أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (7)















المزيد.....


مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (7)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4547 - 2014 / 8 / 18 - 22:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



وصفنى أحد المُبشرين بجنة الناصرية بالغباء ، لأننى انتقدتُ مسلسل (صديق العمر) الذى تولى فيه مؤلفه دور(الماكيير) لتجميل صورة الثنائى الكارثى (ناصر وعامر) ورغم مساحيق التجميل فإنّ الناصريين اعتبروا المؤلف (ظلم عبد الناصر) وقد مثلهم الناصرى الكبير أ. أحمد الجمّال (أهرام 29/7/2014) وقد أثبتَ الإنسان الذى وصفنى بالغباء صحة ما رصدته منذ سنوات فى كتبى ودراساتى من أنّ الناصريين مثلهم مثل الأصوليين الإسلاميين فى موضعيْن : الأول أنهم أعداء للقراءة المتنوعة. الثانى أنهم لا يقرأون إلاّ (كتبهم المقدسة) وأضاف الناصريون للكتب (المقدسة) كتاب (العروبة / الناصرية المقدس) رغم أنّ (التقديس) على مر التاريخ كان أحد أسباب الكوارث التى حلت بالبشرية. وبسبب ذاك التقديس تناول مؤلف صديق العمر كارثة بؤونة/ يونيو67، و(مسرحية التنحى) بالتشويه ولم يلتزم بما ورد فى الكتب التى أرّختْ لتلك الفترة ، بما فيها كتب ضباط يوليو. وبسبب هذا التشويه وعدم الالتزام بالأمانة العلمية جاء مسلسله باهتـًا ولا علاقة له بالدراما التى تتحدى الزمن .
وأعتقد أنّ المؤلف تغافل عن قانون (التراكم الكمى يؤدى إلى تغير كيفى) وهذا التراكم بدأ منذ سيطر الضباط على مصر، ثم سيطرة عبد الناصر على زملائه ، ولكنه استثنى عبد الحكيم عامر وخصّه بثقة محل تساؤل العقل الحر، وتحتاج لمحلل نفسى على مستوى سيجموند فرويد ، إذْ لو أنّ العلاقة طبيعية لما اتخذ عبد الناصر قراره الكارثى بترقيته من رائد إلى لواء وتعيينه قائدًا عامًا للقوات المسلحة. ولو افترضنا حُسن النية وأنّ عبد الناصر لديه أسبابه ، فلماذا تغاضى عن أخطائه الكارثية فى حرب 56 ثم فى اليمن (من 62- 67) ليكون ملاصقــًا له وهما يكتبان سيناريو هزيمة يونيو67 التى سيقرؤها جيل الألفية الرابعة على أنها من (حواديت ألف ليلة) فلماذا لم يتخلص منه بعد أنْ ظهرتْ (بركاته) وظهر (نبوغه) فى الفشل منذ عام 56؟
وإذا صدق ما ذكره البغدادى من واقعة وجود تنظيم سرى برئاسة اليوزباشى حسن رفعت للاطاحة بعبد الناصر وتولية عامر بدلا منه لرياسة الدولة. فلماذا رفض عبد الناصر تصديق الضابط الذى وشى بزملائه واعتبر الموضوع مجرد ((مكيدة لضرب علاقته بحكيم)) ؟
ولو صدق ما ذكره البغدادى من أنّ عبد الناصر قال له ((بعد أزمة سوريا اتفقتُ مع حكيم على استبعاد بعض القيادات ممن أساؤا التصرف ولا يصلحون للقيادة ، فطلب مهلة شهر لينفذ ما اتفقنا عليه. ولكن مضى أربعة شهور ولم يُـنفذ شيئـًا مما تم الاتفاق عليه. كما أنّ حكيم قام بعمل تنقلات داخل الجيش . ووضع معارفه وأصدقاءه وضباط دفعته فى المراكز المهة به. وأنت تعلم أنّ تعيين القيادات الرئيسية والترقيات إلى رتبة اللواء وما فوقها من سلطة رئيس الجمهورية. وكان حكيم قد طلب منى تفويضه فى كل هذا ووافقته عليها. وكنتُ قد طلبتُ منه بعد أزمة سوريا أنْ يعمل على زيادة الحرس الخاص المُعين لحراستى حتى يصبح قوته لواء به كتيبة مدرعة وكتيبة مدافع ماكينة. وأنْ يُعسكر الحرس بالقرب من منزلى زيادة فى الحيطة ، ولكن لم يتم شىء للآن . فما معنى هذا كله؟ وهل أنا استغفلتُ فى كل هذا ؟ وهل القصد وضعنا فى corner ويتقدم بالاستقالة ويصر عليها ، وإذا قبلتُ يتدخل الجيش لإعادته)) (مذكرات البغدادى – ج2- المكتب المصرى الحديث عام 77- ص171، 172) فهذا النص (على لسان عبد الناصر) معناه أنّ حكيم (كما كان عبد الناصر يُخاطبه به) كان يستهين بأى تعليمات تصدر من رئيسه بما فى ذلك حماية منزله ، فلماذا صبر عليه ؟ ولماذا أراد تخصيص لواءً كاملا (اللواء يتكون من ثلاث كتائب) لحمايته الشخصية ؟ أليس هو بطل العروبة؟ وأليس هو محبوب الملايين؟ وأليس هو (مثال الوطنية) ؟ حسب كلمات الأغنية الممجوجة فنيًا ، فهل كان يشعر بأنّ الشعب يكرهه رغم الأغانى التى تملقته والإعلام الذى داهنه؟ وما سر الصمت الــُمريب إزاء كل كوارث حكيم الذى استمرّ حتى يشترك معه فى (جر شكل) إسرائيل فى مايو67؟
إنّ كارثة بؤونة/ يونيو67 ليستْ لها علاقة مباشرة بقضية الشعب الفلسطينى ، بينما لها علاقة وطيدة بآفة (القومية العربية والوحدة العربية) فتلك الكارثة كان من الممكن تجنبها لو كان يحكم مصر ساسة يُـفكرون فى مصر قبل أوهام العروبة. فإذا كان سبب حشد الجيش المصرى فى سيناء ، وطرد قوات الأمم المتحدة الخ هو (وجود تحركات إسرائيلية على الحدود السورية) فإنّ عبد الناصر ركب دماغه العروبى (بفرض حُسن النية) ورفض تصديق التقارير المصرية التى أكدتْ أنه لا توجد حشود إسرائيلية على الحدود السورية ، كما ذكر مراد غالب فى مذكراته وكثيرون غيره من بينهم المشير محمد عبد الغنى الجمسى الذى كتب فى مذكراته أنّ أحداث هزيمة يونيو67 ((بدأتْ بمعلومات غير صحيحة عن حشد للقوات الإسرائيلية على الحدود السورية للاعتداء عليها)) وزاد من تضليل شعبنا المصرى ((أنّ التقارير (الموثوق) بها أفادتْ خلال الأيام الماضية منذ بداية مايو67 أنّ هناك حشدًا إسرائيليًا ضخمًا على حدود سوريا ، بغرض القيام بعمليات داخل الأراضى السورية بهدف إسقاط حكم عربى (تحررى) وإيجاد حكم رجعى عميل فى سوريا وإيقاف حركة التحرر من أجل فلسطين)) وأضاف المشير الجمسى ((ومن معرفتنا الكاملة بجميع الظروف العالمية والملابسات الدولية المحيطة بالموقف ، وكذا بموقف القوى الاستعمارية التى تـُساند إسرائيل ، ومع تقديرنا لما قد يتصوّره أعداؤنا من أننا قد (نتورّط) فى معركة فى وقت غير ملائم لنا ، فإنه بعد دراسة جميع الاحتمالات ، قرّرنا الوقوف موقفـًا حاسمًا من تهديدات إسرائيل العسكرية بالتدخل الفورى فى حالة قيام أى عدوان إسرائيلى على سوريا)) ولكن هل حدث تهديد إسرائيلى على الحدود السورية ؟ وهل فكـّر مؤلف المسلسل فى توظيف هذا المحور من محاور هزيمة يونيو؟ وهو محور كفيل بإبداع درامى قلــّما يعثر عليه أى مؤلف ، خاصة وأنّ المشير الجمسى اعترف بعدم وجود أى حشود إسرائيلية على الحدود السورية وكتب ((وبتكليف من المشير عامر سافر الفريق أول محمد فوزى رئيس الأركان إلى سوريا فى نفس اليوم (14مايو) للتأكد من حشد القوات الإسرائيلية على الحدود السورية ، وإجراء التنسيق العسكرى بين سوريا ومصر. تفقد الفريق أول فوزى قيادة جبهة سوريا ، وبحث مع المسئولين العسكريين فى رئاسة الأركان السورية الموقف لمعرفة مدى صحة المعلومات التى وصلتْ إلى مصر من سوريا والاتحاد السوفيتى ، وكانت النتيجة عدم وجود أى تحرك إسرائيلى تجاه الحدود السورية ، كما ذكر الفريق أول محمد فوزى فى كتابه (حرب السنوات الثلاث 67- 1970- ص71،72)
وجاء فى التقرير((إننى لم أحصل على أى دليل مادى يؤكد صحة المعلومات ، بل العكس كان صحيحًا ، إذْ شاهدتُ صورًا فوتوغرافية جوية عن الجبهة الإسرائيلية ، التقطتْ بواسطة الاستطلاع السورى يومىْ 12، 13 مايو فلم ألحظ أى تغيير للموقف العسكرى العادى)) هذا ما جاء فى تقرير الفريق أول فوزى ، وكان تعليق المشير الجمسى ((عاد الفريق أول فوزى للقاهرة يوم 15 مايو وقــدّم تقريره للمشير عامر، وهو التقرير الذى ينفى وجود حشود إسرائيلية على الجبهة السورية. وسجّـل انطباعه قائلا ((لم ألاحظ أى ردود فعل لديه (= لدى المشير عامر) عن سلبية الوضع على الحدود السورية/ الإسرائيلية. ومن هنا بدأتُ أعتقد أنّ موضوع الحشود الإسرائيلية على حدود سوريا هو من وجهة نظرالمشيرعامر ليس سببًا وحيدًا أو رئيسيًا فى إجراءات التعبئة والحشد فى سيناء بعد الزيارة)) هذا هو كلام الفريق أول محمد فوزى بعد عودته من سوريا ، وكان التعقيب الأخير للمشير الجمسى ((وبرغم هذه الحقيقة التى أوضحتها زيارة الفريق أول فوزى لسوريا ، فقد استمر الحشد فى سيناء بعد الزيارة)) (مذكرات الجمسى : حرب أكتوبر73- هيئة الكتاب المصرية- عام 98- ص19، 38، 39، 40)
فى الحيثيات السابقة نلاحظ أنّ الموقف المصرى تحدث عن أنّ هدف إسرائيل من التحرش بسوريا هو إسقاط حكم عربى (تحررى) فإذا كان الأمر كذلك ، فلماذا لم يتم تحرير الجولان السورية المُحتلة من إسرائيل منذ عام 67حتى وقت تأليف وعرض مسلسل صديق العمر عام 2014؟ ولماذا فوّتَ المؤلف تلك الفرصة ؟ هل يخشى الألغام الناصرية ؟ أم هو أسير التقليدية؟ ولمذا غضب الناصريون منه رغم أنه بالغ فى وضع مساحيق التجميل على أدوار ناصر وحكيم وحتى السادات الذى أفرد له مساحة لا يستحقها وجعله يُـناقش ناصر ويختلف معه (وهذا لم يحدث) باعتراف كل من أرّخوا لتلك الفترة ، بل كان السادات مؤيدًا على طول الخط لعبد الناصر، وينطبق عليه قول شعبنا الأمى الحكيم ((كان لابد فى الدره)) مثل أى ثعلب لينقض على فريسته ، وهو ما فعله السادات مع الناصريين بعد وفاة زعيمهم العروبى.
وماذا فعلت سوريا (لتحرير) الجولان المحتلة من إسرائيل منذ عام 67؟ انشغلتْ سوريا بالتدخل السافر فى شئون الشعب اللبنانى ، التدخل الذى وصل لدرجة السيطرة الكاملة بما يشبه الاحتلال ، ولدرجة أنّ شوارع ومطارات لبنان كانت تمتلىء بالصور الضخمة للرئيس حافظ الأسد ، ولكن الدرس المهم (فيما يتعلق بمصر) هو مغزى كلام الفريق أول محمد فوزى بعد عودته من سوريا ((بدأتُ أعتقد أنّ موضوع الحشود الإسرائيلية على حدود سوريا هو من وجهة نظر المشير عامر ليس سببًا وحيدًا أو رئيسيًا فى إجراءات التعبئة والحشد فى سيناء بعد الزيارة))؟ فلماذا أصرّ عبد الناصر على حشد القوات المصرية فى سيناء وطرد قوات الأمم المتحدة ومنع إسرائيل من المرور من المياه المصرية إلى آخر الإجراءات التى اتخذها فى مايو 67ومهّدتْ لكارثة بؤونة/ يونيو التى أطلق عليها الإعلام العروبى/ الناصرى اسم الدلع (نكسة) فى ترديد أبله لما صاغه هيكل بصفته الصحابى الأول لنبى العروبة (عبد الناصر)
ولماذا أصرّ عبد الناصر على حشد القوات المصرية فى سيناء رغم أنّ تقرير الفريق أول فوزى أكد أنه لا توجد حشود إسرائيلية على الحدود السورية؟ وباعتراف السوريين أنفسهم؟ وما مغزى حشد قوات مصرية فى سيناء ، رغم أنّ تلك القوات لم تتلق أية تدريبات سابقة للدخول فى حرب مع إسرائيل ، خاصة وأنّ أكثر من ثلث الجيش المصرى لا يزال موحولا فى اليمن؟ فكانت النتيجة إرسال آلاف الفلاحين المصريين من احتياطى الجيش إلى سيناء بالجلابيب . وما مغزى التحرش بإسرائيل والقوات المسلحة المصرية ليستْ مؤهلة للدخول فى هذه الحرب ؟ والدليل على ذلك حجم الخسائر المصرية التى فاقتْ كل تصور؟ فهل كنتُ مغاليًا عندما ذكرتُ فى دراساتى أنّ عبد الناصر هو مهندس هزيمة 67؟ خاصة أنه اعتمد على قيادات عسكرية لم تتلق أية تدريبات وليس لهم أية دراسات عسكرية وكان معظمهم يقضون أوقاتهم ويُخصصون كل اهتماماتهم بفرق الكرة ومع الراقصات فى سهرات ماجنة. كما اعتمد عبد الناصر على بعض القيادات المعروف عنها تلفيق التقارير الكاذبة ، أمثال شمس بدران (وزير الحربية) الذى إدّعى بعد عودته من موسكو أنّ الاتحاد السوفيتى سيُحطم الأسطول السادس الأمريكى لو تدخل فى المعركة. وهو الادعاء الذى نفاه السفير أحمد الفقى فى مذكراته.
فى يوم 18يونيو67 طلب عبد الناصر من يوثانت (سكرتير عام هيئة الأمم المتحدة) سحب قوات الطوارىء الدولية الموجودة على الحدود بين مصر وإسرائيل، وهى القوات الموجودة منذ عام 56 وكان عبد الناصر يهدف بذلك إلى احتلال منطقة شرم الشيخ . وقال بعض الضباط له إنّ ذلك يعنى تهديد السفن الإسرائيلية المتجة إلى إيلات وأنّ ذلك سيدفع إسرائيل إلى الحرب ، وأنها لن تسكت لعدة أسباب 1- القضاء على ربع تجارتها الخارجية 2- القضاء على ميناء إيلات وإسرائيل حريصة على تنميته بعد حرب السويس وأقامتْ به عدة منشآت 3- حرمان إسرائيل من البترول الوارد إليها عن طريق هذا الميناء. ولكن عبد الناصر لم يرد على كل تلك التوقعات وكان تعليق الضابط عبد اللطيف البغدادى أنّ ((جمال لا يمكن أنْ يكون جادًا من تحريك قواتنا العسكرية إلى سيناء ولا الدخول فى معركة حربية مع إسرائيل)) (مذكرات البغدادى – المكتب المصرى الحديث- ج2- ص264) أى أن المسألة - وفق تعبير شعبنا العبقرى- (هزار مش جد) وفى يوم 21مايو أعلنتْ إسرائيل أنّ انسحاب قوات الأمم المتحدة سيجعل القوات المصرية فى مركز تستطيع منه تهديد الملاحة الإسرائيلية عبر مضايق تيران . وفى يوم 22 زار جمال إحدى القواعد الجوية فى منطقة القناة وأعلن تصميمه ((على منع السفن الإسرائيلية من المرور فى مضيق تيران ومنع السفن الاستراتيجية بما فيها البترول من المرور.. وإننا مستعدون للحرب)) وكان تعقيب البغدادى ((ومعنى ذلك أنّ جمال لم يترك بابًا مفتوحًا حتى يمكن التراجع لو تطورتْ الأمور إلى ما هو أسوأ)) (ص267) فهل تصور (نبى العروبة) أنّ إسرائيل بعد كل هذا سوف تكتفى بلطم الخدود وكتابة الشكاوى والشجب على الطريقة العربية ؟ ولماذا فوّتَ مؤلف المسلسل هذا التوتر الدرامى؟ خاصة أنّ (نبى العروبة) ألقى كلمة يوم 26 أمام قادة العمال العرب قال فيه بالحرف ((إننا سندمر إسرائيل إذا بدأت هى بالعدوان)) (270) وهنا فوّتَ المؤلف فرصة مزج الجد بالهزل أو الدراما المعجونة بالكوميديا التى تصنع التراجيديا . وفى يوم 28 قال للصحفيين أنه سعيد بملاقاة إسرائيل وأنه مستعد استعدادًا كاملا لملاقاتها. وأنه كان يعد نفسه منذ عشر سنوات انتظارًا لهذا اللقاء)) (272) وكانت النتيجة ارتفاع شعبية ناصر الزائقة. خصوصًا عندما قال يوم 29 للبغدادى ((أنا لستُ خرعًا كإيدن)) وعن سبب تحرشه بإسرائيل قال ((لقيتْ العالم العربى نايم ويائس فحبيتْ أصحيه)) (275) فكيف داس المؤلف على تلك الكوميديا السوداء التى قلــّما تتكرّر؟
أما شمس بدران (وزير الحربية) الذى كذب عندما قال أنّ الاتحاد السوفيتى سيحطم الأسطول السادس الأمريكى ، فإنه يمتلك جرأة أى إنسان بلا مشاعر، فقال (بعد الهزيمة بيوميْن) أمام عبد الناصر وحكيم ((أما اتخمينا حتة خمة)) ثم يسخر من الجميع ويقول لهم ((لمَ أنتم حزانى؟ تحبوا أطلب لكن قهوه ساده؟)) (ثروت عكاشة- مذكراتى فى السياسة والثقافة- ج2 دار الهلال- عام 88- ص376) وهكذا شرب ناصر وعامر القهوه فى مصر ولم يشرباها فى تل أبيب كما روّج الإعلام العروبى / الناصرى. واعترف ناصر لعكاشة بما هو أفدح فقال ((أحب أنْ أشهدك على أنى قد عوملتُ أسوأ معاملة من حكيم وشمس بدران منذ صباح 5يونيو، فبمجرد وصولى إلى القيادة العامة لأتبين حقيقة الموقف لم أجد من يلقى لى بالا أو يعنى حتى بالرد علىّ.. ولو كان عبد الحكيم مجرد قائد محترف لعزلته على الفور، لكن ما حيلتى ولحكيم فى نفسى ما له من مكانة)) (386، 387) وهذا الاعتراف به أحد مفاتيح العلاقة الشائكة بين ناصر وصديقه الكارثى ، وأنّ ناصر فضّـل (الصداقة) على الوطن ، فكيف فوّتَ المؤلف تلك الدراما وهو يكتب مسلسله الباهت المليىء بتشويه الحقائق؟ وهل لو لدينا المبدع الذى يمتلك موهبة شكسبير كان يدوس على تلك المفارقة الدرامية لتكشف حقيقة أنّ من حق شعبنا تقديم ناصر للمحاكمة بتهمة التفريط فى أمن الوطن وأنّ (صديقه الكارثى) أهم من مصر؟
وتستمر الدراما الواقعية (التى تغافل عنها المؤلف) فعندما طلب بدران من ناصر الحضور للقيادة العامة قال ناصر ((سأكون عندكم بعد خمس دقائق رغم ما لقيته على أيديكم من استهتار بى)) (دراما على طبق من ذهب) الرئيس / الزعيم العروبى يعترف أنّ مرؤوسيه يستهزئون به. ثم تتصاعد الدراما الواقعية عندما يصر ناصر على أداء دور (المحب من طرف واحد) فعندما وصل لمقر القيادة قال ((وجدتُ المشير فى حالة متدهورة فأخذتُ أطيّب خاطره وأخفف عنه)) وهنا صدق ناصر عندما وصف حكيم ب ((الطفل المدلل)) وهنا تجسيد درامى من طراز رفيع : فرئيس الدولة بدلا من أنْ يحوّل مرؤوسه للمحاكمة إذا به يجلس بجواره ويمسح دموعه ويُطيّب خاطره ويُخفف عنه. والمشهد لا يختلف عن مشهد الأم التى فشلتْ فى إسكات صراخ طفلها (الذى كسّر لعبته ويطلب غيرها) فرغم خطأ الطفل فإنّ الأم توعده بشراء لعبة أخرى ، وهو ما فعله ناصر عندما حاول استرضاء حكيم بشتى الطرق ، خاصة عندما اقترح حكيم تولية شمس بدران رئاسة مصر، فقال ناصر ((فتظاهرتُ بالموافقة على ما يقول رغم علمى بما يتميّز به شمس من غباء مطبق)) ولكن هل غباء شمس بدران هو السبب الوحيد من وجهة نظر ناصر؟ الإجابة على لسان ناصر نفسه ((لقد كنا فى حاجة لشخصية سوية لإصلاح أمورنا مع الأمريكان . ورأيتُ أنّ أنسب شخصية هو زكريا محيى الدين)) وهنا تصاعد درامى جديد : زعيم العروبة الذى إدعى إعلامه أنه ضد أميركا ، يُرشح زكريا محيى الدين لرئاسة مصر، والسبب يكمن فى التمهيد الذى تولاه الإعلام الناصرى عندما قسّم المسئولين المصريين على : مجموعة مع السوفييت ومجموعة مع أميركا من بينها زكريا محيى الدين ، وكان هذا الطـُعم (أو السم فى العسل) الذى وضعه الصحابى الأول (هيكل) فى خطاب (التنحى) المزعوم إذْ ورد به صراحة أنه يُرشح زكريا محيى الدين لرياسة الدولة ، فبلع شعبنا الطيب/ الساذج / المُغيّب الذى أعطى أذنه للإعلام الناصرى (خاصة محطة صوت العرب) فقال لنفسه : يا نهار أسود ؟! ناصر يريد أنّ يُسلمنا لواحد أمريكانى ؟! لأ يا عم خليك قاعد على قلبنا)) وهكذا نجح (الملعوب) الذى صمّمه هيكل والمُستمد من المدرسة النفسية فى قهر الشعوب ، فخرجتْ الجماهير تهتف للزعيم الذى أتاح لإسرائيل فرصة عمرها بإحتلال سيناء والضفة والجولان ((ناصر.. ناصر.. بالروح والدم نفديك يا ناصر))
وعن العلاقة المُـلتبسة بين ناصر وعامر سأل عكاشة عبد الناصر لماذا تعهد إليه ((بأعباء متلاحقة مرهقة تحول بينه وبين التفرغ للقوات المسلحة ؟ فهو تارة يتولى منصب نائب رئيس الجمهورية فى (الاقليم الشمالى) وتارة أخرى تعهد إليه بالإشراف على تصفية الإقطاع أو على قطاع البترول والسياحة والاصلاح الزراعى ؟ فكان رد ناصر الكارثى ((إنى ما أسندتُ إليه هذا كله إلاّ إشباعًا لرغبته. غير أنى لم أجد منه عناية بشئون القوات المسلحة وترَكَ أمرها لشمس بدران يعبث بها ما شاء له العبث)) (389) ومعنى (إشباعًا لرغبته) أنّ حكيم طفل دلوعة بدرجة مشير. فلو كنا إزاء شعب لم ينخدع بالإعلام العروبى/ الناصرى ، كان يجب تقديم الثلاثى الكارثى (ناصر، عامر، بدران) للمحاكمة. ولو كنا إزاء سيناريست يحترم معنى الدراما لما فوّتَ إعترافات عبد الناصر، وصنع منها دراما رفيعة المستوى، خاصة وأنّ عكاشة أضاف فى نفس الصفحة أنه ((قد آن أوان إيقاف الاتحاد الاشتراكى عند حدوده فلا يعود إلى إرهاب الناس أو التدخل فى أعمال السلطة التنفيذية)) وخاصة (ثانيًا) أنّ عكاشة قال لناصر ((إنّ الرأى العام يُطالب بمحاكمة المسئولين عن الهزيمة)) فكان رد ناصر ((الوقت الآن غير مناسب)) فهو بعقليته وخبرته يعلم أنّ (المحاكمة) لو تمّتْ بنزاهة فإنّ القادة الشرفاء لديهم أكثر من دليل على إدانته وأنه هو المسئول الأول عن الهزيمة ، خاصة وأنه لم يتخذ أى إجراء ضد القادة الفاسدين الذين قال عنهم لعكاشة ((هناك قائد تخلى عن فرقته وهجرها قبل صدور الأمر بالإنسحاب . وهناك قائد الطيران الذى كان ليلة الحرب مساء الأحد فى سهرة عشاء بأنشاص دارتْ فيها كؤوس الخمر حتى الفجر. وهناك قادة قواعد جوية استقلوا عرباتهم مغادرين مواقعهم بعد قذف المطارات)) ثم تتصاعد الدراما الواقعية عندما أضاف (نبى العروبة) فى ذات الحديث ((ولطالما ألححتُ على المشير عامر منذ أكثر من عشر سنوات أنْ يتخلص من قائد الطيران. وفى سنة61 حاولتُ أنْ أحرّر سلاح الطيران منه بترشيحه وزيرًا للحربية ولكنه أبى (= رفض) مؤثرًا البقاء فى موقعه.. لقد كان وضعى دقيقــًا للغاية. ولم يكن مسموحًا لى بالتدخل فى شئون الجيش بأى حال من الأحوال)) (390) وهذا الإعتراف الذى أدلى به ناصر لعكاشة يعنى 1- أنه لم يكن كما صوّره هيكل وكل الإعلام الناصرى بالزعيم القوى إلخ ، بدليل أنه استخدم تعبير (الإلحاح على حكيم لمدة عشر سنوات) فهل هو الرئيس الفعلى أم الرئيس الأراجوز الذى يستجدى مرؤوسه ليُنفذ أوامره؟ 2- اعترف ناصر- دون أنْ يشعر- بخطأ جسيم عندما حكى عن قائد سلاح الطيران (الفاشل) الذى قضى سهرة عشاء ليلة العدوان بين كؤوس الخمر حتى الفجر، ومع ذلك يُرشحه ليكون وزيرًا للحربية. أى ترقيته بدلا من محاكمته. وهنا تجتمع كل عناصر الدراما العبثية / المأساوية والتى تغافل عنها المؤلف.
وفى عام 62 اقترح عبد الناصر تشكيل مجلس رئاسة وأنْ يترك حكيم الجيش . وعن هذا الحدث قال ناصر لعكاشة ((فى اليوم الثانى جاءنى شمس بدران ليُبلغنى أنّ المشير لن يترك القوات المسلحة. وحين لفتُ نظره أنّ المشير وافق على هذا الرأى ، تمسك (بدران) بموقفه وقال أنه لا بقاء له فى القوات المسلحة إذا خرج منها المشير، فما كان منى إلاّ أنْ قلت له : ليكن لك ولحكيم ما تشاءان)) (393) وهذا الاعتراف الكارثى من (زعيم العروبة) يجعل العقل الحر يستعير أسلوب الأميين المصريين العبقرى ((اللى علا راسه بطحه بيحسس عليها)) : لماذا كان ناصر يخاف من حكيم ومن شمس بدران؟ ما هى نقط (جمع نقطة وهى صحيحة لغويٌا) الضعف التى فى حوزتهما ضد ناصر؟ وهل تلك الأسلحة (نقط الضعف) تصل لحد إذلال (الرئيس) فلا يكون أمامه إلاّ الإنصياع لموقفهما أو وفق نص كلامه لمشيئتهما. ورغم كل تلك الكوارث فإنّ الناصريين رأوا أنّ مؤلف المسلسل (ظلم عبد الناصر) بينما هو ظلم نفسه عندما فرّط فى كل عناصر الدراما الواقعية ليصنع منها دراما فنية.



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (6)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (5)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (4)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (3)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (2)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (1)
- الفكر الأحادى وأثره على البشرية
- التعريف العلمى لمصطلح (العامية)
- رد على الأستاذ طاهر النجار
- لماذا يتكلم العرب بالمصرى ؟
- القوميات بين تقدم الشعوب وتخلفها
- جريمة تأسيس أحزاب دينية
- الإسلاميون والماركسيون والأممية
- مرجعية الإرهابيين الدينية والتاريخية
- متى يدخل الإسلام مصر ؟
- جريمة الاحتفال بمولد النبى
- فى البدء كان الخيال
- شخصيات فى حياتى : ع . س . م
- شخصيات فى حياتى : الأستاذ المنيلاوى
- شخصيات فى حياتى : ثابت الأسيوطى


المزيد.....




- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (7)