أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد خيري مشاري - نظرية التطور.. حقيقة في تطور مستمر..















المزيد.....

نظرية التطور.. حقيقة في تطور مستمر..


أحمد خيري مشاري

الحوار المتمدن-العدد: 4536 - 2014 / 8 / 7 - 21:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أن موضوع نظرية التطور هو من أكثر المواضيع حساسية عند كثير من المتدينين من معظم ديانات العالم اليوم. ومن الملاحظ أيضاً أن الهجوم الشرس الذي تتعرض له هذه النظرية لهو هجوم ذو طابع خاص. فنشعر عند الاستماع الى هؤلاء أنهم ليسوا فقط رافضين لها ولكنهم يشعرون بالإهانة منها! كما لو كانت فكرة قرابتنا مع باقي الكائنات تشكل إهانة شخصية لهم. وهذا ما لا نفهمه! ولا نرى له سبباً سوى الجهل بالنظرية وما تقول.
إن ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع وبثقة عالية هو كوني طبيب وأثناء دراستي للطب قد مررت على دراسة مادة الأحياء لدرجة تؤهلني لفهم هذه النظرية وما تعنيه وفهم أدلتها التي تستند إليها.
ومع ذلك أود في البداية أن أتكلم عن العلم ومنهجيته كمدخل لإثبات صحة نظرية التطور ومصداقية الأدلة التي تستند عليها هذه النظرية.
لقد إتفق العلماء على مر القرون على منهجية محددة للعلم. فالعلوم الأساسية كلها علوم تجريبية، ولا يكفي أن يكون لدينا فكرة منطقية أو نظرية رياضية حتى نقول بكل ثقة أننا قد وصلنا الى الحقيقة. فالعلم يدرس الطبيعة حولنا، ولذلك وجب علينا أن نستشهد بالطبيعة أولاً قبل أن نقول أننا فهمنا هذا أو إكتشفنا ذاك. أي أن التجربة المعملية أو الرصدية هي دائماً المحك والفيصل. وإتفق العلماء أيضاً على أن تجربةً واحدة لا تكفي, فيجب أن يمر كل إكتشاف جديد في مراحل كثيرة جداً، منها إعادة التجربة نفسها أكثر من مرة على أيدي علماء مختلفين، بل تعاد التجربة مئات المرات بإستخدام أجهزة مختلفة أو تقنيات أعلى في دقتها, فإذا كانت النتيجة ذاتها تظهر في كل تجربة من هؤلاء يبدأ العلماء في تقبل هذه النتيجة. هذه المراحل هي التي يتم فيها قبول الواقع كما نراه, فلا يكفي مثلاً أن يخبرنا يوهان كپلر أنه إكتشف أن الكواكب تدور حول الشمس في مدارات إهليجية، ولكن يتبع ذلك رصد الكواكب علي يد عشرات العلماء الأخرين قبل أن يتقبل الجميع هذا الواقع، وهو أن الكواكب بالفعل تدور حول الشمس في مدارات ذات خواص محددة.
يلي ذلك تكوين نظرية تشرح الآليات المنطقية والرياضية للواقع الذي تم رصده، فنجد نيوتن بعد كپلر يضع نظرية الجاذبية رياضياً ويفسر بها حركة الكواكب, ويلي ذلك أيضاً عشرات الأبحاث التي إما تؤكد أو تنفي أفكار نيوتن.
وبالإضافة إلي قدرة النظريات علي تفسير الرصد السابق لها إتفق العلماء أيضاً علي أن النظريات الصحيحة يجب أن يكون لها قدرة تنبؤية، بأن تقول النظرية مثلاً "لو عملنا التجربة الفلانية فأنا أتوقع أن تكون النتيجة كذا وكذا"، أي أن تتنبأ النظرية بالناتج. ثم يلي ذلك عشرات التجارب التي تختبر هذه المقدرة التنبؤية للنظرية. بل أن العلماء يذهبون إلي ما هو أبعد من ذلك، فيقومون بتجارب الهدف منها هو نفي النظرية والعثور علي درجات قصورها، فوجب على كل نظرية أن تحتوي بداخلها القدرة علي نفي نفسها، كأن تقول نظرية الجاذبية مثلاً: "إذا عثرتم على كوكب يدور في مدار ذا خواص غير التي أتنبأ بها فهذا دليل علي عدم صحتي ويجب عليكم البحث عن نظرية أخري تفسر ذلك". هذه الخاصية الهامة هي ما تسمي بمقدرة النظرية علي نفي نفسها.
وبمرور الوقت، وزيادة التجارب والأبحاث التي تؤكد النظرية وتثبتها، ومع عدم وجود أي نتيجة معملية أو رصدية تنفيها، يزداد يقين العلماء بصحة هذه النظرية، فمن هو هذا المجنون في يومنا هذا الذي يخرج علينا قائلاً أن نيوتن كان مخطئاً خطأً كاملاً في أفكاره المعروفة؟ وقد يشير البعض إلي أن نيوتن قد أخطأ بالفعل في نظريته للجاذبية والدليل على هذا أن آينشتاين خرج علينا بنظرية جديدة للجاذبية بعد نيوتن بأربعمائة عام، وهذه النظرية أيضاً لها أدلة صحتها. ولكن هذا القول تنقصه الدقة، فآينشتاين لم يُثْبِت خطأ نيوتن ولكنه وضع نظرية أوسع تطبيقاً من نظريات نيوتن، فتكون هنا نظرية نيوتن هي حالة خاصة لنظرية آينشتاين. وهذا كله طبيعي، ففهمنا للطبيعة يتسع ويزداد فنكتشف ما هو أعم وأشمل ممَا كنا نعرفه سابقاً، ولذلك فأن أي عالم حقيقي يعلم جيداً أنه لا وجود لأي حقيقة مطلقة في العلوم، فالعلم ليس إلا سلماً متصاعداً من الفهم والتوسع في الفهم.
ويتخلل كل هذه المراحل أساليب نشر كل درجة من درجات هذا الفهم. وهو اليوم ما يسمى بالنشر تحت التحكيم العلمي. فقد أتُفِقَ على أن كل عالم قام بتجربة صَغُرَت أو كبُرَت عليه أن يكتب ورقة بحثية بأسلوب متفق عليه يشرح تفصيلاً أهدافه وأساليبه والأجهزة التي إستخدمها والنتائج التي وصل إليها بطريقة تسمح للقارئ أن يعيد تركيب البحث ويقوم بالتجربة بنفسه إن أراد. ويرسل العلماء هذه الأوراق البحثية إلي المجلات العلمية كل في تخصصه. يتسلم المحررون هذه الأبحاث ويقررون تقريراً مبدأياً إذا كانت هذه الأبحاث ملائمة للنشر أم لا، لأن هؤلاء المحررون علماء أيضاً ولديهم المقدرة على تقدير جودة البحث وإن كان الباحث شخص علي دراية بما يفعل. ثم يرسلون الأبحاث إلي ما يسمي بالمحكم العلمي وهو عالِم أخر متخصص في نفس تخصص البحث، يتم إختياره عشوائياً أو بناء علي تجارب مسبقة. فيقرأ هذا العالم البحث ويراجعه ويتأكد من كونه بحثاً مطابقاً لمنهجية العلم وأن الباحث على دراية بما يفعل، ويقدر أيضاً أهمية الموضوع ومدي أحقيته للنشر. وأحياناً ما يرسل المحرر البحث لأكثر من محكم علمي. ومن المتعارف عليه أن المحكمين العلميين يكونون مجهولين لصاحب البحث حتى لا يكون هناك أي إحراج أو تحيز في قرار قبول البحث ونشره. وعادةً ما يطلب المحكم العلمي شيئاً من المراجعة للبحث أو إضافة مرجع أو إضافة توضيح أو ربما يرفض البحث بأكمله. وأحياناً ما يدور حوار بالمراسلة بين الباحث صاحب الورقة العلمية وبين المحكمين المجهولين لديه، ويتخللها تعديلات وإضافات للبحث حتي يستوفي شروط نشره.
ولا ينتهي الموضوع هنا، فقد ينشأ بعد البحث حواراً علمياً بين العلماء حول هذا البحث، فيقوم بعضهم بإعادة التجربة كما أسلفنا ويقوم البعض الآخر بنقدها مثلاً، وتظهر نتائج كل هذا في ورقات بحثية أخرى تمر بنفس المراحل. فيزداد الحوار ويتوسع ويكبُر العلم وتنمو المعرفة.
هذه المراحل الكثيرة المتعددة لا تتوقف ولا نهاية لها، وكلها جزء من المنهجية المتفق عليها لينمو العلم ويصحح نفسه بمرور الوقت. ولا تنجح كل الأفكار في الإتساع والإستمرار، فمنها ما يثبت خطئه ومنها ما يُعَدَّل ويعاد تعديله حتي يتقبله الجميع.
كل هذا ممَا لا ندرسه في المدارس والجامعات، بل هي مرحلة متقدمة من الفهم لا يبدأ الإنسان في إستيعابها قبل وصوله الى مستوى الدراسات العليا.
وهنا علينا أن نسأل أنفسنا ونسأل العلماء المتحمسين لنظرية التطور فنقول "هل مرت نظرية التطور الداروينية التي تَدَّعونها في كل مراحل المنهجية العلمية التي نعرفها؟ وهل نشأ بناءً على ذلك إيمانكم بها؟"
فإذا كانت الإجابة هي "نعم"، وقد كانت بالفعل "نعم"، فلا يوجد لدينا أي خيار إلا أن نؤمن بها. لأن رفضنا لها هو رفض للمنهجية العلمية وطرقها المتفق عليها عالمياً وفي أغلب المجالات العلمية وهنا نكون قد أنكرنا ضمناً ما توصلت له البشرية من تطور وإزهار في العلوم وفي كل نواحي الحياة مما لا يستطيع العقل على إنكاره.
فإذا ظل بعد كل هذا شيء من الشك عند البعض فيتسآلون مثلاً "ألم تقل أنت بعدم وجود حقيقة مطلقة، فقد يكتشف العلماء في المستقبل بأنهم كانوا على خطأ وأن نظرية التطور غير صحيحة؟", فأقول هنا، نعم لا توجد حقيقة مطلقة، ولكن بعد مئة عام من التفحص والتمحيص والتجارب والأبحاث وعلم الجينات (الذي يؤكد النظرية بالمناسبة) وعلم صناعة الدواء (الذي يستخدم النظرية في أبحاثه) فأن إحتمالية الخطأ تقترب إقتراباً لصيقاً بالصفر!‏ قد يحدث في المستقبل أن نكتشف نظريات أوسع وأشمل من نظرية دارون كما إكتشف آينشتاين ما هو أوسع وأشمل من نظريات نيوتن، ولكن هذا هو أقصي ما يمكن أن يحدث في هذا الموضوع. ولا شك عندي أن التطور واقع ونظرية دارون (بكل ما طرأ عليها من تعديل وتوسع في المئة عام الأخيرة) صحيحة تماماً.
وأخيراً أحب أن أقول للمتدينين الرافضين لنظرية التطور برغم الكم الهائل من الأدلة العلمية الخاضعة للتجربة المعملية, أقول كيف ترفضون كل هذه الأدلة بينما أنتم مؤمنون كل الإيمان بأن القطة مثلاً قد ولدت من عطسة الأسد, وذلك فقط لأنها مسطورة في أحد كتبكم التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها (كما تدعون) فوا عجباً أي القولين هو أقرب الى التصديق: فقد ذكر صحيح مسلم في الحديث ذو الرقم 2997 ما نصه:
قال إبن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، حدثني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن رسول الله أنه قال: "لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين، قال أصحابه: وكيف نطمئن؟ أو كيف تطمئن المواشي ومعنا الأسد؟ فسلط الله عليه الحمى، فكانت أول حمى نزلت في الأرض. ثم شكوا الفأرة، فقالوا: الفويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا؛ فأوحى الله إلي الأسد فعطس، فخرجت الهرة منه فإختبأت الفأرة منها"..!!



#أحمد_خيري_مشاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بساط الوزير السحري..!!
- من يُمثل الإسلام الصحيح
- هل هناك شيء واضح المعالم إسمه (الإسلام)!؟
- ختان الأطفال.. مخاطرة لا مبرر لها..!!


المزيد.....




- في وضح النهار.. فتيات في نيويورك يشاركن قصصًا عن تعرضهن للضر ...
- برج مائل آخر في إيطاليا.. شاهد كيف سيتم إنقاذه
- شاهد ما حدث لمراهق مسلح قاد الشرطة في مطاردة خطيرة بحي سكني ...
- -نأكل مما رفضت الحيوانات أكله-.. شاهد المعاناة التي يعيشها ف ...
- -حزب الله- ينعي 6 من مقاتليه
- صفحات ومواقع إعلامية تنشر صورا وفيديوهات للغارات الإسرائيلية ...
- احتجاجات يومية دون توقف في الأردن منذ بدء الحرب في غزة
- سوريا تتهم إسرائيل بشن غارات على حلب أسفرت عن سقوط عشرات الق ...
- -حزب الله- ينعي 6 من مقاتليه
- الجيش السوري يعلن التصدي لهجوم متزامن من اسرائيل و-النصرة-


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد خيري مشاري - نظرية التطور.. حقيقة في تطور مستمر..