أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ئازاد توفي - رحلة قصيرة الى الجنة















المزيد.....

رحلة قصيرة الى الجنة


ئازاد توفي

الحوار المتمدن-العدد: 4555 - 2014 / 8 / 26 - 10:19
المحور: الادب والفن
    



كان يوم الجمعة والساعة إقتربت من الثانية عشر والنصف ظهرا, أوعز يوسف السوري بأن نتهيأ للملمة الفاكهة والخضر في الصناديق وإيداعها في شاحنته المبردة لأنه حان موعد تعزيلة البسطة الصيفية في مركز التسوق لمدينة كونكس- باكا التي تقع الى الجنوب من غوتنبرغ حوالي عشرين دقيقة.
وكعادتنا فرحنا من أوامر يوسف صاحب البسطة علما كنت أكرهه كل الوقت و طوال اليوم لفلسفته الزائدة ولتقليده الممل والمبالغ للحياة الغربية، وكنت دائما متربصا به وأنفذ الأوامر عكس ما يقوله، وكثيرا ما كنت أتمنى أن يصل عنادي معه الى الضرب والعراك كي أترك العمل معه، ولأفرغ شحنات كرهي عليه، لكن للأسف بذكائه تغلب علي، علما كان يكن لي نفس القدر من الكراهية ونفس العناد ومع ذلك لم يرد أن يخسرني لأن عملي كان منظما، وكنت أعمل بجد ونزاهة ودون غش في عملي.
وكان معي أيضا صديقي أحمد وكنت ألقبه بأبن القرية، وأحمد أيضا من الوطن الذي هاجرت منه، وهناك حسن أيضا من الوطن، لكنه عربي من البصرة.
كنا نعمل بجد وتفاني ليوسف، وكنا متحابين مع البعض ولا أتذكر يوما لغطا فيما بيننا غير الضحك والهزل وضمن حدود الإحترام، وكنا نعمل دون شاردة أو إهمال، وكنا ثلاثة وفي العمل كشخص واحد يعمل بجد ونشاط، وكان هذا أحد الأسباب الذي دعى يوسف الى عدم الإفراط بنا.
بعد الإنسحاب من العمل، وفورا توجهنا الى محطة القطار وكانت قريبة من مكان العمل، ومن فرط التعب والأعياء جلسنا على مقاعد الأنتظار على رصيف المحطة وعيوننا على عقارب ساعة المحطة، وكالعادة ركبنا القطار المتجه الى غوتنبرغ، المدينة التي نقيم فيها.
في القطار، ورغم التعب الذي كنا فيه، خطرت لي فكرة بأن نذهب الى مركز المدينة ليلا ونتسكع على الطرقات ولنرفه عن أنفسنا قليلا، قبل أحمد الفكرة فورا ودون التفكير ككل مرة لأنه من النوع الذي يحب الخروج دائما، لكن حسن إعترض وأبدى أسفه لعدم اللقاء وذلك لتقضية الوقت مع عائلته وأطفاله، وللقيام ببعض الأمور الأخرى الخاصة، ولم نمانع.
أحمد كان يقطن في ضاحية بريخون مع بعض الأصدقاء المهاجرين والذين لم يحصلوا على أذن الإقامة الرسمية بعد من مكتب الهجرة، أنا كنت أسكن في ضاحية أنغريد، ولي شقة مؤثثة جميلة وفقط كنت أنتظر موافقة السلطات لإلحاق زوجتي وإبني الذي لم أره في حياتي بسبب سفري الى الغرب وقبل ولادته بشهر،
ولأكثر من سنة ونصف كنت أتكلم وألعب مع أبني الذي لم أره، نعم، كنت وفي بعض المرات أصرخ وأصبح شريكا مع الجنون لوحدي في الشقة وأتراقص على أنغام الأغاني لأم كلثوم والعندليب و جورج وسوف الذي كان يبكيني في نهاية كل حفلة صخب مع جنوني .
لا يهم, أتى المساء وأخذت حماما ساخنا ولبست كعادتي بنطال الجينز وسترة جلدية خفيفة تحسبا لبرودة الليل المتأخر والتسكع على طرقات الأفينييه والفيمان هوسيت.
فيما كنت أحتسي القهوة، رن الجوال بقربي وإذا !!!
أحمد : أهلا، أين أنت؟
أنا : لا زلت في البيت، وأحتسي القهوة
أحمد : جيد، أنا الآن صعدت الباص، أين ومتى نلتقي؟
أنا : لا زال الوقت مبكرا، تعال الى الشقة، الى أن تصل سأحضر لك كوبا من القهوة.
أحمد : جيد، أنا قادم .
كان الوقت مبكرا للخروج، وكانت الساعة السادسة والنصف مساءا، ولطبيعة الصيف الأسكندنافي حيث لا تغيب الشمس عن سماء المدينة إلا في ساعات متأخرة من الليل بحيث تقترب الى منتصف الليل والشمس بعدها مشرقة.
وصل أحمد بعد ربع ساعة وكانت قهوته جاهزة، تسامرنا قليلا وأخذنا الحديث الى الوطن المهاجر، وبدأ الحزن والحنين يخيم على جونا في الشرفة، وبدأ يسرد لي عن حبيبته وكم حن اليها والى جنونها !!!
أنا : تبا أحمد يا إبن القرية، أخذتني الى الكآبة !؟
أحمد : أيها الأبله، كم أنت قاسي ؟ ألا تحن لولدك ؟
أنا : بلى، لكن لم أره الى الآن، وفقط أعرفه عن طريق الصور المرسلة الي !
أحمد : الا تشعر به وتحس ببعده ؟
أنا : لا، ممم، ربما ؟؟؟
أحمد : كفى كذبا ؟ والله تكذب؟
أنا : حتى لو كذبت، فالمسألة لا يغير من واقعي شيء، فأنا هنا، وإبني هناك، ويلك وكل مرة تأخذنا الى الدموع والحنين والغربة، بربك لماذا أتيت الى هنا ؟
أحمد : كفى، لنغير الموضوع ولتمضي عطلتنا على خير !!!
إنقهرت كثيرا من كلام صديقي عن الغربة والحنين وتذكيري بولدي الذي لم أره ابدا في حياتي وبأهلي، الوطن الشارع، الحي الذي نشأت وترعرعت فيه، وكأن فيلما سينمائيا يعرض أمامي.
وصديقي أحمد أنسان قروي بسيط لا زال يصلي ويصوم ويقيم الشعائر الدينية بحذافيرها وكأنه لازال يعيش في القرية وفي الوطن، ودائما كان ينهرني ببعض أفعالي ويقول لي وكيف لا ؟! وكأنك من أهل المدينة الأصليين يا صديقي أنت تلائم هذا البلد !!!
تعرفت على أحمد في العمل مع يوسف الذي كنا نعمل معه خارج القانون، والذي نطلق نحن المهاجرين بالعمل الأسود نظرا لطبيعة المهاجر الشرقي ورغبته في الممنوع وكدخل إضافي سري مع المال الذي نحصل عليه من دائرة مساعدة وتأهيل المهاجرين.
دنت الساعة الثامنة مساءا وأوعزت لصديقي القروي بأنه حان وقت الخروج من البيت الى مركز المدينة كي نرفه عن أنفسنا قليلا، ونبتعد عن أجواء الحزن والغربة.
وصلنا في الوقت المحدد الى شارع أفينييه، وكان مكتظا جدا من شباب المدينة الى درجة لا يمكن وصف المنظر بأي وصف جميل، وتغيرت ملامح أحمد الحزينة الى الإبتسامة والفرح، وبدأ يسرد حكايات وأحاديث جميلة، وبدأ ينبهني الى الفتيات الجميلات الى درجة أندمج مع الواقع الجديد الذي هو فيه متناسيا كل ماذهب اليه في الشقة عندي.
وصل بنا الحال الى الإرهاق والتعب بعد السير والوقوف على الأقدام لأكثر من ساعتين، وأستفتتحت الحديث مع صديقي القروي بإنني تعبت وعلينا أن نستريح قليلا، وإيمائة من رأسه بالقبول على طلبي.
بدأت أتبادل أطراف الحديث مع القروي بعد التعب المضني من السير على طرقات المدينة وقلت:
أنا : ويلك يا قروي, كدت تقتلني بكلامك في البيت عندي عن الغربة والحنين والذي يراك الآن وكأنك ولدت في هذه المدينة.
أحمد : أنت كالشيطان تأخذني الى أجواء شيطانية !!!
أنا : ماذا تقول بربك. رأيت بعض الحسناوات الجميلات وتقول هذا؟؟
أحمد : وهل هناك أكثر من هذا الذي رأيت ؟
أنا : وهل تريد الذهاب الى الجنة معي بعد قليل ؟؟
أحمد : أستغفر الله !! اية جنة ؟؟ بعد الذي رأيت !!!
أنا : يا أبله !! إنهض كي أخذك الى الجنة والحوريات !؟
أحمد : أستغفر الله يا أخي ما هذا الكفر ؟؟ ماذا تقول ؟؟؟
أنا : لا أتجادل, أنا ذاهب لوحدي، وأن أردت المجيء الى الجنة، إتبعني فقط وسترى !!!
إندهش المسكين فيما ذهبت اليه من حديثي معه، ولم يصدق الأمر الذي أنا مزمع عليه وأريه الجنة المزعومة، وكان في حيرة من أمره من قبول مبادرتي أو رفض الفكرة أساسا والرجوع الى البيت.
وعندما إقتربنا من محطة الباص، بادرته بالسؤال إن كان لا زال يرغب في البقاء معي في رحلتي الى الجنة، وبادر الى القبول وبشرط عدم التقرب من المحرمات لأنه إنسان ملتزم دينيا وقلت له :
أنا : كن من المتفرجين فقط أو كأي مشاهد ويرغب في رؤية الجنة !!!
أحمد : لا مشكلة سأجرب الرحلة معك !!!
بعد ما وافق صديقي على قبول دعوتي في رحلة الى الجنة, ذهبنا الى أحد الأكشاك القريبة من محطة الباص وطلبت منه أن يصنع لنا لفافتين من سندويتج الدجاج وعلبتين من الكولا, وتناولنا عشاءنا الخفيف سيرا على الأقدام، وبعدها وكل على حدة تناول من جيبه سيكارته، وبدأنا ندخن الى أن وصلنا الى أحد الطرق الضيقة وفتحت بابا كبيرا ودعوت صديقي بالدخول أولا وبعده أدخل لأن الباب ينغلق ذاتيا بعد الدخول، وصعدنا الى الطابق العلوي، وحيث صالة كبيرة، نصف مظلمة ونور ملون رومانسي منبعث يتوسط الصالة حلبة رقص الحوريات، إنذهل القروي من ما رآه من الحوريات النصف عاريات، والرقص الهادىء، الجوء المفعم بالرومانسية, البوفيه ومنضدتها المكتسية من ملذات وأطايب الشرب والنبيذ.
والقروي في صدمة ورهبة لا مثيل لها، وحدقتا عينيه مصوبتان نحوي، وبادر الى السؤال :
- ما هذا يا أبليس وكأنني في حلم ؟؟!
ضحكت وإبتسمت له ونهضت فورا الى البوفيه لأجلب لي قدحا من البيرة وعصيرا له، لكنه إمتنع عن شربها، وإحتسبها من المحرمات في البدء، وأندمج القروي في جو المحيط به بالأخص في الهزع الأخير من الليل وإنجذاب إحدى الحوريات اليه، وأنا الذي أدخلت صديقي الى الجنة وفاز هو بقلب حورية، وجلست ساكتا في مكاني متمتعا بالمناظر الجميلة والخلابة من الحوريات وكأنني على شاطىء البحر و بقيت أحتسي كأسي بروية وأتمتع به طوال السهرة، الى أن حان وقت الخروج من الجنة ورجعنا عائدين الى محطة الباص ثانية، وصدفة وإذ بأحد الأشخاص يصرخ ويهتف بأسمائنا، وما كان الا وصديقنا في العمل حسن، معطيا الاشارة لنا بالصعود معه في سيارته القديمة لتوصيلنا الى البيت.
فاجئني حسن في وجوده في محطة الباص، وبادرته بالسؤال:
أنا : ماذا تفعل يا حسن وفي هذه الساعة المبكرة من الصباح (الرابعة صباحا) ؟
حسن : أعمل على سيارتي كتاكسي في ليالي الملاح .
أحمد : ما شاءالله وتعمل ليلا ؟
حسن : ما شاءالله يا أحمد وحسبتك تصلي وتصوم وذهبت الى المرقص ؟
أنا : على العموم أنا الخلوق والمؤدب فيكم !!!
أحمد : كلنا في الهوى سوى, هههه !!!!
وبعد فترة وجيزة من الزمن التحقت بي عائلتي ورأيت أبني الحبيب، وبعد مرور بعض من السنين رجعت الى أرض الوطن ولم أقو على البقاء في الغربة والحنين، وإندمج أحمد مع صديقاته ولم يتوان لحظة من ضياع جنته وحسناواته ولا زال مواظبا على جنته الموعودة، أما حسن فأخباره جيدة وحج الى بيت الله الحرام كي يحلل ما يجنيه من المال الأسود و أصبح غنيا جدا وأسس بعض المشاريع المستقبلية له في الوطن الأم و وطن الغربة ويملك محلات لبيع الأغذية من المال الذي جمعه من العمل الأسود، وكان لكل منا و رحلته الى الجنة ...
AZAD TOVI (أزاد توفي)



#ئازاد_توفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مملكة الشمس
- ..(فخامتها لحن قيثارة)..
- الأعلام الكوردي أسلاك شائكة
- ولادة من عنق زجاجة الفودكا
- الغضب
- نعي
- حيدرالعبادي وحرب مقدسة جديدة على أقليم كوردستان
- PKK وإستغلال مآسي سنجار و وضع الأقليم الكوردي
- الحائرة
- أيقونة الكذب
- فستان والعطر
- برج الحبيبة
- الحب الأبدي
- طوق هرمزان
- سكة السفر
- الإعلام العراقي المكشوف عنه في زمن البعث والمسكوت عنه في زمن ...
- فرحة العيد
- -المالكي- البيدق الغامض في السياسة العراقية الغامضة
- ملاحظات حول...نداء كوردستان... بين وجهة نظر كاتب المقال العر ...
- صرخة غزة


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ئازاد توفي - رحلة قصيرة الى الجنة