أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - النشاط الاقتصادى فى العالم القديم















المزيد.....



النشاط الاقتصادى فى العالم القديم


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 4548 - 2014 / 8 / 19 - 08:44
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


النشاط الاقتصادى فى العالم القديم
(1)
نعنى بالعالم القديم، فى تاريخ النشاط الاقتصادى، الفترة التاريخية الممتدة، على أقل تقدير، من الألف الثانية قبل المسيح، له السلام، إلى القرن السادس الميلادى. وهو العالم الذى هيمنت عليه ظاهرة الرق، وارتكز الإنتاج فى جُل مجتمعاته، بوجه عام، على قوة العمل المستعبَدة. ومن الناحية المكانية يتحدد حقل البحث بالأجزاء الممتدة من بلاد بابل ومصر القديمة شرقاً إلى آثينا وروما غرباً.
وإذ ما بدأنا رحلتنا إلى هذا العالم القديم، الذى تهيمن عليه ظاهرة العبودية، من أرض بابل، ابتداءً من القرن التاسع عشر قبل الميلاد؛ بغرض اعادة النظر فى المركزية الأوروبية التى سيطرت على الاقتصاد السياسى بوجه خاص، كى نعرف مقدار ضلالنا الفكرى نحن أبناء الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالى العالمى المعاصر، الذين تلقفنا الاقتصاد السياسى من أوروبا الغربية دون أدنى مراجعة. وما فعلناه مع الاقتصاد السياسى فعلناه بتفوق أيضاً مع ما يسمونه "علم الاقتصاد!". تلقفناه هو الآخر وأنتشينا بتسميم عقول الطلبة به فى المدارس والمعاهد والجامعات فى عالمنا العربى، ودون ما خجل! نقول إذ ما بدأنا رحلتنا إلى هذا العالم القديم فسنجد أن القانون البابلى قد نظم بدقة ووضوح شديدين مجموعة من العقود التى تحكم العلاقات القانونية، والاقتصادية، والمالية، والشخصية...، بين أفراد المجتمع من جهة، وبين أفراد المجتمع والدولة من جهة أخرى؛ فنجد تنظيماً رائعاً لكل من البيع، والمقايضة، والكفالة، والقرض، والرهن الحيازى، والرهن العقارى، والضمان، والشركة، والإجارة، والعارية، والإئتمان، والوكالة العادية، والوكالة بالعمولة، وعقود العمل، وهو ما يعنى أمراً فى منتهى الأهمية، وهو أننا أمام مجتمع متطور إلى حد كبير على الصعيد الاجتماعى والاقتصادى وتسوده علاقات التبادل، ويتبدى تطوره بصفة خاصة على صعيد علاقات الرأسمال التى استحقت اهتماماً تشريعياً خاصاً ينظم أسعار الفائــــدة(9) وتوزيع الأرباح بين الشركاء فى عقود الشركات والمضاربات التجارية. وتدل الوثائق على أن المجتمعات السومرية والأشورية قد تجاوزت أيضاً مرحلة المجتمع البدائى واقتصادات المنزل منذ عهود بعيدة، وتطورت من النقود السلعية إلى النقود المعدنية، اى التبادل النقدى، على الأقل منذ الألف الأول قبل الميلاد.(10) فنجد تقنين أشنونا، فى أواخر الألف الثالث قبل الميلاد، يحدد فى المادة الأولى والثانية الأثمان النقدية لمجموعة من السلع الضرورية مثل السمن والزيت والصوف والنحاس والملح، وتحدد المادة الثالثة والرابعة أجرة الأشياء مثل السفينة والعربات، كما تتضمن تحديد أجرة الملاح، وأجرة سائق العربة.
والمادة الخامسة عشرة، من التقنين نفسه، تمثل لنا دليلاً حاسماً على معرفة المجتمعات فى العالم القديم للرأسمال، العينى بصفة خاصة؛ فقد نصت المادة المذكورة على أنه: "لا يجوز للتاجر أو بائعة الخمرة... أن يتسلم من عبد أو أمة فضة أو حبوباً أو صوفاً أو زيتاً أو سلع أخرى كرأسمال من أجل التجارة بها". وتكرر المادة الواحدة والعشرون استخدام كلمة الرأسمال؛ فقد نصت المادة على:"إذا أقرض رجل رأســـمال من الفضة، فسوف يقبض ماله وفائـــدته بنسبة 1/6 شيقل وست حبات للشيقل الواحد من الفضة". أى أننا نصادف هنا أحـد أشكال الرأســمال، وهـــو الرأســمال المالى (ن --- ن --- نَ).
ومن جهة أخرى، يمكننا أن نعرف كيف كان تقسيم العمل المأجور، وبصفة خاصة فى مجال النشاط الزراعى، الذى كان يمارس على نطاق متسع، فالمادة السابعة من نفس التقنين تحدد أجرة الحاصد، والمادة الثامنة تحدد أجرة من يذرو الحنطة أو الشعير. والمادة الحادية عشرة واضحة فى تنظيمها للعمل الحر المأجور، الذى يبيع قوة عمله، إذ نصت على:"ان أجر الأجير لمدة شهر مقــــداره شاقل من الفضة".
وعلى الرغم من أن المادة الرابعة عشرة، للأسف، لم تصل إلينا كاملة، إلا أنه من الممكن أن نفهم منها أنها تعالج أجرة عن عمل بالإنتاج، أو أجرة على أساس نسبة من الربح، إذ نصت المادة على أن: "أجرة... شيقل واحد من الفضة إذا جلب خمسة شيقلات من الفضة، وإذا جلب عشرة شيقلات من الفضة فتكون أجرته شيقلين من الفضة".
واهتم قانون حمورابى(11)،(1792ق.م- 1750ق.م) بإجارة الخدمة؛ فقد نصت المادة 253 على:"إذا استأجر رجل آخر ليشرف على حقوله...". كما كان يمكــن استئجار رجـــل لزراعة الأرض بأجـــر سنوى، ويقــدم المالك أدوات العمــل كالماشية، ومواد العمـــل كالبذور، الأمـــر الذى قــد يمثــل نموذجاً لبيـــع قـــوة العمــل الحرة، والنشــاط الزراعى على أساس رأسمالى.
وبوجه عام نجد لدى حمورابى تنظيماً لأجور بعض الحرفيين مثل البنائين والخياطين والنجارين والبحارين والرعاة؛ فقد نصت المادة 273 من تقنين حمورابى على: "إذا كان رجل قد استأجر أجيراً فسوف يعطيه 6 "شى" من الفضة يومياً من بداية السنة حتى الشهر الخامس، وأما من الشهر السادس حتى نهاية العام فسوف يدفع 5 "شى" من الفضة يومياً". وعددت المادة 274 من التقنين بعض أنواع الصناع، وحددت أجورهم، وعلى الرغم من أن بعض الأجزاء من نسخة التقنين غير واضحة إلا أن الأجزاء الباقية كافية فى استخلاص الواقع بوجه عام: "إذا أراد رجل أن يستأجر صانعاً فإنه يدفع إليه يومياً كأجر... من الفضة، وكأجر لصانع الطوب 5 تشى من الفضة، وكأجر للنساج... شى من الفضة، وكأجر لصانع الأختام... شى من الفضة، وكأجر لصانع الجلود... شى من الفضة، وكأجر لصانع السلال... شى من الفضة، وكأجر للبناء... شى من الفضة". والمادة 257 تعالج استئجار رجل لمزارع، والمادة 258 تنظم استئجار رجل لراعى غنم. أى شراء قوة عمل. و"الرأسمال" مذكــور بوضوح فى المادة 93 التى نصت على:" أما إذا كان التاجر... ولم يحسم من أصل المبلغ الكمية الكافية من الحبوب التى تسلمها ولم يكتب عقداً جديداً بالباقى من المبلغ أو إذا أضاف الفائدة على الرأسمال فعلى التاجر فى هذه الحالة أن يعيد ضعف الكمية التى تسلمها من الحبوب إلى المدين". ويتعين أن نلاحظ أن تقنين حمورابى يفرق بوعى بين البيع والشراء والمقايضة، وبين الأملاك الخاصة وممتلكات الدولة.وبين السلع والأموال (م4) كما يفرق بين أجرة الطبيب البشرى والطبيب البيطرى(م215-225) وطبقة الصناع مذكورة بوضوح، فنقرأ فى المادة188:"إذا أخذ عضو من طبقة الصناع ولداً متبنى وعلمه حرفته فله الحق ألا يرده...". ولم يغفل التقنين إجارة الأشياء، وحدد أيضاً أثمان استئجارها. والمادة 272 تعالج استئجار العربة فقط دون السائق. وتنظم المواد من 269 حتى 271 إستئجار أدوات الإنتاج فى الحقل، إذ يمكن أن يستأجر الرجل ثوراً للدرس والتذرية، أو حماراً، أو نعجة.
والأهم، أننا نعرف من تقنين حمورابى كيف كانت الأرض بوجه خاص، والثروة العقارية بوجه عام محلاً للتداول والتصرفات القانونية من بيع وشراء وإجارة، فالنظام الرأسمالى، كما فهمه الاقتصاد السياسى الأوروبى، لا يستقل إذاً، وفقاً لمحور ماركس- روزا- هيلبرونر، بتداول الثروة العقارية، كما لا يستقل ببيع قوة العمل، أو الإنتاج من أجل السوق؛ فلقد جاء فى المادة 37:"إذا ابتاع رجلاً أو حديقة أو بيتاً...". والمادة 41 جاء فيها: "إذا بادل رجل حقل أو حديقة أو بيت...". والمادة 42 جاء فيها: "إذا استأجر رجل حقلاً للزراعة...". والمادة 44 جاء فيها: "إذا استأجر رجل أرضاً بوراً...". والمادة 78 نصت على: "إذا سكن مستأجر فى بيت رجل وأعطى لصاحب البيت إيجاره السنوى الكامل ثم أمر صاحب البيت المستأجر أن يذهب قبل انتهاء المدة المحددة يخسر صاحب البيت الفضة التى أعطاه إياها المستأجر لأنه أكره المستأجر على مغادرة البيت قبل انقضاء المدة المحددة".
(2)
ونعرف من الكتاب المقدس(1610ق.م-1512ق.م) ان إبراهيم، له الســلام، اشترى مقبرة بأربـع مئة شاقــــل فضـــة (تكوين15:24)(12)
كما نعرف أن إتمام عملية البيع والشراء بواسطة النقـود الموزونة كان سائداً، على الأقل فى العهد القديم (تكوين27:37) ونتعرف أيضاً إلى الأوزان التى تستخدم فى تحديد وزن السلع: الجيرة (خروج13:30) والبقع (تكوين 24:12) والوزنة (خروج25:38) والمنا (حزقيال 12:45) وشاقل الملك (صمويل الثانى26:14). كذلك نقابل مكاييل الحبوب: الحفنة (إشعياء12:40) واللج (لاويين10:14) والفورة (ححى16:2) والحومر (لاويين27:16) والصاع (ملوك الثانى6:25) والهين (خروج29:40) أيضاً نجد قياسات الأطوال:الإصبع (أرميا21:52) والقبضة (استير21:52) والشبر (حزقيال28:16) والذراع (التثنية11:3).
نجد أيضاً العملات المستخدمة فى التعامل اليومى. لكننا، وفقاً للعهد القديم، لم نزل أمام العملات الموزونة(13) مثل: الشاقل(ملوك الأول17:10) والقسيطة (يشوع24:3) والمنا (أيوب16:9) ومع العهد الجديد ننتقل إلى النقود المعدودة: الفلس(مرقس42:12) والدينار(متى2:20) والدرهم(لوقا8:15) والنصوص التاريخية تؤكد أن اليهود، فى الشرق القديم، قد مارسوا البيـع والشراء والصيرفـــة(ن --- ن --- نَ) فى هيكل أورشليم وفقاً لما جاء فى إنجيل مرقس:"... ولما دخل يسوع الهيكل ابتدأ يخرج الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلب موائد الصيارفة وكراسى باعة الحمام. ولم يدع أحداً يجتاز الهيكل بمتاع. وكان يعلم قائلا لهم: أليس مكتوبا: بيتي بيت صلاة يدعى لجميع الأمم. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص"(14).
والواقع أن اليهود كانوا يمارسون فى الهيكل أعمال النهب، وليس أعمال البيع والشراء، بطريقتين، نفهم منهما معرفة المجتمع آنذاك لمجموعة من الظواهر التى تخص النشاط الاقتصادى مثل النقود، والأثمان، والمبادلة النقدية، وبيع قوة العمل، والأجور، والصيرفة. أى يمكننا أن نرى قانون حركة الرأسمال المالى(ن --- ن --- نَ) وكذلك قانون حركة الرأسمال التجارى (ن --- س --- نَ) كتب وليم باركلى:"كان النهب يسير بطريقتين: الأولى عندما يدفع اليهودى ضريبة الهيكل. فقد كانت لا تدفع إلا بشاقل القدس، وكان على كل فرد يهودى أن يدفع هذه الضريبة كل سنة، وهى تساوى عشرة قروش، وهى مبلغ كبير إذا ذكرنا أن أجر العامل اليومى فى ذلك الوقت لم يكن يتعدى القرشين يومياً، وبالطبع كان المعيدون يحملون أموالاً من جهات متعددة من العالم، وكان عليهم أن يستبدلوها بعملة القدس ليدفعوها؛ فكان الصيارفة يفعلون ذلك لهم فى مقابل قرشين لكل ضريبة، وإذا زاد المبلغ فيدفع قرشين آخرين أما الطريقة الثانية: فكانت أكثر بشاعة وهى تكمن فى بيع الحمام. فقد كان الحمــــام يدخل فى بند الذبائح وكان على المعيدين أن يشتروا زوج الحمـام من داخل منطقة الهيكل. وهنا يحــــدث الاستغلال البشع. فزوج الحمام الذى كان يمكن أن يشترى بعشرة قروش من خارج الهيكل كان يبيعونه فى الهيكل بمبلغ جنيه أى أنهم يضيفون على الثمن الحقيقى حوالى عشرة أضعافه وقد يزيد أحيانا"(15).
ويمكننا، وفقاً لمخطوطات البحر الميت(16)، أن نستكمل صورة ولو تقريبية عن بعض مظاهر النشاط الاقتصادى فى المجتمع آنذاك وبعض أدواته. فنعى أن المجتمع يعرف ظاهرة الأثمان، وأن المعاملات تتم بالفضة كوسيط فى التبادل:"وقد دفع بالفضة الثمن الكامل للأرض"(17). وكذلك نعرف أن الجزاءات المالية كانت تدفع بالفضة:"من يشنّع بسمعة عذارء يتم تغريمه مئة شاقل من الفضة"(18)."الرجل الذى يضاجع فتاة يعطى لوالدها خمسين شاقل من الفضة"(19). كما يعرف المجتمع البيع والشراء ومبادلة السلع بالذهب:"ففتح المخازن حيث كان يوجد قمح السنة الأولى وباعه لأهل البلد مقابل الذهب"(20). ويعرف المجتمع أيضاً التجارة والأرباح:"فى السبت... لا تناقش مسائل الأموال والأرباح"(21)كما أن ظاهرة الأجر، ومن ثم بيع قوة العمل، كانت ظاهرة معروفة:"أجر يومين على الأقل فى كل شهر، إنما عليهم أن يدفعوه للمفتش وللقضاة"(22). أما بالنسبة للأمــــوال، فبوجه عام نجد أنها مكروهة(23) كقاعــــدة عامــــة:"ويل لكــم، أيها الخطأة، لأن ثروتكم كانت تجعلكم تظهرون عادلين، فى حين أن قلبكم كان يقنعكم بالخطيئة"(24)."إن حب المال يقود إلى عبادة الأصنام"(25). وجرائم الأموال لها اعتبار خاص: "إذ كان يوجد شخص يكذب فيما يخص الأموال، ويقوم بذلك عن دراية، فإنه يفصل عن وسط طهارة الكثيرين مدة عام، وسيعاقب بربع غذائه"(26)
(3)
وفى مصر القديمة، نجد أن الفرعون يتربع بمفرده على رأس النظام، يليه مباشرة وزيرا الجنوب والشمال، ويأتى بعدهما باقى وظائف الدولة العليا، يلى هؤلاء فى الهرم الوظيفى رجال الصف الثانى فى قطاعات الدولة والأقاليم مع العمد والرؤساء المحليين وهيئات المعابد الصغرى، حتى نصل إلى كاهن القرية. وكان بجوار هؤلاء الموظفين الرسميين من مختلف الدرجات مجموعة كبيرة من الحرفيين المتخصصين فى مختلف المجالات كالفنانين والمثالين والصياغ والزجاجين وصناع الأدوات المعدنية والنجارين والاسكافية والخزافين ممن تحتاج إليهم ظروف المعيشة اليومية. هؤلاء تضاف إليهم فئة الجنود اللازمين للحروب والدفاع. ونعرف من الصقلى (القرن الأول ق.م) كيف عرف المجتمع الحرف والصناعات المختلفة."وهناك ثلاث طبقات أخرى، إضافة إلى الملك والكهنة والمحاربين، فى الدولة، وهى الرعاة والفلاحون والعمال. فالفلاحون يؤجرون الأرض الخصبة الخاصة بالملك والكهنة والمحاربين نظير أجر بسيط. وهم يقضون كل حياتهم فى فلاحة الأرض، ويتفوقون فى المهارة على فلاحى سائر الشعوب؛ لأنهم يتدربون دائماً على الأعمال الزراعية منذ صغرهم. وهم أيضاً أكثر منهم علماً بطبيعة الأرض وطرق ريها، ومواقيت البذر والجنى وجميع عمليات جمع المحصول... وينطبق الوصف هذا على طبقة الرعاة، فقد كانوا يخلفون آباءهم على حرفة رعى الماشية كما لو كان ذلك وفقاً لقانون، فيقضون حياتهم كلها فى الرعى وقد أخذوا عن أجدادهم معلومات وفيرة عن أحسن طرق رعى الماشية وتربيتها... ان الناس فى مصر يبذلون الجهد فى الصناعة حتى تتقدم وترتقى إلى مكانتها الرفيعة. فمصر هى البلد الوحيد الذى لا يسمح فيه للصناع بممارسة عمل آخر، أو التدخل فى شئون السياسة، بل يلتزمون ما ورثوا عن آبائهم من حرف طبقاً لنصوص القانون"(27)
إن هذا النظام الهرمى الراسخ يتعين أن يجدد إنتاجه اللازم لحياته من مأكل ومشرب وملبس...إلخ، ولما كانت مصر القديمة تنحصر ثروتها الرئيسية فى الأرض الزراعية فى المقام الأول فقد كانت طبقة الفلاحين بنوعيها،
مزارعين ورعاة، هى التى تكون القاعدة العريضة التى تستند إليها هذا الهرمية الاجتماعية فى تدبير حياتها اليومية. ويعنى كل ذلك أن الزراعة تمثل النشاط الزراعى السائد، وفى الوقت نفسه يعنى أن عدداً لا يستهان به من المصريين لا يُنتج طعامه بنفسه، إنما يعتمد على غيره، فى المجتمع، فى سبيل هذا الإنتاج. وبالتبع تجد علاقات التبادل السلعى مساحة واسعة جداً كى تفرض وجودها. وتوضح المراسيم الملكية كيف كانت إجارة قوة العمل، فلم يكن كل العمال أرقاء، ولم يكن كل العمال أو الفلاحين عبيداً للدولة أو للفرعون، إنما وجد أيضا العمال الأحرار؛ فالعمال الزراعيون الأحرار، فى مقابل أجر، كانوا يؤجرون(يبيعون) قوة عملهم لصالح رب العمل، سواء كان الدولة أو أحد الملاك العاديين. وتحدثنا بردية(28)يرجع تاريخها إلى نهاية الدولة القديمة عن صور النشاط الاقتصادى المختلفة: إذ نجد الحداد، والفلاح، والصائغ، والنجار، وقاطع الأحجار، والحلاق، ومقتلع البردى، والفخارى، وعامل البناء، والبستانى، وعامل الحقل الأجير، والنساج، والصياد، والوقاد، والاسكافى. وهؤلاء عادة ما يستخدمون أدوات عمل يملكونها. ولكن الناتج لا يمثل بالنسبة لهم أي قيمة استعمالية، إنما الناتج من أجل السوق أى ان الذى يهم المنتج هو قيمة المبادلة. ووجود هؤلاء لا يعبر فحسب عن تجاوز المجتمع اقتصاد المنزل، أى الإنتاج بقصد الاشباع المباشر، وإنما أيضاً يشير إلى قوة عمل مأجورة. وسلع وخدمات تُنتج من أجل السوق. كما يشير إلى التخصص وتقسيم العمل. والأهم أنه يشير إلى أن المنتج المباشر لم يعد دائماً مالكاً لما ينتج.
وبوجه عام، يمكننا أن نشاهد فى مصر القديمة حياة يومية لا تختلف روحها وهمومها عن حياتنا المعاصرة، بالتوازى مع مشاهدتنا لشتى أنواع الحرف والصناعات المتطورة، والورش الضخمة التى كانت تستخدم العبيد وأيضاً العمال الأجراء، إذ كما نجد تجار الجملة، وتجار التجزئة، والصناع الأحرار، نجد العمال فى كل النشاطات الاقتصادية المرتبطة بالفرعون أو المعبد أو الأشخاص العاديين. وبغض النظر عن مشكلات العملة، التى لن تتبلور إلا خلال النصف الثانى من الألف الأولى قبل المسيح(29)، فلا شك فى أن المجتمع المصرى القديم فى مرحلة متطورة عرف ظاهـرة الثمن، ومن ثم المبادلة، كما عرف ظاهرة الأجر، ومن ثم عرف بيع قوة العمل، ومختلف الظواهر المرتبطة بالتجارة والمضاربة.
ويتعين أن نذكر، بشأن قوة العمل، أن الجدل قد ثار حول وقت ظهور نظام الرق الخاص فى مصر، أى تملك فرد لفرد. إذ أننا لم نجد أى أثر لذلك. ولم نصادف تصرفاً واحداً يتناول أشخاصاً بالبيع أو الشراء، فى عصر الدولة القديمة. وفى تقدير البعض، أن عدم العثور على أية إشارة فى التصرفات القانونية إلى وجود الرقيق لا يعتبر دليلاً كافياً. إذ يمكن تصور أن التصرفات ما كانت تذكر سوى الرجال الأحرار وتتغاضى عن الإشارة إلى الأرقاء فى حالة بيع الأراضى مثلاً باعتبارهم مجرد ملحقات، ولا يتمتعون بحقوق أو أموال خاصة. بيد أنه إذا كان هذا الفرض صحيحاً، فإنه كان يتعين، ذكر هؤلاء الأرقاء، باعتبارهم من عناصر الذمة المالية، فى الوثائق الاحصائية للأموال، أى الوثائق التى تحوى بياناً لأنواع الأموال التى تفرض عليها الضريبة، والتى كان يتعين على الملاك تحريرها. فهذه القوائم كانت تتضمن جرداً تفصيلياً دقيقاً للأراضى، والديون المختلفة، والمواشى، بل وحتى الدواجن، وكل شوال غلال قدم للطحان، وكل رغيف عيش تلقى من الخباز. ولو كان هناك رقيق لشملته هذه البيانات لأنها تحصى جميع الأموال المملوكة للشخص. بل وهناك من الوثائق التى يمكن أن نستقى منها دليلاً مباشراً على أن الدولة القديمة لم تعرف نظام الرق الخاص.
وفيما يتعلق بنظام الرق العام، فليس لدينا نص واحد يؤكد صراحة أن الدولة كانت تستخدم أسرى الحروب كرقيق عام، أى رقيق للدولة.
وإذا كانت مصر لم تعرف نظام الرق الخاص بالمعنى الصحيح فى عصر الدولة القديمة ولا حتى فى العصر الإقطاعى الأول فإنه يمكن قول نفس الشىء بالنسبة للدولة الوسطى."تدل الوثائق الديموتيقية، من القرون الأخيرة التى تسبق الفتح المقدونى، على أنه إذا كانت تربط الزراع بأراضيهم والعمال بمصانعهم روابط قوية مختلفة، فإنه لم يوجد فى حياة مصر الاقتصادية عبيد قبل مجىء الإغريق" (30)
(4)
أما الفينيقيون(31) فى القرن السادس قبل الميلاد، الذين تميزوا بالتجارة البحرية(32) على نطاق واسع، وبسطوا سلطانهم على بحار العالم القديم، حتى صار البحر الأبيض المتوسط بحيرة فينيقية، من سواحل لبنان حتى إسبانيا، التى استعمروها(33)، فقد كانوا يرتحلون بتجاراتهم من ميناء إلى آخر مستبدلين بجزء من حمولتهم منتجات البلد الذى يبيعون فيه. فإذا نزلوا ببلد أبعد باعوا ما اشتروه، وكانت هذه السفن ترسو عند هذه النقطة أو تلك من نقط الساحل وتبقى بها أياماً أو شهوراً أو سنين حتى تتخفف من حملها، وما كان يزيد الإقبال على تجاراتهم نوع السلع الراقية والثمينة والنادرة التى كانوا يعرضونها، مثل الزجاج الدقيق والحلى والأقمشة وأدوات الترف(34)، فلقد عرف الفينيقيون كيف يطورون السلع المعدة للتصدير كالزجاج والنسيج، أو كما عملوا على تطوير صناعة المعادن المختلفة المصنعة من مواد خام مستوردة رخيصة الثمن. وفهموا كذلك كيف يكيّفون أنفسهم ببراعة مع متطلبات السوق، على غرار ما يفعله عادة مُنتج، هو، فى الوقت نفسه، تاجر. فلم يتخصصوا فى إنتاج سلع مرتفعة الأثمان وحسب، بل قدموا كذلك عرضاً سلعياً متنوعاً يغطى حاجات عموم الناس. وأنتجوا سلعاً رخيصة يرجح أنها قامت على المحاكاة والتقليد، بيعت إلى جانب أقمشة الأرجوان النفيسة. كما عرفوا كيف يزيدون تصريف منتجاتهم بالبحث المستمر عن أسواق جديدة وفتحها. كما استخدموا خبراء يعملون فى الخارج لإدارة شكل أو آخــر من أشكال الاقتصاد الخارجى(35).
لا شك إذاً أننا أمام عدة ظواهر تسترعى انتباه الباحثين فى تاريخ النشاط الاقتصادى. فنحن أمام حركة تصدير واستيراد، وتجـــــارة هدفـــها الربح وليس تبادل سلــــع بسلــــع بغرض الاشبــــاع المباشر، على الأقل من جانب الفينيقيين. كذلك نحن أمام عملات مسكوكة من الذهب أو من الفضة، وسلع مصنّعة، وعلى درجة عالية من الجودة. وسوق، وبائعين ومشترين ووسطاء فى هذا التداول، هم فى الواقع تجار مستثمرون.
كما نجد أثمان اتفاقية وأخرى رضائية بين البائعين والمشترين والمشاركين فى النشاط التجارى بوجه عام. كتب جان مازيل:
"... كان الرأسماليون وأصحاب السفن الكبار قد أتقنوا دون شك كل فنون التجارة الدولية الكبيرة. حيث كانت أعمالهم تشتمل على كل ما هو معروف فى عصرنا هذا من تأمينات ساحلية واعتمادات مصرفية وقروض من كل الأنواع وتمويل بالمساهمة أو بالحساب وكل أشكال الحسومات والإجراءات التجارية. وفى قرطاجة ظهر أول قرض له صفة دولية. ولم يفسح الفينيقيون مجالاً لتقدم الإغريق عليهم فى سك العملة، فقاموا فى ورشاتهم بسك عملتهم من الفضة والذهب... إن البورصة التى كانت تحدد الأسعار العالمية للمواد الأولية التى صارت تمول العمليات الحربية كان لها دور فى سقوط قرطاجة...".(36)
ويمدنا سفر حزقيال(37) بمادة، ولو أولية، إنما ثرية، تمكنّا من التعرف على كيف كانت حركة التجارة، وأنواع السلع، والأسواق فى"صور" التى كانت أهم المدن الفينيقية على ساحل البحر الأبيض المتوسط آنذاك، فنعرف، من سفر حزقيال، أن صور كانت من أجمل وأعظم مدن العالم القديم، على الاطلاق، وأن التجارة العالمية التى اتخذت من مدينة صور مركزاً، كانت تجارة عالمية بالمعنى الدقيق للكلمة، فنجد تجارة واسعة فى المنسوجات والمصنوعات على اختلاف أنواعها من حلى وأوانى وكماليات، نجد أيضاً أفخر أنواع العطور والأخشاب والتوابل والبخور والمعادن والأحجار الكريمة والأدوية والحبوب والأغنام...إلخ. كما نعرف، من نفس المصدر، كيف كانت أسواق هذه المدينة العظيمة ملتقى صناع وعمال وتجار وسلع، بل ونقود العالم، وأهم مكان عالمى متحضر لتصدير واستيراد أرقى وأنفس منتجات العالم الشرقى القديم، عبر أساطيل بحرية عملاقة متخصصة فى النقل التجارى الدولى بقيادة الفينيقيين الذين ملكوا البحـر الأبيض المتوسط. أى أن رأسمالية المركزية الأوروبية فى حاجة إلى المراجعة الدقيقة؛ من أجل إعادة كتابة تاريخ الفكر الاقتصادى بوجه خاص.
(5)
وفى بلاد اليونان، فى القرن السادس والخامس قبل الميلاد، ظهرت عملية سك النقود المعدنية. وكادت أثينا أن تحتكر النقد الدولى المتداول، فى
العالم القديم، بعد أن صارت أكبر مصدر للمسكوكات الفضية فى هذا العالم(38) ونحن نعرف أن صولون قرر تخفيض قيمة العملة حينما قرر إلغاء الرهون العقارية التى تقررت على صغار الفلاحين وعجزوا عن سدادها(39).
لقد كان الإغريق تجاراً مهرة، وهم أول من أبتدع نظام قرض المخاطرة الجسيمة، ومؤداه أن رأسمالياً يقرض مالك السفينة ما يحتاج إليه من نقود لتجهيز السفينة وشراء البضائع. فإذا وصلت السفينة إلى بر الأمان استوفى المقرض مبلغ القرض وفائدة مرتفعة قد تصل إلى 20 بالمئة أما إذا غرقت السفينة لم يكن للمقرض أن يطالب مالك السفينة بشىء ويعفى الأخير من رد ما اقترضه.
وكانت إسكندرية البطلمية تُنتج للعالم المتحضر كله آنذاك الورق والكتان والعطور والفخار وبعض أنواع المنسوجات والسلع الزجاجية ونوع خاص من الحلى والمجوهرات والأوانى الفضية التى عم استعمالها فى العالم القديم. أى أن الإنتاج لم يكن بغرض الاشباع المباشر إنما كان من أجل التصدير. من أجل السوق الدولية. وهو ما يفترض منتجين، وغزارة فى الإنتاج، وتخصص وتقسيم للعمل. كما يفترض من باب أولى تنظيم صارم للعملية الإنتاجية ومن ثم التجارية؛ وقد أدى ازدهار الصناعة فى المدن إلى هجرة الكثيرين من الريف.
وكانت الإسكندرية، أيضاً، فى مقدمة المدن التى اجتذبت إليها آلاف العمال والصناع (المأجورين) وكان القانون يقرر لعمال استخراج الزيت مكافأة تشجيعية تضاف إلى الأجور التى يحصلون عليها. وإذا امتنــع الموظف المختص عن اعطاء العمال أجورهم ومكافأتهم، فإنه يعاقب بأن يدفع للخزانة العامة 3000 دراخمة، وللعمال أجورهم وجميع مستحقاتهم.
ونشك كثيراً فى كون المنتجين لهذه الروائع الفنية التى تجلت فى المنتجات الإغريقية كالأوانى والأقمشة والحلى وأعمال الزجاج والرخام والمعادن على سبيل المثال، كانوا من العبيد! بل نفترض أن الصيغــــة الخاصة بالرأســمال الصـناعى(ن -- و أ + ق ع -- س -- نَ) قد نشطت فى بعض الأحوال، كبرق فى سماء التاريخ، بداخل المجتمع المنتِج لمثل هذه الروائع الفنية. فلقد وجدت الورش، على إختلاف أعمالها وأشكالها، التى استخدمت ليس العبيد فحسب، إنما الأجراء الأحرار أيضاً، فى الصناعات التى تحتاج دقة وعلى درجة عالية من الحرفية والفنية. وبصفة خاصة أن ليس كل العمال فى آثينا كانوا من العبيد، وأن الأجر كظاهرة نراه معروفاً، بل وحتى العبيد كان يُسمح لهم بالعمل الحر كى يشتروا حريتهم من أسيادهم بالمال الذى كسبوه.
إن السمة التى يعتبرونها حاسمة فى المجتمع الرأسمالى المعاصر والمتعلقة بانفصال الريف عن المدينة ويكتبون الرسائل الجامعية، الهزلية أحياناً، فى دور الرأسمالية فى هذا الفصل، نجد أن هذه الظاهرة بارزة بوضوح فى آثينا ومعبرة تعبيراً دقيقاً عن الطبقية بوصفها نظام اجتماعى راسخ. ونجد أنفسنا مباشرة أمام نفس الإشكالية الفكرية التى سوف يتعرض لها ديفيد ريكاردو، كما ذكرنا، بالتحليل فى مطلع القرن التاسع عشر، كفكرة مركزية فى بنائه النظرى، وهى الصراع بين رجال الصناعة الذين يريدون خفض أثمان المنتجات الزراعية ورجال الزراعة الذين يرغبون فى رفع أثمان هذه المنتجات.
كتب ديورانت:" كانت نار الحرب القديمة العهد بين الريف والمدينة بين الذين يريدون أثماناً عالية للغلات الزراعية وأثمانا منخفضة للسلع المصنوعة، وبين الذين يطلبون أثماناً منخفضة للسلع المصنوعة وأجوراً عالية أو أرباحاً كبيرة فى مجال الصناعة، وبينما كانت الصناعة والتجارة تعدان من أعمال العامة التى تزرى بصاحبها فى نظر المواطن الأثينى، كانت الأعمال الزراعية فى اعتقاده مشرفة للمشتغل بها لأنها أساس الاقتصاد القومى، وكان أهل الريف ينزعون إلى احتقار سكان المدن ويرون أنهم إما طفيليون مستضعفون أو عبيد أدنياء" (40).
وعلى الرغم من ارتكاز المجتمع الأثينى على العمل العبودى، كظاهرة سادت
العالم القديم بوجه عام(41)، إلا أن العبيد الأرقاء فى اليونان كانوا إلى حد ما أسعد حالاً، فى بعض الفترات التاريخية، فكما كان للرجل الأثينى العادى أن يملك عشرات العبيد يعملون فى منزله أو حقله أو حانوته، كان للعبد، وهذه ملحوظة مهمة، أن يبيع قوة عمله بالأجرة فى وقت فراغه من عمل سيده ليكسب من المال ما يمكنه، كما ذكرنا، من شراء حريته من سيده. كتب روبنسون: "ولدينا نقش كتابى عن تشييد هيكل اركتيوم وفيه وصف جلى واضح يبين لنا وجه المقابلة، من حيث المراتب الاجتماعية بين مختلف الطبقات. ذلك أننا نجد ذكراً لعشرين مواطناً وخمسة وثلاثين عبداً معتقاً وستة عشر عبداً، وكل منهم، ويدخل فى ذلك المهندس المعمارى نفسه، يتقاض أجـــراً يومياً قدره درهم واحــــد، والدرهـم نسبة إلى قوته الشرائية آنذاك، يمثل ضعفى نفقات المعيشة لرجل عازب"(42).
وظاهرة الأجر، على هذا النحو، واضحة فى المجتمع الأثينى، على الرغم من هيمنة العمل العبودى على مجمل النشاط الاقتصادى فى المجتمع، فيمكننا أن نجد الأطباء والمثالين والمعلمين يأخذون أجراً مثل البناءين والنجارين والنحاسين والنقاشين والخزافين والنحاتين والخراطين وغيرهم من الحرفيين والصناع الأحرار الأجراء(43). أى أن الأجور تدفع لمَن يقدمون الخدمات كما تدفع لمَن ينتجون السلع. عرف المجتمع الآثينى إذاً إجارة الخدمة. أى أن مقولة ماركس: مع الرأسمالية تحول العالم والطبيب والكاهن إلى شغيلة فى عداد المأجورين، تحتاج إلى مراجعة! وتوجد بردية تعود إلى القرن السادس، محفوظة فى متحف
مكتبة الإسكندرية بمصر، تحت رقم 572، تنص على عقد تدريب على حرفة، وعلى الأجر النقدى. أى بيع لقوة العمل.
ويصبح من المؤكد، فى ضوء الآثار والوثائق العـديدة، أن الجـــزء الأكبر من الإنتاج لم يكن من أجل الاشباع المباشر، إنما كان يتم من أجل السوق. وطالما كنا فى السوق فيتعين أن نجد مباشرة أمامنا منظومة الظواهر المرتبطة بالأسواق مثل ظاهرة الأثمان والنقود والمبادلة والطلب والعرض وتجار التجزئة وبالطبع الرأسمال، والرأسمالى الذى يستثمر أمواله.
(6)
وحينما ننتقل إلى روما فى القرن الأول أو الثانى بعد الميلاد، فسنجد النساجين الأحرار والأرقاء(44) قد جُمعوا فى مصانع صغيرة لا تُنتج للأسواق المحلية وحدها بل تُنتج بغرض التصدير(ن --- و أ + ق ع --- س --- نَ) وكانت الصناعة فى أيدى صناع مستقلين يشتغل كل منهم فى حانوته الخاص، وكان معظم هؤلاء الصناع من الأحرار، ولكن كان إلى جانبهم، بحكم التكوين الاجتماعى، عدد من المحررين وعدد آخر من الأرقاء. ونرى بوضوح كيف كان التنافس شديداً بين الصناع الأحرار والصناع الأرقاء وهو الأمر الذى أدى، فى بعض الأحيان، إلى خفض أجور الصناع الأحرار، ومن ثم انخفاض مستوى معيشتهم، وبالتبع تدنى جودة المنتَج النهائى نفسه. فيمكن القول إذاً أن هذه المنافسة لم تأت بنتائج جيدة:"... لأنها قد أضرت فى الدرجة الأولى بالعمال الأحرار الذين يؤجرون سواعدهم للملاكين" (45).
ويمكننا أن نرى أيضاً منافسة المؤسسات الصناعية الكبرى التى نشأت ونمت فى بعض الضياع الزراعية الكبرى، لحوانيت المدن ومصانعـــها، فبعض هذه الملكيات التى يستحـوذ عليها الأغنياء(46)، أخذت فى القرن الثانى فى انشاء المصانع وتنظيمها لإنتاج السلع لا بقصد استهلاكها محلياً فى المزرعة، بل من أجل بيعها وتداولها. أى أن الإنتاج كان من أجل السوق وليس بغرض الاشباع المباشر. فكما كتب ديورانت: "وكانت الأعمال التى يقوم بها هؤلاء الصناع مختلفة كل الاختلاف، وكان أكثر ما ينتجون للسوق لا للعميل الخاص... وكان للأحرار من العمال اتحادات أو جماعات طائفية".(47)
وعلى الصعيد النقدى والمالى كان اصدار العملة المضمونة من أهم مقومات الأعمال المالية فى روما، والتى ستصبح أهم مركز مالى آنذاك، وستصبح عملة روما هى سيدة العملات على الصعيد العالمى، حتى صارت عملة التداول العالمية حتى آقاصى آسيا.
وكان إقراض المال (ن --- ن --- نَ) من أقدم الأعمال فى روما، وكان أقل سعر للفائدة لا يقل عن 12%، ومع الوقت أصبح أحد الشوارع المجاورة للسـوق العامـــة حى رجـــال المصارف، وازدحمت فيه حوانيت المقرضين والصيارفة مبدلى النقود(48)؛ فقد ظهر على نطاق واسع احتراف أعمال المصارف واقراض الأفراد العاديين الأموال. وكان الائتمان وما يتعلق به من عمليات مصرفية ومالية قد اكتمل تطوره فى مدن الامبراطورية. تساوق كل ذلك بتحول الاقتصاد بشكل نهائى إلى اقتصاد المبادلة النقدية المعممة.وقد تطلب نمو التجارة والصناعة وتزايد عدد ملاك الأراضى الذين يقطنون المدن، مقادير من النقد استمر تزايدها، لإمكان استغلالها فى انماء أى مشروع أو مؤسسة، وفى ادخال وسائل التحسين اللازمة لذلك، ومن ناحية أخرى تكدست فى أيدى كثيرين من رجال المال مقادير كبيرة من النقد؛ ومن ثم أصبح اقراض المال حرفة يزاولها كل من الأغنياء ورجال المصارف العاديون، فانتشرت المصارف الحقيقية، وأعمالها المتطورة، فى جميع أرجاء الامبراطورية سواء ما كان منها للأفراد أو للبلديات(49).
والأرض كانت محلاً للتصرفات القانونية؛ فقد كان فى وسع المواطنون أن يقترضوا بضمان الأرض والمحاصيل الزراعية والأوراق المالية والعقود الحكومية، كما كان فى وسعهم أن يقترضوا لتمويل المشروعات التجارية والرحلات البحرية.
وكانت هناك شركات مساهمة أهم ما كانت تقوم به من الأعمال هو تنفيذ العقود الحكومية التى يبرمها الحاكم بعد أن تقدم إليه العطاءات. وكان أصحاب هذه العطاءات يحصلون على المال اللازم لقيامهم بهذه الأعمال ببيع ما لديهم من الأوراق الحكومية والسندات للجمهور فى صورة أجزاء صغيرة، أى أسهم.
وكان الغالب أن يعهد إلى رأسماليين بتنفيذ أعمال الإنشاءات الحكومية، وحينئذ يمكننا أن نرى الصيغة (ن --- و أ + ق ع --- س --- نَ) لأن قوة العمل لم تكن دائماً فى هذه المرحلة مستعبدة، بل كان منها المأجورة فى أحيان كثيرة.
وكان نظام الضرائب محكماً بفضل التجارب والخبرات المتراكمة من العصر الهيلينيستى، فكانت الضرائب تجبى عن الأرض الواقعة فى نطاق المدينة وعن العقار المقام فيها، ثم عن الوارد والصادر، ثم نظير احتراف التجارة وابرام العقود والمعاملات التجارية والانتفاع بالأسواق، كما كانت تجبى فى صورة أجرة للحوانيت التى تملكها المدينة، وعن مختلف الأملاك الثابتة التابعة للبلدية. وهو الأمر الذى أدى إلى ارتفاع ايرادات المدن وبصفة خاصة المدن الكبيرة، بيد أن جانباً كبيراً من هذه الايرادات كان يذهب إما كأجور لصغار الموظفين وإما كمرتبات للموظفين الأحرار.
وكان من الشائع قيام الأغنياء وكبار رجال الأعمال بتحمل نصيب من النفقات العامة للمدينة، وما يمكن التأكيد عليه تاريخياً هو أن القرن الثانى كان عصر ظهر فيه الأغنياء أو الموسرون وانتشروا فى أرجاء الامبراطورية ولم يكونوا ملاكاً للأراضى على نحو متواضع بل من كبار الشخصيات وأصحاب الرساميل على نطاق واسع(50).
ولم تكن التجارة فقط (ن --- س --- نَ)، أو المضاربات المالية وإقراض النقــــود (ن --- ن --- نَ)، أهم مصدر لهذه الثروات الطائلة التى ظهــرت فى هـــــذه المرحلة التاريخـــــية، إنما كان للصناعــــة أيضـــــاً (ن --- و أ + ق ع --- س --- نَ)، فى بلاد الغال بالأخص، الدور المهم فى تكوين هذه الثروات. فلقد أظهرت بلاد الغال منذ العصور الأولى مقدرة منقطعة النظير على التوسع فى الصناعة، فلما أصبحت تحت الحكم الرومانى تابعت المسير وسرعان ما بدأت، بوصفها منافسة جديدة لإيطاليا، فى إنتاج السلع التى كانت من احتكار الأخيرة... وعندئذ بدأت المنتجات الإيطالية تتوارى من الأسواق الكلتية والألمانية... ان نقوش ليون، على سبيل المثال، لتدل على ما كان للدور الذى قامت به تلك المدينة من أهمية بالغة فى الحياة الاقتصادية لبلاد الغال، بل وفى حياة الامبراطورية الرومانية بوجه عام. ولم تكن ليون هذه مركزاً عظيماً للتوزيع والمقاصة فى تجارة القمح والنبيذ والزيت والأخشاب فحسب، بل كانت كذلك أحد أهم المراكز الكبرى فى الامبراطورية لصناعة أكثر السلع التى كانت تستهلكها الغال والمانيا وبريطانيا ثم تقوم بتوزيعها. وما كادت الحياة المالية والتجارية تدب فى بلاد الغال حتى صارت، بفضل نمو التجارة والزراعة والصناعة، المستهلك الرئيسى للسلع المحلية والأجنبية التى وصلت بسهولة إلى أقصى أرجاء بريطانيا(51)
وقبل أن نغادر العالم العبودى، فلنمر على الشرق البيزنطى فى القرن السادس، إذ سنجد أن هذا القرن كان من أعظم عهود التجارة عبر البحر المتوسط، فقد كانت الإمبراطورية الرومانية الشرقية على عهد انسطانيوس والسنوات الأولى من حكم بيت يوستينوس فى حالة من الرخاء والانتعاش الاقتصادى:" فقد تدفقت البضائع من كل مكان إلى أسواق القسطنطينية، فقد جاء الحرير والأوانى البورسلان من الصين، وجاءت الجواهر والتوابل من الهند، والسجاد من بلاد الفرس، واللآلىء من الخليج الفارسى، والعاج والأبنوس من أفريقيا، والنسيج والحبوب من مصر، والزجاج والحديد من سوريا، والفراء والعنبر من روسيا، والمصنوعات الجلدية من مراكش، وكذلك الأرقاء من كل لون وشكل من كل بقعة من بقاع العالم؛ كل ذلك تدفق إلى المدينة العظيمة سلعاً للبيع والتجارة، وإلى جانب ذلك تطورت صناعات متعددة حتى أن الفنانين والممتازين من أصحاب الحرف فى البلاد المجاورة وجدوا لهم مكاناً فى العاصمة الفنية. وكان المهرة من الصناع يقومون بصناعة العطور، والملابس المزركشة والمذهبة من البروكار وكذلك ملابس الكهنة والحفر على العاج وأعمال الموزايكو وكان يهرع أثرياء العـــــالم إلى القسطنطينية من أجل الشراء".(52)
سيطرت بيزنطة على جزائر صقلية وكريت وقبرص وسردينية وجزر البليار وتحكمت فى المضايق ذات القيمــة الحربية الهامـــة الواقعـــة على طريق التجارة بين الشرق والغرب، وصار إشراف القسطنطينية البحرى دقيقاً وكاملاً بفضل قيام أسطولها بدورات تفتيشية على سواحل الأعداء(53).
وانشغل الأباطرة الأوائل، بصفة خاصة دقلديانوس وقسطنطين الأول، بمشكلات تثبيت العملة؛ فبعد حدوث التضخم المالى وارتفاع الأسعار فى نهاية القرن الثالث الميلادى، وضع الإمبراطوران نظاماً مالياً صارماً، وقام قسطنطين باعتبار"الصلدى" الذهبى معياراً للعملة، وهى عملة من الذهب الخالص تزن أربعة جرامات وثلاثة وأربعين جزءً من الجرام تقريباً، وقد ظل هذا النظام قائماً حتى منتصف القرن الرابع عشر الميلادى.
ويمكننا تقسيم نظام العملة فى الإمبراطورية إلى أربع مراحل، تبدأ من عهد الإمبراطور أناستاس حتى سقوط الإمبراطورية فى العام 1453، وتبدأ المرحلة الأولى منذ العام 491 حتى منتصف القرن الحادى عشر الميلادى، واعتمدت هذه المرحلة على معادن الذهب(النوميسا) والفضة(المليارسون) والنحاس(الفولس) بنسب ثابتة فى كل عملة؛ مما جعلها ذات قيمة ثابتة وواضحة. وفيما يتعلق بالمرحلة الثانية التى بدأت بعملية اصلاح العملة التى بدأها الإمبراطور ألكسوس كومنين (1081-1118) فقد استمرت حتى نهاية القرن الثالث عشر، وخلال الفترة الثالثة، التى استمرت من العام 1300 حتى منتصف القرن الرابع عشر، فقد بدأ التعامل بعملة فضية عرفت باسم البازيلكون، وكانت تزن حوالى جرامين، وإلى جانبها عملة نحاسية صغيرة عرفت باسم أساريون، وكانت تزن جرامين إلى ثلاثة جرامات. وفيما يتعلق بالمرحلة الرابعة التى استمرت حتى سقوط الإمبراطورية فقد اختفت تماماً العملة الذهبية، وتم التعامل بالعملة الفضية، وكانت تسمى ستافراتون، وهى كلمة يونانية تعنى الصليب، وكانت تزن حوالى ثمانية جرامات ونصف جرام، وهى كبيرة الحجم وثقيلة الوزن عما سبقها من عملات فضية.
انشغلت الإدارة فى بيزنطة بمشكلة خروج الذهب من الإمبراطورية فى المدفوعات الدولية، فاتخذت عدة إجراءات حاسمة لمنع هذا الخروج، وفى مقدمتها إصــــدار القوانين، فقد نص قانــــون جستينيان صراحة على منع خروج الذهب فى المعاملات الدولية، بصفة خاصة بمناسبة التعامل التجارى مع الهمجيين، ونجد نفس المنع فى المجموعة القانونية التى أصدرها الإمبراطور ليو السادس(886-912) المشهورة باسم بازيلكا. إلا أننا نجد فى الواقع فى فترات كثيرة خرقاً لهذا المنع من قبل الإدارة الحكومية فى الإمبراطورية نفسها. وكان الحرير لا يزال يسير براً بصفة رئيسية خلال فارس إلى محطتى المكوس الإمبراطوريتين عند نصبين ودارا. ومن ثم ينقل ليصنّع فى مصانع القسطنطينية أو فى المصانع الموجودة بصور وبيروت. والأثمان، كظاهرة يقول البعض أنها تخص نمط الإنتاج الرأسمالى المعاصر فقط، نجدها معروفة بوضوح، كما النقود، حيث نجد فى مقدمة الباب الثالث والعشرين من مدونة جستنيان(54):"يتم البيع بمجرد الاتفاق على الثمن ولو لم يتم نقده ولا دفع شىء على سبيل العربون؛ إذ العربون ليس سوى دليل على حصول العقد...".

وفى الفقرة الأولى:"يجب أن يكون هناك ثمن، فإن البيع لا يتم أبداً بدون ثمن. كما يجب أن يكون الثمن محدد. ولقد اختلف المتقدمون شديد الاختلاف فى اتفاق ذكر فيه أن ثمن المبيع يحدده تيتوس، أيتضمن بيعاً تاماً أم لا؟...".
أما الفقرة الثانية فقد أوجبت أن يكون الثمن نقداً، تمييزاً عن التبادل عن طريق المقايضة، إذ نصت المادة على: "يجب أن يكون الثمن من النقود المضروبة، ولكن لمَ لا يجوز أن يكون ثمن الشىء شيئاً آخر؟ لمَ لا يجوز أن يكون عبد أو عقار أو رداء ثمناً للشىء المبيع؟ لقد كانت هذه المسألة مثار خلاف وجدل عظيم...".
وتعالج المادة الرابعة من الباب الرابع والعشرين إجارة العمل:" إذا اتفق تيتوس مع أحد الصاغة على أن يأتى الصائغ بذهب من عنده ويصنع له منه خواتم بوزن مخصوص وشكل معين، وأن يكون للصائغ فى نظير هذا مبلغ عشرة دنانير مثلاً، فقد جرى التساؤل عن هذا الاتفاق أبيع هو أم إجارة؟ وقد ارتأى كاسيوس أنه يتضمن عقدين: بيعاً للذهب، وإجارة للعمل..."
وكان كل شىء محدداً. فلم يكن يجوز تسليف النقود إلا بنسبة محددة من الأرباح. وكانت نسبة الأرباح قبل عهد يوستنيانوس اثنى عشر بالمئة(55). ولم يكن يوستنيانوس يسمح بنسبة الاثنى عشر بالمئة إلا على الأموال المقترضة للاستثمار فى الأعمال التجارية والبحرية، ولا يجوز لمقرضى الأموال المحترفين، وهم الصياغ عادة، أن يسلفوا إلا بربح قدره ثمانية بالمئة، فأما الأشخاص العاديون فيسمح لهم بستة بالمئة، على حين لا يسمح لكبار الأثرياء إلا بأربعة بالمئة فقط.
وكانت الرقابة التى تمارسها سلطات الدولة على التجارة(ن - س - نَ) والصناعة (ن -- و أ + ق ع -- س -- نَ) تتم عن طريق نظام للنقابات(56). وكان لكل صناعة نقابتها، ولا يجوز لأى إنسان أن ينتسب إلى نقابتين فى وقت معاً. وكل نقابة تعين رئيسها. وكانت النقابة هى التى تشترى المواد الخام التى تلزم الصناعة وتقسمها بين أعضائها الذين كانوا يبيعون السلع المصنوعة فى مكان عام معين بسعر محدد بديوان الوالى. وكانت ساعات العمل وأجور العمال تقرر بنفس الطريقة.

وكان الخبازون والجزارون الذين كان تموين المدينة يعتمد على كفايتهم
خاضعين لإشراف دقيق. وكان يحافظ على انخفاض أسعار المواد الغذائية قسراً حتى فى أيام المجاعات. وكانت المخابز احتكاراً للدولة.
أى يمكننا إن أطلنا الإقامة قليلاً فى بيزنطة أن نجد الصيغ الثلاث لقوانين الحركة المعروفة للرأسمال. فلدينا مضاربات وتمويل وصرافة (ن - ن - نَ) كما نجد حركة تجارية مزدهرة (ن - س - نَ) وبشأن الصيغة (ن - و أ + ق ع - س - نَ) فيمكننا أن نتلمس من الدور الذى لعبته النقابات أبعاد ظهور العامل المأجور الذى يؤتى له بمواد العمل وأدوات العمل ويُنتج السلع من أجل السوق فى مقابل أجر محدد من قبل النقابة نفسها، كما يتحدد من قبل الدولة الأن.
(7)
من غير التاريخى إذاً، إختزال العالم القديم فى العبودية، وتملك المستغِل لشخص المستغَل، من أجل البرهنة على استقلال الرأسمالية، ذات المركزية الأوروبية، بظاهرة بيع قوة العمل أو الإنتاج من أجل السوق. ومن غير العلمى إذاً إنكار النشاط الاقتصادى المتطور جداً الذى ساد الأجزاء المختلفة من العالم القديم وفقاً لانتقال مراكز الثقل الحضارية آنذاك. ومن غير الصحيح إذاً القول أن ظواهر النشاط الاقتصادى اليومى فى عالمنا المعاصر كانت مجهولة بالنسبة للعالم القديم؛ فلقد عرف هذا العالم، على نحو ما ذكرنا، جُل الظواهر التى يدعى أصحاب المركزية الأوروبية أنها ظهرت فقط مع الرأسمالية ابتداءً من القرن الخامس عشر، وفى مقدمتها تداول الثروة العقارية وبيع قوة العمل والإنتاج من أجل السوق. وعلى الرغم من كل ذلك؛ إلا أننا لا نرى أفكاراً يمكن تحليلها بشأن الرأسمال والأرباح والأسواق والتداول والأثمان... إلخ؛ لأن المجتمعات آنذاك، كما ذكرنا، سيطرت عليها ظواهر أخرى كانت آكثر جوهرية وأهمية على الأقل بالنسبة لمجتمعات هذا الزمان، مثل الفرس والكلدانيين والأشوريين واليونانيين والروم والترك... وغيرهم، ونجد أن صاعد الأندلسى(1029-1070) أفاض فى شرح العلوم التى اتقنتها هذه الأمم، ولكننا لا نجد أنهم أتقنوا سوى علوم الفلك والنجوم والهندسة والحساب والجغرافيا والطبيعة والفلسفة(57) أى أن الإنشغال الرئيسى للذهن كان منصباً فى محاولة تحديد الوجود الإنسانى وعلاقة هذا الوجود بالطبيعة. وحينما يفرغ الذهن، ولو جزئياً أو مؤقتاً، من هذا الإنشغال سوف نراه يبحث فى محددات الربح، وتحليل أليات تجديد الإنتاج الاجتماعى.



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قانون حركة الرأسمال
- الجغرافية العامة لإيران
- الجغرافية العامة لمصر
- أصول الاقتصاد السياسى
- التاريخ العام للرأسمالية
- فى المسألة الفنزويلية
- كيف نفهم، كعرب، إيران؟
- السودان بعد التفكيك
- ملاحظة بصدد أزمة التعليم فى العالم العربى
- النداء الأخير
- نقد المركزية الأوروبية فى الاقتصاد السياسى
- نقد ديالكتيك ماركس فى رأس المال
- هيكل اقتصاد مصر
- خلاصة الرأسمالية
- محاضرات دورة كتاب رأس المال
- موضوع الاقتصاد السياسى
- مسخ الاقتصاد السياسى
- نظرية القيمة عند الكلاسيك وماركس
- من ماركس إلى قانون فى القيمة
- الاقتصاد المصرى


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - النشاط الاقتصادى فى العالم القديم