عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4560 - 2014 / 8 / 31 - 01:27
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الخير والشر على ما هما من وصف لا يحتاج الى تعريف, كان الصراع الأولي الذي عاشته البشرية منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا بالرغم من التغير المستمر تغير الفهم النسبي لهما بتغير الأسس والأزمان والمكان ولكن يبقى الخير هو ما وافق الوعي الفردي والجماعي استنادا الى فهمنا الذاتي له دون النظر الى كونه صحيح بذاته أو خطأ بذاته ولكنه يكتسب صفته من فهمنا لذاتيته ودور هذا الفهم في ضبط السلوك ,ونرجع في بحثنا الى قصة فرعون فهو يرى الخير في ما يرى لا الى حقيقة كون هذا الخيار صائبا بذاته أو مخطئ بذاته فهو يقول وبحسب النص {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}غافر26 .
فهو وبموجب مباعث السلوك الحسية لديه يرى في فرعون شرا لأنه يظهر الفساد أو انه يخاف من حركة موسى إن تظهر الفساد في المجتمع الفرعوني,في حين إن موسى عليه السلام كان معياره أخر ومبعث سلوكه مختلف{إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ }هود97, فيكون المحدد هنا مختلف فتختلف تبعا لذلك مقياسيه الخير والشر تبعا لذلك,على أساس الوعي وكيفية تكوينه,أي تبعا لمعايير الصراع وأسلحته ((الصراعات بل على العكس فالبشرية شهدت المراحل الأكثر تفاعلا منذ زمن طويل وساحق ,لكن النقطة الارتكازية المعللة لهذه الأزمة هو المادية الإعلامية والمادية الحودثية وبرمجة السياسة ومن ثم قولبتها بقوالب كثيفة لتوجه خلال ثواني بسيطة لعقل مشغول بالواجهة المادية الأخرى سواء كانت طبيعية كالغرائز والشهوات أو كانت مادية بحتة مثل البنايات والسيارات والترفيه المطلق ,إن العنصر البشري أشبه ما يكون بسائل ما ,شديد التأثر بالحرارة وبالعوامل المادية ؛وهذا أمر طبيعي لان الإنسان جزء من المادة ,لكن البطولة تكمن في التحكم بهذا السائل وخلقه بصورة تغييريه تؤدي للتطور والمحافظة على خصائصه الأصيلة والثابتة)) .
يفهم الكاتب إن الصراع موضوعه الإنسان كمادة متغيرة متطورة هذا التغير والتطور هو الباعث للصراع نتيجة التفاوت والتغير في مقدماته المادية ومنها الإنسان الذي هو محكوم أصلا كم يقول بالمتغيرات الحدوثية ,مادية خارجية أو طبيعية ذاتية,وهو بذلك يقول بنظرية التفاعل السابقة الذكر.
إن ملاحظة التغير ألتأثيري والتأثري مهم في رصد الصراع بين الخير والشر تماما كما في قصة فرعون التي انتهت بتغير فرعون وانتقاله من القياس الحسي الى القياس العقلي بعد انهزام الحسية المجردة لصالح وعي العقل الحقيقي,لكن هل هذا يكفي لنميز بين الخير والشر تبعا لما أسلفنا من محددات مادية وطبيعية؟ الجواب أكيد لا والسبب إن المحددات نفسها غير مفهومة من جهة ومن جهة أخرى لا يمكن البناء على المتغير والمتحول لصياغة نظرية ثابتة لان البناء ينتج نفس مواصفات الأساس الذي بنيت عليه ,فلابد إذن من بيان أس أخر أكثر ثباتا ومنطقية من الحدين المادي والطبيعي{ وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ }ص62,هذا النص منضم الى نص أخر هو {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التوبة102.
نكون صورة عما هو خير وما هو شرير استنادا الى النصوص الشرعية والنقل المقدس,الخير هو حسب النصوص {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ }البقرة269.
الخير في أحد وجوهه الحكمة التي تعني القياس بمقياس مطلق رباني المنشأ والتقدير والوضع أي موافقة السلوك لمقتضيات الوجودية الشاملة التي في جانبها الوجودي النفعية للإنسان متوافقة مع المصلحة الوجودية {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }البقرة272.
أول هذه المقدمات هي الإصلاح بمعنى السير وفق المصلحة الكلية التي تنمي حس المسؤولية الإنسانية تجاه الأخر و {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }آل عمران15,والتقى أو طلب التقوى وهي ضبط السلوك وإرشاده الى الطاعة من باب الخوف من الله وإتقاء العقاب الرباني بالميل والضلال, وهي أيضا {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران26.
الاعتقاد بمصدرية الخير من الله جل وعلا دون أدنى شك بذلك فيجب القياس بهذه المصدرية وموافقة السلوك لمقتضياتها,كذلك نجد الخير بمعنى الإيمان وأركانه العملية وكل ما يتوافق معها فهو خير {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }آل عمران110,فالخير إذن مرتبط بالإيمان ومقياسه التقويمي بموجب الرحمة الإلهية كغائية أبدية أزلية {وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }آل عمران157.
الرحمة التي هي خير سبب من أسباب الخلق والأستخلاف البشري في الأرض واليه ترجع كل المقدمات التي جئنا بها من قبل, فالحسابات المادية الظاهرية وإن دلت على أنها خير فهذه الحسابات المادية تكشف زيفها من خلال النصين التاليين {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ }آل عمران178, {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }القصص79,فالقياسات المادية وان كانت بدلالاتها توحي الى الخير فهي في حقيقتها ابتلاء وامتحان لبيان الإيمان كمحدد للخير وبه تنكشف حقيقته الكلية كما جاء في النصوص السابقة.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟