قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4544 - 2014 / 8 / 15 - 12:11
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
العالم شنتون وألقاضي ألشرعي ..!!
يحكي لنا توفيق الحكيم في روايته "يوميات نائب في الأرياف " ، وعلى لسان النائب الذي "يرسم " صورة للأرياف المصرية ، عن زيارة عمل قام بها النائب إلى مقر المحكمة الشرعية للإستفسار عن أمر ما .
القاضي الشرعي يتباهى بأنهُ قد "ألجم " مُحاضرا جاء لإلقاء مُحاضرة علمية ، تحدث فيها عن قيام العالم الكافر الغربي "شنتون " ، بإحتساب وزن الأرض والسماوات بطريقة علمية .
طبعا ، لا أعلم دقة المعلومة ، ولكن المهم بأن حضرة النائب ، لم يسمع من قبل بالعالم شنتون ، لكنه بعد تفكير عميق توصل إلى أن القاضي الشرعي قصد بحديثه ،العالم الفيزيائي الكبير أينشتاين !!
وكيف أفحم القاضي الشرعي المُحاضر ؟ لكم أن تتسائلوا ...!! بأن سأله هل قام "شنتون " هذا بإحتساب وزن السموات والأرض مع وزن العرش أو بدونه ؟!
يُخبرنا توفيق الحكيم وعلى لسان القاضي ، بأن المُحاضرة "تفركشت " ، أي لم تتم لحدوث صخب وجدل كبيرين ، لكن أغلب الحضور ، غضبوا على القاضي ، لأنه أفشل المُحاضرة ، بسؤاله "العلمي " ..!!
نعم ، كان هناك وفي ذلك الزمان ، من يغضب لإفشال مُحاضرة علمية .
لكن وبما أن الأمتين العربية والإسلامية تسيران إلى الخلف ، لم يُعُد يجرؤ أحد على إستضافة مُحاضرة علمية ، وحتى الجامعات والمعاهد البحثية ، تتجنب هذا النشاط .
فبعد أن كان ، وعلى ذمة السيد أحمد عبد الجواد في ثلاثية نجيب محفوظ ، بعد أن كل عشرة شيوخ بقرش ، أصبح كل واحد ممن يطلقون اللحى ويحفون الشوارب عالما نحريرا ، يتحدث في الفيزياء والكيمياء، والأنكى والأمّر ، يتعامل معهُ "مُريدوه " بهذه الصفة أيضا ، كعالم لا يُشق له غبار ..!!
وكثير من هؤلاء المُريدين ، تخرجوا من الجامعات .. وأعرفُ شخصيا البعض منهم .
وبما أن أداة البحث العلمي الأساسية هي الشك ، والذي قد يقود الى اليقين ، فقد تخلى هؤلاء المُريدين عن أدوات عملهم طوعا وبرغبة . تُرى لماذا ؟!
لقد صادر هؤلاء "البهلوانات " لقب العالم ليبقى حصريا عليهم .. بينما من يعمل بالبحث العلمي ، من فيزياء ورياضيات ، طب وتكنولوجيا ، فهو جاهل ..
لكن لو عُدنا إلى الخلف وإلى التُراث ، لرأينا بأن أعظم لقب تشريفي حصل عليه التُراثيون ، كان لقب "الحافظ " !! ففلان حفظ ألف ألف حديث ، وعلان حفظ الكتاب الفلاني على يد فلان .فقد وصفوهم كما هم .
نعم لقد كانوا حُفاظا لعنعنات لا تنتهي ، ولم يُعملوا ملكة الشك ، في ما يحفظون ..!! وهكذا هم المُعاصرون من الحُفاظ !! فالتعليم في بلاد العرب هو تلقين وحفظ .. والذي يحفظ بدقة أكبر ، وبأكبر كمية من المعلومات ، يُصبح "عالما " ..!!؟؟ ولحمهُ مسموم ..!!
مع العلم ، بأن العلم هو عدو الحفظ ..!! فالعلم هو إشغال العقل ..!! وسعة ذاكرة محوسبة من الحجم الصغير تتسع لمعلومات ، كان يقضي المرء حياته كلها ، لحفظ كمية أقل منها بكثير ..!!
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟