أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - أحمد القصير - مراحل استكمال ثورة 1919 عبر منظمة حدتو وحزب الوفد وثورة 23 يوليو















المزيد.....


مراحل استكمال ثورة 1919 عبر منظمة حدتو وحزب الوفد وثورة 23 يوليو


أحمد القصير

الحوار المتمدن-العدد: 4559 - 2014 / 8 / 30 - 20:42
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


مراحل استكمال ثورة 1919
عبر منظمة حدتو وحزب الوفد وثورة يوليو 1952
تحدث الثورات على فترات زمنية متباعدة. لكن الوضع في مصر يبدو على خلاف ذلك. وكأننا بلد الثورات. فخلال الفترة ما بين 1919 و2013 شهدت مصر أربع ثورات وثلاث هبات شعبية. وهي فترة تقل عن مائة عام. ومن جانب آخر هناك ما يشير إلى أن بعض الثورات لا يتم استكمالها إلا بثورة أخرى. ومثال ذلك ثورة 1919 التي لم يتم استكمالها في نهاية المطاف إلا بثورة يوليو1952 مرورا بهبة شعبية في عام 1946 وفترة حكم الوفد عام 1950. كما أن ثورة 25 يناير2011 تم استردادها هي والوطن بثورة 30 يونيو2013. وسوف نتناول هنا موضوع استكمال ثورة 1919 فقط. أما ثورتي يناير ويونيو فقد وضعت عنهما كتابا عنوانه "يوميات عن إجهاض الإخوان ثورة 25 يناير واسترداد ثورة 30 يونيو للوطن".
في 1919 اشتعلت ثورة شعبية في نواحي مصر شاركت فيها جموع غير مسبوقة. وكان الهدف هو التحرر من الاستعمار وتحقيق الاستقلال. لكن الاستقلال جاء منقوصا وشكليا. ولم يتحقق الاستقلال إلا عبر ثلاث مراحل أخرى. وهي الهبة الشعبية في عام 1946 التي قادتها "اللجنة الوطنية للطلبة والعمال". وقد حققت إنجازات على طريق الاستقلال. وتأتي بعد ذلك فترة حكم مصطفى النحاس باشا بين 11 يناير 1950 وحريق القاهرة في 26 يناير1952. وتحقق خلالها خطوات أيضا على طريق الاستقلال من أهمها إلغاء معاهدة 1936 التي كانت تربط مصر ببريطانيا. وجاءت بعد ذلك ثورة 23 يوليو 1952 واستكملت هدف ثورة 1919. وهو التحرر من الاستعمار. وتشير التجربة التاريخية إلى أن ثورات مصر لا تحقق أهدافها بشكل فوري وإنما على امتداد فترة من الزمن. فإن هدف ثورة 1919 لم يتحقق إلا بعد حوالي 34 عاما. كما أن ثورة 23 يوليو وهي الأسرع في الإنجاز فقد حققت معظم أهدافها خلال عشر سنوات.
حول الاستقلال الشكلي:
بعد ثورة 1919 أعلنت بريطانيا تصريحا من جانب واحد في 28 فبراير1922 بإنهاء الحماية البريطانية وأن مصر أصبحت مستقلة. لكنها وضعت أربع تحفظات جعلت الاستقلال شكليا. والتحفظات الأربعة هي: حقها في تأمين مواصلات الامبراطورية البريطانية في مصر، وحق الدفاع عن مصر ضد أي تدخل أجنبي، وحماية المصالح الأجنبية والأقليات، والإبقاء على الأوضاع القائمة في السودان. وبعد ذلك التصريح بأيام معدودة أعلنت مصر في 15 مارس أنها مملكة مستقلة بعد أن كانت سلطنة. وتحول السلطان فؤاد، وهو من أبناء الخديوي اسماعيل، من سلطان إلى ملك. وأصبح يوم 15 مارس عيدا للاستقلال. واستمر هذا حتى إلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية في 18 يوليو1953. وسوف نتناول ملامح ثورة 1919 وقيادتها أولا ثم نتناول المراحل الثلاث الأخرى في تاريخ الحركة الوطنية المصرية المشار إليها آنفا.
ثورة 1919 وقيادتها:
كانت قيادة ثورة 1919 للوفد بزعامة سعد زغلول باشا. وهي ثورة عامة شملت مصر بأسرها. وقد تأثرت بأحداث الثورة الروسية، كما أن زعماء الثورة الروسية تحدثوا أيضا عن ثورة سعد زغلول بوصفها ثورة من أجل التحرر والاستقلال. كانت البورجوازية المصرية الناشئة تسعى إلى الاستقلال، وتحالف معها اقطاعيون أيضا. كان هناك تحالف بل وبعض التداخل فيما بين البورجوازيين والاقطاعيين. ولكن تعارض بعض المصالح والأهداف جعل مطالب وأهداف الجانب الاقطاعى أقل من مطالب سعد زغلول. لكنهم وقفوا جميعا ضد إرهاصات الثورة الاجتماعية. ولهذا وقفوا في عام 1924 ضد الحزب الشيوعي المصري وحاصروا مقره. وسجنوا قادته. وقدموهم للمحاكمة. وصدرت أحكام ضدهم بالسجن. وكان من قادته الذين صدرت ضدهم أحكام لمدة ثلاث سنوات حسني العرابي والشيخ صفوان ابوالفتح وانطون مارون. وصدرت أحكام أقل بالسجن ضد آخرين من بينها حكم بستة أشهر ضد شعبان حافظ الذي أعيد اعتقاله معنا عام 1959 وتوفي في آوائل الستينات بمعتقل سجن الواحات.
ينبغي أن نذكر أن فكرة النظام الجمهوري ظهرت في فترة ثورة 1919 من خلال مجموعة من اعضاء حزب الوفد على رأسهم يوسف الجندى. فخلال ثورة 1919 تم إعلان "جمهورية زفتى" في مركز مدينة زفتى بزعامة يوسف الجندي. ولم تحقق ثورة 1919 استقلالا حقيقيا. فهي ثورة لم تكتمل إلا عبر التطورات الناتجة عن ثلاثة مراحل أخرى مرت بها الحركة الوطنية. كانت القوى المؤثرة خلالها تتمثل في الشيوعيين وحزب الوفد وعبدالناصر.
حول قيادة المراحل التالية لثورة 1919:
ترمز المراحل الثلاث التي تحدثنا عنها أنفا إلى اشكال من النضال والتاريخ معروفة ومدونة. لكن يلاحظ أن المرحلة الأولى والثانية لا تلقى اهتمام الباحثين والمؤرخين والسياسيين. كما لا يتم الربط بينهما وبين ثورة 23 يوليو. وبالتالي لا يتم استخلاص الدلالات. ولا يتم رؤية عنصر الامتداد والتواصل بين تلك المراحل الثلاث في تاريخ الحركة الوطنية المصرية. وينبغي توضيح أن قيادة هبة عام 1946 الشعبية كانت للشيوعيين بينما كان حزب الوفد حليفا. أما جماعة الإخوان المسلمين فكانت تقف مع الجهات المعادية لتلك الهبة. وهي الاستعمار والقصر الملكي والحكومات الرجعية.
قيادة الهبة الشعبية عام 1946:
وضع الشيوعيون شعارات تلك المرحلة وقاموا بتحديد جدول أعمالها. كما شكلوا "اللجنة الوطنية للطلبة والعمال". وهي الشكل التنظيمي الذي قاد الهبة الجماهيرية التي تصاعدت وبلغت ذروتها في 21 فبراير 1946. وتمثلت قيادة الشيوعيين في منظمتين هما "الحركة المصرية للتحرر الوطنى" وتسمى اختصارا "حمتو" أو" ح. م" ومنظمة "اسكرا" وتعني "الشرارة". ونتيجة نشاطهما المشترك آنذاك تم في مايو 1947 توحيد المنظمتين فى منظمة واحدة هى "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى"، ويرمز إليها باسم "حدتو". كانت تلك الهبة الشعبية شديدة التنظيم. وشملت أساساً القاهرة والإسكندرية. وكانت قيادتها الشيوعية هي التي حددت توجهاتها وصاغت شعاراتها. كما تمثلت قواها الجماهيرية الرئيسية في كل من الطلبة والعمال. وكانت مؤتمراتهم مشتركة ومظاهراتهم مشتركة.
تميزت الهبة الشعبية في عام 1946 عن ثورة 1919 في بعض الجوانب. فقد كان الوفد يريد منذ عام 1919 جلاء الاستعمار عن طريق المفاوضات. وفي 1946 طرح الشيوعيون فكرا وشعارات جديدة مثل شعار "الكفاح المسلح" لطرد قوات الاحتلال. وبدأ ذلك الكفاح بالفعل عام 1951 وفي بداية 1952. كما أدت تلك الهبة الشعبية إلى جلاء القوات العسكرية البريطانية عن القاهرة والاسكندرية وتمركزها في منطقة قناة السويس وفي التل الكبير بمحافظة الشرقية. واختفت بذلك معسكرات القوات البريطانية التي كانت في قلب القاهرة، أي في ميدان الاسماعيلية في الموقع الحالي لمبنى جامعة الدول العربية والمنطقة المجاورة، أي منطقة ميدان التحرير الحالي.
لم يكن غريبا أن تقف جماعة الإخوان المسلمين مع رئيس الوزراء الطاغية اسماعيل صدقي باشا الذي بطش بالحركة الوطنية وبقادة هبة 1946 الشعبية. ففي10 يوليو 1946 قام اسماعيل صدقي بحملة اعتقالات ضد القوى التي قادت تلك الهبة، أي القوى التي أسست"اللجنة الوطنية للطلبة والعمال" ووجهت نشاطها. وشملت تلك الحملة 69 شخصا من بينهم 7 سيدات. وأصبح معظم الذين تم إلقاء القبض عليهم من رموز الحياة الفكرية والثقافية المصرية بما في ذلك مجالات إبداع الشعر والمسرح والرواية. ونكتفي بالإشارة إلى ان تلك القائمة ضمت أنور عبدالملك، أحمد رشدي صالح، سلامة موسى، شهدي عطية، عبدالرحمن الشرقاوي، لطيفة الزيات، كمال عبدالحليم، محمد مندور ونعمان عاشور. كما قام اسماعيل صدقي بمصادرة وإغلاق روابط واتحادات ومراكز ثقافية وفكرية ومن بينها "رابطة فتيات الجامعة والمعاهد"، "اتحاد خريجي الجامعة"، "مؤتمر نقابات عمال القطر المصري" و"دار الأبحاث العلمية" التي تأسست في أول مايو1943. وكان يشرف عليها شهدي عطية.
وفي أعقاب تلك الحملة ضد القوى الوطنية ظهر مباشرة على الملأ تأييد جماعة الإخوان المسلمين لرئيس الوزراء الطاغية. فقد وقف أحد قادة جماعة الإخوان وعبر عن تأييدهم لاسماعيل صدقي وفي حضوره قائلا: "واذكر في الكتاب اسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا". هكذا تعود الإخوان على تأييد ومنافقة الحكام الرجعيين الطغاء المعادين للشعب ولقضية تحرره.
حول فترة حكم الوفد خلال1950-1952:
خلال الفترة السابقة على ثورة 23 يوليو حدث تحالف عملي بين الشيوعيين وحزب الوفد. وكان آنذاك يدور صراع بين جناح يساري في حزب الوفد متمثلا في "الطليعة الوفدية" وبين جناح يميني يقوده فؤاد سراج الدين باشا الذي تولى سكرتارية الوفد بعد وفاة صبري أبوعلم عام 1947. وكان عبدالسلام فهمي جمعة قد تولى قبله ذلك المنصب لفترة قصيرة. وكان من رموز الجناح اليساري في الوفد محمد مندور وعزيز فهمي. ونتيجة اتساع نطاق الحركة الجماهيرية استجاب النحاس باشا للضغط الشعبي وألغى في 8 أكتوبر1951 معاهدة 1936 التي كانت تربط مصر ببريطانيا. في أعقاب إلغاء معاهدة تمت دعوة العمال المصريين للانسحاب من عملهم في المعسكرات البريطانية. وانسحب بالفعل 80 ألف عامل. وقامت الحكومة بتعيينهم في مؤسسات حكومية. وانطلقت عمليات الكفاح المسلح في منطقة قناة السويس. وشارك فيها الشيوعيون أي منظمة حدتو على وجه التحديد دون غيرها وحزب مصر الفتاة والوفديون. ولم يشارك فيها الإخوان وأبلغوا الملك فاروق بذلك. ولم تتوقف عمليات الكفاح المسلح إلا بعد مؤامرة حريق القاهرة في 26 يناير 1952. وكانت المخابرات البريطانية وجماعة الإخوان المسلمين وراء تدبير تلك المؤامرة وإشعال الحرائق بقصد إخماد الحركة الوطنية المتصاعدة وإيقاف عمليات الكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال بمنطقة قنال السويس.
إن تخلي حكومة الوفد عن أسلوب المفاوضات ووقوفها في صف عملية الكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال شكل منعطفا هاما. ومن علامات ذلك المنعطف اشتراك رئيس الوزراء الوفدي مصطفى النحاس باشا في المظاهرة المليونية في 14 نوفمبر1951 التي حملت اسم "موكب الشهداء". وشارك فيها الوفد وحدتو ومصر الفتاة. وتم الاتفاق أن يتم رفع شعارات وطنية عامة وليس شعارات حزبية. ولم يشارك الإخوان المسلمون في المظاهرة. فقد كان القصر الملكي يستخدمهم دائما ضد الوفد وضد القوى التقدمية. إن الواقع يشير إلى أن تلك الفترة من حكم مصطفى النحاس قد شكلت مقدمة لثورة 23 يوليو 1952.
ثورة 23 يوليو1952 تنجز الاستقلال:
تحقق بعد ثورة يوليو 1952 الاستقلال الوطني. واكتمل بذلك هدف ثورة 1919. وهو التحرر والاستقلال. وإن أكثر ما يعنينا هنا هو أن ثورة يوليو كانت حلقة رئيسية في حركة التحرر والاستقلال الوطني. ومن هذا المنطلق أيدت منظمة حدتو الشيوعية قيام ثورة 23 بوليو بوصفها حركة وطنية، بل شاركت في التحضير لها وفي تنفيذها. لكن غاب عن البعض ومن بينهم يساريين أن ثورة يوليو هي وليدة الحركة الوطنية المصرية. ولذلك أعلنوا معارضتهم لها. وعلى سبيل المثال فإن المفكر الاقتصادي سمير أمين الذي كان عضوا في حزب "الراية" استخف بموقف حدتو وخلفياته التي جعلتها تؤيد الثورة لحظة قيامها. فعل ذلك رغم معرفته بدور حدتو وعلاقتها الوثيقة بعبدالناصر من قبل قيام الثورة. بل أنه أقر في عام 2013 بذلك الدور عند حديثه عن اختيار عبدالناصر لأحمد فؤاد لرئاسة بنك مصر بهدف التحكم سياسيا في المجموعة الاقتصادية للبنك. وكان أحمد فؤاد قاضيا وعضوا باللجنة المركزية بحدتو ومسؤول الاتصال حزبيا بعبدالناصر قبل الثورة. وقد قال سمير أمين في كتابه "حول الناصرية والشيوعية المصرية" الصادر عام 2013 ما يلي عن أحمد فؤاد:
"كان قبل ذلك مسؤولا عن الرجل الذي أصبح فيما بعد الرئيس عبدالناصر وذلك داخل تنظيم شيوعي. وقد اختاره مرؤوسه السابق ليمسك بزمام توجيه المجموعة السياسسي". ويقصد مجموعة بنك مصر. ولا أدري لماذا أخفى سمير أمين اسم التنظيم الشيوعي الذي تحدث عنه مع أنه يعرف أن ذلك التنظيم هو "حدتو"؟ كما يجب تصويب كلام سمير أمين ونقول إن أحمد فؤاد كان مسؤول الاتصال والتنسيق بين حدتو وعبدالناصر ولم يكن رئيسا له.
لقد وصف سمير أمين ثورة يوليو بالانقلاب العسكري. كما لم ينتقد فكر حزبه الذي قال إن قادة ثورة يوليو "يلعبون دور البورجوازية الكبيرة". وعلاوة على ذلك تستر على قيام حزبه بربط ثورة يوليو "بمبعوث العناية الأمريكية لتحطيم ثورة الشعب". اتخذ سمير أمين تلك المواقف رغم أن خبرته ومعرفته بالمجال الاقتصادي اكتسبها خلال عمله باحثا في المؤسسة الاقتصادية. وهي مؤسسة أنشأتها ثورة يوليو لإدارة الممتلكات والشركات البريطانية والفرنسية والبلجيكية التي تم تأميمها في عامي 1956-1957، أي عندما تم العدوان على مصر عام 1956.
كما أن د. فؤاد مرسي أبرز زعماء حزب الراية ربط بين ثورة يوليو وأمريكا في مطبوعة صادرة عن حزبه بتاريخ 27 يوليو 1952. وكان ذلك تحت عنوان "الخدعة الكبرى: انقلاب عسكري فاشي يجر الشعب إلى الحرب". وقال فؤاد مرسي تحت ذلك العنوان إن قادة حركة الجيش "يلعبون دور البورجوازية الكبيرة التي تصفي الثورة"، وأنهم "دعاة للاحتكارية أعوان الاستعمار". كما قال إن "محمد نجيب ديكتاتور العصر ومبعوث العناية الأمريكية لتحطيم ثورة الشعب".
من الواضح أن أصحاب تلك الكلمات لم يدركوا أن عبدالناصر كان حلقة هامة في الحركة الوطنية ولم يكن منقطع الصلة عن تاريخ تلك الحركة وتراثها. غير أن سمير أمين ربط فيما بعد وبشكل ما بين عبدالناصر والحركة الوطنية. لقد كان عبدالناصر وثيق الصلة بتراث الحركة الوطنية. ومن بين ذلك التراث البرنامج الذي وضعه شهدي عطية وعبدالمعبود الجبيلي في أربعينات القرن العشرين. وذلك في كتاب "أهدافنا الوطنية". فقد طالب ذلك البرنامج على سبيل المثال بالجلاء وبحريات ثلاث، وبأن تتملك الدولة الدولة المشروعات الكبيرة وأن يتم مصادرة أراضي الاقطاعيين.
إن قيام ثورة يوليو بإصدار قانون الاصلاح الزراعي بعد قيامها بأسابع قليلة يعني أن صلة عبدالناصر الفكرية والعملية بالتراث الوطني كانت قائمة. فلم يكن عبد الناصر غريبا. ولم يكن أمريكيا. ولم يخترع شيئا خارج السياق الوطني. ولم يهبط من السماء. لهذا صدر قانون الاصلاح الزراعي وتحديد ملكية الأراضي الزراعية خلال فترة وجيزة. فقد صدر تحديدا في 9 سبتمبر 1952، أي بعد 6 أسابيع فقط من قيام ثورة 23 يوليو. ولا جدال في أن حدتو كانت أحد العناصر التي شاركت في صياغة تلك الأوضاع وتحديد معالمها. لهذا اتخذت موقفا مؤيدا لثورة 23 يوليو منذ لحظة قيامها. اتخذت هذا الموقف في مواجهة معارضة كافة الأحزاب الشيوعية في الخارج وجماعات يسارية في الداخل. كما كانت حدتو في نفس الوقت هي القوى الرئيسية التي وقفت ضد كبت الحريات وحل الأحزاب السياسية في يناير1953. ودفعت ثمنا غاليا بسبب موقفها هذا.
فى تلك الفترة وقف الإخوان والإقطاعيون والأمريكان إلى جانب منع إقامة حياة نيابية. وكان هؤلاء جميعا يرون أن عودة الحياة النيابية ستؤدي إلى عودة حزب الوفد للحكم وإلى إتاحة المجال للقوى الوطنية الديمقراطية لممارسة نشاطها السياسي والنقابي والثقافي الفعال. لهذا اتفق الإخوان المسلمون والرجعيون في الداخل والأمريكيون في الخارج على تأييد حل الأحزاب وعدم إقامة حياة نيابية. وسارت في نفس الاتجاه الصحافة الرجعية مثل دار أخبار اليوم ورموزها مصطفى وعلي أمين ومحمد حسنين هيكل وأستاذهم محمد التابعي.
بعد فترة قصيرة رفضت أمريكا تسليح مصر، كما وقفت ضد تمويل بناء السد العالي. وقام عبدالناصر بتأميم قناة السويس، وتم العدوان الثلاثي على مصر انتقاما في عام 1956. هكذا كان مسار الحياة السياسية فى ذلك الوقت. وهو ما يوضح أن تطور عبدالناصر كان طبيعيا وفي ارتباط بمسار الحركة الوطنية. كما أن حدتو كانت جزءا فاعلا فى الأحداث وصاحبة فكر يدحض الأقكار الخاطئة التى رددها البعض. وقد تخبط هؤلاء كثيرا بين اليسارية المتطرفة واليمينية الذيلية. لقد قالوا إن نظام عبدالناصر فاشى امريكى ويمثل البرجوازية الكبيرة. لكن عبدالناصر لم يكن أمريكيا، وإنما كان استمرارا للحركة الوطنية المصرية. كما قام بتأميم البنوك وشركات التأمين والشركات الصناعية الكبرى.
التزام عبدالناصر بالبرنامج الاقتصادي الاجتماعي:
إن معارضتنا للنهج غير الديمقراطي لحكم عبدالناصر لا يدفعنا إلى إنكار أنه التزم بجانب جوهري من البرنامج السياسي الاقتصادي الاجتماعي الذي وافق عليه مع حدتو بشكل خاص ومع توجهات الحركة الوطنية بشكل عام. وتمثلت أهم عناصر البرنامج والتوجهات فيما يلي على وجه التحديد:
1- تحقيق استقلال اقتصادي وتنمية اجتماعية توفر درجة من العدالة الاجتماعية التي نص عليها برنامج الضباط الأحرار.
2- رفض الاشتراك في أي أحلاف عسكرية.
ويمكن أن نستعرض الآن ما تم انجازه بدءا من قيام ثورة 23 يوليو حتى عام 1956.
أولا: الفترة بين 23 يوليو1952 ونهاية ديسمبر1952:
أصدر مجلس قيادة الثورة خلال تلك الفترة القرارات التالية:
1- صدور قانون الاصلاح الزراعي في 9 سبتمبر1952.
2- قرار في أكتوبر 1952 بإنشاء المجلس الدائم للانتاج لدراسة المشروعات الاقتصادية الكبرى.
3- قرار ببدء دراسات إنشاء السد العالي صدر في أكتوبر 1952.
4- قانون العمل الفردي في ديسمبر1952.
5- قانون النقابات العمالية في ديسمبر1952.
6- تخفيض ايجارات المساكن بنسبة 10%.
ثانيا: تطورات خلال الفترة الانتقالية 1953-1956:
فيما يلي أهم التطورات الايجابية في تلك الفترة:
1- في 9 أبريل 1953 صدر مرسوم بقانون لحماية العمال من الفصل التعسفي.
وينبغي التنويه بأنه أثناء مناقشة القانون هدد خالد محي الدين وهو من أبناء حدتو بالاستقالة من مجلس قيادة الثورة إذا لم يتم منع الفصل التعسفي وحماية العمال الذين يقومون بنشاط نقابي.
2- صدر في 18 يوليو1953 قرار بإلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية.
3- تقرر في 8 نوفمبر 1953 مصادرة ممتلكات وأموال ومجوهرات وأوسمة ونياشين العائلة المالكة. وتم ترك المسكن الشخصي حتى ولو كان قصرا علاوة على مجوهرات للاستخدام الشخصي.
4- في 14 يناير 1954 تم حل جماعة الإخوان المسلمين.
5- في يونيو 1954 تم تأسيس شركة الحديد والصلب بحلوان على مساحة 3500 فدان.
6- في يونيو1954 صدر قانون حماية المؤلف.
7- في 1955 تم عقد صفقة الأسلحة مع تشيكوسلوفاكيا وبموافقة الاتحاد الاتحاد السوفيتي.
8- في سبتمبر 1955 صدر قرار بتوحيد القضاء وإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية وتحويل القضايا إلى المحاكم الوطنية.
9- في يوليو 1956 تم تأميم قناة السويس.
في أعقاب هذا التأميم تعرضت مصر بدءا من يوم الأحد 28 أكتوبر 1956 للعدوان الثلاثي. واحتلت القوات البريطانية والفرنسية مدينة بورسعيد. لكن سرعان ما انسحبت في 23 ديسمبر 1956، أي بعد أقل من شهرين. وكان ذلك نتيجة عدة عوامل. أولها المقاومة الباسلة في بورسعيد ضد القوات البريطانية والفرنسية، والإنذار السوفيتي للدول المعتدية، والتضامن الدولي مع مصر.
لم ينحصر دور ثورة 23 يوليو في استكمال ثورة 1919 بل أنجزت معظم أهدافها الأخرى. ومن بينها أهداف وطنية مثل محاربة الأحلاف العسكرية الاستعمارية ودعم حركات التحرر الوطني. كما أنجزت أهدافها الاقتصادية الاجتماعية خاصة في مجالات التصنيع والتنمية.



#أحمد_القصير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسباب وعواقب الأزمة بين عبدالناصر والشيوعيين في 1958 و195
- الأدب والوعي الاجتماعي في اليمن


المزيد.....




- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - أحمد القصير - مراحل استكمال ثورة 1919 عبر منظمة حدتو وحزب الوفد وثورة 23 يوليو