أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطيب بن رجب - هل انتصرت غزة؟















المزيد.....

هل انتصرت غزة؟


الطيب بن رجب

الحوار المتمدن-العدد: 4561 - 2014 / 9 / 1 - 16:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لم أشهد في حياتي أمة منقسمة مدمرة متصدعة بقدر ما هي الأمة العربية في هذا الزمن بالذات. وحالها هذا بات مرضا مزمنا ـ مرضا على الحقيقة وليس على المجار. ولقد بات الانشطار في الشخصية بينا عاهة دائمة في العديد من الأفراد وحالة ذهانية موصوفة فتكت بالمجتمع بأسره. ومن هذه الحالة تنفذ إلينا المؤامرات ونحن أعجز عن سد الثقوب النافذة منها. ومجمل القول: لقد بتنا نختزن روح الهزيمة في ذواتنا. وما فعلته فينا أمريكا بالمفعول الصامت للاستهتار بنا منذ سقوط الاتحاد السوفييتي لم تفعله فينا هزيمة 1967. فهذه لم تكسر الروح البتة بل جعلتها تنهض وتنتعش وتغني وتنشد وتقاوم وتجمع المتطوعين من جميع البلاد العربية ليقاتلوا في صفوف المقاومة الفلسطينية. لن أتحدث بشيء عن حرب 1973. فليس موضوعي الحروب. ولكن أشير إلى حرب بيروت 1982. فهذه كان وقعها أشد على الروح. وهي أيضا ما قاد إلى اتفاقيات أوسلو التي أدت بنا إلى ما أدت. ولكن ما أدى بنا إلى ما نحن فيه أكثر من غيره هو اختلاء الأمريكان بنا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. فغزي العراق. وأعلن العرب ولاءهم لهم وسارعوا إلى الانخراط في العولمة لعلهم يكونون من الفائزين. والأخطر أنهم قدموا جيوشهم للولايات المتحدة وأراضيهم لها لغزو العراق. وقبلوا الحجة التي بدت لهم مقنعة ألا وهي غزو الكويت من قبل العراق. ولكن أولم يكن من الممكن أن نقف مع العراق وننصف الكويت في الوقت ذاته ؟ لا. إذ فينا من جبل على الخضوع للأجانب بعقلية العبيد.
في هذا الخضم نشأت المقاومة اللبنانية للاحتلال الإسرائيلي. فرفعت الروح. وشخصيا لست من أنصار الحركات الدينية. غير أنه لا شرط عندي أشترطه على مقاومة تقاوم استعمارا أو احتلالا. فهل أشترط على طالبان أن تصبح حداثية؟ لا أبدا. فإفغانستان فعلا بلد متخلف وفعلا هو في القرون الوسطى. فهل نسلط عليهم محتلا لهذا السبب ؟ نحن بدورنا كنا في القرون الوسطى ولم نبرحه بعد إلا في الاستهلاك. وقد حل بنا الاستعمار فقاومناه. وإفغانستان متخلفة لكن الروح فيها ليست متخلفة. فالإنسان فيها يظل حرا متحللا من كل قيد. فقاوم جحافل الغرب المتحالف ضد بلد متخلف تقنيا وعلميا. ولا يخفى على أحد أن الغرب يحتل بغاية البلدان ويقهر الشعوب بغاية الاستغلال المفضوح. وكل غاز لص كما قال ذات مرة فولتير رأس التنوير الفرنسي. وقد كانت التعلة التي تعللوا بها ماثلة في اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001. ولقد أصدر بن لادن بيانا طريفا جدا قال فيه واصفا من قاموا بهده الاعتداءات: "هؤلاء هم المسلمون." فالتقطها الأمريكان وقالوا لقد اعترف بن لادن بجرمه. ولقد راقت التهمة للرجل. فأكدها. والحقيقة أن العبارة التي قالها ليس فيها اعتراف بالمرة. إذ معناها هو أن هؤلاء حتى وإن لم يكونوا مسلمين هم مسلمون بحق أو بامتياز. فالتعريف هنا جنسي وبن لادن يتقن اللغة العربية أيما إتقان ولا يتقن السياسة لا قليلا ولا كثيرا. ولذلك ورط إفغانستان في حرب مدمرة. لكن أكرر أن ذاك الاعتراف المزعوم لم يكن سوى تعلة فحسب. فقد طلبت طالبان حجة على تورط بن لادن في تلك الاعتداءات ولم تقدم لها إلى اليوم. وإلى اليوم نحن لا نعلم حقيقة ما جرى. فذلك من أسرار الدولة الأمريكية ككثير من الأسرار الأخرى.
ودخلنا منذ ذلك الوقت لعبة الإرهاب ولعبة اتخاذه ذريعة لكل شيء - للشيء وضده في تصرف ذهاني لا منطق له. فحزب الله إرهابي. وما هو إرهاب هنا يصبح ثورة شعبية هناك. وما هو مطلب شعبي باستفتاء الشعب عليه بات انفصالا وإرهابا مثلما الحال في أوكرانيا. وفي هذه الفترة المظلمة من تاريخ العرب التي سيطر فيها الغرب علينا بصلف وبنزعة استعمارية فجة متبجحة ظهر قبس نور حين استطاع حزب الله أن يحرر الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي ثم أن يهزم إسرائيل في عام 2006 ويردها على أعقابها. ولكن في الأثناء خبت جذوة المقاومة في الضفة وتحديدا منذ أن دمرت إسرائيل جنين ودمرت السلطة رويدا رويدا. ولم تفلح السلطة الفلسطينية في شيء غير أن ساعدت على صمت الضفة. وبات الإسرائيليون لا يولون الفلسطينيين التفاتة حقيقية ولا يفعلون شيئا غير أن يفاوضوا ويفاضوا ليعودوا إلى البداية متهمين الضعفاء ألا هم رجال السلطة بأنهم هم من أفسد المفاوضات ورفض السلم. وطبعا هم يكذبون كالعادة ويستغبون الغرب الواقع تحت طائلة إعلام يصنّع الأخبار تصنيعا ويوجه الرأي العام ويجعل البشر في الغرب والشرق في قبضة الذهان. لكن في القطاع سارت الأمور بشكل مخالف. فهو كان قد بات يحيا حالة من الانغلاق منذ حرب 1967 أي منذ وقوعه تحت الاحتلال الإسرائيلي. والتعليم فيه كان تقليديا أزهريا. كما أنه يتميز بكثافة سكانية عالية جدا. إذ قد انضاف إلى سكانه الأصليين النازحون في النكبة عام 1948. فألفى الاحتلال نفسه في وضع من المستحيل البقاء فيه. فاضطر اضطرارا للخروج منها تحت ضربات المقاومة وتضحيات الأريحيين. ولكن غاضه أن يتركه ينعم بالحرية الفطرية التي من المفروض أن ينعم بها البشر. وهل من الممكن لمن جاؤوا من وراء البحار من كل فج وصقع وغيروا الطبيعة الديموغرافية لفلسطين التاريخية أن يقبلوا بالوجود الفلسطيني الذين ظلوا ينكرونه منذ مجيئهم ويدعون أنهم وجدوا الأرض صحراء عارية وكأن نابوليون لم يرد على أصوار عكا.
ولقد وجدت غزة نفسها لوحدها لا سيما بعد الخلاف مع الرئيس عباس وليس مع السلطة لأن حماس نفسها كانت من السلطة. وللبشر جميعا الحق في أن ينعموا بالحرية الفطرية أي بوطن وحياة اجتماعية وأن يتحللوا من كل قيد غير القوانين المنظمة لحياة الجماعات. ولكن الأهم من ذلك أن ليس ثمة من إيديولوجيا أفلحت في عالمنا العربي. ولاسيما هذه الحداثة المزعومة التي لا تعدو أن تكون العيش بشيء من التحرر تنعم به النخب أو الشرائح المرتبطة بالغرب دون الشعوب نفسها. فكل حداثة عندنا هي حداثة نافلة. فدولنا لم تبن شيئا. وكل ما قامت به قابل للنكوص والتراجع لأنه هش جدا. فنحن لم نبن صناعة ثقيلة ولا صناعات متطورة ولم نبتدع تكنولوجيات حديثة من أي نوع كانت. فنحن عموما نبيع موادنا الخام ونستهلك كل شيء: المصنوعات المختلفة وحتى الأغذية. وجملة الأمر كله أننا لم ندخل التاريخ. ولعل من ذهب شوطا في التصنيع والاستقلال الاقتصادي هو العراق. ولذلك دمروه وقالوا له سنعيدك للقرون الوسطى. وقد أعادوه فعلا بتأييد من العرب قبل إيران.
ولقد كانت الحركات الوطنية في أغلبها ذات بعد ديني. والمقاومون في الثورة الجزائرية كانوا مجاهدين. وحين يدمر المجتمع لا يبقى غير الأفراد والدين. أما ما يحرك الغرب المهيمن على العالم وعلى الأمم المتحدة فليس غير المصالح الأنانية والجشع وسرقة ثروات الشعوب. وحين زار موباسان الجزائر وتونس في آخر القرن التاسع عشر لاحظ ملاحظة مهمة قائلا: وكأن هؤلاء ليس لهم شيء غير الدين. وفعلا ماذا بقي في الصومال غير الدين والخراب والأفراد؟ وقد بات الدين حافزا إيديولوجيا في زمن خبت فيه الإيديولوجيات.
ولا أحد يجهل أن من قاد الكفاح المسلح الوطني في غزة هي حماس والجهاد أحببنا أم كرهنا. وقد خاضتا مع إسرائيل حرب 2008 وحرب 2012 والحرب الجارية. ولم يكونا وحدهما فقد كانت معهما بدرجة ثانية الجبهة الشعبية وفتح. أما الغرب فمولع بالتشخيص. يشخص المقاومة كلها في حماس ويصنف هذه على أنها منظمة إرهابية. كما أنهم يشخصون الدول في أفراد. فهم ذهبوا للعراق أو سوريا لمحاربة صدام حسين وبشار الأسد. والأهم من كل شيء هو أن الشعب في غزة كان مع المقاومة. وهو فعلا لم يتذمر من المقاومة لأنه يختزن ذاكرة تقول له بأن إسرائيل قد جبلت على أكل اللحم الفلسطيني كيفما كان أمره. ولما حطت الحرب الأخيرة بكلكلها كان سببها واضحا وهم أن إسرائيل لا تريد توافقا فلسطينيا متمثلا في حكومة فلسطينية توافقية. وكانت تقول ذلك قول التصريح لا التلميح. أما حادثة اختطاف اليهود الثلاث فليس هناك من دليل على اختطافهم أصلا من قبل فلسطينيين. ولذلك لم تنشر الحكومة الإسرائيلية ولم تكشف عن نتائج التحقيق الجنائي ولا حتى عن التشريح الطبي. وهنا يطرح السؤال هل حماس هي من كان قد أعلن الحرب على إسرائيل؟ أبدا. فإسرائيل هي من يعلن الحروب دائما. وسنستقر في العبث والخروج عن المنطق حين تدعي الدولة الصهيونية أن سبب الحرب هو إطلاق الصواريخ من غزة. فتصور نفسها ضحية ويصدقها الغرب تصديقه العاطفي المعروف والخارج عن المنطق.
أما الأخطر من هذا كله وقد أقرت هدنة طويلة دون أن تتوقف الحرب فهو الموقف العربي من مجراها ونتائجها. أما مواقف الحكومات العربية فمعروف ولا فائدة من العودة إليه. لكن اللافت هو المواقف العامة للأشخاص من نتائج الحرب. فقد ارتفعت أصوات مشككة منتقدة لما حصل داسة العسل في السم بل ومصرحة بشماتتها حين أعلنت المقاومة على لسان أبي زهري عن انتصارها على إسرائيل. بل إن من اعتبر حزب الله منتصرا في 2006 قام يشكك في انتصار المقاومة في غزة. ففي رأيهم حماس (وليست المقاومة) لم تنصر حتى وإن لم يقولوا ذلك صراحة. فشككوا في قيمة الصواريخ ووقفوا على تفاوت الخسائر من الجانبين. وقد بات الموقف لا يتعدى كون إسرائيل من حقها أن تعلن عن انتصارها أما المقاومة فليس لها إلا أن تعلن عن هزيمتها. ولاشك عندي أن تصريح أبو زهري فيه كثير من التبجح لكنه تبجح مبرر لأن جزءا من الحرب نفسي. وأما نصر المقاومة فنصر صحيح. والنصر كما ياتي:
1 ـ من يعتقد أن المقاومة أية مقاومة في كل مكان وتاريخ من العالم كانت مسلحة حتى أسنانها من البداية فعلى ضلال مبين. المقاومة هي مقاومة تحارب احتلالا ولو كان الشعب المحتل قويا لما احتل. لكن الشعب الحر رغم ضعفه ووقوعه تحت الاحتلال سيشرع لتوه في المقاومة. وقد تبدأ هذه بمبادرات فردية وبأسلحة خفيفة عادية. ثم تقوى وتحقق نوعا من التوازن بينها وبين محتليها. ثم تنتصر. ولكن حتى حين تنتصر فهي لن تكون قد حققت تفوقا في العتاد. ففي فيتنام لم تمتلك المقاومة الطائرات ولا الأسلحة الفتاكة من نابالم وغيره تلك التي كان يملكها الأمريكان. ومع ذلك انتصر الفيتناميون أي انتصر الإنسان على التقنية وانتصرت الحرية على العبودية.
2 ـ إن الوضع في غزة لم يشذ عن كل مقاومة حصلت في التاريخ. فقد بدأت بأسلحة خفيفة أخرجت بها الاحتلال من الأرض. وظل هذا يحاصر الشعب والأرض. وهنا طورت المقاومة قذائف روكات ومورتر محلية الصنع وعادية ردت بها في 2008. فكان الأمر يثير الضحك المكتوم والأسف في ذات الوقت. أهذه صواريخ يمكن أن تقهر بها إسرائيل التي تسلحها ماما أمريكا بما يجعلها متفوقة على العرب مجموعين. ولكن رغم كل شيء استطاعت هذه الصواريخ أن تقض مضجع المعمرين في جنوب إسرائيل ورفعت معنويات شعب محاصر من الحضارة. وقد شرعت إسرائيل في تطوير منظومة صاروخية مضادة وكانت مكلفة بالنسبة لتكاليف صناعة الصواريخ الفلسطينية. ولكن الغزاويون طوروا أيضا صواريخهم بمساعدة تقنية من هنا وهناك ولكن أساسا بجهدهم هم. فطال مداها وقويت قدرتها التدميرية. وصحيح أن القبة الحديدية اعترضت الكثير منها. ولكن الكثير منها سقط حيث أريد له السقوط. وأحدث فزعا واضطرابا في الحياة الاجتماعية الإسرائيلية وبعض الدمار والارتباك الاقتصادي. ولكن إسرائيل بات تدرك خطرها. فقد تتطور لتصبح قوتها التدميرية أكبر وحشواتها غير تقليدية ولذلك باتت تسعى لتجريد المقاومة من سلاحها. ومن جهتي لا أستبعد أن العقل الغزاوي سيصنع أسلحة بتقنية فلسطينية ويطور أسلحته حتى تكون أكثر وجعا وتدميرا. فالحاجة أم الاختراع.
3 ـ وكثيرون هم من باتوا يلمحون إلى الخسائر البشرية وهم بذلك يسعون لتأليب الشعب على المقاومة. فبين 71 قتيل إسرائيلي ونحو 2200 شهيد فلسطيني الفارق كبير. لكنه نوعيا ليس كبيرا بالشكل المرئي. فقتلى إسرائيل هم عسكريون من بينهم ضباط كبار. ثم متى كانت خسائر المقاومة (بتعريف الجنس) البشرية قليلة؟ فقد دفعت الجزائر مليون شهيد ودفع الفيتنام مليونا ونصفا. وأما إذا أخذنا بمقارناتهم فليس يعني ذلك إلا الانكفاء عن المقاومة وتسليم بقية فلسطين لإسرائيل وتهجير ما بقي منهم لمختلف بلاد العالم. أي علينا أن نختار الاستسلام بدءا.
4 ـ أما الخسائر المادية فهم يلمحون إلى أنا باهظة كذلك وإلى أنه يلزم عشر سنوات لإعادة إعمار غزة. وغزة عرفت مثل هذا الدمار. ولكنها أعادت إعمارها في أقل مما تُوُقع له من الوقت. فمن حرب إلى أخرى كان الإعمار قد تم. ولقد ارتفعت نفس الأصوات في عهد الاختيار المغدور. فصاح بهم: "ذلك ليس شيئا. وسنبنيه". ولقد حدث دمار أكثر في جنوب لبنان وحدث دمار الآن في سوريا وحدث دمار في العراق وسكتوا عنه. بل ماتت منهم الذاكرة. وبدل أن نتجه إلى من تسبب في هذه الجرائم بحق الشعب الفلسطيني وأولهم ماما أمريكا وثانيهم إسرائيل وثالثهم الغرب ورابعهم الطابور الخامس ننحني باللائمة على المظلوم.
وقد هونوا من مكاسبها تهوينا بينا. فالمعابر وإن تقرر فتحها فقد كانت مفتوحة قبل الحروب الثلاث. والمساعدات الإنسانية كانت تدخل غزة. وينسون أن كثيرا من القوافل ردت على أعقابها واعترضت عليها إسرائيل بالقوة المسلحة. والمواد الصالحة للإعمار كانت تدخل غزة أيضا. فما الفائدة إذا من حرب لم تأت بشيء؟ ومن الواضح أن القيود المفروضة من قبل على هذه الحاجات باتت أقل. ولكن الأنكى لديهم أن المطار والميناء مؤجلان. والحقيقة أنه لأول مرة يؤجل مطلب للتفاوض. ولكن ثمة مكاسب غير معلنة فما هي ؟
1 ـ إن لم تنصر غزة فهي لم تنهزم. وهذا وحده نصر مبين في وضع دولي لم يحصل أسوأ منه في التاريخ الحديث. فالحرب العالمية الثالثة قد ناءت بكلكلها بعد على العالم في شكل حروب صغيرة العرب اليوم هم حطبها قبل غيرهم. فنحن نعاني من نوع من الاستعمار التقليدي في ثوب جديد لا غير. ولكن غزة لم ترفع الراية البيضاء. ولم يعد الجيش الإسرائيلي انتشاره فيها. وحين حاول الهجوم البري رد على أعقابه وتكبد خسائر في الأرواح ثمينة فمن قتلاه قائد كتيبة غولاني ذائعة الصيت والتي كانت تكبدت هزيمة سابقة على يد حزب الله. ولو كان الأمر فسحة لواصل زحفه. لكنه أدرك أنه مهزوم لا محالة وأن انتصاره سيكون بطعم الهزيمة.
2 ـ لقد بدا الوفد الفلسطيني المفاوض على كفاءة عالية وفاوض باعتباره طرفا قويا وقادرا على فرض مطالبه. وراوغ وماطل وصال ولم ينثن له عود ولم يبد ضعفا. وتصوروا قرائي هؤلاء المنتقدين ذهبوا للمفاوضات فماذا ستكون النتيجة؟ سينحنون أمام الإسرائيليين ويذرفون الدمع السفوح تحت أقدامهم وقد ضربوا بالجزم لا غير ثم نلفيهم يبوسون أيديهم طالبين الصفح والغفران مثل جيش الدراويش أو جيش الأمم المتحدة.
3 ـ لم يخرج شعب غزة مهزوما. فقد خرج مهللا بالنصر مزهوا بنفسه. فالغزاويون لم يعد يرهبهم الموت وقد باتوا يعلمون أن الموت جبان لا يأخذ الأقوياء من جهة ومن أخرى لا يأخذ سوى الأبدان ويترك الأرواح. وهم يعلمون أن من مات مات صدفة ومن عاش عاش صدفة. ولله الصدف. فسائرهم كانوا معرضين للقنابل الإسرائيلية والاختباء منها لا يجدي فتيلا. ومن الواضح أنهم لم يخرجوا مندفعين للحياة فحسب بل خرجوا متطلعين إلى حرب أخرى لأنهم ليسوا من الغباء حتى يعتقدوا أن هذه هي الحرب الأخيرة. ففلسطين لم تحرر والطريق طويل.
4 ـ أما الضفة فقد خبا صوتها منذ جنين. فلا مقاومة سلمية أو غير سلمية. وتقوقعت السلطة في مقرها. ولكن غزة أحييت في الضفة جذوتها. وألفينا شعبها يتظاهر تأييدا لها. ولا أحسب أن هذا أمر عارض. فالشعب الفلسطيني قد بات يدرك حقيقة إسرائيل وألا مفاوضات بدون مقاومة على الأرض تدعمها.
ومجمل القول أن غزة انتصرت ولكن إلى حين. ففعلا لم يقع أي اتفاق حول المطار والميناء مع أنهما حق فلسطيني بحكم الاتفافيات السابقة. ولم يقع أي اتفاق حول الأسرى لا القدماء والجدد. وهذا ما يتطلب موقفا فلسطينيا موحدا بين جميع الفصائل يدعم الوفد المفاوض. أما إذا بدأت الخلافات فسيكون كل شيء قد انتهى. وعلى الشعب الفلسطيني أن يأخذ وقتها مصيره بنفسه ليحاسب الجميع أي الفصائل المتحولة إلى قبائل متناحرة. ولن يكون الأمر حينئذ بعيدا عما يحصل في كثير من البلاد العربية. فتبث الفرقة بين الجميع ويغري الغرب وعلى رأسهم ماما أمريكا هذا بذاك ويحرَّض الجميع على الجميع. والحقيقة لقد باتت السلطة الفلسطينية ثقلا على شعبها. كما أنه على حماس أن تحسم أمرها حتى تكون حركة تحرير وطني. فلا ينبغي أن يجعلها شيء ما أو التزام ما تحيد عن المسعى الفلسطيني في التحرير أو تنجر إلى اصطفاف إقليمي مضر بالقضية. ولا ينبغي أن تغريها المساعدات المالية السخية التي لا تعدو أن تكون شراء للذمم وإفسادا مقصودا كما حصل مع فتح سابقا. وإن لم تجر الأمور بهذا الشكل فما ربحته الحرب ستخسره السياسة. والخسارة هذه المرة ستكون فادحة دون شك.



#الطيب_بن_رجب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا أعراب ولا أمازيغ


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطيب بن رجب - هل انتصرت غزة؟