أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - الكاتبة رفيقة العمر














المزيد.....

الكاتبة رفيقة العمر


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4547 - 2014 / 8 / 18 - 00:04
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


البحر هائج، يلفظ إلى الرمال البيضاء أعشابه السوداء كالأمعاء، وأقرر النزول إليه، أحب منازلة الأقوياء الأشداء، تضربنى الأمواج فأنقلب وأشرب الماء بالملح وأغطس حتى القاع، تعلن الراية السوداء عن موت نسمة من خمسين مليون نسمة يتأرجحون على خط الفقر، من تسعين مليونا يتكاثرون ويزحمون الأرض، واحدة فقط من الملايين الزائدة عن الحد،



يمر موتى مر الكرام وفى قاع البحر أبتلع الهوان:



أهم حدث فى حياتى (وهو موتى) لا يهم أحدا؟ هل يظل الكون موجودا بعد موتى؟



الكاتبة رفيقة العمر تجلس على الشاطئ كعادتها مستغرقة فى الكتابة، لا تعبأ بموتى، وأبى الشرعى، الذى ولدت من صلبه، وحملت اسمه واسم جدوده فوق كاهلى بأوزارهم، يشرب قهوته ويقرأ صحف الصباح كعادته، وزوجى الشرعى، الذى تزوجته على سنة الله ورسوله، يرش العطر تحت إبطيه مبتهجا ويذهب الى ملك يمينه، وجارتى التى زارت قبر النبى تتسلل إلى قبرى وتسرق كفنى، وزميلتى المنادية بتحرير النسوة تنقض على دولابى ترتدى ثيابى.



الكاتبة رفيقة العمر تلقى كلمتها فى حفل تأبينى وتقول: لأنها لم تحفر فى حياتها حرفا تموت دون أثر كالبغال، كلماتها تشق رأسى نصفين وتملؤنى بالغضب، لا شىء يبعث على التحدى مثل الغضب، أقبض بيدىّ الاثنتين على القاع الصلب، أتنفس من خياشيم عقلى مثل جنيات البحر، ورثت بعض جينات الجن عن جدتى، كان لها سبع أرواح وأكثر، وأمى تعلمت التنفس تحت الماء منذ ولدت، لم تعثر الداية العجوز على العضو البارز المحظوظ، سقطت عينها فى الشق الأفطس المتعوس، فملأت الطشت بالماء وتركتها تغرق.



كنت أزهو بأمى أمامها وهى مستغرقة فى الكتابة، أمى كانت تركب البحر لا تهاب الغرق، أمها كانت تعيش فى الظل، تحت الحماية الزوجية، غارقة فى الحرير والعرق، تفزعها نسمة هواء أو البلل بقطرات ماء.



أبحث فى حياتى عن شىء يملؤنى بالزهو أمامها، أعوض عن إحساسى بالنقص فى وجودها، أتباهى بالجمال والأنوثة والأبهة والأناقة، أنشر (أمام عينيها) صور أولادى وأحفادى، تمط شفتها السفلى وتقول: الأرانب والحمير قادرة على الولادة والإنجاب.



كل شىء فى الحياة يندرج (فى نظرها) تحت «البيولوجيا» إلا الكتابة، لا شىء يكسر سجن الجسد إلا الكتابة.



وأشد شعرى من الغيظ وأزعق:



ملايين الكتب تملأ المكتبات والشوارع والأرصفة والمخازن، لم يعد أحد يقرأ، خمسون مليون نسمة لا يملكون ثمن الكتب، الملايين الأخرى مشغولة باليوتيوب وفيس بوك وتويتر، وهل أنت الوحيدة التى تكتب؟ كل الناس أصبحت تكتب.



صوتى يعلو ويزعق، كلما ارتفع زعيقى أدرك أننى أكذب، ليس كل الناس تكتب، وإن كتبوا فإن كتابتهم ليست هى الكتابة، ما الفرق بين كتابة وكتابة؟ ما هذا الشىء الذى اسمه كتابة؟



ومن أين تأتى الكتابة؟



- من المعرفة



ومن أين تأتى المعرفة؟



- من الحب



ومن أين يأتى الحب؟



- من الحرية



ومن أين تأتى الحرية؟



- من الكرامة



ومن أين تأتى الكرامة؟



- من العدالة



ومن أين تأتى العدالة؟



- من الصدق



ومن أين يأتى الصدق؟



- من الشجاعة



كنت أتفوق عليها فى الأنوثة والجمال والأبهة والأناقة، شعرها نافر كأسلاك الكهرباء، ملابسها بالية بأزرارها المتهالكة، بالثقب فى حذائها القديم، ليس لها هيئة الكاتبات ذوات الكعوب العالية والثقافة الرفيعة، أتفادى السير إلى جوارها فى الشارع، أخشى أن يقبض عليها البوليس بتهمة التشرد، وتسوء سمعتى باعتبارها رفيقتى.



لكن فى أعماقى أدرك أنها تملك ما لا أملكه، تواجه المقصلة وتكتب، تناطح الأقدار وتكتب، تتحدى السماء والأرض وتكتب، وأزعق أكثر وأكثر:



من أين تأتى الشجاعة؟



تمط شفتها فى وجهى، وتعود للكتابة.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقوق المرأة. وكيف نفكر؟
- الكاتبة رفيقة العمر «٥»
- الكاتبة رفيقة العمر «4»
- مرض منتصف الليل. سر الإبداع!
- الكاتبة رفيقة العمر «٣»
- الكاتبة رفيقة العمر «2»
- ثقافة التفرقة وجذور الإرهاب
- الحب والصداقة والصفاقة
- تزييف الوعى والثورات الشعبية
- سؤال إلى وزير الصحة والنائب العام: هل تكون للدولة هيبة دون ت ...
- ما يختفي وراء جرائم الاغتصاب
- المرأة ونقد الفكر الرأسمالى
- انطق اسم أمك عالياً بكل فخر
- قضية النساء وتفاقم اللامساواة
- الأصوات التى ليس لها صوت
- قُصت أجنحتنا لكننا لازلنا نطير
- لا يقول الحقيقة إلا الخيال
- رجل الشارع والإنسان العادى
- رحلة لحلوان الثانوية للبنات
- رسالة أحمد دومة المنشورة


المزيد.....




- بي بي سي عربي تزور عائلة الطفلة السودانية التي اغتصبت في مصر ...
- هذه الدول العربية تتصدر نسبة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوي ...
- “لولو العيوطة” تردد قناة وناسة نايل سات الجديد 2024 للاستماع ...
- شرطة الكويت تضبط امرأة هندية بعد سنوات من التخفي
- “800 دينار جزائري فورية في محفظتك“ كيفية التسجيل في منحة الم ...
- البرلمان الأوروبي يتبنى أول قانون لمكافحة العنف ضد المرأة
- مصر: الإفراج عن 18 شخصا معظمهم من النساء بعد مشاركتهم بوقفة ...
- “سجلي بسرعة”.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت ف ...
- إيران - حظر دخول النساء الملاعب بعد احتضان مشجعة لحارس مرمى ...
- هل تؤثر صحة قلب المرأة على الإدراك في منتصف العمر؟


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - الكاتبة رفيقة العمر