أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - طوني سماحة - يونس البلجيكي...يهجر مقاعد الدراسة














المزيد.....

يونس البلجيكي...يهجر مقاعد الدراسة


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 4552 - 2014 / 8 / 23 - 10:13
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


هوذا الصيف قد أوشك على الرحيل، ومع رحيل الصيف يعود هاجس الدراسة ليغزو عقول الاطفال. رحيل الصيف للكثير من الاطفال يعني وداع البحر وزرقته والجبل وخضرته. رحيل الصيف يعني نهاية المغامرات و السهر و اللعب. رحيل الصيف يعني بناء إسمنتيا، يخفي خلف جدرانه صورة مدرّس(ة) متجهم الوجه، يرتدي نظارات سميكة العدسات، يجلس أمام لوح أسود و خلف مكتب باهت، و يحمل في يد عصا وفي الاخرى كتابا. لكن و على الرغم من حزنهم لرحيل الصيف، يعود الاطفال الى مقاعد الدراسة وفي جعبتهم الكثير الكثير من الذكريات الحلوة، ولديهم شوق غامر للقاء أصدقاء منعهم فصل الصيف من رؤيتهم. وككل سنة تدور عجلة السنة الدراسية و يتكيف الأطفال، معظم الاطفال، مع واقعهم الجديد ما عدا يونس البلجيكي الذي لن يعود هذه السنة الى مدرسته ولن يجلس على مقاعدها.

يونس طفل بلجيكي في الثالثة عشرة من عمره. هاجر والده منذ أربعين عاما من المغرب الى بلجيكا بحثا عن حياة افضل. وبدل ان يصبح هذا الرجل اكثر انفتاحا في بلجيكا، تقوقع في ثقافة التخلف والجهل و التعصب الديني الذي أورثه لاولاده. ساهمت التربية الهمجية المتخلفة المتطرفة في صقل شخصية يونس و أخيه مما دفعهما للسفر الى سوريا. وهناك حمل يونس البندقية ليصبح أصغر طفل داعشي أجنبي. مع رحيل الصيف و بداية العام الدراسي الجديد، لن يلتقي يونس رفاقه البلجيكيين، لن يحمل الكتاب أو القلم، لن يدرس قواعد اللغة وآدابها، لن يحفظ جدول الجمع والطرح و الضرب، لن يغوص في أعماق التاريخ كما انه لن يسافر على تضاريس الجغرافيا بمرتفعاتها و منخفضاتها. لن يقوم بتجارب الكيمياء ولن يهتم بحل أحجيات علم الفيزياء و اسراره.

عندما غادر يونس بلجيكا، مات الطفل فيه وولد من أشلائه مسخ. مسخ يتعلم في سوريا كيف يصبح كارها للآخر وقاتلا له. مسخ يحتقر المرأة ويرى فيها إناء لا تصلح إلا لإشباع غريزته الجنسية. سوف يتعلم يونس كيف تُسبى النساء و سوف يُزرع في رأسه أن كل سافرة عاهرة. سوف يُعطى مجاهدة أو أكثر لتلبية رغباته الجنسية على الأرض وعددا لا يحصى من الحوريات في الجنة. سوف يتعلم قطع الرؤوس وتهجير الناس من منازلهم. سوف يتعلم أن كل من خالفه الرأي كافر وأن القتل أفضل علاج للكافر. سوف يتعلم رجم الزانية و قطع يد السارق.

في سوريا سوف يخلو قاموس يونس من مفردات مثل الحرية والتسامح و الرحمة. الحروف والكلمات والجمل والأسطر في كتاب يونس لن تُكتب بالحبر بل بدماء ضحاياه. لن يتعلم يونس فنون الرسم. لن يخطر على باله رسم بحر أو شجرة أو جبل أو طفل، بل جل ما يستطيع رسمه هو رأس رجل مقطوع تسيل منه الدماء. لن يتقن يونس فنون الموسيقى لأن أذنه لم تتدرب إلا على صوت السكين يحز في رقاب ضحاياه. والحوار الوحيد الذي سوف يتقنه يونس سوف يكون حوار البندقية والرصاص. في سوريا سوف ينسى يونس لغة فولتير وفكتور هوغو وراسين (من أشهر الكتاب الفرنسيين) ليتقن لغة الدماء. سوف ينسى يونس مبادئ كرة القدم التي تعلمها على ملاعب بلجيكا، أو ربما لا، بل هو سوف يمارسها برؤوس ضحاياه.
ولد يونس طفلا شأنه شأن كل أطفال الأرض. في طفولته ضحك مثل كل الأطفال و ودبدب مثلهم وبكى مثلهم. لا شك انه في طفولته لعب مع أطفال بلجيكيين يختلفون عنه في اللون و الدين والعرق ولم ير في ذلك ضيما له. لكن يونس نما و انحرف. انحراف يونس ليس وليد الصدفة و لا هو تصرف آنيّ، بل هو نتيجة تربية منزلية ملأت رأسه الصغير بكراهية الآخر و تربية دينية علمته تكفير الآخر وتربية اجتماعية أقنعته أنه أفضل من الآخر.

ترى كيف تتصرف بلجيكا حيال ملف يونس؟ هل تنتظر ان يعود اليها حيا فتلقي القبض عليه أم أنها لن تستطيع القبض عليه إذ قد يعود إليها جثة هامدة أو لا يعود؟ ليس المهم عودة يونس بقدر ما يهم معالجة الاسباب التي أدت الى موت يونس الطفل وولادة يونس المسخ. قبل ان تلقي بلجيكا القبض على يونس عليها أن تتعامل مع فكر تكفيري يعشش في منازل الكثيرين من المهاجرين اليها و دعاة تكفيريين استفادوا من الحرية المعطاة لهم ليبثوا سم حقدهم و كراهيتهم للآخر.

اليوم يعود الكثير من الاطفال الى مقاعد الدراسة ليتعلموا ثقافة الحياة، فيما يتجه يونس البلجيكي الى سوريا لينشر ثقافة الموت.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزءالسادس
- نساء برسم البيع
- روبن وليامز، بسمة لطيفة و رحيل مأساوي
- عندما نعلّم أطفالنا قطع الرؤوس
- حكاية بطة
- و بعد النون يأتي دور الألِف
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الخامس
- زمن الجنون
- عتبي عليك يا حرف النون
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الرابع
- صلب انطوان حنا
- أثداء البقر فتنة
- داعشية تبني مجتمعا
- سيدي الخليفة
- أضرب يا عباس
- اضرب يا عباس
- إسمحي لي بقتلك لأنني بلا خطيئة
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الثالث
- امرأة بنصف عقل و رجل بعقل كامل
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الثاني


المزيد.....




- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - طوني سماحة - يونس البلجيكي...يهجر مقاعد الدراسة