أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح شاهين - داعش في بيتي















المزيد.....

داعش في بيتي


ناجح شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 4542 - 2014 / 8 / 13 - 14:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



أو "بين داعش ويعقوب زيادين"

"يجب علينا إن ألفينا لمن تقدمنا من الأمم السالفة نظرا في الموجودات واعتبارا لها بحسب ما اقتضته شرائط البرهان، أن ننظر في الذي قالوه من ذلك وما أثبتوه في كتبهم، فما كان منها موافقا للحق قبلناه منهم وسررنا به وشكرناهم عليه. وما كان منها غير موافق للحق نبهنا عليه وحذرنا منه وعذرناهم."
(ابن رشد: فصل المقال)
قد أختلف معك في كل كلمة تقولها، و لكنى على استعداد أن أدفع حياتي ثمنا لحريتك في أبداء رأيك"
(فولتير)

أحد يذكر زيادين؟ يعقوب زيادين طبيب أردني شيوعي من أسرة مسيحية من مدينة الكرك، نجح في العام 1958 في انتخابات "البرلمان" الأردني عن مدينة القدس. يا إلهي، نجح الرجل نائباً عن القدس الفلسطينية المليئة بسكان مسلمين من أصول مقدسية وخليلية وأفريقية وما شئتم من إثنيات. لم يكن هناك داعش ولا تكفير وهجرة ولا قتل على الهويات. كان زمناً آخر. كنا في عالم آخر، قاب قوسين أو أدنى من بناء الأمة من المحيط إلى الخليج. اليوم أصبح المسيحي غريباً في مدينته، والشيعي يطلب للقتل، والعلماني مرتد يقتل، وسيف الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه مشرع على امتداد الساعة من أجل أن يجز رؤوس أبناء الوطن من الطوائف والمذاهب والاتجاهات والأفكار كلها مهما كان اختلافها مع "حق" داعش وأشباهها بسيطاً. إنه زمن: "وربما تقتلني أو أقتلك إذا اختلفنا حول تفسير الأنوثة" لا مكان للاختلاف أبداً. إذا أسبلت يديك في الصلاة بدلاً من وضعهما على وسطك فأنت مبتدع تستحق القتل، وإن أنت فسرت آية من القرآن خلافاً لما يريد خليفة المسلمين أبو الأعلى المودودي أو أبو بكر البغدادي أو سيد قطب فأنت كافر حكماً وتستحق القتل، وإن كشفت المرأة وجهها فهي زانية أو في حكم الزانية ولا بد من قتلها. بل إن بعض الظرفاء يتقول إن داعش تقتل البقرة التي تكشف أثداءها، فالبقرة بدورها أنثى ولا بد من أن تتبرقع. هذا زمان الجنون. اقتلينا يا جيم الجنون.
منذ يومين حضر لزيارتي في المنزل ابنة خالتي وزوجها. ابنة خالتي امرأة في مقتبل العمر لم تنه الثانوية العامة، لم تقرأ في حياتها مثلما قالت أي شيء باستثناء كتب ماجي فرح. زوجها ضابط في السلطة أنهى دراسته في علم الاجتماع من إحدى الجامعات المحلية. بعد شيء من الحديث عن غزة ولبنان حضر فيه حزب الله، تبرعت الفتاة لتخبرني أن حزب الله يستحق وأفراده جميعاً الموت لأنهم كفرة. فسألتها مبتسماً: وماذا عن العلمانيين، والشيوعيين، والجبهة الشعبية، والديمقراطية إلى آخر القائمة. ردت مبتسمة بدورها: يجب أن يقتلوا جميعاً، وأنت أولهم. شكرتها على صراحتها، وكرمها، إذ أن القرابة والمعاملة الطيبة لم تشفع لي ونحن في وقت "الوساع" في أن أنال استثناء من فتوى الموت الرهيبة. ولا بد أن داعش والداعشية لن تعدم أنصاراً كثراً في بلادي الصغيرة مثلما باقي أوطان العرب عندما ترفع راية الحق التي تنادي بقتل الكفار والمارقين والمبتدعة مع استثناء واحد من ذلك هو إسرائيل. ابنة خالتي وزوجها اتفقا في كل شيء، كانا يتحدثان بثقة العلماء. وحتى عندما حاولت أن ألفت نظر الرجل –متبعاً طريقة انتهازية في الحوار- إلى أنه ضابط سلطة والسلطة تتبنى فهماً ليبرالياً للحياة والسياسة والاقتصاد، طرد الفكرة بسرعة، وأصر على أن "زمن الخلافة عندما يحضر لا يبقي ليبرالية ولا اشتراكية ولا شيعة ولا كفرة. زمن الخلافة لا يقبل القسمة على اثنين: إما أن تكون مع الدين الصحيح، أو تقتل." وساد صمت رهيب.
لكن لماذا نستغرب الذي يحدث في هذه البلاد؟ إنهم طوال الوقت يدربون الناس منذ نعومة أظفارهم كيما يصابوا بالعمى الفكري الكامل. هناك حقيقة واحدة لا يجوز لأحد أن يخرج عليها. وعندما اقترح إبراهيم أبو لغد تدريس الديانات المقارنة بدل التربية الإسلامية أو المسيحية تم طرد الفكرة بسرعة بسبب "حساسية" الموضوع، وكلما طب الكوز في الجرة يتم تذكيرنا بأن من غير اللائق أن نقترب من المقدسات والمحظورات حتى أصبح أحدنا يخشى أن يهمس همساً بما يختلف مع الرأي الواحد الصحيح. وهكذا استدخل الناس على نحو عميق أن هناك حقيقة واحدة مطلقة لا بد من أن تأتي يوماً وتفرض نفسها، وإن غابت مؤقتاً لأسباب عملية. يتم تعبئة البشر على نحو وثوقي دوغمائي يجعل أحدهم متأكداً من امتلاكه الحقيقة كل الحقيقة ولا شيء غيرها. وهكذا يغدو المخالف في الرأي كافراً أو مندساً خبيثاً بشكل أو بآخر. ولا يوجد في مثل هذا التفكير من حاجة إلى الاستماع للآخر أو ومحاورته لأن القضية محسومة على نحو قبلي لا مكان معه للانفتاح على الحوار. وقد أحسست بالعجز الكامل عن إقناع قريبتي وزوجها أن يصغيا لي ولو لدقيقة، كان ينظران بعضهما تجاه الآخر ويطلب أحدهما مني أن أصمت لكي يقول لي الحق، الحق الذي أحفظه عن ظهر قلب بسبب أنني أنتمي مثلهما لهذه البلاد. كنت أحاول عبثاً أن أطلب منهما في صبر أن يقفزا عن الأفكار الشائعة لأنني أعرفها، ولكنهما بالتأكيد لم يقتنعا بأنني أعرف المعلومات السرية التي في حوزتهما فأصرا على أن علي أن أستمع لعل الحق ينفذ إلى أعماقي. إنها جيم الجنون. ولا يشفع لك أي تدريب من أي نوع. وتبدو المفارقة مثيرة للسخرية عند مقارنة الرهبة التي يحسها المواطن تجاه أي طبيب قرأ بضع سنوات في أوكرانيا أو صربيا والاستهانة التي يتمتع بها تجاه الفلسفة والاجتماع والتاريخ والاقتصاد السياسي. هذه أشياء ملقاة على قارعة الطريق، وليس يبدو للمواطن النمطي أن من قرأ عشر سنوات في الفلسفة أو التاريخ يعرف شيئاً ذا بال، ويحتفظ المواطن العادي بصلفه وغروره بالحقيقة التي سمعها من الشيخ عن طريق جهاز التلفاز أو خطبة الجمعة. وتسود حالة مريعة من رفض التفكير والحوار والمناقشة، لأن "العامة" على حد تعبير ابن رشد تمسك بزمام الفكر وتدعي امتلاكه النهائي بحيث لا يعود من داع للفلسفة والإنسانيات كلها. أراهن القارئة والقارئ الكريمين أننا لو استفتينا الناس حول إغلاق تخصصات الإنسانيات في الجامعات أو طرد المفكرين والفلاسفة من العالم العربي لوافقت غالبية ساحقة على ذلك. لكن ما العجب؟ ألم يذهب مفكرون من شاكلة الكلاسيكي العظيم الغزالي أو المعاصر قطب إلى القول بأنه لا حاجة البتة للفلسفة والإنسانيات لأن لدينا كل العلم الذي تدعي أنها تبحث فيه. يمكن فقط السماح بشيء من الطبيعيات تحت إشراف صارم ورقابة دقيقة. إنها جيم الجنون. لقد تبنى الناس الفكرة الغزالية القطبية على نطاق واسع، وأصبح كل فرد أنهى التوجيهي أو لم ينهه خبيراً في الاقتصاد والفلسفة وكل ما تشاء من معارف خلا الطب والطبيعة.
بصراحة إن هذه الغوغائية قد وصلت إلى زوايا المجتمع وأنحائه كلها. فالآخرون إن كان هناك من آخرين لا يقبلون بدورهم أي اختلاف. تخيلوا لو أنني كتبت مقالة في نقد الفكر الديمقراطي، هل تقوم مؤسسة ترعى نشر الأبحاث حول الديمقراطية بنشره؟ الجواب للأسف هو لا. فتلك المؤسسة ستطلب مني أن أقول خيراً في حق الديمقراطية أو لأصمت. أرأيتم إن الموقف الداعي للديمقراطية يصبح ذاته موقفاً مناقضاً لها. إنها جيم الجنون. لا أحد يقبل الآخر والأقوى يقصي الآخر بل يصفيه جسدياً إن سنحت الظروف.
ليس هناك من وصفة جاهزة تغير الحال في عشر ساعات أو عشرة أيام. لكن هناك حاجة إلى ثورة في التعليم المدرسي والجامعي باتجاه "إعدام" فكرة الحقيقة الواحدة بشكل تام ونهائي. ولا بد من ثورة في الإعلام المرئي والإلكتروني والمسموع والمكتوب تفتح الباب على مصراعيه لأشكال الاختلاف كلها. من البدهي أن هذا سيقود إلى آلام ولغط وهرج ومرج في المستوى الشعبي الواسع، ولكن ذلك لا بد منه إن كان هناك من نية لتغيير العقلية الداعشية التي يستبطنها المجتمع بأسره، على الرغم من بعض مظاهر "اللبرلة" التي نشاهدها هنا وهناك خصوصاً في أيام "الوساع". لا بد من فعل شيء قبل أن تأتي أيام عجاف على من تبقى من العرب لا تبقي ولا تذر. وعندها ندخل في تيه قد لا نخرج منه قبل عقود، أو قد لا نخرج منه إلا وقد ذهبت أحلامنا أدراج الرياح.



#ناجح_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة ومجتمع الفرجة وانتظار جودو إلى عادل سمارة
- غزة ومجتمع الفرجة وانتظار جودو
- انتصرت المقاومة
- هاشم أبو ماريا
- المقاومة الفلسطينية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
- غزة وشلال الدم واحتفالات التوجيهي
- غزة تتعمد بالدم في زمن مجاهدي داعش ومقاتلي التنمية
- المنظمات غير الحكومية في ديجور الفساد والبيروقراطية وعدم الف ...
- يحبونني موافقاً، يكرهونني معارضاً: من سمات الشخصية العربية ف ...
- إسرائيل رئيساً للجنة الدولية لتصفية الاستعمار صدق أو لا تصدق
- سيكولوجية المثليين والاقتصاد السياسي
- حول السلعة الميتة والإنسان الحي
- المخازي الأساس في الانتخابات السورية
- عزمي بشارة والانتخابات السورية والمصرية أو في حكمة الديمقراط ...
- فنون قتل الذكاء والإبداع في النشاطات الترفيهية المدرسية
- -متى ستقتلني؟- تسأل الفتاة خطيبها
- السيسي: إعادة إنتاج النظام
- استبدال الحمار/البغل بالسيارة
- اللغة الإنجليزية ومرجعيات العولمة
- قمر على رام الله، ودم على بيرزيت


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح شاهين - داعش في بيتي