أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - علي المدهوش - ( سميح القاسم والديوان الممزق).















المزيد.....

( سميح القاسم والديوان الممزق).


علي المدهوش

الحوار المتمدن-العدد: 4550 - 2014 / 8 / 21 - 01:02
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


*علي المدهوش
لم أبلغ الحُلم أو سن التكليف بعد ، ورصيدي من الحياة أحدى عشر سنة ،وأنا في الصف الخامس الأبتدائي في ذلك الحين من مطلع سبعينيات القرن الفائت، وبمدرسة حسان بن ثابت الابتدائية في البصرة، حين أنساب وبعذوبة الى مسامعي صوت معلم اللغة العربية وهو يشدو بأبيات شعرية أرتعدت لها فرائصي وأخترقت قلاع كياني، لتستقر في سويداء القلب، وتجري مجرى الدم في العروق، لتروي كل أجزاء روحي البكر ، التي لم تعي أو تتذوق البلاغة والشعر والأدب بعد . يقول فيها:
( ربما أفقدُ –ماشئت- معاشي..
ربما أعرضُ للبيع ثيابي وفراشي..
ربما أعمل حجاراً..
وعتالاً..
وكناس شوارع..
ربما أبحث، في روث المواشي، عن حبوب.
ربما أخمد..
عريانا.. وجائع
يا عدو الشمس..
لكن.. لن أساوم..
وإلى آخر نبض في عروقي..
سأقاوم،
سأقاوم...
سأقاوم...).
وما أن أنتهى من بيانه ، لم أجد نفسي الأ وأنا أحاذيه وأقف بالقرب منه ، متخطيآ كل الموانع النفسية وهالة الاحترام والخوف التي تحيط بشخص المعلم أنذاك، وغير آبه أو مبال لهذا السلوك الذي فيه من الجرأة وقلة الادب الشيء الكثير، وبلا أدنى مقدمات أو استأذان وسط ذهول بقية التلاميذ أقراني وانا أدنو منه،!! فثمة شيء يجذبني اليه في تلك اللحظة ،لأقول له: أستاذ ما أسم هذا الشاعر ؟، رفع يده عاليآ بعد سؤالي مباشرة!!! ،،وشعرت في لحظتها أنها ستهوى على خدي لتصفعه جزاء سوء تصرفي وعدم لياقتي في التعامل وأدب الخطاب مع الاستاذ، إلا أنها هبطت برفق على كتفي ، وأخذتني الى أحضانه وضمتني اليه، وقال مبتسمآ وهو ينظر لي بنظرة حانية عطوفه لم أعهدها منه من قبل أبدآ:( هذه بعض أبيات شاعر المقاومة الفلسطينية سميح القاسم يا علي ، وشدني اليه ثانية قبل أن يرخي أنامله أيذانآ منه لكي أغادر الى حيث محل جلوسي في ( الَرحَلة ) الأولى والتي لم أجلس الأ فيها طوال دراستي في المرحلة الابتدائية.( على أساس أني شاطر)!!،
أخذت موسيقى القصيدة تطربني، ولاتفارق مخيلتي ، ولساني يلهج ببعض مفرداتها ، ولم يبرح لساني قول: ياعدو الشمس لكن لن أساوم والى أخر نبض في عروقي سأقاوم.. سأقاوم.. سأقاوم)،
وأصبحت شغلي الشاغل،ترافقني في كل مكان ، وأضحت ترنيمتي ومعوذتي التي علي قرائتها قبل المنام وعند الاستيقاظ!، ياترى ..كيف السبيل للحصول عليها ،
أو شرائها؟؟، وأنا ممنوع من قبل الوالد رحمه الله أنذاك من أقتناء أي كتاب خارجي، بدعوى أنه يؤثر على أهتمامي بدروسي وواجباتي المدرسية ، بعد أن ضبطني وفي أكثر من مرة وأنا متلبس بالجرم المشهود تاركآ وأجباتي المدرسية وأقراء بعض الصفحات الممزقة من الصحف أو المجلات التي أجمعها من هنا أو هناك، لذلك أتى قرار توبيخي ومنعي من مطالعة ما لايمت لمناهج الدراسة بصله، ورغم أحترامي الشديد الممزوج بالخوف الكبير من سلطان وهيبة الوالد الكبيرة، إلا أن دافع ورغبة حصولي على كتب هذا الشاعر كانت جامحة وقوية، وأصبحت أقرب للمنال والتحقيق بعد أن وقعت عيناي على ديوان سميح القاسم في أحدى المكتبات في شارع المكاتب بمحلة الجمهورية، حيث كنت أطالع عناوين الصحف والمجلات المعروضة كما جرت عليه العادة بعد أن أفتعل سببآ لتركي محل الأقمشة التابع لوالدي لبعض الوقت وأذهب للأستمتاع بالنظر للكتب والمجلات وأعود مسرعآ خوفآ من التأخر ، ولأسيما وأن جل وقتي أقضيه بمساعدة الوالد في هذا المحل الذي سلب مني طفولتي وصباي، سألت صاحب المكتبة في حينها عن قيمة ذلك الديوان المميز ، المطبوع بلبنان والذي يكتسي غلافه اللون الأحمر وهو من القطع الصغير كما جرت عليه العادة وقتئذ في طباعة دواوين الشعر، فأجابني بسعر مرتفع على ما أتذكر ولا يمكنني شراءه في حينها، عدت أدراجي الى محل الاقمشة والفرح ينتابني لعثوري على ضالتي من جهة والحسرة على عدم أمكانيتي الحصول عليه من جهة أخرى،
ولكن المبلغ وجدته مكتملآ بعد فترة من الزمن بعد أن جمعت مصروفي وأحتفظت به سرآ عند والدتي، وبقي الامر متوقفآ على كيفية شرائي لما هو ممنوع علي أصلآ، ولكن الحاجة أم الاختراع كما يقولون، بعد أن قفزت في ذهني فكرة فيها الكثير من الدهاء والحيله، التي تفوق سني عمري الذي لم يتجاوز الثانية عشر بعد، مستغلآ حالة شراء الوالد الله رحمه للجرائد والمجلات القديمة وبكميات كبيرة،لغرض لف القماش فيها، قبل تسليمه للمشتري، كما كان سائدآ في ذلك الوقت، ولم يكن في حينها لأكياس النايلون من أثر، وأنما تُلف قطعة القماش بصحفة كبيرة من صفحات الجرائد القديمة وتطوى كطي السجل ، ثم تقدم بين يدي الزبون، وهذا الامر لم يكن منوطآ ببيع الاقمشة فحسب، وأنما أشترك في هذه الاسلوب باعة الكباب المشوي ( السفري)، لان ذلك الوقت في السبعينيات من القرن المنصرم لايوجد أواني بلاستك ( دسبوسبل) ، ولا ( العلاگة النايلون )!!،عمومآ فان شراء الصحف القديمة من قبل الوالد كان مصدره بعض افراد المحله ،من الطبقة المثقفه التي تدمن قراءة الصحف والمجلات وبعدها يضطرون للتخلص من كميات الصحف القديمة المتراكمة بعد فترة من الزمن، لقاء مبلغ زهيد، وفي أغلب الأحيان تجلب هذه الصحف للبيع وبالخصوص( للبزازين)، بأكياس كبيرة كأكياس الطحين وماشابه، وفي حالات عديدة نكتشف انها تضم بعض الكتب والمجلات والمطبوعات القيمة ،ومن الممكن أنها وضعت عن طريق الخطآ مع مخلفات الصحف القديمة، ولهذا كانت حيلتي وخطتي التي وضعتها ، من بوابة هذا الامر،وسرعان مابدأت بالشروع بها ،فأشتريت الديوان من تلك المكتبة العتيدة ورجعت مسرعآ لمحل الاقمشة، مستغلآ وجودي بمفردي بعد ذهاب الوالد للبيت ظهرآ، حتى أخذت مقصآ وأنتزعت الغلاف السميك لديوان سميح القاسم وبقوة لشدة تجليده، وفصلته عن المحتوى ، ليصبح العنوان والغلاف في واد وبقية الأوراق في واد أخر، وما أن حل الوالد الى المحل بعد قضاء وقت الظهيرة في البيت، قلت له:(بابا دورت في أكوام الجرايد وشفت هذا الكتاب الممزق الذي لاينفع في لف الاقمشة راح أخذه وياي لان فيه قصائد ماخذينهه بالمدرسة)!!!، أنطلت هذه المكيدة على السيد الوالد واخذت الديوان المنزوع الغلاف في اليوم الاول للبيت ووضعته في قبو سري ، ولحق به الغلاف في الثاني،!! والأن وفي هذه اللحظة التي أكتب فيها مقالتي، أضع هذا الديوان بين يدي ،وأنا أحتفظ به طوال ال( 35)عامآ، ولا زالت أثار التشوه في جسده بائنة ظاهرة بعد محاولات عديدة لأعادة الغلاف الى سابق عهده، ليكون شاهدآ على قدر تأثري وتعلقي بك أيها الانسان الحر سميح القاسم، وأنا أستمع لخبر وفاتك بعد صراع مرير مع المرض ، ولا عجبآ بأن فراق الأحبة لايأتي فرادى، وها نحن نعيش ونتذوق ونشم معاني الاباء والجهاد والبطولة في عراق علي والحسين ع، ولم تنفرد أنت أيها الاستاذ بهذه الخصيصة التي رسمتها حين قلت:
(أنا لا أحبك ياموت..
لكنني لا أخافك..
أعلمُ أنّي تضيق عليّ ضفافك..
وأعلمُ أن سريرك جسمي..
وروحي لحافك..
أنا لا أحبك يا موت..
لكنني لا أخافك..)..
وهاهم الابطال الغيارى الذين جسدوا أروع معان البطولة والجهاد والتضحية في سبيل الحرية وهم يقارعون أشرس عدو بربري عرفه التأريخ والمتمثل بداعش وأخواتها،
وهم يتغنون الان بقصائدك ..
( ربما تسلبني آخر شبر من ترابي
ربما تطعم للسجن شبابي
ربما تسطو على ميراث جدي
من أثاث.. وأوان.. وخواب
ربما تحرق أشعاري وكتبي
ربما تطعم لحمي للكلاب
ربما تبقى على قريتنا كابوس رعب
يا عدو الشمس.. لكن.. لن أساوم
وإلى آخر نبض في عروقي.. سأقاوم

ربما تطفيء في ليلي شعله
ربما أحرم من أمي قبله
ربما يشتم شعبي وأبي، طفل، وطفله
ربما تغنم من ناطور أحلامي غفله
ربما زيف تاريخي جبان، وخرافي مؤله
ربما تحرم أطفالي يوم العيد بدله
ربما تخدع أصحابي بوجه مستعار
ربما ترفع من حولي جداراً وجداراً وجدار
ربما تصلب أيامي على رؤيا مذله
يا عدو الشمس.. لكن.. لن أساوم
وإلى آخر نبض في عروقي..
سأقاوم..
سأقاوم..
سأقاوم..).
رحمك الله يا سناء صباي،
يامن دفع أنامي الضعيفة أنذاك على الاحاطة والالتفاف حول قلم ومداد الأدب لأحبو عند ساحل أبداعك وعظمتك
ياسميح القاسم.. ياشيخ وأستاذ أدب المقاومة......



#علي_المدهوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (حديث في المقهى)
- (العُوْرة بين مطرقة المجتمع وسندان الارهاب)!!.
- العلاقة بين الدراسات العليا والبرياني.
- هل تعرفون الدكتور مهدي،
- الصبور مأكول مذموم !!!
- يافرنكشتاين ما الذي فعلته بي ؟


المزيد.....




- رئيسة جامعة كولومبيا توجه -رسالة- إلى الطلاب المعتصمين
- أردوغان يشعل جدلا بتدوينة عن بغداد وما وصفها به خلال زيارته ...
- البرازيل تعلن مقتل أو فقدان 4 من مواطنيها المرتزقة في أوكران ...
- مباشر: 200 يوم على حرب بلا هوادة بين إسرائيل وحماس في غزة
- مجلس الشيوخ الأمريكي يقر بأغلبية ساحقة مشروع قانون مساعدات ل ...
- محكمة بريطانية تنظر في طعن يتعلق بتصدير الأسلحة لإسرائيل
- بعد 200 يوم.. تساؤلات حول قدرة إسرائيل على إخراج حماس من غزة ...
- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - علي المدهوش - ( سميح القاسم والديوان الممزق).