أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - الذاتي والموضوعي في أزمة التنوير














المزيد.....

الذاتي والموضوعي في أزمة التنوير


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 4549 - 2014 / 8 / 20 - 14:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عندما ظهرت الحركات الأصولية في العالم العربي وَضح أنها تخلط بين الدين كحقيقة والتراث كتاريخ، وظنت-أو خدعت نفسها- أن ربط التراث بالدين هو من كمال الإيمان، والحقيقة أن هذا الأسلوب كان طريق القدماء قبل عصر الحضارة والتنوير الأوروبي، يستوي فيه أصحاب كل الديانات، ولكن ما لفت نظري هو ادعاء بعض التنويريين المعاصرين أن ما يقوم به الأصوليون هو لا يمثل حقيقة الدين، على فرض أن الحقيقة في جانب هؤلاء الدعاة الذين خملوا أمام الغزو السلفي للعرب، وقعدوا عن مواجهتهم ونبش تراثهم الذي يدعون.

ربما كان لبعضهم العذر في أن يعرض عن ذلك لقاء حياته، فالأصوليون سلكوا كافة وسائل الترويع والإرهاب ضد المفكرين لإسكاتهم، حتى حملوهم على مساعدتهم في التمكين كما حدث في سوريا ومصر وتونس، صعد المتطرفون إلى الواجهة بفضل دعاة التنوير في سابقة بشرية اتسمت بالغباء والانحطاط، مما كان له ثمناً كبيراً دفعته تلك الشعوب بنِسَب مختلفة، والشئ بالشئ يُذكر أن هذه الحالة رافقها توجهاً ثوريا اجتاح الشارع العربي، وقد ساعد ذلك الحراك ما أصفه .."برواسب الأصولية المتراكمة".. التي غرسها السلفيون إبان عصر النفط، فقد جاء هذا العصر بالطاقة السائلة والثمينة لصالح دول ومجتمعات هي مصدر الأصولية الإسلامية في العالَم أجمع.

المهم أن ما فعله التنويريون كان عن براجماتية خلطت ما بين الذاتي والموضوعي، وهو ما أوقعهم في وحل الجماعات حتى رأينا تلك الجماعات انتفضت في أكبر ميادين مصر والجيش لا يحرك ساكناً ، بينما التنويريون يقبعون في غرف الأحزاب ينتظرون ويستعدون للمعركة القادمة مع الجيش..!

ولتوضيح الفارق بين الذاتي والموضوعي أعرج على قصة لطيفة وقصيرة، قام أحد الرعاة من نومه ثم همّ بإحصاء غنمه عند الشروق فلم يجد أحد الغنمات، فذهب إلى شيخ الرعاة وسأله عن ما حدث ، فرد عليه الشيخ أن عفريتاً من الجن هو الذي سرقها، قال الراعي : كيف ذلك ولم يحدث من قبل، قال الشيخ: أن هذا العفريت هو من جنود الله الذي غضب عليك لذنبٍ فعلته وما يعلم جنود ربك إلا هو، هنا سكت الراعي فور سماعه القرآن، واطمئن أن ما حدث هو تكفير لذنوبه، ثم رضي ولم يعقب.

وفي لقاءٍ بين الراعي وأحد أقاربه المثقفين حكى له ما حدث، فرد المثقف: أن شيخ الرعاة يكذب، لا يوجد عفاريت تسرق الأغنام، هذا سارق حويط ربما يكون قد اتفق مع شيخ الرعاة، أو أن الشيخ نفسه هو السارق، هنا انتفض الراعي وثارت ثائرته وقرر الذهاب للشيخ وسؤاله عن حقيقة ما حدث، فرد الشيخ بما قاله من شأن العفاريت، فلم يصدقه الراعي ونشبت بينهما معركة قتل فيها الراعي الشيخ، ثم انتقم أحد أقاربه من الراعي وقتله.

ملخص هذة القصة في كيفية رؤيتنا للحقائق، فالحقائق ما بين علمية"موضوعية" مصدرها العقل، وحقائق دينية"ذاتية" مصدرها الوحي، جميع الأطراف في هذه القصة بحثوا عن الحقيقة بخلط بين الذاتي والموضوعي، بمعنى أن الحقيقة العلمية هي التي يضعها الإنسان كنتيجة لنشاط العقل، وكافة استنتاجات الراعي والشيخ والمثقف هي عن نشاط ذلك العقل، ولكن اعتقد الشيخ أن في الجريمة جانباً دينياً فصدقه الراعي، أما المثقف فهو وإن كان يعلم خرافة سرقة العفاريت للغنم إلا أنه لم ينتبه إلى أن موقفه المسبق من الخرافة جعله يتهم شخصاً بريئاً.."شيخ الرعاة"..بجريمة سرقة ، أو اتهام أحد أفراد قبيلته وجيرانه، ولم ينتبهوا جميعاً أن ذئباً شارداً من البراري المجاورة هو الذي تسلل في الليل وسرق النعجة...!

الراعي عندي هو عامة الناس، وشيخ الرعاة هم الأصوليون الذين استحكموا على عقول العوام، والمثقف هم النخبة الفاشلة التي تسببت بغبائها في توريط البلاد في فتن متعاقبة وتصفية حسابات شخصية ووهمية، نخبة عاشت ونشأت في كنف المؤامرة فلا فرق بينهم وبين مجاذيب الموالد وأصوليي الجماعات، وأصوليون آخرون مولعون بالخرافة والشعارات والخُطب العصماء، وعوام جهلاء لا قدرة لهم على التفكير، بل غالباً ما يكونون أداةً للحرب وهدفاً للجريمة.

إذا تأملنا هذا الجانب التنويري المعروف بالنخبة لا نرى فارقاً بينه وبين الأصوليين فيما يُعرف باعتناق الخرافة، كثير منهم-أو أغلبهم- لا زالوا يدرسون ويتكلمون عن الإعجاز العلمي في الإسلام، ويعتقدون أنهم بذلك يخدمون الدين ويساهمون في نشره، ويجب الانتباه أن هذا الفعل منهم ومن الأصوليين مرده إلى اعتقاد سائد قديم يربط بين الخرافة ونشر الدين، فكلما أراد أحداً الظهور ادعى الكرامة، أو تصور مجتمعاً ما شخصا به لمحات وقدرات إلهية من شفاء ودعاء وعصمة من الأذى...إلخ، لا قدرة لهم على تفكيك الأحداث والوقائع، بما يعني عجزهم عن التنبؤ، وقد حدث ..مما ساهم في قدوم الفتن تترى إلى بلاد العرب والمسلمين.

في أوروبا وإبان عصر التنوير اختلف الحال، قاد التنويريون معركة حاسمة لهدم الخرافة والموروثات العتيقة ، ذلك هو العقل الموضوعي لديهم، هو عقل علمي يقوم على مقدمات ونتائج صحيحة، وفور نشاطه اكتشف ببداهة أن ما عليه مجتمعات أوروبا هو خرافات وتقاليد بالية لا تصلح لصياغة وإنتاج حضارة، بينما الأصولي للوهلة الأولى عندما يسمع هذا التوجه يزداد تطرفاً ويسعى بنفسه لاستباق المعركة، وفي النهاية يخسرها مثلما يخسرالأصوليين المسلمين الآن معاركهم ضد البشرية جمعاء..

المثير أن التنويريين في أوروبا لم يكونوا في معظمهم ملاحدة كما يظن أصوليي الشرق، فجون لوك وسبينوزا وروسو وفولتير كانوا مؤمنين بالخالق على اختلاف عقائدهم، وصنعوا خطاً عقائدياً عاماً في أوروبا يقول أن العقل وحده كافٍ للمعرفة، وهو قادر على كشف الحقائق الموضوعية المرتبطة بالخالق مثل التفكر في الموجودات ، أما الحقائق الإلهية فهي ذاتية لا سلطان للعقل الوضعي عليها، وبالتالي استطاعوا التوفيق بين العلم والدين، وهو نفس التوجه الموروث من مدرسة ابن رشد الأندلسية التي في تقديري أثّرت كثيراً في الحضارة الغربية.



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طاعون داعش قابل للانتشار
- قتل العلمانيين عند الأزهر
- تشريع الحدود بين الأمة والسلطة
- إنك لا تهدي من أحببت ياأزهر
- أكذوبة حديث يوشك أن تداعى عليكم الأمم
- المسيحيون واليزيديون في الموصل
- خدعة الصوم لأجل الفقير
- لا كفّارة على جماع الرجل لزوجته في نهار رمضان
- مسخ اليهود فئراناً وتراجع النبي..
- رخصة الفدية في أحكام الصيام
- الوصايا العشر لتحريف أي دين
- من هم العلماء في الدين ؟
- داعش وحديث الفرقة الناجية
- معبد الجهني المعارض الحُر
- الأمويون وتخلف الأمة
- ابن شهاب الزهري في الميزان (4)
- ابن شهاب الزهري في الميزان (3)
- ابن شهاب الزهري في الميزان (2)
- ابن شهاب الزهري في الميزان
- خرافة هزة العرش لسعد بن معاذ


المزيد.....




- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - الذاتي والموضوعي في أزمة التنوير