أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء السابع















المزيد.....

الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء السابع


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 4561 - 2014 / 9 / 1 - 21:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الزواج وحدة والتصاق

لن يستطيع القارئ فهم آلية الزواج في المسيحية ما لم يكن ملمّا باللاهوت المسيحي الذي صاغ هذه الفكرة بناء على علاقة الله بشعبه. فالله، كما أشرنا في المقالات السابقة من هذه السلسلة، يأخذ على امتداد صفحات العهد القديم (العهد الموسوي) دور الزوج الذي ارتبط بشعبه الارضي (اليهود) في علاقة متينة. لم تختلف الرؤيا المسيحية كثيرا في هذا الموضوع سوى أن المسيح أصبح العريس لكنيسته التي يطلق عليها صفة العروس والتي لم تعد محصورة على اليهود، بل تخطتهم لتشمل المؤمنين من كافة الشعوب والامم و الالسنة. وبذلك تكون المسيحية قد وضعت مثالا أعلى للزواج يرسم الأطر التي تحدد علاقة الرجل بالمرأة والدور الاجتاعي لكل منهما.

يبدأ مشوار الزواج مع قصة الخلق في الكتاب المقدس حيث خلق الله آدم ليكون رأس الخليقة في جنة عدن. ولما كان آدم وحيدا استحسن الله أن يخضعه لعملية جراحية حيث أنامه وأخذ أحد أضلاعه ليخلق منه امرأة أطلق عليها آدم اسم حواء. بغض النظر عن خرافية او صحة هذه القصة، إلّا أنها تحمل في طياتها معان عميقة تشرح فلسفة الكتاب المقدس في موضوع الزواج. كان الزواج الأول عبارة عن علاقة مقدسة بين رجل واحد وامرأة واحدة عبّر عنها آدم بالكلمات التالية "هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي هذه تدعى امرأة لأنها من امرإ أخذت." إذا، ما أن يرتبط الرجل بالمرأة حتى تذوب ثنائية الزوجين لصالح وحدانية مطلقة. و يضيف كاتب سفر التكوين "لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدا واحدا." (تكوين 2: 18-24).

أودّ أن أستوقف القارئ لحظة للتأمل معا بعبارة "لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدا واحدا." من المعروف أن الرضيع يرى نفسه جزأ من أمه. فهو لا يستطيع التخيل أنه قد يكون كينونة مستقلة عنها. وهو يبكي لبكائها و يفرح لفرحها ويتجاوب معها بشكل كامل. وما أن يبدأ الطفل بالنمو حتى يبدأ بتكوين شخصيته ولو بشكل بطيئ. وحتى عندما يبدأ بالنظر الى نفسه على انه كيان مستقل يستمر ارتباط الطفل بأمه بدرجات متفاوتة. فاليوم الدراسي الاول في حياة الطفل مشحون بالكثير من مشاعر القلق والخوف وعدم الارتياح. وقد يستمر هذا القلق لأيام، أسابيع وحتى سنين. والكثير من رواد دور الحضانة والمدرسة الابتدائية شاهدوا و سمعوا صراخ الاطفال وهم ينفصلون عن امهاتهم، وقد تكون الجملة الاكثر تردادا بين اولئك الاطفال "اريد امي، خذوني الى امي". لكن ما ان يتجاوز الشاب المرحلة الاعدادية والثانوية و الجامعية في حياته حتى يكون هذا الارتباط بين الشاب وأمه قد ضعف ليبدأ الشاب عندها بالبحث عن امرأة أخرى تملأ فراغ حياته ووحدته، فما أن يجد شريك الحياة حتى يترك أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا. وكأن دورة الحياة تعيد نفسها، فالرضيع الذي كان يرى نفسه جزأ من أمه أصبح رجلا واتحد مع امرأة أخرى ليكون الاثنان واحدا. من الملفت للنظر أن الكثير من الرجال والنساء نضجوا جسديا لكنهم لم ينضجوا نفسيا للانفصال عن أبويهما، فما كان منهم إلا أن استقدموا أباءهم وأمهاتهم الى حرم الزواج (أتكلم مجازيا وليس حرفيا) و حوّلوا وحدانية الزواج الى ثنائية وأحيانا ثلاثية ورباعية شملت الأهل والأقارب مما أدّى الى شد الحبال في اتجاهات مختلفة وسقوط هذا الصرح الكبير الذي هوالزواج.

فلنأخذ على سبيل المثال "حازم". توفيّ أبوه وهو رضيع. أصبحت أمه بالنسبة له الأب والأم. أحبها حبا جما. كبر حازم وهو عازم على إرضاء أمه مهما كان الثمن. شبّ حازم وعزم على الزواج. كان لأمه دور رئيسي في اختيار العروس. أحبت سهام حازم و أعجبت باحترامه لأمه ورأت في هذا الاحترام سمة لما يمكن أن تكون العلاقة عليه بينهما. تزوج حازم وسهام. مضى شهر العسل على خير مع أن أم حازم كانت الغائب الحاضر في هذه العلاقة. تبيّن مع الزمن لسهام أن حازم خرج من البيت الابوي وأدخل أمه معه إلى البيت الزوجي. كان لأم حازم القول الفصل في شؤون البيت مع أنها كانت تسكن في بيتها المستقل. ابتدأ شد الحبال بين أم حازم وسهام فيما كان حازم يتأرجح بين الحياد المدمر و الطاعة لأمه. لم يمض وقت طويل حتى فسخت العلاقة بين سهام وحازم الذي عاد الى احضان أمه. كانت مشكلة حازم أنه لم يترك أمه (مجازيا) ليلتصق بامرأته.

راغدة مثال آخر. تقدم سعيد لخطبتها. كل من عرفهما قال عنهما "طنجرة ولقت غطاها". كان مستواهما العلمي والثقافي والاجتماعي متشابها. اتفقا على التفاصيل الصغرى والكبرى في علاقتهما. حان موعد الزواج. كان سعيد يؤمن ببساطة المراسيم التي تنسجمم مع وضعة الاجتماعي فيما دخل أهل راغدة على الخط بقوة يطالبون بعرس ملوكي لا ينسجم مع مكانتهم الاجتماعية. وقفت راغدة على الحياد المدمر. تم الزواج بالقدر الأقل من الخسائر وكان سعيد يمنّي نفسه أنه سوف يستميل راغدة إليه ما أن تستقل عن أهلها.

بدت السنوات الاولى هادئة في حياة سعيد وراغدة وأثمرت علاقتهما عن ثلاثة أطفال. دخلت أم راغدة بمساندة أبيها الى المنزل الزوجي من خلال راغدة. قالت لابنتها أنها ظلمت من زواجها بسعيد الذي لم يوفر لها المستوى المطلوب من الرغد والراحة. فهو (أي سعيد) لا يغدو كونه موظفا عاديا وليس على غرار زوج ابنة خالتها المسؤول الكبير. والبيت الذي يسكنون فيه وضيع ولا يشبه بأي شكل من الأشكال قصر ابنة عمها. ودخل الزوج محدود بالمقارنة مع دخل زوج اختها الشاطر بالتجارة. والسيارة التي يمتلكونها ليست أحدث موديل ولا تليق بها. كما أنهما نادرا ما يغادران القرية للاستجمام مثل صديقتها عليا. ناهيك عن أن معظم "ستات" الضيعة، بحسب تعبير أم راغدة، لديهن خادمات بعكس راغدة التي تكنس وتغسل وتنفخ طول النهار. ابتدأت المشاكل تطفو على سطح العلاقة الزوجية بين سعيد من جهة وراغدة وأمها الغائب الحاضر من جهة أخرى. ابتدأت الأصوات تعلو. امتزج نكد راغدة بصراخ سعيد ببكاء الأطفال الثلاثة. صار سعيد يكره جو البيت مما دفعه الى إمضاء وقت اطول مع الاصحاب. ازدادت المشاكل وذات يوم عاد سعيد الى البيت وفي يده جواز سفر الى بلد اوروبي وقال لزوجته "أو أنا أو أهلك. قدامك 24 ساعة يا بتمشي معي يا بتبقي هون." سافرت راغدة مع سعيد وهدأت المشاكل مع أنهما كانا يعيشان في منزل أصغر من منزلهما وكان سعيد يعمل في مهنة أكثر وضاعة من مهنته الرئيسية. لكن ما أن مضى على هجرتهما سنتين حتى وصله اتصال من حماته تقول فيه "صهري اشتقنالكم. الحياة بعيد عنكم مش حلوة. إنت بتعرف أوضاع البلد صعبة ونحن ان الله راد جايين لعندكم."

أريد التوقف هنا عن التأمل في كلمة "يترك الرجل أباه و أمه" لكي أدعو القارئ للتأمل بمعنى كلمة "يلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا". خذ على سبيل المثال طفلا سكب سهوا مادة لاصقة على أوراق كتابه. نام الطفل وجفت المادة اللاصقة وعندما قام صباحا،حاول فصل الاوراق عن بعضها دون جدوى. قام بمحاولة أخيرة، أمسك بطرف كل من الورقتين المتلاصقتين وحاول نزع واحدتهما عن الاخرى، فما كان منه إلا أن مزق الورقتين الى أجزاء بقي بعضها لاصقا فيما تحررت غيرها. كذلك الزواج، لا يستطيع امرأ التفلت منه دون إلحاق الأذى بأحد الطرفين وغالبا بكل من الطرفين إضافة للأولاد. كنت وما زلت خلال رحلتي الاجتماعية والمهنية في هذه الحياة شاهدا على الكثير من حالات الطلاق ورأيت تأثيرها السلبي على كل من الطرفين وخاصة الاولاد.

بغض النظر عن إيمان القارئ أو عدم إيمانه بالكتاب المقدس أو صحته، إلا أنه لا يسعنا إلا أن نتعلم دروسا مهمة من قصة الخلق الاولى ألا وهي:
• الزواج هو مؤسسة إلهية يتحد فيها جسمان مختلفان عضويا و نفسيا وجسديا ليصبحا جسدا واحدا فيما بعد
• لا تستطيع أجزاء الجسد أن تختلف بينها على أهمية أو وظائف كل عضو من الأعضاء. بل لا بد أن تتعاون الأجزاء معا لصالح الجسد الواحد
• الزواج هو مسؤولية الزوجين بعيدا. و أي محاولة من الزوجين أو من الاهل لاختراق وحدة هذا البناء تشكل خطرا مباشرا وفعليا على مؤسسة الزواج
• الزواج هو التصاق وكل محاولة لفض هذا الالتصاق ينتج عنه شرخ و تمزق يؤثر في الزوجين وفي العائلة ككل



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أريد جارية شقراء، زرقاء العينين، طويلة القامة، روسية الجنسية ...
- يونس البلجيكي...يهجر مقاعد الدراسة
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزءالسادس
- نساء برسم البيع
- روبن وليامز، بسمة لطيفة و رحيل مأساوي
- عندما نعلّم أطفالنا قطع الرؤوس
- حكاية بطة
- و بعد النون يأتي دور الألِف
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الخامس
- زمن الجنون
- عتبي عليك يا حرف النون
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الرابع
- صلب انطوان حنا
- أثداء البقر فتنة
- داعشية تبني مجتمعا
- سيدي الخليفة
- أضرب يا عباس
- اضرب يا عباس
- إسمحي لي بقتلك لأنني بلا خطيئة
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الثالث


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء السابع