أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - القمع بالمغرب















المزيد.....



القمع بالمغرب


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 4557 - 2014 / 8 / 28 - 12:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


( وامحمّداه : هل يعلم جلالة الملك ان الجبان الرديء و الحقود الحسود المدعو الشرقي ضريس ، والمجرم المدعو نور الدين بن ابراهيم ، مستشار الشرقي ضريس في الشؤون الخسيسة والرديئة والحقيرة ، يستعملان اجهزة الدولة ويستغلانها في تصفية الحسابات ، وفي الاعتداء على الناس بالانخراط مع جوقة من الكلاب الضالة في تشويه سمعتي ، وفي اصدار الاوامر شفاهة حتى لا تبقى هناك ادلة ، الى الادارة العامة للأمن الوطني ( الدائرة الرابعة للشرطة – المحيط - ) في التلاعب و تحريف بحث عن اتجاهه الصحيح ، حتى ينتهي به الامر الى الحفظ ؟ هل يعلم جلالة الملك ان الفساد بلغ قمته حين لا يتردد المدعو الشرقي ضريس في اصدار الاوامر لتكسير ضلوع المعطلين حملة الشواهد العليا ، في حين لم يخجل حين عيّن اخاه عاملا على اقليم سيدي بنور ، وعيّن اخ له يدعى عمر ، لا شواهد له ( كان كيتسخر ) خليفة قائد ، وفي ظرف وجيز جدا رقّاه الى رئيس دائرة ، ورغم بلوغه سن التقاعد منذ اكثر من خمس سنوات ، ظل يزاول بعد ان كان يمدّد له ، إلى ان تم تعيينه مؤخرا مندوبا ( مديرا ) لوزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية بجهة مراكش تانسيفت ؟ حلال عليه وحرام على الآخرين ؟ هل يعلم جلالة الملك ان المدعو الشرقي ضريس لما كان يزاول كقايد رئيس الكتابة الخاصة لغير المأسوف عن ذهابه عبدالسلام الزيادي ، كان يختلي بكاتبات مصلحة المستندات العازبات والمتزوجات ، بل وهو متصرف ممتاز و ( رجل ) سلطة ، ضبطه المخزني المسمى الصديق ، وهو يمارس على الكاتبة ( م ) بمكتب غير المأسوف عن ذهابه عبدالسلام الزيادي ، وهي الفضيحة التي كانت قنبلة بين اطر وموظفي مصلحة المستندات بمديرية الشؤون العامة والولاة ؟ هل يعلم جلالة الملك ان المدعو الشرقي ضريس الذي التحق بوزارة الداخلية كمجند في اطار الخدمة المدنية في سنة 1977 ، جاء خاوي الوفاض ، مما يتوجب معه الامر ، ان نطرح عليه سؤالا مشروعا : من اين لك هذا ؟ وهو السؤال الذي يجب طرحه على كل من اثرى ثراء فاحشا على حساب الادارة .
فانطلاقا من هذا المنبر التقدمي ادعو جلالة الملك الى السهر على سلامتي الجسدية والجسمانية والروحية والمعنوية كما ينصص على ذلك الدستور ، كما اشهد جلالة الملك والرأي العام المغربي ، انني احمل هؤلاء المجرمين ومن لفّ لفّهما من مجمع الرداءة برئاسة ابّا احماد رئيسهما المباشر ، و المعتدي والظالم الاول ، المسؤولية الجنائية والمدنية ، عن اي اعتداء اجرامي قد اتعرض له من طرف ( مخبول ) او ( احمق ) مجرم ، كما احمل هؤلاء جميعا المسؤولية الجنائية والمعنوية عن اية جريمة قد تحصل في اطار الدفاع الشرعي عن النفس . وإن حصل شيء من هذا ، اعتداء او دفاع شرعي ، فاني ارفض اي تحقيق تنجزه الادارة العامة للأمن الوطني التي يملكها الشرقي ضريس ، بسبب تلاعبهم اثناء التحقيق في الملف الاول ( ملف عدد 29653 – 21 / 10 / 2013 ) ، وأدعو جلالة الملك ان يوكل القضية الى الفرقة القضائية للدرك الملكي ، واني مستعد ان اسهل عليهم المأمورية في سرعة قياسية لا تتعدى بضع ساعات ، حتى نصل الى الحقيقة ، ويوضع الملف لدى المحكمة لتطبيق القانون . ان الصراع متواصل مع هؤلاء المجرمين ، لا تنازل ، لا تراجع ، الى ان يبزغ الحق ويخسأ الباطل . هم يمارسون الشطط باستعمال الاجهزة البوليسية في الاعتداء وفي تصفية الحسابات وفي تشويه سمعة الناس ، لكن ينقصهم سلاح آخر هو القلم السيّال اقوى سلاح ضارب . ان الله فرق بينكم درجات في الرزق إن كان حلالا طيبا وليس سرقة مال عام ، كما فرق بينكم في العلم والمعرفة ، فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون . ابدا حاشا ما عاد الله . ) .
ان مجرد ذكر كلمة قمع تعني كلمة عنف ، حيث ان العنف هو القمع ، والقمع هو العنف . وبالرجوع الى تاريخ انشاء المجتمعات ، يتبين ان القمع الذي هو العنف ممارسة وظاهرة ، مواكب لهذا الانشاء المجتمعي ، لأنه بدون وجود مجتمع متصارع لا يمكن تصور حدوث قمع او عنف . واذا كان العنف يتخذ اشكالا عدة ، فان اخطره هو الاغتيال او القتل . ان اول جريمة حصلت في تاريخ الانسانية هي حين قتل هابيل اخاه قابيل بسبب لذة جنسية ، وقد نعتبر اخراج الله آدم من الجنة بسبب اكله تفاحة ، وليس بسبب سرقة المال العام هي اول قمع سلطه الله عليه لعصيانه اوامره وتمرده عليه بعد ان زين له ( الشيطان ) مآربه .
وبما ان موضوعنا يخص المغرب ، نكاد نقول ان القمع الذي هو العنف لازم ازمنة مختلفة واتخذ اشكالا عدة ، وهو ، اي القمع او العنف ، مارسته جميع الفرق في خضم الصراع السياسي الذي كان محتدما بين مختلف الفرق السياسية . واذا كانت التنظيمات تلجأ عادة الى العنف والقمع للإجهاز على الطرف المعارض ، سواء داخل التنظيم بين رفاق الدرب الواحد ، او بين التنظيمات بعضها ضد بعض عند تنافسها في انتخابات ، او تنافسها في السيطرة على اطار من الاطارات الموازية ، مثل الصراع الذي كان يدور بين مختلف الفصائل الطلابية للسيطرة على المنظمة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، إلاّ ان خصوصيته ، انه يبقى محدودا في الزمان والمكان ، ومن ثم فمهما بلغت درجة هذا العنف او القمع ، فانه لا يصل الى قمع الدولة التي تمتلك كل وسائل القمع من تنظيمية ومادية وإيديولوجية ، وتواجه به كل المجتمع ، وليس فقط تنظيم من التنظيمات .
وبالرجوع الى القمع والعنف المستعمل من قبل التنظيمات ، سنجد ان هذه استعملت كل الوان العنف لقمع رأي معارضيها وتهميشهم في الساحة السياسية ، وقد بلغت اساليب العنف والقمع حد الاغتيال او القتل . مثلا استعمل حزب الاستقلال اسلوب القتل عندما اجهز على اكثر من ثلاثين مناضلا منتمين الى الحزب اللبرالي المغربي لصاحبه محمد بن الحسن الوزاني بقرية حد كورث ، كذلك استعمل حزب الاستقلال القمع في دار بريشة ضد معارضيه من الفرق السياسية الذي رفضت وصايته على الحركة الوطنية .
ودائما ، وفي نفس السياق ، مارست قيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية القمع والعنف ضد اليساريين الذين كانوا يطالبون بتوضيحات عن المفاوضات التي فتحتها القيادة ، وبدون الرجوع الى القواعد مع النظام ابان انتفاضة 23 مارس 1965 ، وهو نفس القمع تعرض له يساريو حزب التحرر والاشتراكية ، حيث لم يترك فرصة من الفرص تمر دون ان يطالب علي يعتة من النظام اقتلاع اليسار من الجذور قبل ان تستفحل الازمة ويصبح منتشرا في الاوساط النقابية والطلابية والجمعوية .
في هذا الصد دائما استعمل المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي القمع والعنف ضد التيار الراديكالي الذي كان تمثله مجموعة اللجنة الادارية الوطنية ، بل لقد استعانوا بالسلطة في تعنيفهم لمعارضيهم الذين رفضوا المشاركة في الانتخابات التشريعية في سنة 1983 ، وتطور الصراع بان دخل الراديكاليون السجن ، ودخلت جماعة المكتب السياسي الحكومة والبرلمان .
دائما وفي نفس السياق استعمل عبدالاله بنكيران العنف لقمع لجنة التنسيق الطلابي التي دعت اليها الفعاليات الطلابية لتحضير المؤتمر الوطني السادس عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب بالمعهد الكبير في سنة 1978 ، وقد شن بنكيران هجومه مستعملا السكاكين والهراوات مما ادى الى فض الاجتماع المذكور .
لقد تعدى استعمال العنف من قبل التنظيمات السياسية ضد بعضها البعض ، الى الاغتيالات . مثلا قامت منظمة الشبيبة الاسلامية باغتيال عمر بن جلون، كما اعدت لوائح للاغتيالات تضم اساتذة وطلابا من اليسار بدعوى الزندقة والكفر . قام كوماندو من تنظيم جماعة العدل واللاحسان باغتيال المناضل اليساري المعطي و آيت الجيد بنعيسى ،وهنا دائما يجب الاشارة الى اغتيال كمال الحسيني المنتمي لمنظمة الى الامام . كما دأب الطلاب الاسلاميون واليساريون على تبادل العنف بمختلف المواقع الجامعية ، وتبادل العنف بين اليساريين و الطلاب البرابرة بعدة مواقع مثل الراشيدية واكدير مراكش ، وهنا لا ننسى العنف المتبادل بين الطلبة الصحراويين والطلبة الامازيغيين بالأحياء الجامعية مثل مراكش اكادير الراشيدية والرباط .
اما الامثلة عن القمع الايديولوجي والتنظيمي فنذكر بما ردده عبدالرحيم بوعبيد في حق رفاق الفقيه محمد البصري " ارض الله واسعة " وهي نفس العبارة استعملها عبدالرحمان اليوسفي في حق مجموعة الوفاء للديمقراطية برئاسة الاستاذ الساسي .
وحتى لا يفوتنا المقام نذكر كذلك بما سبق للمرحوم عبدالرحيم بوعبيد ان ردده في وجه مجموعة راديكالية حين قال له فجري الهاشمي " ان الاتحاد حزب طبقي " فرد بوعبيد وبسرعة قياسية قائلا " ان الاتحاد حزب عربي " ، ومن يفهم عقل بوعبيد جيدا ، فهو كان يحيل الى الاطر البعثية اليسارية التي اعدمها صدام حسين بدم بارد .
وقبل ان ننتقل الى قمع الدولة الاشد قسوة وبطشا ، لا بد ان نذكر بمسؤولية اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال التي كان ضمنها الجناح البرجوازي الصغير في تصفية عباس المسعدي ، وفي تصفية العديد من المقاومين الذين رفضوا وصاية حزب الاستقلال بشوارع الدارالبيضاء مباشرة بعد الاستقلال . كان هذا لمحة على سبيل الاستئناس قبل ان نركز على قمع الدولة التي تملك الاجهزة الايديولوجية والمادية والتنظيمية من بوليس وجدرمة وجيش وسلطة ومخبرين متعددين ، حيث يشمل قمعها السياسي والاقتصادي والإيديولوجي المجتمع كله ، وليس فقط جزءا منه .
ان التطرق الى موضوع القمع بالمغرب او في اي بلد آخر ،يثير طبعا ، عدة قضايا نظرية منها بالأساس ، التحليل الوظيفي والطبقي لتحديد الطبقة التي تمارس القمع ، والطبقات الكادحة التي تعاني منه ، ومنها كذلك طبيعة الدولة كأداة وأجهزة قمعية ، ومنها مسألة الديمقراطية عامة ، وضرورة التمحيص في مفاهيم " الامن " والحريات الفردية . إلاّ ان هذه الدراسة لا تهدف بالأساس الى تناول الموضوع بهذا العمق والشمولية ، رغم اهميتها ، لان هذا يتطلب بحثا اكثر عمقا قد ننكب عليه مستقبلا . لذا سنقتصر في هذا البحث فقط على استعراض اهم الاساليب التي تلجأ اليها حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية في صراعها من اجل الاستمرارية والبقاء ، مستندين الى بعض الخلاصات التحليلية كنتائج متداولة ومسلم بها . وقبل ان نشرع في معالجتنا للإشكالية ، نشير الى ان لكل زمان حكومة اقطاعه السياسي الاستبدادية ، ومنذ سنة 1956 تربعت على حكم المغرب العديد من هذا النوع من الحكومات ، فكانت هناك حكومة مبارك البكاي ولحسن اليوسي و ادريس المحمدي وزير الداخلية في عهد امبارك البكاي لهبيل الذي نكل بالمعارضين ، وكانت حكومة الجنرال محمد افقير الغازي بعزات و احمد الدليمي ، ثم بعد مقتله استمرت تلك الحكومة برئاسة الدليمي ، وبعد مقتله كذلك انتقلت حكومة الاقطاع الى غير المأسوف عن ذهابه ادريس البصري ، وزمرته المكوّنة لمؤسسة الاقطاع التي كانت تتكلم باسم وزارة الداخلية ، في حين ان لا علاقة لهذه الوزارة بجرائم مؤسسة البصري ، وبعد ان تم ابعاده من طرف الملك محمد السادس ، جاءت حكومة الهمة الشرقي ضريس والطيب الفاسي الفهري وآخرون ، والتي لا تزال تفعل فعلتها بطرق غاية في البشاعة . ان ما يفرق بين هذه الحكومات ، هو ان حكومة الهمة الضريس وجدت الساحة فارغة من معارضة الستينات والسبعينات القوية ، مما مكنها من بسط يدها على كل مرافق الدولة بأسلوب ماكر يؤسس لدكتاتورية حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية . واذا كانت هذه الحكومة ، وبفعل التحولات الدولية في ميدان حقوق الانسان ، وبفعل القضية الوطنية التي تعتبر حاجزا واقيا من شطط تسلط هذه الحكومة ، التي لو لا هذه القضية التي تتحكم في التوازنات السياسية ، لكنا اليوم نرفل في استبداد لن يضاهيه إلاّ الاستبداد القبيح الذي ساد الشرق منذ بداية القرن الماضي ، وحتى ثورات الاستقلال التي لم تأت بأنظمة ديمقراطية ، بل جاءت بأنظمة اكثر استبدادية ودكتاتورية .
ان من بين الخلاصات التحليلية التي توصلنا اليها كنتائج متداولة ومسلم بها ، نستحضر بادئ ذي بدء ، الظروف العامة التي دخل فيها الاستعمار البلاد – بهدف احتلالها عسكريا – في جو من الانتفاضات الشعبية العارمة ، المسلحة منها وغير المسلحة ، ضد السلطة المركزية الضعيفة التي وضعها الشعب برمته في قفص الاتهام على اثر تخاذلها وعجزها عن حفظ السيادة الوطنية ، بل تواطئها المكشوف مع الاستعماريين ،في توقيع عهد الحماية ، مقابل حفظ مصالحها ومصلحة حفنة من الاقطاعيين الذين ترتكز عليهم . ولا يخفى على احد الظروف التي تم فيها خلع السلطان عبد الحفيظ تحت الضغط الشعبي والنضال الجماهيري ، والفرصة الاخيرة التي ’اتيحت للملكية كحكم ، في شخص السلطان عبد العزيز الذي لم تتم مبايعته إلاّ تحت شروط محددة – كتابيا – ، وعلى رأسها تحمل المسؤولية في العمل على توقيف التدخل الاستعماري ، وتنظيم الجهاد من اجل طرد الاجنبي . إن تخاذل السلطان الجديد في القيام بالمهمة الملقاة على عاتقه ، كنظام ، بل واستمراره يهادن الاستعمار بسبب ضعفه ، هو الذي اجج انتفاضة الجماهير ، ودفع بها وحرّكها في اتجاه العمل المباشر من اجل اسقاط نظام السلطان عبد العزيز في ذلك الوقت ، اي اسقاط نظام ملك لصالح ملك آخر ضمن استمرارية النظام كملكية وليس جمهورية . ومن الثابت تاريخيا ، ان تدخل القوات الاجنبية الفرنسية ، هو وحده الذي تمكن من توقيف الانتفاضة المسلحة الزاحفة من الجنوب المغربي ، كما تمكن من فك طوق الحصار العسكري الذي فرضه الشعب على العاصمة فاس ، لإسقاط الاقطاع السياسي المتواطئ . ان الثورات التي عرفها المغرب كانت بفعل التخلي عن عقد البيعة الذي يربط السلطان بالشعب ، وكانت ضد السلطان والملك الضعيف ، ولم تكن ضد الدولة كدولة ، او كانت ضد الوحدة الترابية للمملكة .
ننتقل الآن مباشرة الى ظروف الاستقلال لنؤكد خلاصة ثانية مرتبطة بالأولى ، وهي ان الاستعمار عندما اقبل على تغيير اساليبه تحت ضغط النضال الوطني البطولي ، بعدما يناهز نصف قرن من الاحتلال المباشر ، والتجأ الى اسلوب الاستعمار الجديد ، فإن انجاح هذا التحول كان يفترض بالنسبة اليه ، ايجاد طبقة محلية يعتمد عليها كوسيط – ومستغل في نفس الوقت – لتمديد استنزافه لخيرات البلاد الى ابعد حد ممكن ، وشدها اليه بحبال التبعية ، مع ضرورة توفير الادوات والأجهزة اللازمة لذلك ، ومن ثم اقباله على تسليم شرعية الحكم من جديد لحليفه المحلي ، مع حرصه على صيانة اجهزة الدولة الاستعمارية كما هي ، وخاصة منها الاجهزة البوليسية القمعية . وليس من المبالغة في شيء القول بان اجهزة القمع المغربية الراهنة من شرطة ، ومخابرات ، وفرق خاصة ، وإدارة ترابية ، و جدرمة .. لخ هي بالأساس من صنع الاستعمار ، تم تسليمها ووضعها بين ايدي حلفاءه ، واستمر تطويرها وتجديد اساليبها بتأطير مباشر او غير مباشر من طرف الخبراء الاجانب الى يومنا هذا من العشرية الثانية من الالفية الثالثة . لقد اعتبرت هذه الاجهزة كلها ، هي الضمانة الحقيقية والعملية ، زيادة على الضمانات الطبقية والسياسية لإنجاح خطة الانتقال الى مرحلة الاستغلال بأسلوب الاستعمار الجديد .
هكذا ، فان اجهزة القمع الراهنة لم تكن في اصلها نتاجا محضا لتطور الصراع الطبقي الداخلي ، بل هي بالأساس اجهزة اوجدها الاستعمار لفرض استمرار النظام السياسي المغربي تحت مظلته ، عن طريق العنف والإكراه – علما بان النظام الاستعماري نفسه لا شرعي من الدرجة الاولى – ثم تمت " مغربتها " في مرحلة لاحقة ، مع استمرارها في نفس الوظيفة التي انتقلت من حماية السلطان الى حماية حكومة الاقطاع السياسي والاستبداد ، زيادة على توفير شروط النهب والاستغلال الفاحش ، من خلال ابعاد الجماهير عن مراكز التقرير ، وتزوير ارادتها ، وضرب نضالها ومقاومتها ، وباختصار : ضمان بقاء حكومة الاقطاع السياسي المطلقة عن طريق القمع والعنف بشتى الاساليب . ونحن هنا حين نتكلم عن هذا التحول ، فلأن هناك فرق بين الملك كملك ، وبين حكومة الاقطاع السياسي المستغلة للملك في خدمة مآربها الخاصة باسم الدفاع عن الملك وليس عن الدولة التي تبقى معرضة لكل الاخطار بسبب الانفجارات الشعبية والثورات القبائلية التي عرفها تاريخ المغرب .
ومجمل هذه الخلاصات النتائج ، ان لها بالتأكيد انعكاسات على طبيعة القمع الذي يمارس في بلادنا ، وطبيعة اجهزته المختلفة . وهذا ما سنحاول تبيانه من خلال استعراض موجز لأساليب القمع الممارس من قبل حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية ، كتجديد واستمرارية للإرث الاستعماري القديم الذي لا يزال يفعل فعلته بطرق تدل عليها طبيعة ونوع العلاقات التي تقام بين الراعي الاول الكلونيال الفرنسي ، وحكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية السارقة للدولة وللشعب . ؟
1 ) اسلوب العنف المباشر : التقتيل الجماعي ، الاغتيال ، الارهاب :
انه حقا السلاح الفتاك الذي كانت تلجأ له حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية المافيوزية والظالمة ، كلما مال ميزان القوى لصالح الجماهير الشعبية ، ونهضت هذه الاخيرة للتعبير عن سخطها والدفاع عن حقوقها ، إمّا في شكل انتفاضة شعبية ، او من خلال خوض النضال السياسي وصياغة شعاراته الثورية الصائبة وفقا لأهداف استراتيجية واضحة ، إذ ذاك تتخذ حكومة الاقطاع السياسي قرارها السياسي في اعلى مستوى ، لتسخير الاجهزة القمعية لممارسة اساليب العنف المباشر الآتية :
أ ) التقتيل الجماعي كما شاهدنا بشكل خاص في انتفاضة الريف في 1958 ، والدارالبيضاء في 1965 و 1981 ، و بمراكش والشمال في 1984 وبفاس في 1991 ، وكما حصل بمدينة صفرو إبّان حراك 20 فبراير ، وحصل بالحسيمة وبعدة مدن صغيرة بالمنطقة .
وتجدر الاشارة الى ان هذا الاسلوب له امتداداته وجذوره في الطريقة التي كان يواجه بها المخزن مقاومة الجماهير في المناطق الخارجة عن سلطته ، اي ما سمي ببلاد السيبة ، وغير متردد في تنظيم الحرب بالمعنى الحرفي للكلمة ، ضد الجماهير وتسخير جيشه الذي كان يتكون حتى من المرتزقة للهجوم على القبائل ، ومحاولة اخضاعها عسكريا ، ونهبها نهبا تاما ، وممارسة التقتيل الجماعي في حقها ، وكانت هذه وسيلته الوحيدة لضمان بقائه واستمراره .
كما ان نفس الهم في التسلط والبقاء ، والخوف من المستقبل ، يجعلان حكومة الاقطاع السياسي الحالية تلتجئ لنفس الاسلوب ، بالضبط عندما تهدد في وجودها ، وتطرح الجماهير اهدافها الاستراتيجية والمستقبلية الواضحة ، وتناضل وتتعبّأ من اجلها .
وليس من قبيل الصدفة ان نرى حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية ، خلال قمعها الدموي ضد الانتفاضات الشعبية ، تركز بشكل خاص على تقتيل الشباب والأطفال ، كما شاهدنا خلال انتفاضة 23 مارس 1965 ، وانتفاضة الدارالبيضاء في سنة 1981 ، وانتفاضة الشمال ومراكش في سنة 1984 وانتفاضة فاس في سنة ،1991 وانتفاضة 20 فبراير الاخيرة ، لأنه ، اي الشباب ، هم رمز المستقبل وقوته البشرية في نفس الوقت . كما انه ليس من الصدفة كذلك ، ان تدعو حكومة الاقطاع السياسي الى التنبيه والتحذير و التخويف من الشباب ، عندما ذهبت الى تحذير رؤساء الاحزاب في 1965 و 1981 و 1984 من خطر الشباب الذي يهدد جيلا برمته كحكم او كقيادات وطنية .
ب ) الاغتيال : ويستهدف اساسا المناضلين السياسيين او النقابيين او الذين يشكلون حرجا لحكومة الاقطاع السياسي او يشكلون رمزا للنضال السياسي ، ويجسدون طموحات الجماهير الكادحة في التغيير الجذري ، وبناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية ، زيادة على ما يقومون به من نضال صائب وفعال ، ويقدمونه من تضحيات في سبيل ذلك ، وما يلعبون من دور اساسي في توجيه النضال الشعبي وإنارة الطريق امامه ، وصياغة اهدافه البعيدة والقريبة ، بالكلمة والكتابة ، او من خلال الممارسة العملية في الساحة .
ان هذه كانت حالة المهدي بن بركة ، عمر بنجلون ، محمد بنونة ، دهكون ، عبداللطيف زروال ، امين التهاني ، ، عزيز بلال ، بول باسكون ، الطالب بنيس ممثل القاعديين في كلية العلوم بالرباط في بداية الثمانينات من القرن الماضي ، لحسن التامك ، عبدالرزاق لمروري محمد الودّان ، عبد العزيز النعماني .. لخ .
واذا كانت حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية تلجأ الى اغتيال المناضلين القياديين منهم والقاعديين ، فلأن نضالهم السياسي والاجتماعي لا يقل اهمية وخطورة بالنسبة اليها عن الانتفاضات والانفجارات الشعبية والجماهيرية الواسعة ، بل يلتقي معها في نفس التوجه : التوجه الاستراتيجي مرة اخرى ، الذي يرعبها ويهددها ، والذي يتوجب قمعه بأشرس الوسائل وأكثرها بدائية في نفس الوقت : الاغتيال والتقتيل الجماعي .
ج ) الارهاب المقنن على صعيد دولة الحكومة العميقة : ويشمل هذا مجموعة من الممارسات والأساليب ، تمهد للأساليب الاجرامية السالفة الذكر او تكملها ، ومن بينها : الاختطافات المنظمة والتي تجري في واضحة النهار ، وبتحد كامل للرأي العام الداخلي والخارجي ، والتعذيب الوحشي الذي يتعرض له المعتقلون السياسيون ، والذي اودى بحياة العديد منهم داخل السجون الرسمية كما في المعتقلات السرية ، وكذا اساليب التخويف والانتقام التي لا تمس المعني لوحده ، بل تذهب الى الانتقام من عائلته وأبناءه وأقاربه زورا وتعسفا ، والاعتقالات والمحاكمات الصورية التي يزخر بها تاريخ الاستقلال ، سواء منها المحاكمات السياسية الكبرى ، او تلك التي استهدفت المناضلين افرادا وجماعات ، والتي لم تتوقف وثيرتها حتى خلال هذه الحقبة سنة تلو اخرى ( في معرض الانتقام من العائلة والأبناء والإخوان والأخوات نعطي بعض الامثلة : بعد فشل انقلاب الصخيرات و انقلاب الطائرة تم طرد ابناء الضباط الانقلابيين من المدارس العسكرية المختلفة مثل اخوان الكلونيل الفنيري ، وطرد اخ الجنرال احمد الدليمي من وظيفته ككاتب عام ، ثم رمي عائلة افقير في غياهب السجون دون محاكمات ، ثم الانتقام من الجنود والضباط الانقلابيين ورميهم في سجن تزمامارت الرهيب بدون محاكمات ، والانتقام من عائلة وأبناء اللاجئ السياسي بلجيكا امين حمودة ، وهكذا ) .
والحقيقة ان احصاء كاملا لنتائج هذا القمع العنيف والمباشر خلال الربع قرن الماضي ، والى اليوم يحتاج الى مجهود خاص ، ويتطلب مجلدا كاملا ، إذا ما اراد الاحاطة بكل احداث التقتيل الجماعي ، والاغتيال والاختطاف والتعذيب والمحاكمات الصورية والإجراءات الانتقامية التي تعرض لها الشعب المغربي خلال هذه الحقبة وبملابساتها السياسية والاجتماعية .
سنكتفي اذن بالتأكيد هنا على ان هذا النوع من القمع ، يسلط اضواء كافية – من خلال الوقائع والأحداث المعاشة – على طبيعة حكومة الاقطاع السياسي القائمة بالمغرب ، كحكومة مطلقة استبدادية لن ولم تسمح طواعية بانتقال ولو جزء بسيط من السلطة القمعية الى ايدي الجماهير ، ولن تقبل سوى بالواجهات والمؤسسات الشكلية التي تخدم الاقطاع والاستبداد ، او تغطي على طبيعته وتمنحه التبريرات اللازمة لآجل التسلط والبقاء .
إلاّ ان اسلوب العنف والقمع المباشر هذا ، لا يمكن لحكومة الاقطاع ممارسته بشكل دائم وفي اي وقت وحين ، لأنه يشكل في الحقيقة سلاحا ذو حدّين ، غالبا ما يعود عليها بنتائج عكسية ، من خلال تأجيج التناقض الاساسي بين النظام الملكي وأوسع الجماهير الشعبية ، وترسيخ سخط ونقمة هذه الاخيرة ، فضلا عن تنمية التناقضات الداخلية للحكم نفسه ، وخلخلة اجهزته ، وتأثرها بانعكاسات التناقض الاساسي المذكور . ومن ثم فان حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية تعتبر هذا الاسلوب الاجرامي بمثابة السلاح الفتاك المفضل ، لكنه السلاح الذي يستعمل عند الضرورة فقط ، اي عندما يشرع ميزان القوى في التحول بشكل ملموس لصالح الشعب ، جماهيريا وسياسيا .. في حين انه يستعمل مجموعة من الاسلحة القمعية المتنوعة والمتجددة باستمرار ، والتي تكتسي خطورة وفعالية مماثلة من خلال استعمالها الدائم والمستمر في مستويات مختلفة ومتنوعة كذلك .
2 ) اساليب قمعية متنوعة ومتجددة :
في هذا السياق ، نرى حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية تجتهد باستمرار في تجديد وتنويع اساليبها القمعية الدائمة لكي تشمل كل المرافق ، وتضمن تأطيرا واسعا للمجتمع ، وتأثيرها فعالا في كل الاتجاهات ، الافقية والعمودية ، مكتسبة بذلك طابع التعميم والشمولية ، الى درجة يرتفع معها مفهوم القمع الى مرتبة مذهب وعقيدة في الحكم .
ونجد تطبيقات هذا المفهوم اولا في المستوى الاقتصادي من خلال استغلال فاحش ، وممارسات تعسفية ، كما نشاهد في المدن والبوادي ، من خلال انتزاع الاراضي وتفقير صغار الفلاحين وتشريدهم ، او من خلال تهميش ملايين المواطنين في المدن ، وسد آفاق الشغل والعيش في وجههم ، او تجاهل الحد الادنى من القوانين الاجتماعية بالنسبة للعاملين منهم .. لخ ، وما ظاهرة الهجرة المكثفة من البوادي الى المدن ، ومن البلاد عامة الى الخارج ، إلاّ تعبيرات بسيطة عن شراسة هذا القمع الاقتصادي الذي يستهدف اقتلاع جذور جماهير واسعة ، والزج بها في اوضاع المنفى الاضطراري سواء داخل البلاد او خارجها . وما ظاهرة الرشوة المعروفة ، بل المقننة والمشجعة من طرف الدولة وسرقة المال العام ، إلاّ تعبير بسيط كذلك ، عن طبيعة التعامل بين حكومة الاقطاع الاستبدادية الظالمة والمافيوزية وبين المواطنين ، قوامه الابتزاز والتعسف ، وخرق ابسط حقوق المواطنة .
اما على الصعيد الاجتماعي ، فغير خاف على احد ان سياسة التجهيل وحرمان ملايين الاطفال و الشباب من التعلم والمعرفة ، وتشجيع ظاهرة تفشي الانحلال الاجتماعي والضياع ( الاجرام ، الفساد ، تعاطي المخدرات ، التمييع ، السياحة الجنسية .. لخ ) ، كلها اساليب نصنفها ضمن القمع الاقتصادي – الاجتماعي المسلط على فئات واسعة من الشعب ، وكذلك بالنسبة للسياسة النخبوية في ميادين الصحة والشغل والسكن ... لخ .
واذا كان هذا النوع من القمع يسري في صفوف الجماهير الشعبية دونما تمييز ، فإننا نرى حكومة الاقطاع السياسي تلتجئ اليه احيانا بأهداف سياسية مبيتة ، كما تجلى ذلك في الخطة الجهنمية التي ’أعدت منذ العشرية النهائية من الالفية الثانية والتي ادت الى قتل العمل الحزبي لصالح الحزبوية ، وتحويل النقابات البورصية ( ك د ش ) و ( ا م ش ) و ( الفدرالية الديمقراطية للشغل – فداوش - ) الى معاويل لخدمة الحكومة العميقة والتآمر على القوت اليومي لجماهير الشعب المغربي ، وانه نفس المخطط نجح في تطويع الصحافة الورقية والالكترونية الى ابواق رسمية تجميلية لحكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية والاستبلادية والاستغبائية . فهل الدعم الذي يقدم الى هذه المؤسسات كرشوة تصب في صناديقها هو فقط لوجه الله ؟ ولماذا تم منع الصحف المعارضة والمحرجة مثل ( لوجورنال ، دومان ودومان ماغازين ، والموقع لكم ) . كما تجلى هذا المخطط الرهيب من خلال تسريح عشرات المناضلين والكوادر النقابية دون سابق انذار وخرقا لكل القوانين القائمة ، وحرمانهم هم وعائلاتهم من قوتهم اليومي ، سعيا وراء تركيع الجميع ، وتفكيك الهياكل والتنظيمات التي اصبحت في حالة يرثى لها ، اي قتلت الحزبية لصالح الحزبوية ، وقتلت النقابة لصالح البورصية ، وقتلت الصحافة المشاكسة لصالح صحافة الارتزاق المزلّجة .
اما على صعيد القمع السياسي البحث ، فإننا نجد حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية والاستبلادية والاستغبائية والظالمة ، قد استفادت من تجربة المحاكمات السياسية الكبرى التي غالبا ما تتحول الى محاكمتها هي بنفسها ، وتخلق موجة من التضامن داخليا وخارجيا ، تعود بفوائد سياسية على النضال الثوري الجماهيري عامة ، لذلك عملت بمقتضى ذلك ، على رسم خطة تضمن لها ممارسة القمع والعنف السياسي بشكل معمم وواسع عن طريق ادوات متسترة ومرنة عند الاستعمال ، لكنها لا تقل خطورة وفعالية في مواجهة المد النضالي المتصاعد وضربه قاعديا ، والحيلولة دون تجدره وتعمقه . هذا هو الدور السياسي الذي ’اسند للمحاكم الابتدائية المسلحة بالقوانين القمعية مثل القانون المعروف سابقا ب " قانون كل ما من شأنه " الموروث عن الحماية الكلونيالية . وهو قانون سيء الذكر كان يلجأ له كثيرا الغير المأسوف عن ذهابه المدعو ادريس البصري وزمرته الاجرامية لخنق كل صوت معارض رافض للخنوع والعبودية .
فبهذه الطريقة ، حاولت حكومة الاقطاع السياسي ، ولا تزال الى اليوم ، شل نضال المنظمات الجماهيرية الحقيقية ، وخاصة منها المنظمة الطلابية ( الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ) ( اطاك ) ( الجمعية المغربية لحقوق الانسان ) ( محاربة الرشوة ) ( قواعد الاجهزة النقابية الرافضة للبيروقراطية النقابية في النقابات البورصية ) ... لخ ، وكذا ضرب القواعد الحزبية والمناضلين السياسيين ذوي الارتباطات المباشرة بالجماهير الشعبية ، العاملين وسطها ولأجل خدمتها ، دونما تمييز بين هذا الحزب او ذاك ، لكن فقط بهدف منع الوعي والتأطير والممارسة التنظيمية والجماهيرية .
ولا فائدة في التأكيد ، هنا ، على ان " استقلالية القضاء " عامة ، وعندما يتعلق الامر بالمناضلين النقابيين ، والسياسيين الحقيقيين ، والطلاب الثوريين المنتمين الى اليسار الثوري القاعدي او الى جماعة العدل والاحسان ، ما هو إلاّ قول فارغ المعنى لا علاقة لها بالحقيقة . وقد لا يسع المجال هنا لتعداد الامثلة التي تؤكده بشكل قاطع ، والتي توضح ان خرق القوانين والتبعية المطلقة للقرار السياسي وللجهاز التنفيذي هي القاعدة بالنسبة لقضائنا المعطوب والمشدود بمصالح حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية والمسخر لخدمتها . ان ابسط مثال نعطيه في هذا الصدد : الحكم لصالح فؤاد الهمة ضد عبدالله القادري في ظرف وجيز جدا في حين هناك قضايا فارغة لا تزال بالمحكمة لأكثر من ثلاث سنوات ، كذلك الحكم على موظفي وزارة المالية في قضية علاوات بنسودة ومزوار الذي ازال جواربه وحذائه بمطار شارل دوغول الفرنسي ، ثم المحاكمات التي تعرض لها اليسار السبعيني في السبعينات والثمانينات والى اليوم ، وكذلك الاحكام التي شملت السلفية الجهادية بعد تفجيرات الدارالبيضاء ، وبالمناسبة نقدم تحية خالصة الى نادي القضاة المغرب الذي يناضل من اجل العدالة الحقيقية واستقلال السلطة القضائية عن سلطة توجيهات الحكومة العميقة .
وفي هذا السياق كذلك ، نرى احيانا ان القرار السياسي هذا ، عن حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية لأجل توجيه " العدالة " ، وإملاء القرار عليها ، لا زال يحن الى العهود الخوالي البصروية العتيقة التي تتعارض مع النواميس الحقيقية لمؤسسة المخزن الذراع الضارب للدولة العلوية ، كما نلمس في مفهوم " العفو " الذي تمارسه حكومة الاقطاع السياسي تجاه بعض " القادة " ، يمر اولا ب " التربية " والعقاب الشديد لمجرد القول بفكرة مخالفة ، وينتهي بالعفو الاحادي الجانب الذي تشترط فيه الركوع والتوبة وتقديم " فروض الطاعة " و " صكوك الغفران " . ونجد هذا في نظرة هذه الحكومة العميقة لمختلف الهيئات والأحزاب التي ترفض تمثيليتها ، وتعتبرها مجرد ادوات للعتبة السياسية المفضلة : لعبة " القمع والانفتاح " ، وشد التوازن بين مختلف المتناقضات ، الموجودة او التي يتوجب خلقها ، عملا بالشعار الاقطاعي المعروف : شعار " فرق تسد " . فحكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية تعتبر ان الشرعية ، كل الشرعية ، هي لها وحدها ، تستمدها من مؤهلات مادية وروحية تمتلكها لوحدها ودون سواها ، وبالتالي ، فان كل من خرج عن " الطاعة والولاء " والخضوع لحكم الحكومة الاستبدادي ، فكأنه خرج عن " الامة الاسلامية بأسرها " حسب التعبير الاركاييكي الرجعي ، فيباح فيه اشد العقاب بما في ذلك القتل .
وفي تعداد الاسلحة القمعية المتجددة والمتنوعة ، نجد الحكومة العميقة تولي اهتماما بالغا للجانب الايديولوجي والدعائي ، من خلال ضجيج اعلامي يومي مخدوم على نطاق واسع ، تجند له كل الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية ، لإنزال الدعاية الرسمية المنهجية بشكل مكثف عبر خليط من المفاهيم المادية والروحية الكاذبة ، لا يخرج اهتمامها عن هدف واحد : تبرير وتثبيت شرعية الحكومة الاقطاعية ، والدعاية لسياستها وسياسة حلفاءها الامبرياليين من جهة ، والتعتيم والتشويه الاعلامي في حق القيم والمبادئ والأعمال الوطنية والتقدمية ، سواء على المستوى الوطني او القومي او الدولي . ان هذا التضليل والتهليل حول الايديولوجية السائدة وأصحابها ، والذي لا يكاد ينقطع ليل نهار ، ليس مجانيا بطبيعة الحال ، بل انه يستهدف اساسا ، استلاب المواطن ، والحيلولة دون اكتسابه وعيا كاملا بوضعية الاستغلال السائدة ، وتقديم هذه الاخيرة كشيء منزل يتوجب القبول به والخضوع له ، وبالتالي ، فان هذا ايضا اسلوب من اساليب القمع غير المباشرة ، إذ انه يلعب دورا وقائيا من خلال محاولة تعتيم وعي الجماهير ، والتقليل من فرص نهوضها وإقبالها على النضال والدفاع عن النفس ، سواء على المستوى المطالبي والاجتماعي ، او على المستوى السياسي .
اذا كان هذا النوع من القمع الموجه للعقول بغرض شلها وتخديرها ، يكتسي طابعا خفيا متسترا ، فإننا نجد تطبيقات حية مماثلة له في مجال الحريات بشكل عام ، بدءا بحرية التعبير التي تخضع لضوابط محددة ، إمّا عن طريق الرقابة المباشرة ، او من خلال فرض الرقابة الذاتية على الفرد والجماعة ، وصولا الى ابتذال مفهوم الاقتراع العام ، وتزوير الارادة الشعبية بشكل واضح مباشر ، كما شهد تاريخ الاستقلال عبر مسلسل المهازل الانتخابية التي انفضح امرها للرأي العام الداخلي والخارجي على حد سواء .
ان دوس كرامة المواطن عمدا ، وجعله يشعر ويقبل بالواقع الطبقي والتفاوت الحتمي بين الغني والفقير في الحقوق والواجبات ، وتكميم ادوات التعبير عن القيم والمبادئ الوطنية والتقدمية ، ومحاربة التنظيم النقابي والسياسي الاصيل محاربة عشواء ، كلها اساليب تستهدف التحكم البوليسي في الحياة السياسية في البلاد عامة ، مع اعطاء العناية والأسبقية للبوادي بشكل خاص .
وخلاصة القول ان حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية قد اجتهدت بشكل خاص طوال السنين الاخيرة ، في ايجاد ادوات وأساليب قمعية متنوعة ومتجددة ، تتوخى من خلالها تعميم القمع وتوسيع نطاقه ، والرفع من فعاليته عبر حضور يومي ظاهر او مستتر ، مع محاول التقليل من ردود الفعل التي بإمكان القمع العنيف والمباشر ان يثيرها .
ولا يفوتنا ان نذكر ان الاسلوبين ، العنف الاجرامي المباشر والقمع المعمم ، لا يتناقضان في شيء ، بل يكملان بعضهما البعض الآخر ، ولكل واحد منهما وظيفته الخاصة التي قد تتزامن مع وظيفة الثاني ، او تتفاوت معها في الزمان والمكان . فالعنف المباشر هو الاداة الرادعة الفتاكة التي يراد بها التدخل في الوقت المناسب للحيلولة دون تحول ميزان القوى لصالح الجماهير ، والأساليب المتنوعة الاخرى ، والتي لا تخلو من عنف كذلك ، تلعب دور القمع اليومي الشامل والحاضر في كل مكان وبشكل دائم .
ولا يفوتنا كذلك ، ان نفضح الدعاية الرجعية التي تروج لها حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية تحت شعارات " الدمقرطة والمسلسلات " ، والتي تريد ايهام الرأي العام بان زمرة العصبية القبلية المافيوزية المشكلة للحكومة الاقطاعية الاستبدادية قد غيرت من طبيعتها من تلقاء نفسها ، وانتقلت من وضعية استبدادية توتاليتارية الى نظام " تعدد الاحزاب " و " النقابات " و " الحريات الفردية والجماعية " ، بل وحتى " اللبرالية " المشوهة . ان هذه الدعاية المغرضة باسم حقوق الانسان المكذوب عليها بسبب ما يفتعل اليوم بالصحراء والمهدد لوجودها ، وليس بسبب قناعة راسخة بحقوق الانسان ، والتي يساهم فيها بعض " الزعماء " الذين هم فرق احتياط تتحرك كلما صدرت لها الاوامر من طرف حكومة الاقطاع السياسي المستبدة ، بل ويذهبون ابعد من ذلك حين يؤكدون بان المغرب بفضل الحكومة العميقة اصبح " احسن بلد ديمقراطي في العالم الثالث " ، يتأثر بها كذلك بعض اليمينيين الجدد ، فدرالية ( اليسار الديمقراطي ) انطلاقا من رؤية مبسطة ، ومقارنة سطحية بين الاوضاع السائدة في الاقطار العربية الاخرى ، وبين الساحة المغربية التي تفيض حيوية ونشاطا بجمعياتها وأحزابها وصحفها ... لخ وينتهون الى القول بوجود " ديمقراطية حقيقية " في المغرب ، وانه لمجرد اهمالهم من طرف حكومة الاقطاع ، بسبب ضعفهم التنظيمي والسياسي ، وبسبب تحولهم الى حمائم بيضاء تغرد للسلام ،،، فان حكومة الاقطاع السياسي الاستبلادية والاستبدادية ، تكون قد تخلت عن اساليب القمع الاجرامية المعمول بها في بقية البلدان ، فاختارت من ثم الديمقراطية بديلا عن هذه الاساليب التي تسلط تباعا على المعارضين الحقيقيين من يساريين واسلاميين وعلمانيين تقدميين وجمعويين ملتزمين . ولكي نرد عن هذه الترهات المجسدة للمسكنة والخنوع والتسبيح بحمد مزايا وخيرات حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية ، نكتفي بالملاحظات التالية :
1 ) ان وجود الاحزاب السياسية والنقابات والجمعيات والصحف ، هي مكاسب حققها الشعب المغربي خلال مراحل كفاحه الوطني والبطولي ضد الاستعمار المباشر ، وضد القوى الرجعية المنغلقة التي مثلتها رموز المخزن الاركاييكية غذاة حصول المغرب على استقلاله السياسي ، وبالتالي ، فان وجود هذه الاحزاب والنقابات والجمعيات والصحف سابق على وجود حكومة الاقطاع السياسي المعادية للديمقراطية والتعددية الحقيقية ، لأنها تبني سياستها دائما على التهجين والتطويع والترويض والتعتيم . لذا فان هذه الحكومة الاقطاعية التي اغتصبت الحكم والسلطة ، وجدت نفسها مضطرة ومجبرة للتعامل مع هذا الواقع القائم ، خاصة وان ميزان القوى كان لصالح القوى الوطنية عامة ، وأنها ، اي حكومة الاقطاع ، لم تتمكن من قلب هذا الميزان إلاّ من خلال الانقلاب والانفراد بالحكم ، والاعتماد على القمع كوسيلة اساسية للبقاء والاستمرار ، رغم حالة ضعفها الدائم ، الناجمة عن افتقارها لأية شرعية وطنية ( لا علاقة لهذه الحكومة الاقطاعية بالمقاومة ولا بجيش التحرير او بالحركة الوطنية ) ، وبالأحرى شعبية .
وباختصار فان ما فرضه الشعب المغربي من امكانيات التعبير والنضال لم يكن يوما هدية من هدايا حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية ، او نتيجة ل " دمقرطة " ما ، بل انها نيلت بفضل تضحيات جسام ، وكفاح دؤوب ومرير ، سواء في عهد الاستعمار او خلال حصول المغرب على استقلاله الذي استأثرت به حكومة الاقطاع السياسي بطرق استبدادية معروفة . وما لائحة شهداء الشعب المغربي الطويلة ، ولوائح السجناء والمخطوفين والمغيبين والمشردين ، إلاّ ضريبة عن مثل هذا الكفاح الوطني البطولي ، لكنها لم تكن ضريبة مجانية ، بل انها حققت ما حققته من مكاسب على درب التحرير والإنعتاق والديمقراطية .
2 ) ان الطبيعة التوتاليتارية لحكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية لم تتغير قيد انملة . وما طبيعة الدساتير والقوانين المعمول بها ، والتي تمركز كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في يدها ، زيادة على تمظهرها الباهت بأنها ’تكوّن المخزن الحقيقي من خلال الاقتداء المنافق بسلطاته الروحية ، ومن الطعن في سيادة الشعب علانية ، واحتكار السيادة لها ، ولوحدها دون سواها ، والمطبوعة بطابع القمع الدموي الشرس ... لخ ، إلاّ ادلة قاطعة على ان دار لقمان لا تزال على حالها ، وان حالة الضعف فقط ، هي التي ترغم حكومة الاقطاع السياسي المتسلطة على ايجاد واجهات " ديمقراطية " شكلية موجهة للاستهلاك الخارجي ، ومشدودة بشكل حديدي الى جدلية القمع و " الانفتاح " السيئة الذكر .
المطلوب اذن ، ليس الاكتفاء بالمقارنات السطحية ، بل المطلوب هو انصاف الشعب المغربي في كفاحه الطويل والصبور وعبر جميع المحطات ، وتثمين مكتسبات هذا الكفاح ، وتقديم السند والمعونة و التضامن من اجل تحقيق اهداف التحرر الوطني الكامل للمغرب ، وهي اهداف لاشك انها لصالح كل الشعوب الافريقية والعربية ، وكذا حركة التحرر الوطني على الصعيد العالمي .
3 ) لمحة عن طبيعة اجهزة القمع :
ولمزيد من التأكد من طبيعة هذه الحكومة الاقطاعية المتسلطة ، ومن حقيقة اساليب البطش والإرهاب التي تمارسها في حق الشعب المغربي وخيراته وقدراته ، نعود لإلقاء نظرة سريعة على طبيعة الاجهزة القمعية نفسها ، التي ورثتها عن سلفها من الحكومات الاقطاعية المتعاقبة ، والذين ورثوها كلهم عن حاميهم الرئيسي الكلونيال الفرنسي بصيغته المتعددة والمختلفة .
اكدنا اعلاه على ان طبيعة حكومة الاقطاع السياسي المتسلطة لم تتغير ، فطبيعتها الاقطاعية الرأسمالية الهجينة بادية للقاصي والداني ، بل اضحت جلية حتى للمبتدئين في السياسة . بل كيف استطاعت هذه الحكومة الاقطاعية من الحفاظ على اصولها الاقطاعية وخاصة بالنسبة لبنياتها الفوقية ، مع استيعابها لبنيات رأسمالية استعمارية ودمجها في الهياكل القائمة ، وبالتالي استيعاب كل الاساليب الاستعمارية الاستغلالية الرأسمالية والمناهج البرجوازية المشوهة ، فهي بذلك حكومة شاذة تكاد تكون فريدة من نوعها ، من حيث استمرارية طابعها الاقطاعي المشدود للقرون الوسطى ، واستيعابها لهياكل رأسمالية ( عصرية ) في نفس الوقت .
ونجد انعكاسات وتأثيرات هذه الطبيعة الهجينة في كل المستويات ، سواء بالنسبة للهياكل والبنيات القائمة الاقتصادية والاجتماعية ، ذات الطابع المزدوج ، او المتعدد الاشكال ، او بالنسبة للإيديولوجية الاقطاعية العتيقة السائدة ، الممزوجة بتلقيحات برجوازية باهتة ، او بالنسبة للسياسة الرسمية التي تسعى عبثا ، الى التوفيق بين جوهر الحكم المطلق لحكومة الاقطاع السياسي وقيام مؤسسات " ديمقراطية " كتقليد ممسوخ للنمط البرجوازي الغربي .. ونجد هذا في طبيعة اجهزة القمع كذلك ، حيث حوّلها ابّا احماد ومريديه الى مِلكية خاصة لهم يستعملونها في تشويه سمعة الناس والاعتداء عليهم ، وفي مراكمة الثروات بطرق غير مشروعة ، وفي تحريف الابحاث وانجاز المحاضر البوليس بطرق خبيث غاية في البشاعة .
هكذا ، سنجد ان اجهزة القمع في المغرب هي متعددة البنيات ايضا . فمن جهة ظل الجهاز القمعي المملوك لحكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية قائما ، ولم يدخل عليه سوى بعض التحسينات المزوّقة في الشكل والأسلوب ، وشيء من التطور في ادوات القمع المستعملة ، وهو الذي يبدأ بجهاز المقدمين والشيوخ والقياد ورؤساء الدوائر والمتعاونين معهم في المدن والبوادي من اجل احصاء انفاس المواطنين ، ومراقبة الكبيرة منهم والصغيرة ، ويمر بأجهزة المخابرات المبثوثة في بعض الزوايا والمعتمدة على الشعوذة والتلغيم ، ولينتهي بأجهزة التعذيب والقتل والاختطاف المتعطشة الى البطش وسفك الدماء .
ومن جهة اخرى ، نجد ان حكومة الاقطاع السياسي منذ افقير والدليمي ومولاي احفيظ والى البصري والى اليوم ، حيث تشكل العصبة القبلية المافيوزية حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية السارقة والمغتصبة للدولة ، ، ، قد قامت بتطوير الجهاز البوليسي الموروث عن الاستعمار بمختلف اشكاله ، وعمل بتأطير مباشر من الجهات الامبريالية ، على رفعه الى مستوى مستلزمات العصر وتقنياته الحديثة ، بدءا باستعمال الاساليب النفسية في التتبع والمراقبة والتحقيق ، وصولا الى الاشتغال باللجان المختصة والملفات المدروسة ، الى العقل الالكتروني الذي يراقب الصغيرة والكبيرة .
ان هذان الهيكلان لا يناقض الواحد منهما الآخر ، بل انهما يتكاملان وينسجمان ، كما نجد قاسما مشتركا لهما في الاعداد المتعددة من المخبرين والواشين الذين تستقطبهم حكومة الاقطاع السياسي بطرق سهلة مستفيدة من ظروف القهر الاقتصادي والاحتياج التي تعمل على ادامتها وتعميقها باستمرار . كما نلاحظ ان الهيكل الاول يجيب عامة على ضرورات ممارسة العنف الاجرامي المباشر كما اسلفنا ، في حين ان الثاني يتولى دراسة التوجيه والتدقيق في الخطط الجهنمية التي تستهدف ضرب وتفتيت قاعدة القوى الوطنية الحقة ، بالأساليب الاكثر خبثا وتسميما ومنهجية .
ويتمتع هذان الهيكلان المتكاملان بكل الوسائل والأدوات اللازمة لممارسة عملهما الدنيء ، حيث نجد ان الفرق الخاصة ، والعصابات المسلحة المفصولة بعضها عن البعض الآخر ، هي التي تمنحها في الحقيقة ، احسن مثال عن " التعددية " المصطنعة التي تتشدق بها حكومة الاقطاع السياسي المتسلطة ، رغم ان هذه " الحزبية " ليست في الحقيقة غير طابور خامس يتحرك كلما اصدرت له التعليمات ، الزمرة القبلية المافيوزية و الفاسدة . لذا نفهم لماذا ماتت الاحزاب ، وانتعشت الحزبوية والبورصية النقابية ، ولماذا تعدد وبشكل مهول عدد الجمعيات التي تقتات من موارد الحكومة السخية ، لقاء خدمة اهداف خبيثة باسم الحب والتسامح والإنسانية وذوي الحاجة ... لخ . وهنا لابد من الاشارة الى ان الضغط الدولي بشأن حقوق الانسان ، وانعكاساته السلبية على قضية الوحدة الترابية للدولة ، ضغط على حكومة الاقطاع السياسي تغيير واجهة الاجهزة الامنية والبوليسية ، في حين لا تزال نفس الاجهزة تفعل فعلتها بميكانيزمات ’تبقي على الاصل الذي يؤثث القاعدة اللوجيستيكية لأجهزة القمع بالمغرب .
وبدون ادنى مبالغة ، يمكن القول بان جهاز القمع في المغرب ، هو القطاع الوحيد الذي يضمن لنفسه سيرا عاديا متطورا ، قياسا بالأزمة الخانقة التي تشهدها مختلف المرافق الاقتصادية والاجتماعية ، وهذا ليس من قبيل الصدفة ، علما بان القمع لذا حكومة الاقطاع السياسي ، هو القاعدة الصلبة التي ترسي عليها اسس الاستمرارية والبقاء . وهذا ما ذهبت به ، تجنبا لانعكاس الازمة الاقتصادية على سير كل هذه الاجهزة ، الى تأمين تمويلها المتزايد عن طريق المعونات الخارجية ، وخاصة منها تلك التي تأتي من المملكة العربية السعودية ، ومن دولة الامارات العربية المتحدة . ولا فائدة في التأكيد ايضا ، على ان التأطير والتوجيه والتكوين موكل للخبراء الاجانب من فرنسيين وأمريكيين وحتى المان ، الى درجة ذهبت معها حكومات الاقطاع السياسي منذ 1956 والى اليوم الى منح الثقة في الموضوع الامني للأجانب دون سواهم ، مع التأكيد على تعدد الاجهزة ، والفصل في اختصاصاتها لضمان التحكم في حجمها ولجعلها تراقب بعضها البعض الآخر في نفس الوقت .
ويجب الاعتراف ان جميع الحكومات العميقة التي عرفها المغرب قد توفّقت فعلا في المجهود المتواصل الذي بدلته منذ الستينات والى اليوم ، في تطوير وتحسين هياكل الاجهزة القمعية ، بفضل التأطير المادي والمعنوي والمالي الذي يقدمه الاجانب ، الى درجة اصبحت معها هذه الاخيرة تتمتع بمستوى عالمي ، وشهرة مرموقة ، وسمعة ذاع صيتها في الوطن العربي وإفريقيا ، بل وحتى اوربة ، ولا اذل على ذلك ان وكالة المخابرات الامريكية بعثت بمعتقلين اسلاميين للاستنطاق بالمغرب ، حيث التعذيب الممارس على المعتقلين يجبرهم على الاعتراف بجرائم من محض الخيال .
واذا كانت بلادنا تعاني مثلها مثال بقية بلدان العالم الثالث ، من ظاهرة هجرة الادمغة ذات المستوى العالي والناذر ، فإنها تمتاز عن هذه البلدان بكونها تعرف ايضا ، تصدير الاطر البوليسية المحنكة والمجربة وذات المستوى العالي في قمع الشعوب وكبح تطلعاتها ، فها هم جل رؤساء الدول الافريقية الرجعيين والتبعيين ، يتهافتون على استيراد مثل هذه الاطر من المغرب لحمايتهم من غضب شعوبهم ونضال قواها الثورية ، وها هي حكومة الاقطاع السياسي تتباهى دون تستر بالأدوار التي لعبها ويلعبها الجهاز البوليسي في امن الخليج الفارسي وامن افريقيا ، نيابة عن الامبريالية التي اصبحت تفضل توكيل حلفاءها المحليين في كل الاعمال القمعية العنيفة الموجهة ضد تطلعات الشعوب ، وهنا تجدر الاشارة الى انه ومنذ يومين حل ببلادنا وزير الداخلية والآمن العاجي ، والهدف من الزيارة التبرك بالتجربة المغربية في ميدان قمع الشعوب وليس في ميدان حقوق الانسان ، وقد كان في استقباله كل من وزير الداخلية السيد حصاد والوزير المنتدب في الداخلية المدعو الشرقي ضريس .
وتجدر الاشارة الى ان الاجهزة القمعية البحثة ، ذات الطبيعة والمستوى المذكور ، لا تعمل بشكل معزول داخل المجتمع المغربي ، بل تحظى بترسانة من الاجهزة الاضافية المكملة ، والتي لا يقل دورها في القمع خطورة وشراسة ، ومن ضمنها اساسا ، الجهاز الاداري المعطوب والمرتشي في المدن والبوادي ، الذي لا تنطلي " استقلاليته " على احد ، إذ انه جهاز مسخر للمراقبة والمتابعة السياسية اولا وقبل كل شيء ، بل ان دوره التنفيذي المباشر في القمع والابتزاز والاعتداء على المواطنين ، ودوس حقوقهم ، والوقوف بشكل مكشوف الى جانب الاقطاعيين والبرجوازيين ، وخدمة مصالحهم الاستغلالية في واضحة النهار ، الى درجة الاندماج في مصالحهم ... لخ دور معروف ، بل ومقنن ومجهر به ، من خلال النصوص الرسمية التي اشرفت على اصدارها حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية ، والتكوين الدقيق الذي تلقنه ل " رجال " سلطتها بمدرسة استكمال تكوين الاطارات التابعة لوزارة الداخلية ، و التي اصبحت منذ العشرية الاولى من الالفية الثالثة تسمى ب " المعهد الملكي للإدارة الترابية " .
والى جانب الادارة ، يقف القضاء اداة طيعة في يد نفس الطبقة الاقطاعية البرجوازية . ففي جميع المحاكمات السياسية التي عرفها المغرب منذ ستينات القرن الماضي كانت الاحكام تكون معروفة مسبقا . حصل هذا في محاكمة مراكش ، في محاكمة جبهة الطلبة التقدميين " الجبهويين " في سنة 1973 ، وفي محاكمة 1977 الشهيرة بالدارالبيضاء ، ملف منظمة الى الامام و منظمة 23 مارس وملف حركة لنخدم الشعب ، كما حصل في محاكمة الضباط والجنود بعد انقلاب الطائرة وانقلاب الصخيرات ... لخ .
هذا زيادة على اجهزة الاعلام من صحافة متعددة التلاوين من ورقية والكترونية ، اكتظت بها الساحة ( الاعلامية ) في الآونة الاخيرة ، وإذاعة وتلفزة تفرغ يوميا دعاياتها وافرازاتها الرجعية العنيفة لإفساد النشء والآمة ، وما تلعبه من دور خطير وإرهاب فكري مستمر ، هذا دون ان ننسى الاستثمار الخطير في الحفلات والمهرجانات وفي كرة القدم لتضبيع وتخدير وتبليد الشباب حتى لا يشعر بمشاكله وحقوقه ويهب للمطالبة بها . وهذه كانت السياسة التي حاولت حكومة الاقطاع السياسي الوصول اليها من ترشيح المغرب نفسه لتنظيم كأس العالم ، والكل يتذكر الطريقة التي كان ’يسلم بها لبلاتر مفتاح المغرب التي ليس لها من معنى غير ادخلوا المغرب ( بصباطكم ) حدائكم ، وافعلوا فيه ما شئتم وبدون حسيب ولا رقيب ، إذا سلمتمونا فرصة تنظيم كأس العالم ، ( وهنا احيي الامير مولاي رشيد الذي فهم اللعبة وانسحب قبل المهزلة ) ، لكن هيهات بين عقلية الاوربيين وعقلية الزمرة القبلية التي تبني كل شيء على الشراء ، وكأنها تعتقد ان شراء الذمم هي سلعة او قاعدة معمول بها في العلاقات الدولية ، وبما فيها بيع مؤخرات اطفالنا من اجل استعطاف موقف اسباني مساند لفهم الزمرة العصبية لقضية وحدتنا الترابية ، لا كما يفهما المغاربة الاحرار .
4 ) البديل للخروج من النفق بإقامة دولة المؤسسات لا دولة حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية :
" ان مقاومة الظلم لا يحددها ابدا الانتماء لدين او عرق او مذهب سياسي ، بل تحددها طبيعة النفس البشرية التي تأبى الاستعباد والظلم ، وتسعى الى الحرية " آرنستو تشي جيفارا .
من خلال التمعن في هذا النص السياسي ذي الاهمية البالغة ، نستخلص ان التشي جيفارا ، لم يحدد مسؤولية التغيير او يركزها في تنظيم دون آخر ، او انه انحاز الى فلسفة ايديولوجية ضد اخرى ، او تشبث بعقيدة دون اخرى . فهو لم ينتصر للتنظيم ولا للإيديولوجية ولا للعقيدة ، بل انتصر الى الحق في مواجهة الظلم ، وانتصر الى الحرية في مواجهة العبودية ، وانتصر الى النفس الانسانية التي ترفض الظلم والجبر والاستبداد . فهو كان قد تنبئ بالكتلة التاريخية قبل اكتشافها من قبل غرامشي في ثلاثينات القرن الماضي ، لأن هذه الكتلة التي تنتصر للحق وللعدالة والديمقراطية ومحاربة الطغيان والاستبداد ، هي وحدها القادرة على تحويل مجرى التاريخ باتجاه الدولة الديمقراطية والمدنية . لكن هذه الكتلة لن تستطيع لوحدها ان تنجز الحدث ، إلاّ اذا انخرطت ضمن الجماهير القوة الاساسية في كل تغيير ، ما دامت هي المعنية بنتائج التحول والتطور المنشود .
ان هذه الحقيقة الجلية للعيان وفي وضعنا المغربي بالأخص ، تدفعنا الى تجاوز اللمحة المختصرة عن طبيعة الاجهزة القمعية التابعة لحكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية وسخرتها لتأطير مجتمع بكامله ، افقيا وعموديا ، باستعمال اعتق الاساليب الاقطاعية الغارقة في الاستبداد ، وأكثرها حداثة و" عصرنة " كذلك . لكن السؤال : هل هذه الاجهزة تسير بشكل آلي ومنسجم حسب رغبة حكومة الاقطاع السياسي وتوجيهاتها المحددة ؟ وهل الصورة قاتمة بهذا الشكل بحيث تغيب امكانية الرد على هذا القمع الشامل الذي يحاول التحكم في جذور المجتمع وشرايينه ؟
قبل الاجابة يجب التفريق اولا بين الملك الشخص ، وبين حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية التي تستعمل اسم الملك في تحقيق اغراضها المتعارضة مع اغراض الملك وأغراض الشعب . وبالرجوع الى تاريخ تشكيل الحكومات لم نسمع ابدا ان الملك ترأس اجتماعا لحكومة الاقطاع السياسي التي سماها الوزير الاول السيد عبدالاله بنكيران بالحكومة العميقة التي تسيطر على مقدرات الدولة . ان الملك يترأس فقط الحكومة المعينة من قبله وأدت اليمين بين ايديه . كما ان حكومة الاقطاع السياسي ليست هي المخزن ، لأن هذا يضم الجيش والدرك ، وهؤلاء لا علاقة تجمعهم تنظيميا بحكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية .
الخطورة هنا حين تعتبر هذه الحكومة نفسها هي الملك مرة ، ومرة تعتبر نفسها هي المخزن ، فتتصرف وكأنها هي المغرب ، او انها منزلة من السماء ، معصومة من المحاسبة والمسؤولية التي تلبسها للحكومة المعينة .
اذا كان الملك يستمد شرعيته من الشعب ومن عقد البيعة الذي يجمعه مع الشعب ، فان حكومة الاقطاع السياسي التي تمثل حزب فرنسا تستمد شرعيتها من عرابها الفرنسي اللاشرعي مثلها ، وهنا نرى كيف تستغل اسم الملك في نفي السيادة عن شعب بأسره ، وتنفرد بها لوحدها ، ودون ان تكون وليدة انتخابات شعبية او منتمية لمشروعية الحركة الوطنية او مشروعية المقاومة وجيش التحرير ، وهي هنا ، ودائما تستغل اسم الملك ، تلجأ لتبريرات روحية مرة ، وأخرى مادية واهية ، فهي بذلك وحسب طبيعتها القارة كحكومة مطلقة ، تحاول الحفاظ على اصولها الاقطاعية ، وتندمج بشكل تبعي عضوي في النظام الرأسمالي ، لذا فهي في حاجة حياتية وحتمية للقمع كوسيلة للاستمرار في الحكم ، وقاعدة اساسية له ، بحيث لا تتغير سوى اساليبها وأشكالها بما يرفع من مستوى اداءها وفعاليتها ، ويضمن لها تطويق الشعب ، والتسرب الى جسم المجتمع بأسره ، مثل مرض سرطان مزمن ، او غنغرينا تستحيل على العلاج .
بقي ان نؤكد من جهة اخرى ، وبشكل قاطع ، على ان هذه الحكومة باعتمادها على القمع ، سواء بأساليبه الاجرامية العنيفة المباشرة ، او بطرقها المتعددة العالية في الفنية والتقنية ، لم ولن تتمكن من حل التناقض الاساسي الذي تتواجه فيه بشكل اساسي مع اوسع الجماهير الشعبية المغربية ، وأوسع فئات هذا الشعب الكادح ، التواق الى التحرر والعدالة الاجتماعية . كما ان استمرارها الحربائي سيكون عاملا لتسهيل الانفصال في الصحراء ، وسيكون وبالا على مستقبل القضية الوطنية . ان احفاد الهيبة ماء العينين ثوار الصحراء الوحدويين لن يقبلوا تلاعبات هذه الحكومة المكشوفة ، ولا مخططاتها التي ترمي الى استغلالهم بما يمكنها من الاستمرار بطرق غاية في البشاعة . اللعبة مفضوحة ، وما جنته المقاومة وجيش التحرير الذي حرروا المغرب ، وما جناه الجنود الذين استشهدوا في الصحراء ، سيجنيه الصحراويون الذين تنبهوا للعبة .
ان الحقيقة الجلية للعيان ، ان حكومة الاقطاع السياسي لا تعمل بمناوراتها المكشوفة ، سوى على تعطيل وتأجيل هذا التناقض الاساسي ، وبرفعه في نفس الوقت ، الى درجة اعلى من الحِدّة والوضوح . فسواء مارست حلقة من حلقات القمع الدموي الهمجي ، او حلقة من حلقات مسلسلاته الانفتاحية – القمعية الفاضحة ، فإنها لا تعمل سوى في اتجاه الانتقال الى مرحلة يرتفع معها وعي الجماهير ، ونضجها ، وتمرسها ، وحنكتها في النضال الجماهيري الواسع النطاق ، وفي العمل السياسي والتنظيمي على حد سواء ، الى اعلى مستوى .
ومن المعروف ان من ضمن اساليب المواجهة التي تمارسها حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية ، وأجهزتها القمعية ، هناك اسلوب الحرب النفسية التي تسعى الى التضخيم والتهويل من قدرة هذه الاجهزة ، وحضورها في كل مكان وزمان ، وتمكنها من تلغيم كل ما هو منظم في الاطارات الجمعوية او النقابية او الحزبية او السياسية ، وبث عيونها وآذانها في كل مرافق المجتمع وقطاعاته . ان هذه الحرب النفسية تستهدف طبعا تخويف المواطنين و’رعبهم ، وإذكاء الشك والتشكيك فيما بينهم ، وجعل الحذر وفقدان الثقة يحتلان الاولوية في العلاقة بين المواطنين .
ان هذه الاساليب كلها ، مادية كانت ام نفسية وروحية ، وهذه الترسانة من الاجهزة والأسلحة المادية ، او الفكرية او الايديولوجية والسياسية ، لا يمكنها ابدا ان تصمد امام نضال الجماهير ، وهو يتقدم نحو مواقع افضل وامتن في الصراع ، ويصلّب صعوده وثباته ، ويتقدم في حل اشكالاته السياسية والتنظيمية ، ويرتفع بها الى المستوى المطلوب من الضبط والإحكام . فهذه الاخيرة نفسها تم بناء قاعدتها بأفراد من الشعب ، فهي اذن ليست خالية من التناقض وحسب ، بل انها تعيش اجمالا ، نفس التناقضات الطبقية الصارخة التي يعيشها المجتمع بأكمله ، وتتأثر بها وتتفاعل مع انعكاساتها اليومية ، وهي بالتالي ، قابلة للانفجار والتفتيت بمجرد ما يميل ميزان القوة لصالح الجماهير بشكل ملموس .
وهذا الشعب المغلوب على امره والمظلوم والمكافح الصبور ، لا بد وان يحقق تكتل قواه الحية في كتلة تاريخية وطنية حقيقية متراصة الصفوف ، ولا بد ان يفرز في الساحة النضالية والميدان ، طليعته الواعية المنظمة التي ستقود كفاحه المنظم كذلك ، وستفجر طاقاته الجماهيرية الهائلة التي ستجرف حتما ، كل هذه الاجهزة بتنظيماتها العصرية او العتيقة ، بأسلحتها الايديولوجية او الحربية ، بمئات المخبرين والوشاة المتعاونين معها . هذا ما تعلمنا من تجارب العديد من الشعوب .
ان اسقاط حكومة الاقطاع السياسي وبناء الدولة الديمقراطية ليس بالمنال الصعب ، بل هو مهمة سهلة إذا انتصر الجميع للشعب وللمغرب ، وليس للإيديولوجية او العقيدة . لقد علمنا التأريخ ان الشعب لا يمكنه ان يحقق اهدافه التحررية والتقدمية إلاّ إذا تراصت صفوفه في خندق واحد ، يقابله خندق اعداءه الطبقيين محليين واجانب ، ولا وسط ولا منزلة بينهما سوى لمن اختار لنفسه طريق الارتداد والانتهازية ، خاصة بالنسبة لبلاد تعاني من مخلفات وصاية الاحتلال وواقع الهيمنة الامبريالية .
ان هناك محاور استراتيجية تسهل بناء الكتلة التاريخية ، وهي محور النضال الوطني والقومي ، ومحور الدفاع عن عيش وكرامة المواطن ، ومحور النضال الديمقراطي لانتزاع وفرض الحريات الديمقراطية ، والحد من اساليب التسلط والاستبداد . ان منطق النضال الديمقراطي نفسه ، وبمعناه الاصيل وليس بما الصق به من تشويهات وتحريفات انتخابية ضيقة ، يفترض فرز العدو الرئيسي والحيلولة دون تلغيمه للصف الوطني ، والتصدي لتكتيك حكومة الاقطاع السياسي بتكتيك مستقل ، فليس من مصلحة كبيرة ولا صغيرة تجمع بينه وبين اوسع الجماهير الشعبية .
ان حلقات النضال والكفاح ضد الاستغلال الفاحش والدفاع عن العيش الكريم ، وحلقات النضال النقابي المنظم ، والعمل الجماهيري في مختلف القطاعات ، وحلقات النضال من اجل رفع التعسف والظلم ، وتحقيق الحريات الفردية والجماعية ، هي التي تكتمل كلها في سياق النضال الديمقراطي الحق ، وفق البرنامج الوطني الادنى ، الذي يضمن الانتقال من موقع الى موقع افضل على طريق الثورة الوطنية التي ستقطع دابر الهيمنة الاجنبية واستبداد حكومة الاقطاع السياسي السارقة للدولة . وفي نظرنا نعود لنؤكد ، ان ليس من شرط في العمل المشترك بين كل قوى التغيير الحقيقية سوى الخط الفاصل مع اعداء الشعب المحليين والأجانب ، و انه حان الوقت لرجوع المياه الى مجاريها ، ولانتزاع المبادرة من طرف هذه القوى ، وهي توحد صفوفها وتسترجع حرية حركتها ضمن خط وطني ديمقراطي اصيل ، وفي اطار كتلة تاريخية تنفض من صفوفها المرتدين والمغامرين والمنتفعين والوصوليين الحربائيين الذين تستهويهم لعبة الاصطياد في المياه العكرة .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعب الصحراوي - الصحراء الغربية -- الاستفتاء لتقرير المصير ...
- بدأ العد العكسي لنزاع الصحراء ( الغربية )
- مخزن = اقطاع -- فاشية -- اعدام -- ارض محروقة
- ظهور المذاهب السياسية والصراع الطبقي في الاسلام
- الى ... ك الخليفة ... ميتا
- تقرير قانوني -- فبركة الملفات الكبرى -- محنة قادة الكنفدرالي ...
- هل لا زال لمثيْقِف ( المثقف ) اليوم وعي طبقي
- سبعة واربعون سنة مرت على النكسة - هزيمة 5 جوان 1967 -
- - الائتلاف من اجل التنديد بالدكتاتورية بالمغرب -
- الاسس البنيوية والازمة الراهنة للوضع الاقتصادي والاجتماعي ال ...
- بانكيمون يعين الكندية كيم بولدوك على رأس المينورسو
- تطور اساليب القمع بين الاستمرارية والتجديد
- العنف الثوري
- قراءة لقرار مجلس الامن رقم 2152
- فاتح ماي : اسئلة واجوبة
- النهج الديمقراطي ورقصة الحنش ( الثعبان ) المقطوع الرأس
- الفقر كفر والكفر فقر
- الامير ( المنبوذ ) بين الصبيانية والتيه السياسي
- قراءة في قضية عبداللطيف الحموشي مع تعيين فالس وزيرا اولا بفر ...
- الله هو صاحب السيادة العليا والامة مصدر السلطات والديمقراطية


المزيد.....




- مقتل فلسطينية برصاص الجيش الإسرائيلي بعد مزاعم محاولتها طعن ...
- الدفاع المدني في غزة: العثور على أكثر من 300 جثة في مقبرة جم ...
- الأردن: إرادة ملكية بإجراء الانتخابات النيابية هذا العام
- التقرير السنوي لـ-لعفو الدولية-: نشهد شبه انهيار للقانون الد ...
- حملة -شريط جاورجيوس- تشمل 35 دولة هذا العام
- الصين ترسل دفعة من الرواد إلى محطتها المدارية
- ما الذي يفعله السفر جوا برئتيك؟
- بالفيديو .. اندلاع 4 توهجات شمسية في حدث نادر للغاية
- هيئات بحرية: حادث بحري جنوب غربي عدن
- وزارة الصحة في غزة تكشف عن حصيلة جديدة للقتلى والجرحى نتيجة ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - القمع بالمغرب