أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الدير عبد الرزاق - الطفلة -مريم- معنى مغايرا للموت















المزيد.....

الطفلة -مريم- معنى مغايرا للموت


الدير عبد الرزاق

الحوار المتمدن-العدد: 4544 - 2014 / 8 / 15 - 22:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    





"لا شيء يجعلك عظيما إلا ألم عظيم فليس كل سقوط نهاية، فسقوط المطر أجمل نهاية"

الطفلة مريم.



بهذه العبارة العميقة قبل ما يزيد عن شهرين قررت الطفلة " مريم " في صمت أن تضع نهاية لحياة وحدها تعرف تفاصيلها رغم ما تناقلته وسائل الإعلام آنذاك من تصريحات أهلها و المقربين منها و القيل و القال و التحاليل التي رافقت موتها، لن أسميه انتحارا حتى لا أكون مضطرا لتحليل سوسيولوجي أو تحليل نفسي لظاهرة الانتحار، لكن سألتقط عبارة مما خطته يدها الصغيرة و أحلامها الكبيرة، أي عظمة تتحدث عنها العظيمة " مريم"؟ هل السير قدما إلى وضع نهاية لحياة في عيونها لا تستحق الحياة؟ أم هي عظمة مواجهة الحياة بنقيضها في ذروة و جذوة الإحساس بالإحباط؟ و بأي معنى يكون كل سقوط نهاية ؟ هل سقوط المطر هو أجمل نهاية أم أجمل بداية؟

رحلت الحياة "مريم"، و في قلبها الصغير قصص و حكايات لم يتسع لها واقعها، واقع بصيغة المفرد و الجمع رفضها أحلامَ زهرة، فمنحته نفسها قربانا تتقرب به إلى إله الأحلام الإنسانية حيث جثتها الهامدة محاطة بأسئلة لا تنته و ضمائر غائبة في الزمان و المكان غابت بكل رمزيتها حتى لا يكون حضورها بمثابة إدانة و تسجيل الموت في اسمها و في عصرها المنحط...

رحلت الجميلة "مريم"، و اختارت أن تطفئ شمعة طفولتها الخامسة عشر في دروب مظلمة طالما شكلت لها عقدة أبدية رحلت معها دون عودة مرتقبة لأحضان أم اكتوت بنيران رحيل قبل الأوان و ستبقى دوما في انتظار قدومها...

رحلت و في آخر أنفاسها إصرار على أن تسافر إلى عالم الموت حيث ستجد الحياة التي حلمت بها و ليس في حقيبتها شيء سوى أحلام "مريم" الطفلة، حيث مازالت ترقد بداخلها بمفهومها الخاص و العام و لغتها التي طالما شيدت بها مناجاة داخلية مؤلمة عندما عجزت أن تجعلها أداة للتواصل مع واقعها الخارجي، لم ترد أن تعيش حياة كبارٍ سوى في السن بأحلام لا إنسانية...

عظمة السؤال الأنطولوجي : لما؟ و متى؟ و كيف؟ لن تستسغه سياسات عمومية لا اجتماعية و التي تسير في نسق يضبط عقارب ساعته على رقاص خارج مدار الحياة الكريمة، فالحق في الحياة لا يعني فقط أن تبقى حيا و إلا ما غادرتنا الجوهرة" مريم"، و إنما الحق في الحياة تعطيه العظيمة "مريم" بعدا إنسانيا آخرا، فليس أن تكون تتنفس يعني أنك حي، و إنما حي بوجود رمزي و مادي حيث الكرامة الإنسانية و العيش الكريم في فضاء يليق بالوجود الإنساني...

و مهما طالت الألسن و التحاليل الجافة في تفسير أسباب الموت، إلا أن موت البلورة "مريم" رسالة بعناوين هيلوغرافية و ناقوس أحلام يدق نعش واقع لا يتسع في شيء لأحلام أزهارنا التي تذبل كل يوم أمام أعيننا و لا نسقيها إلا إحباطا و يأسا، و نحن نعرف بتفكير واع ما قد يصنعه الإحباط و اليأس و اللاجدوى عندما يكون قاعدة تَعْتَمل في عمق المجتمع، فالفوارق الاجتماعية صارخة بين قمة تهيمن على الأرض و العرض و قاعدة لا تبحث عن شيء سوى الحق في الحياة بمفهوم " مريم" الحية بكبريائها.

سقطت أزهار الخريف الديمقراطي و نبتت مكانها أشواك بثوب إسلامي ستحول الأحلام إلى كوابيس، لكن أن تسقط زهرة " مريم" فتلك مأساتنا، فموت طفولتنا " مريم " هو موت جميع الأصوات التي تصرخ و تعاني في صمت و لا يجيبها سوى الصمت المقيت حيث لا شمعة تضيء براثن اليأس...

رحلت الصغيرة و لم تترك خلفها سوى كلمات لعشاق الحياة مضمونها: إما أن نعيش الحياة بكرامة أو ننهي الحياة بكرامة، كلمات ليست ككل الكلمات لأن الألم في الطبيعة يولد مبدعا عظيما، لكن الألم في حياة "مريم" القصيدة ارتبط بالكرامة الإنسانية و ارتبط بحياة صارت جحيما لا يطاق يهدد البنية النفسية لطفلة تنمو على حطام واقع بئيس شكل في داخلها جرحا عميقا تزداد هوته في قلب صغير حمل الحياة و الأحلام لكنه اصطدم بأخطبوط واقع بمعادلات من الدرجة الثالثة...

رحلت الأوركيد "مريم"، و في روحها ألم عظيم بما للألم من حمولة تدميرية تأتي على الأخضر و اليابس و تكرسه ألسن مجتمع يجيد العزف بتفنن في تواطؤ مع الألم لتكون المأساة، لم تمت الملاك "مريم" لأنها قررت الموت، و لكن ماتت لتعطي معنى آخر للحياة و هو الموت...

رحلت و تركت لنا إشكالية فلسفية و حقوقية و اجتماعية: هل الحق في الموت حق إنساني؟

و السؤال الشقي سيبقى حيا: من المسئول عن موت "مريم" الحلم؟ كلنا مسئولين لأننا لا نهتم بأحلام طفولتنا، و لا نحتضن الواقع المفترض لطفولتنا، و المسؤولية درجات تنطلق من حكومة لم تزد هذا الشعب سوى سياسات عمومية تضع في آخر اهتماماتها ما هو اجتماعي، و مجتمع غائب في بنيته الخطاب الإنساني يكدس أمراضا اجتماعية إحداها كانت أحد أسباب تفكير "مريم" الحياة في الموت...

كنت أتمنى حضورا شخصيا من رئيس الحكومة الإسلامي ليفتح تحقيقا جديا في موت مريم و يعلن مسؤوليته بصفته رئيس حكومة لكل المواطنين في دولة مدنية و يحدد المسؤوليات، فكأن طفولتنا و إنسانيتنا لا تعني شيئا في مفكرة من دفعهم الشعب إلى الأمام ليدافعوا عن قضاياه لكن مع الأسف دفعوه إلى الموت و مازالوا يدفعونه بطرق متعددة تعدد الأقنعة التي يرتادونها...

رحلت العظيمة و في عظمتها جنونا بالحياة ممتزج بالألم، تجلت عظمة و كبرياء الطفلة "مريم" في أن ترسم خارطة جديدة مرصعة بأحلامها التي أودت بها، ماتت لتعيش أحلام جيل بعدها، تاركة خلفها أسئلة و إشكالات للضمائر الحية و لمن له أبناء أن يفكر في مستقبل طفولتنا حتى لا تتكرر مأساة الطفلة "مريم" و تصبح عادة يدمنها واقعنا الاجتماعي إذا لم نتحمل مسؤولياتنا...

عفوا الماسة "مريم" سقوطك ليس نهاية، و إنما بداية للتفكير و التأمل في إنسان يعيش في مغرب عميق مثقل بالآهات و يعاني الويلات حيث يولد الإنسان في صمت واقع كئيب و يرحل في صمت أليم كأن شيئا لم يكن، جروحه ملفات يتم الارتزاق و الاغتناء بها...

عفوا"مريم" الحلم ، سقوط المطر أجمل بداية، سقط مطر البوعزيزي التونسي فكان أجمل بداية...



#الدير_عبد_الرزاق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنين الذكرى
- سجلي اسمك -غزة-
- -بَنْكُ يَرَان- عفا الله عما سلف يناديكم: الوصايا الخمس لتكو ...
- شطحات سياسية (2):رفقا بتاريخ اتحاد كُتِبَ بدماء شهداء هذا ال ...
- شطحات سياسية: أبواق مستعارة
- خروج عن مألوف الأشياء في حضارة -الإنسان عبد و الشيء سيد-
- سؤال قضايا المرأة بين التصحيح و التجريح
- وفاء لذاكرة حبلى بداء -عمر-...*
- مأساة حقوق الإنسان في دواليب الاستهجان!!!
- القبلة الموقوتة
- هل سقطت .... أم أسقطوها؟ ........ قصة قصيرة
- على هامش أغنية الرحيل
- السينما المغربية و سؤال الفن
- قراءة في تجربة حزب العدالة و التنمية في الممارسة السياسية في ...
- غول سياسي في مواسم -الدعارة- السياسية


المزيد.....




- بعد جملة -بلّغ حتى محمد بن سلمان- المزعومة.. القبض على يمني ...
- تقارير عبرية ترجح أن تكر سبحة الاستقالات بالجيش الإسرائيلي
- عراقي يبدأ معركة قانونية ضد شركة -بريتيش بتروليوم- بسبب وفاة ...
- خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا ...
- كيف تؤثر الحروب على نمو الأطفال
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلغو ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة ال ...
- تحالف Victorie يفيد بأنه تم استجواب ممثليه بعد عودتهم من موس ...
- مادورو: قرار الكونغرس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الدير عبد الرزاق - الطفلة -مريم- معنى مغايرا للموت