الفاشودمقراطية الاميركية تنتحر سياسيا وعسكريا في اوكرانيا

جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 4561 - 2014 / 9 / 1 - 21:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تتابع السلطة الفاشستية الموالية لاميركا في كييف، بواسطة القوات النظامية وغير النظامية، حربها الشرسة ضد السكان الروس والناطقين بالروسية في جنوب شرق اوكرانيا. وتتخذ الحرب طابع اجتياح خارجي كقوة احتلال اجنبية، تماما كما هي الحرب الاسرائيلية في غزة اليوم. فكل سكان جنوب شرق اوكرانيا هم، بالنسبة لسلطات كييف الفاشستية، "اعداء" و"ارهابيون" و"عملاء روس" و"اعداء للدمقراطية" الاميركية التي لم يعد يفصلها شيء عن الفاشستية والنازية الهتلرية.
المأساة الانسانية في جنوب شرق اوكرانيا
وطبقا لهذا المفهوم "الدمقراطي" الاميركي، الذي يشبه تماما المفهوم "الدمقراطي" التي قامت بموجبه اميركا وحلفاؤها بدعم وتمويل وتسليح وتغويل المنظمات الارهابية مدعية الاسلام كـ"النصرة" و"داعش" في سوريا ولبنان والعراق، فكل مجمع سكني، وكل سوق شعبي، وكل مستشفى، وكل مدرسة، وكل روضة اطفال، هي اهداف عسكرية للفاشست القدماء ـ الجدد في كييف، الذين يتمتعون بكامل الدعم الاميركي والناتوي والاتحاد اوروبوي. وتتم محاصرة المدن والبلدات والقرى، وقطع المياه والمحروقات والاغذية وحليب الاطفال والادوية عن ملايين السكان الروس والناطقين باللغة الروسية. ويتم القصف ليلا ونهارا بمدفعية الدبابات والمدفعية الميدانية والقذائف والقنابل والصواريخ الجوية، وحتى بالصواريخ الباليستية (القوسية) متوسطة المدى وبالفوسفور الابيض المحرم دوليا وغير المحرم اميركيا واسرائيليا وناتويا. ومنذ بداية المعارك في شهر نيسان الماضي الى الان سقط الوف القتلى بينهم عدد كبير من الاطفال (الارهابيين طبعا! لمجرد انهم ولدوا روسا)، وأضعافهم من الجرحى والمصابين والمعاقين.
وفي معمعان هذه المجزرة التي تستهدف ابادة المواطنين الروس في اوكرانيا والتي يندى لها جبين القرن الواحد والعشرين، ينسى الساسة والاعلاميون المباعون الاميركيون والاوروبيون الغربيون، انه لولا الشعب الروسي وتضحياته وبطولاته الاسطورية، لكانت اوروبا بأسرها واميركا واوستراليا وكندا تعيش حتى الان تحت جزمة النازية الالمانية.
وقد بلغ عدد المهجرين الذين دمرت بيوتهم ولم يعد لهم مأوى اكثر من مليون شخص، غادر القسم الاكبر منهم الى روسيا، حيث كانوا يستقبلون في مخيمات مؤقتة لبضعة ايام، ومن ثم يتم فرزهم الى مخيمات مجهزة للذين ينوون العودة الى اوكرانيا، في حين ان قسما كبيرا من اللاجئين الذين فقدوا بيوتهم او الذين لديهم اطفال كانوا يصرحون بعدم الرغبة في العودة الى اوكرانيا، ويطلبون الحصول على الجنسية الروسية، وهؤلاء يجري بناء لطلبهم منحهم الجنسية الروسية وتوزيعهم على مختلف المدن الروسية، من الاورال الى اقاصي سيبيريا، وتقديم مسكن للعائلة المعنية وتأمين العمل لافرادها وتنسيب الاطفال للمدارس.
وبنتيجة الحصار والقصف المتواصل، فقد ساءت جدا الاحوال المعيشية في المناطق المستهدفة، وبلغت حدود الكارثة الانسانية، حسب اعتراف منظمة الصليب الاحمر الدولي ذاتها.
المساعدات الانسانية الروسية خرق "للسيادة" الفاشستية
واما التلكؤ المقصود لما يسمى "المجتمع الدولي"، عمدت روسيا الى تنظيم ارسالية مساعدات انسانية الى سكان جنوب شرق اوكرانيا مؤلفة من 280 شاحنة تحمل اكثر من 2000 طن من المواد الغذائية ومياه الشرب والادوية والبطانيات. ولكن سلطات كييف عارضت ارسال هذه المساعدات بحجة "خرق السيادة الاوكرانية" وان الشاحنات تحتوي اسلحة ومقاتلين مرسلة الى الارهابيين. ولكن بعد ان قام ممثلو منظمة الصليب الاحمر الدولي ومراقبو منظمة الامن والتنمية الاوروبية ورجال الجمارك والمخابرات التابعين لسلطات كييف ذاتها بتفتيش الشاحنات بدقة، اضطرت سلطات كييف للموافقة على ارسال المساعدات، ولكنها اشترطت ان يتم تفريغ الشاحنات على الحدود واعادة تحميلها في شاحنات ترسلها السلطات الاوكرانية ذاتها كي تتولى هي "توزيعها!". وكان من الواضح ان سلطات كييف كانت تنوي المماطلة، والاستيلاء على المساعدات، وحرمان المحتاجين منها. ولكن القافلة الروسية اتجهت نحو المناطق المحاصرة برفقة مراقبي الصليب الاحمر الدولي، فاحتجت كييف بأن موسكو تخرق "السيادة الوطنية" لاوكرانيا، وبدأ القصف واطلاق النار حول وفي طريق الشاحنات لارهاب السائقين واجبارهم على الانسحاب. وتطوعت السيدة المحترمة انجيلا ميركيل المستشارة الالمانية ذاتها، لدعم الموقف "السيادي" لكييف، والتهديد بفرض عقوبات جديدة على موسكو لتجرؤها على "عدم التعاون" مع الغرب "المتحضر" جدا، في ترك السكان الروس في جنوب شرق اوكرانيا يموتون من الجوع والعطش وفقدان الادوية، اذا لم يموتوا من القصف ضد السكان المدنيين. ومن الطبيعي جدا ان تحظى روسيا بغضب "الدمقراطية" الغربية، خلافا للدول العربية التي تركت وتترك الشعب الفلسطيني في غزة تحت رحمة الحصار والقصف الوحشي لاسرائيل.
وقد انطلقت جوقة نباح اعلامية وسياسية غربية مسعورة ضد قيام موسكو بمساعدة المناطق المنكوبة في شرق وجنوب اوكرانيا، مما يفضح تماما ادعاءات الغرب حول حقوق الانسان والدمقراطية وما اشبه.
فشل العدوان الفاشستي
ولكن سلطة كييف الفاشستية الموالية لاميركا "نجحت" نجاحا تاما في الظهور بمظهر قوة عدوانية خارجية ضد جماهير الشعب الاوكراني الذي تدعي انها تمثله، وفي الوقت ذاته فشلت فشلا ذريعا في كسر شوكة الجماهير الشعبية في جنوب شرق البلاد ودفع قوات الدفاع الشعبي الذاتي الى الاستسلام والقاء السلاح. بل على العكس تماما، فإن المقاومة الشعبية المسلحة تشتد وتتوسع، بالرغم من الحصار التجويعي والقصف الوحشي. وقد نجحت المقاومة الشعبية في تشتيت الكثير من الوحدات العسكرية النظامية وغير النظامية لكييف، واضطر مئات الجنود النظاميين الاوكرانيين للفرار باتجاه الاراضي الروسية ذاتها، حيث القوا سلاحهم واعلنوا عن عدم رغبتهم في مقاتلة شعبهم، وطلب المئات منهم اللجوء السياسي في روسيا. وتحاصر الان قوات المقاومة الشعبية في اقليم دونيتسك الثائر اكثر من 5000 جندي اوكراني وتشدد الخناق عليهم وتطالبهم بالاستسلام.
الفاشست "يحتفلون" بتدمير اوكرانيا
ولتغطية فشلها السياسي والعسكري، قامت سلطة كييف الفاشستية بتنظيم استعراض عسكري في العاصمة، احتفالا بما سمته "عيد الاستقلال" الـ23، اي انفصال اوكرانيا عن روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991. وقد شارك في الاستعراض حوالى 1500 جندي من القوات المسلحة وقوات الامن الاوكرانية، بما فيها وحدات من القوات المشاركة في العملية العسكرية ضد سكان جنوب شرق اوكرانيا. وجرى الاستعراض برعاية الرئيس بيترو بوروشينكو الذي تم انتخابه بعد الانقلاب الفاشستي في اوكرانيا.
بعث الفاشستية بمباركة اميركا
وقام التنظيم الفاشستي المسمى "القطاع الايمن" بتوزيع اوسمة على المقاتلين ضد سكان جنوب شرق اوكرانيا، مأخوذة عن أوسمة النازيين الاوكرانيين الذين قاتلوا الى جانب القوات الهتلرية في الحرب العالمية الثانية. وتجري محاولات محمومة لشرعنة التنظيمات الفاشستية الموروثة من زمن هتلر. وارتفعت اصوات تطالب بإعادة رفات ستيبان بانديرا، المدفون في ميونيخ بألمانيا، واعادة دفنه كـ"بطل قومي" في اوكرانيا. وستيبان بانديرا هو زعيم النازيين الاوكرانيين الذين قاتلوا ضد الجيش الاحمر الى جانب الهتلريين، وارتكبوا مجازر ضد السكان في اوكرانيا وبيلوروسيا وبولونيا.
بوروشينكو ينفخ عضلاته
وقد تعرض الاستعراض لانتقادات كثيرة داخل وخارج اوكرانيا، لانه جرى على خلفية الحملة العسكرية واراقة الدماء على اساس عنصري ضد السكان الروس في جنوب شرق اوكرانيا. ولكن في الكلمة التي القاها في الاستعراض، وعد بوروشينكو انه في خلال السنتين القادمتين سيتم انفاق 2،2 ملياري يورو من اجل اعادة تسليح الجيش، الذي يحارب منذ 4 اشهر ضد سكان مناطق جنوب شرق اوكرانيا التي تعتبر المناطق الاغنى والمناطق الصناعية في اوكرانيا، من اجل اخضاعها واجبارها على القبول بما يسمى "الخيار الاوروبي". وحسب كلمات بوروشينكو سيتم لاجل الجيش "شراء طائرات وهليكوبترات وسفن وزوارق حربية، وهذه مجرد بداية متواضعة" كما ذكرت وكالة ايتار ـ تاس. وتوجه نحو العسكريين بالقول "ان الحرب التي يخوضونها هي حرب من اجل الاستقلال". واضاف ان الازمة الاوكرانية "تهدد ليس فقط الاستقرار الاوروبي، بل والاستقرار العالمي ايضا". وادعى انه يؤيد الحل السلمي للازمة، ولكن الحل الذي يضمن "سيادة" و"سلامة اراضي" اوكرانيا، حسب المفهوم الفاشستي لسلطة كييف واسيادها الخارجيين.
القوات المعادية للفاشستية تواصل الانتصار
ولكن خلال اجراء الاستعراض "الاحتفالي" في كييف، كانت قوات الدفاع الذاتي الشعبية التابعة لما يسمى "جمهورية دونيتسك الشعبية" التي تطالب بالانفصال عن اوكرانيا، كانت تشدد الطوق على حوالى 5000 عسكري اوكراني وبحوزتهم كمية كبيرة من الاسلحة والمدفعية في المنطقة التي تقع فيها قرى فويكوفسكي، كوتيينيكوفو، بلاغوداتنوي، الكسييفسكوي، اوسبينكا واوليانوفسكوي، كما جاء في وكالة ايتار ـ تاس. وقد ناشد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوات الدفاع الذاتي الشعبية بفتح "ممر انساني" لانسحاب الجنود الاوكرانيين المحاصرين، على الارجح نحو الحدود الروسية.
وخلال وجود المستشارة الالمانية انجيلا ميركيل في زيارتها الرسمية الاخيرة لكييف، اعلن عن قصف مركـّز تم بنتيجته تدمير الكنيسة الارثوذكسية "القديس يوحنا كرونشتادسكي" في مدينة كيروفكوي في منطقة دونيتسك، حيث قتل ثلاثة مواطنين وجرح ستة.
احتفال كييف بالمنظور الروسي
وتعقيبا على الاحتفال الفاشستي في كييف، صرح الناطق باسم البرلمان الروسي سيرغيي ناروشكين ان الاستعراض كان مناسبة ليس للحداد على الضحايا من اي طرف كانوا، وليس للدعوة الى وقف اراقة الدماء والحوار لحل الازمة الاوكرانية سياسيا، بل لعرض المشاريع العدوانية، والعنصرية والنازية، والتهديد بتصعيد العدوان على سكان المناطق الشرقية والجنوبية من اوكرانيا. وحسب رأيه انه بذلك "تتواصل المحاولات لزرع الشقاق بين الشعبين الروسي والاوكراني اللذين يمثلان كلا متكاملا، في الاصل القومي والتاريخ والثقافة". واضاف "ان قسما من السياسيين الغربيين، وبدلا من العمل لاجل وقف التصعيد في النزاع القائم، فإنهم يستخدمونه كوسيلة للضغط على روسيا".
المحفزات النفطية للستراتيجية الغربية
ويعلق بعض المراقبين المحايدين على الاحداث الجارية في اوكرانيا، ان الكتلة الغربية بزعامة اميركا قد اشعلت فتيل الحرب الاهلية في اوكرانيا، الموجهة بشكل واضح تماما ضد السكان الروس والناطقين باللغة الروسية، بهدف مفضوح هو محاولة جر روسيا لهذا النزاع والضغط عليها بمختلف الوسائل من اجل دفعها الى التنازل و"تليين موقفها" في منطقة شرقي المتوسط، من اجل "تقاسم النفوذ" في تلك المنطقة، للتوصل اخيرا الى "التفاهم" حول تقاسم الحصص في بدء استثمار مكامن النفط والغاز الهائلة في تلك المنطقة، والتي من شأن بداية استخراجها واستغلالها قلب جميع معايير سوق الطاقة العالمي، القائمة الى الان. ويرى هؤلاء المراقبين ان الاهداف التي تتوخاها الكتلة الاميركية ـ الغربية وحلفاؤها من تحريك الفاشستيين القدماء ـ الجدد في اوكرانيا، تتطابق تماما مع الاهداف التي كانت تتوخاها من تحريك "التكفيريين" في بلدان "الربيع العربي" المزيف. ولكن الذي يزرع الريح، لن يحصد سوى العاصفة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبنان مستقل



كييف "تحتفل" ودونيتسك تحترق



وسام اوكراني مأخوذ من تراث النازيين
الاوكرانيين الذين قاتلوا الى جانب هتلر






محاولة سرقة رفات ستيبان بانديرا في ميونيخ
لاعادة دفنها "احتفاليا" في اوكرانيا

#جورج_حداد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات