وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4538 - 2014 / 8 / 9 - 13:36
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
( النساء اليابانيات هن من بين اكثر النساء ثقافة في العالم )
الباحثة المغربية فاطمة المرنيسي
( لقد طبع الزن – البوذية الشخصية اليابانية بقوة , الامر الذي يفسر في جزء منه هذا الهوس بالانضباط اليومي كهدف للحياة وهو موجود عند الجميع) .
الباحثة المغربية فاطمة المرنيسي
تتحدث الباحثة المغربية فاطمة المرنيسي باعجاب واندهاش كبيرين عن التجربة اليابانية , حيث عرضت زيارتها الى اليابان في مقال لها بعنوان :
) رحلة في الامبراطورية حيث التقاليد ولدت الكومبيوترات ), من كتابها (شهرزاد ليست مغربية )-الناشر: المركز الثقافي العربي –بيروت –لبنان –ط3- 2010-ترجمة :ماري طوق .
استقبل ممثل مؤسسة (اليابان) الباحثة فاطمة المرنيسي في المطار قائلا لها :
( صباح الخير , بر وفيسور مرنيسي ؟ هل قمت برحبلة جيدة ؟هناك سيارة تنتظرك وهذاهو برنامجك للاربعة عشر يوما المقبلة ) .
قالت فاطمة المرنيسي )فهمت ان هناك فرقا بين تقاليدنا وتقاليد امبراطورية الشمس , حيث سعر الدقيقة مرتفع جدا لدرجة ان احدا لايستطيع تضييعها).
لم ترى فاطمة المرنيسي اليابانيين منصرفين الى الثرثرة كحال العرب اليوم .. الجميع يركضون من الصباح حتى المساء في الاتجاه نفسه : اتجاه القطارات او المكاتب .فالوقت من ذهب عند اليابانيين . ان اليابانيين ليس لديهم فقراء يستحقون الشفقة .
الموظف الياباني ( السالاريمان ) منضبط جدا في عمله ولا يعمل على اضاعة الوقت .ان ( السالاريمان ), اي الرجل الذي يعمل براتب هو القوة الكامنة خلف المعجزة الاقتصادية ليابان مابعد الحرب .
معجزة المراة اليابانية
ان احد اسباب معجزة اليابان الاقتصادية هو ان اليابان تحول الى (منملة ), اي الى مستعمرة نمل شغالة , حيث جميع الناس ابتداء بالاولاد ,يركضون ويتحركون ويعملون ويتعلمون من الصباح الى المساء . ومن ضمنهم النساء طبعا.
النساء اليابانيات هن من بين اكثر النساء ثقافة في العالم ومهامهن متعددة . اذ لايقتصر عملهن على الاولاد وتنظيف البيت , بل يساهمن من بيوتهن في صناعات مثل النسيج والالكترونيات . هناك شاحنات تسلمهم امام المنزل صباحا القطع المتفرقة للاجهزة الالكترونية ليقمن بجمعها خلال اوقات فراغهن. وهن يعملن ,بالاضافة الى ذلك , خارج المنزل في بعض المراحل من حياتهن وتبعا لمستواهن العلمي ,في مختلف القطاعات الاقتصادية , دواما كاملااو نصف دوام .
ان المراة اليابانية تهتم بتربية اولادها . فهذا لاعلاقة له بما تفعله المراة في مجتمعاتنا العربية .ان قيادة المراة لتربية الاطفال يختلف عن مجتمعاتنا العربية .حيث ان محتوى هذه التربية واهدافهااو طرقها ليست تقليدية اطلاقا.
الامر لايتعلق بتغيير حفاضات ( حفائض)الاطفال البامبرز , بل بتدريب الطفل منذ عمر السنتين على ان يكون رياضيا ومهندسا لكي ينجح فيما بعد بالالتحاق بافضل الجامعات . العمل الرئيسي للمراة هو الاشراف على هذه المهمة التي تشارك فيهاايضا الشبكة ماقبل المدرسية , شبكة موازية تقدم دروسا اضافية منذ عمر السنتين في صفوف تدعى ( جوكو ). هذا التدريب المركز في مادة الرياضيات والمواد الاخرى يؤدي بالطفل في بعض الحالات الى الانتحار.
يقول (تورو كومون ) وهو احد اكبر الخبراء في تعليم الرياضيات للاطفال :
(منذ المهد نبدا باستثمار مكثف وجذري لعقل الطفل من خلال تدريبه مهما يكن جنسه) .ويضيف (عقل الطفل في الرابعة من عمره يملك 80%من قدرة عقل الانسان الناضج . والطفل في هذا العمر يستوعب كل مايسمعه او يتعلمه ) .
النتيجة: ان 75%من الشباب اليابانيين يردون بشكل صحيح على اسئلة الرياضيات مقابل 48%من الولايات المتحدة و 36%في فرنسا . وياتي اليابان في المقدمة بالنسبة لعدد البحاثة والمهندسين بين السكان العاملين :7%اي ضعف فرنسا.
اقتراحات حل المشكلات في الشركات اليابانية الكبرى لاتاتي من فوق فقط , بل هناك مزاوجة من اسفل الى اعلى ومن اعلى الى اسفل, تداول دائم على جميع الاصعدة للعروض المدروسة من قبل الجميع .
العبرة التي يمكن استخلاصها من المعجزة اليابانية هي ان راي كل فرد مهم . الرئيس لايمكنه ان يكون فعالا الا اذا استمع الى اراء معاونيه.
احد اسرار المعجزة الاقتصادية لليابان هو ان كل الاطفال ملزمون بتسع سنوات من التعليم الالزامي الاجباري والصعود من صف الى اخر حتى ولو كانوا دون المستوى .اليابانيون هم الاوائل على المستوى الثانوي . ونسب الاولاد الذين يلتحقون بالتعليم الثانوي هي 94 %مقارنة مع الذين يسمح لهم عمرهم بان يتلقوها .
نسبة طلاب الثانوية في اليابان تعادل الولايات المتحدة وتتخطى بكثير انكلترا.اما عدد الذين يصلون الى الجامعة فهو 35 %.
لايمكن للجامعةان يدخلها الا الاكفاء , هؤلاء الذين اجروا مئات الامتحانات بنجاح .الفرق بين الجنسين يكاد يكون معدوما لدى الطلاب الذين دخلوا الجامعات .
تاثير الزن والبوذية والشنتو في الشخصية اليابانية
لقد طبع الزن – البوذية الشخصية اليابانية بقوة, الامر الذي يفسر في جزء منه هذا الهوس بالانضباط اليومي كهدف للحياة وهو موجودعندالجميع.الكونفوشيوسية ايضا تشدد على الانضباط وهي كالزن دين وفلسفة متجذرين عميقا في ذهنية اليابانيين .
ان المذهب الديني السائد في اليابان الحديثة , حسب ماتقوله مقدمة لتاريخ اليابان هو ( الشنتو )الذي يمجد الطبيعة بمظاهرها الالهية المتعددة . لكن البوذية التي وفدت من الهند عبر الصين وكوريا وكذلك الكونفوشيوسية متجذرتان عميقا في المجتمع الياباني .
دخلت البوذية اليابان عبر الصين وشبه الجزيرة الكورية في القرن السادس . لكن الشكل الخاص الذي اتخذته البوذية وهو ( الزن )ومصدره الصين في القرن الثاني عشر و يملك تاثيرا كبيرافي الحياة اليومية .يشعر اليابانيون بالانضباط الصادر عن الزن ليس كقيد بل كرغبة وهدف بحد ذاته .
تقوم فلسفة الزن على العناية الموكلة بالتفاصيل والانسجام مع الطبيعة .يكفي ان ترى مشهدا من نافذة القطار لتلاحظالطريقة التي يعاملون بها الاشجار والنباتات .
اخذالزن في اليابان الحديثة يشدد على انضباط الجميع وتدريبهم . فلم يعد بوذا كائنا مستقلا عن النفس, بل صار جزءلايتجزء من الشخص ذاته, انه ضميره.وهكذا فان الانسان الذي يلتزم بالانضباط وفق فلسفة الزن , يمكنه الوصول الى الحكمة والتحقق من انه لايحتاج لاحد ولا ينتظر مساعدة من احد .
لم يعد هذا الانسان بوذيا بل صار هو نفسه ( بوذا) .
ان الانضباط – الزن دفع الناس لان يؤكدوا على معنى الحياة في هذا الكوكب . انها نظرة كونية , حيث الانسان منضبط ومسؤول عن حياته ومسؤولياته . وهنا تكمن عظمته .
اليابانيون يعيشون حاضرهم وهذا هو احد اسباب تقدمهم وتفردهم .
يقول نص ياباني :
( عش كل لحظة
وكانها تساوي الحياة
والاستعداد لمواجهة كل شيء
انا حي – ة
انا هذه اللحظة بالذات
مستقبلي هنا والان
فان لم استطع الظفر بهذه اللحظة الان
فاين ومتى استطيع؟ ) .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟