أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم كطافة - من أفشى السر..!!؟















المزيد.....

من أفشى السر..!!؟


كريم كطافة

الحوار المتمدن-العدد: 1286 - 2005 / 8 / 14 - 10:21
المحور: الادب والفن
    


على طول تاريخ الإنسان وآلهته، كان هناك على الدوام من يفشي السر. نوع من (يهوذا) يخرج على الجمع وإن كان الجمع هو مجمع الآلهة. في الرواية السومرية وحسب ملحمة (كلكامش)، كان يهوذا هو "نن-إيكي-كو". بعد اتفاق الآلهة العظام وقد "مهلتهم قلوبهم (آنذاك)، على إحداث الطوفان.. وكان معهم أبوهم "آنو" و"إنليل" البطل، مستشارهم و "ننورتا" مساعدهم، و"أنوكي" حاجبهم والموكل بالري والمياه، وكان حاضراً معهم "نن-إيكي-كو".. فنقل هذا كلامهم إلى كوخ القصب مخاطباً:
"يا كوخ ! يا كوخ القصب! يا جدار، يا جدار! اسمع يا كوخ القصب وأفهم يا حائط.. أيها الرجل "الشروباكي" يا ابن "اوبار-توتو" قوض البيت وابن لك فلكاً تخل عن مالك وانشد النجاة انبذ الملك وخلص حياتك، وأحمل في السفينة بذرة كل ذي حياة"(1) هكذا يسترسل (يهوذا) الطيب في تحذيراته وتعليماته للرجل "الشروباكي"كيف يبني السفينة وكيف تكون مقاساتها وعمقها. بل يذهب بعيداً، ليضع بيده رواية تبريرية يقولها لأشباهه هي غير الحقيقة القادمة مع أهوال الطوفان.. "قل لهم علمت أن "أنليل" يبغضني فلا أستطيع العيش في مدينتكم بعد الآن، ولن أوجه وجهي إلى ارض "أنليل" وأسكن فيها بل سأرد إلى الـ"أبسو" (المياه العميقة) وأعيش مع "إيا".. أما أنتم فسيمطركم "أنليل" بالوفرة والفيض ومن مجاميع الطير، وعجائب الأسماك، وستملأ البلاد بالغلال والخيرات وفي المساء سيمطركم الموكل بالزوابع بمطر من قمح.." هكذا يكون (يهوذا) الآلهة قد أفشى السر ولم يفشه في ذات الآن، سيدع غضب الآلهة يتحقق على مخلوقات الأرض لكنه سيحفظ بذور الحياة فيها. ثم تسترسل الرواية بردود أفعال تلك الكائنات المغضوب عليها من الآلهة والتي لا تدري شيئاً عن ما يحاك لها من مصائر الهلاك في الطوفان القادم، صارت تقدم القرابين لذلك الرجل الطيب "الشروباكي" الذي أنبأهم ببشائر الخير والوفرة، بل هي شاركته في بناء فلكه الذي سيهرب به من غضب "إنليل" المزعوم مرتاداً مياه الأعماق (ابسو).. وكانوا في الحقيقة يستعجلون مصيرهم القادم مع اكتمال بناء الفلك.. أكثر من هذا جعلهم "الشروباكي" يعيشون أياماً احتفالية... "ثم نحرت البقر وطبختها للناس ونحرت الأغنام كل يوم وقدمت عصير الكرم والخمر الأحمر والأبيض والسمن إلى الصناع ليشربوها بكثرة كماء النهر ليقيموا الأعياد كما في أيام عيد رأس السنة.." مع استقرار السفينة في المياه، بدأ العد التنازلي لدمارهم القادم على وقع عباب اليم. لقد استقبل العراقي القديم موته القادم بمهرجانات أفراح وشبع ووفرة. ودعوا آخر خيوط حياتهم بسعادة كان وما زال أمر تأبيدها وجعلها هي الحياة، حلماً راود ويراود مخيلة الإنسان.. سبعة أيام، وهي مدة بناء السفينة، نسوا فيها الحزن والكآبة والعسر والضيق وكل ما يجعل الحياة تافهة عديمة الجدوى..
في كل روايات الطوفان التي أعقبت الملحمة السومرية، سواء البابلية أو التوراتية أو القرآنية؛ كان ثمة تشابه محيراً، إن كان في سبب العقاب الإلهي أو نوع العقاب أو في تفاصيل أخرى كثيرة؛ إفشاء السر، تفاصيل بناء الفلك (السفينة)، الجبل الذي رست عنده السفينة، ثم العلامات والبشائر التي اعتمدتها لمعرفة متى وأين ستبدأ الحياة من جديد، بعد كل ذلك الخراب والدمار الذي ألغى الحياة على اليابسة.. في الملحمة السومرية كانت البشارة خروج الغراب من السفينة وعدم عودته (خرج ولم يعد).. وفي الروايتين التوراتية والقرآنية كانت البشارة هي الحمامة الوديعة الأليفة العائدة وهي تحمل سنبلة الحياة...
إنما، ورغم كل ذلك التشابه، كان للملحمة الأصل ما تنفرد به. لقد انفردت الملحمة السومرية، عن ما لحقها من روايات نسجت على منوالها، بإبراز ذلك الشيء الجميل، الشيء اللصيق بالنفس الإنسانية، الندم. لقد غاب الندم عن الرواية التوراتية والقرآنية بينما كان جزءاً من الملحمة السومرية. كان نوعاً من تأنيب اجترحته الآلهة ذاتها التي قررت العقاب بحق ذاتها. تأنيب يشبه تأنيب الأب لنفسه بعد أن يعاقب أبنه..!! أنك لو سألت أياً من البشر؛ لماذا يعتصرك الألم بعد معاقبتك لأبنك.. رغم أنك عاقبت ابناً مشاكساً متمرداً سبب لك من الأذى والشرور أكثر بكثير مما انتظرته منه من خير..!؟ ستجد الآباء يحيرون جواباً في السبب الحقيقي، لكنهم قد يتفقون على جواب هو في الحقيقة لا جواب ولن يعن شيئاً.. كأن يقول أحدهم: لأنه أبني..!! وهكذا كانت آلهة ذلك الزمان، إذ تآكلها الندم على فعلتها، التي حطمت بها البلاد الفسيحة كما تتحطم الجرة وأعادت مخلوقاتها جميعاً إلى الطين.. ها هي (عشتار) تندب نفسها..
"وصرخت عشتار كما تصرخ المرأة في الولادة
انتحبت سيدة الآلهة وناحت بصوتها الشجي نادبة
وآه حسرتاه! لقد عادت الأيام الأولى إلى طين
لأني نطقت بالشر في مجمع الآلهة.."
وهي لم تنطق بالشر إلا بعد استفحاله وتمكنه من نفوس المخلوقات.. وهذا (آنو) أبو الآلهة الأعلى يندب كذلك فعلته:
"..فماذا دهاني إذ نطقت بالشر
لقد سلطت الدمار على أناسي (خلقي)
وأنا الذي ولدت أناسي هؤلاء
لقد ملأوا اليم كبيض السمك.."
ثم نجد كل أولئك المجتمعين في مجمع الآلهة الذين اتفقوا على العقاب، قد ندموا، وخشعوا لما حدث الطوفان والزوابع ثم لاذوا إلى السماء السابعة وهي أعلى السماوات..
"وحتى الآلهة ذعروا من عباب الطوفان
فهربوا وعرجوا إلى سماء "آنو" وهي أعلى السماوات السبع
لقد استكان الآلهة وربضوا كالكلاب حذاء الجدار.."
الوحيد الذي لم يندم هو "أنليل"..
"ولما جاء "أنليل" وأبصر الفلك غضب وامتلأ
حنقاً على آلهة الـ"أيكيكي" وقال:
عجباً كيف نجت نفساً واحدة، وكان المقدر ألا ينجو بشر من الهلاك.."
الأمر الذي حدا بباقي مجمع الآلهة لأن يعاقبوا "أنليل" على قسوته تلك بحرمانه من تنسم روائح القرابين الشذية التي قربنها البشر على نجاتهم من اليم.
واضح، أننا أمام آلهة كانت تحب مخلوقاتها حتى في عصيانهم لأوامرها. لكن، تظل أسئلة الإنسان الخالدة دون ما جواب.. لماذا حدث ما حدث.. وما الحكمة من دمار الراهن من الحياة والاحتفاظ ببذرتها.. وسؤال جديد يطرحه عصرنا المليء بآلهة تشبه الطاعون.. لماذا تنحت كل الآلهة تاركة لزمننا الحاضر (أنليل) وحيداً مستفرداً بمخلوقات الرب، جباراً دون حكمة، مقتدراً دون رحمة، مستبداً دون عطف.. وأخيراً وربما بدءاً؛ ما حاجتنا إلى آلهة لا تعرف الفرح ولا البهجة ولا السعادة، وتكره الغناء والموسيقى والرقص والخمر والجمال إن كان للطبيعة أو للإنسان.. آلهة متجهمة، عابسة، قبيحة الملامح، مستبدة، ديدنها القتل والفناء، عدوة لبذرة الحياة في كل شيء.. آلهة لا ترتوي من مشاهد الدمار والدماء وهي تشخب من أجساد مخلوقات الرب الجميلة.. آلهة ملثمة بالظلام الذي منه خرجت وإليه تعود.. وهي رغم ذلك تعد أتباعها بعالم آخر ستكون فيه الخضرة والخمر والوجه الحسن من غلمان ونساء وغيره الكثير مما تحاربه في عالمهم الأول.. هذه الأسئلة وغيرها لن تجب عليها أي من الأديان.. ربما في قادم المستقبل ستجب عليها دراسات نفسية وليست دينية، دراسات تنتمي إلى فرع جديد في علم النفس لندعوه (علم نفس الآلهة) أو (علم نفس الفقهاء).. علم يتخصص في مجال المقارنات والمقاربات بين آلهة زمان وآلهة اليوم.. بين فقهاء الوفرة والشبع وفقهاء رمال وجدب الصحراء.. دراسات أعتقد أنها لو تحققت ستجعلنا نترحم على آلهة زمان.. ونرفع الصوت عالياً: الله يرحم آلهة زمان..!!!؟
(1) كل المقاطع المحصورة بين قويسات مأخوذة من ملحمة كلكامش/ حادثة الطوفان



#كريم_كطافة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس عندنا فساد.. عندنا تمويل ذاتي
- أسلم.. تسلم أيها السيد (القمني)..!!؟
- للحلاق رب يحميه..!!؟
- بين ثقافة الداخل وثقافة الجوادر..!!؟
- شؤون وشجون آخر امبراطورية للبعث
- لماذا يلاحقون لواء الذئب..!!؟
- الدنيوية بدل العلمانية..!!؟
- ماذا يريد اليسار..!!؟
- في ظلال مؤتمر نصرة الشعب العراقي
- ما زلنا نواجه ماري أنطوانيت الطيبة
- سؤال الصورة ومحنة الشاعر عقيل علي
- لا خاطف ولا مخطوف في واقعة الجمل الجديدة
- عن الشرف.. وأشياءه الأخرى
- الموت للعرب.. لماذا..!!؟
- أليس عندكم أفعل من مشعان
- لنعمل من أجل المصالحة الأخرى
- الدنصرة في السياسة
- قانون أبو شامة والدكتورة الألمانية
- جنون البقر السلفي -البعثي
- إلى دعاة المصالحة الوطنية..أنها تدور


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم كطافة - من أفشى السر..!!؟