشكالية كان عبد الناصر عند المواطن العربي الفلسطيني، " ـ ما كان أن يحدث هذا كله لولا ثورة يوليو..
.. حيث قال بسخرية:
ـ لم يبقى إلا أن تصلوا لعبد الناصر
ـ الصلاة لله وحده، لكن هذا لا يعني أن نغمط الرجل حقه..
ـ الغريب أن الناس يحسنون النظر لما ينسب للرجل في الخارج، ولكنهم يغفلون عيونهم، عما يفعله بشعبه وأبناء وطنه." ص62 و63، حقيقة عبد الناصر له ماله وعليه ما عليه، من هنا الكاتب استطاع أن يوصف لنا رأيا صائبا بهذه الإشكالية، فهو ليس قديس، كما انه ليس برجل عادي، أنه قائد وطني وقومي وأممي، وله أخطاء قاتلة، على صعيد العرب وفلسطين.
"ـ ألم تسأل نفسك: لماذا كل هذه الحملة الإعلامية على عبد الناصر لسماحه ببقاء قوات الطوارئ الدولية في مضائق تيران؟ إلا ترى بأنهم يدفعونه لاتخاذ قرار متسرع ليعطي لإسرائيل الضوء الأخضر لشن حرب وقائية كما يسمونها" ص247، إبراز بعض الجوانب التي واكبت عمل عبد الناصر، يؤكد حجم الخطر الذي كان يشكله هذا الرجل، فهو يعمل بكل جهد لتحقيق أهداف مصر والعرب، لكن...
"ـ كل الناس سعداء الآن ... ناصر خلع الدولية...
ـ عبد الناصر طرد قوات الطوارئ الدولية من سيناء وشرم الشيخ" ص269 و270، هذه البداية للحرب، الناس تفرح لأي عمل ضد الاحتلال، وما من حاكم عربي تجرأ على إعلان الحرب، لكن عبد الناصر لم يكن حاكما، بل قائد حقيقي، من هنا نجده يتجاوز الغرب، ويقوم بما تمليه عليه قناعته.
المشهد الأخير لعبد الناصر كان يتمثل في تأكيده على أهمية الحرب لتحرير العرب من كل ما هو استعماري "ملعون عبد الناصر ويومه.. فلقد نزع كل شيء من قلوبكم إلا التفكير في الحرب والدمار" ص275، الكاتب الجيد لا يقدم آراءه مباشرةً، بل يجعل الآخرين يتحدثون عنه، هذا ما فعله عبد الله البيتاوي عندما جعل شخوص روايته يتحدثون ـ سلبا وإيجابا ـ عن الحقبة الناصرية.

الأمثال والأقوال الشعبية

هناك كثر من أربعين قولا ومثالا الشعبيا تناولها الكاتب في رواية " المهزوزون" ونجد أن كافة الشخصيات تكلمت وتحدثت مستفيدة من التراث الشعبي الفلسطيني، "يا هارب من قضاي مالك رب سواي" ص24 "ـ ما دام في بيتي قط فلا تحسب حسابا للفئران والأفاعي.." ص27، "إن ضحكت البنت وبان نابها، ابطحها ولا تهابها" ص243، في المجمل نقول بان زخم الأمثال وحدة كافيا لتأكيد على فلسطينية الرواية، وهذا الأمر يحسب للكاتب، الذي استطاع أن يجمل كل هل الأمثال والأقوال وبقدمها لنا على لسان شخوص الرواية.
كلام في الحب
الحب مسألة انسانية، وكل من يقوم بفعل الحب هو إنسان، هناك مجموعة كبيرة من علاقات الحب تنشأ في الرواية، بيم جولييت ونعيم، بين عفاف ومصطفي، وبين عفاف وعادل، وبين سهام ونعيم، وبين رقية وعادل، من هنا كان لا بد من تقديم عبارات وجمل تصب في وعاء الحب، "ـ هل تعتقد أن الحب الحقيقي بحاجة إلى كلمات توثقه؟" ص259، "أريد أن أملأ عيني من جمالك الطبيعي" ص269، مثل هذه الكلمات تشير إلى العاطفة التي يكنها الحبيب لحبيبته.

قول بليغ
الرواية تضم العديد من الكلمات المختزلة، والتي تصل ببلاغتها إلى الحكم،"أنني بحاجة إلى عمر آخر حتى استطيع ترميم الخراب الذي حدث في داخلي" ص72، " إن الخوف المتقوقع في أعماقي يئد الجذوة في قلبي" ص102ن حالة الكآبة تفرض نفسها على الكاتب، فحاله كحال العديد من الذي يعانوا الاغتراب، رغم وجودهم في الوطن، فهنا تمثل العزلة والوحدة أهم العوامل التي تسيطر عليهم.
رائد الحواري



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -امام المرآة- فاروق مواسي
- من شعر معين بسيسو
- -عودة الروح- توفيق الحكيم
- الإبداع الفلسطيني
- -أودنيس وعشتروت- فؤاد الخشن
- الغباء العربي
- -آه يا بيروت- رشاد أبو شاور
- القبيلة والعشيرة وفلسطين
- حلم
- إلى الامام
- -تحت سماء الجليد- جاك لندن
- بيروت جمعتنا وغزة شتتنا
- -رواية جنون الأمل- عبد اللطيف اللعبي
- -بحيرة بين يديك-محمد عفيف الحسيني
- -ما وراء النهر- طه حسين
- الوحدة والتجزئة
- -سأكون بين اللوز- حسين البرغوثي
- خلط الاوراق
- في انتظار المخلص
- رواية -عين الدرج- عباس دويكات


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - رواية -المهزوزون- عبد الله البيتاوي