أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السندباد البصري - الخوف و الفزع في قلب الظلمة















المزيد.....

الخوف و الفزع في قلب الظلمة


السندباد البصري

الحوار المتمدن-العدد: 4536 - 2014 / 8 / 7 - 09:04
المحور: الادب والفن
    


صدرت «قلب الظلمة» عام 1899 أي قبل عام واحد على بداية القرن العشرين، وهي قصة مارلو، قبطان مركب بخاري مرسل من قبل شركته للتفتيش عن كورتز احد موظفيها الذي انقطعت اخباره في الأدغال. المركب مبحر عكس تيار النهر، يتعرض لمشكلات كثيرة ليس اقلها تصاعد الرعب مما تحفل به الأدغال المحيطة. في تلك الأثناء حوّل كورتز نفسه الى «معبود» لدى احدى القبائل بعدما أذهلها بتقنيات الغرب المستحدثة. لكن بدلاً من ترويج تلك التقنيات تراه اعتنق معتقدات القبيلة وتبوأ مركز قيادتها، ويستعمل كونراد ثلاثة مفاتيح دلالية منذ البداية لتصويب القارئ نحو معنى (أو معاني) قلب الظلمة، فمارلو ينطلق من «المحطة الخارجية» الى «المحطة المركزية» متجهاً نحو «المحطة الداخلية». أي انه، على غرار المستعمرين الأجانب، آت من الخارج، يحط في وسط البلاد أو مرافئها ويتقدم نحو دواخلها مبحراً بعكس التيار، اشارة الى مقاومة الأرض وما عليها لذلك الولوج القسري. وفي هذا السياق، تستقيم امامنا مقارنة مروعة بين الاستعمار الاحتلالي وابن عمه الحديث.

في الدرجة الأولى، تبدو «قلب الظلمة» معالجة للخداع والخبث والتناقض الأخلاقي والارتباك الحاصل من تصادم المصالح مع القيم الإنسانية الثابتة: كيف المسلمات الأخلاقية ان تحكم على وضع مجنون في عالم يسوده الجنون اصلاً؟ في «المحطة الخارجية» أي قبل الإبحار، يراقب مارلو أحد المواطنين الأصليين وهو ينقل في دلو مثقوب، ولا يرى في ذلك غرابة بقدر ما لا يرى غرابة في جنون رفيقه الضائع كورتز المصاب بعقدة العظمة والقادر على القتل من دون ان يرف له جفن. ففي قلب الظلمة البشرية كل الاحتمالات واردة. وليس لذلك القلب نهاية جغرافية أو عرقية أو حضارية، انه باختصار لبّ العالم، يكتشفه مارلو محاطاً بالضباب الدامس يلف النهر والأدغال ويدرك من هناك حدوده الممتدة الى انكلترا وبلجيكا وما يسمى بالعالم المتمدن الذي يسمح لنفسه باضطهاد وقمع واستغلال وقتل الآخرين خدمة لمصالحه وتحت شعار التمدين والتطوير والعتق من البداوة.

وهنــا يأتي رمز النهر واضحاً لا لبس فيه، فالنهر، أي القوة الطبيعية للارض، يجعل اختراقه صعباً، وما صراع مارلو مع تياره الدافع الى الوراء سوى التعبير الواضح عن رغبة افريقيا في طرد الدخلاء بعكس سهولة الإبحار مع التيار، أي خروجاً من القارة السوداء. أما مسألة التواصل المستحيل فيعالجها كونراد على مراحل متقطعة عبر استشفاف ما بين السطور أكثر من التلقي الصريح المباشر، مما يجعل عدم وضوح الرؤية وبالتالي تكاثر الشكوك سمة جوهرية من سمات التعامل الأبتر بين المستَعمِر والمستعمَر.

.مرات كثيرة أحسست كأن الرواية نفسها هي تلك القارة التي لم يتم اكتشافها بعد! كأني من خلال ما أقرأ أكتشف عالم الظلمة والنور، الشر والخير، الجمال والقبح، الألق والهمجية،الموت والحياة، الأبيض والأسود، الطمع والكرم، الحب والكراهية، الجهل والعلم، وتحت تأثير رحلة روحانية يلفها غموض ظلمة متجهة نحو النور، ولم ينس" كونراد" المسائل الاجتماعية التي تؤكد صعوبة تسلق سلم الحياة الوظيفي نحو أحلام نسعى إلى تحقيقها "وكأن إلقاء الحقيقة على هذا الواقع بالذات" واقع يحتاج إثارة روائية تنقلنا إلى شخصيات تحمل الواقع المر في ذاتها كعناصر دلالية رمزية بأسلوب لا يخلو من مسحة محملة باستعارات جميلة ومحببة "اندفعت بعد ذلك تلك المرأة الرائعة تتحدث عن القناعة بتلك الملايين الدالة على الجهالة و أساليبهم المخيفة البغيضة" جوانب كثيرة أضاءها كونراد، كأنه يسلط الأضواء على كل ما تثيره الظلمة الفكرية في مذكرات غنية بوصف سردي يحمل الحكمة، وكأنه هو رسول القوة لمعالم جغرافية لا يمكننا الوصول إليها لكننا عشناها بكل تفاصيلها " إنهم رسل القوة من اليابسة حاملين قبساً من النار المقدسة، ويا لها من عظمة طغت فوق المد والجزر!" .تناسق وتركيز وسعي دائم لإبراز التناقض الإنساني في رحلة بحث عن عوالم لم يتم اكتشافها تشبه عوالم الذات التي يصعب الغوص فيها إن لم نختبر أنفسنا ونكتب خلاصة الحقيقة الداخلية التي نخفيها لنعيد الاعتراف بها في لحظات سكون نفسي "فاكتشفت بأنني أناضل بشراهة من أجل شيء لا قيمة له، لا يستند إلى أي جوهر، ولم أستطع إلا أن أشعر باليأس والوحدة، فقد تراءى لي بأنني قد أخطأت قدري في الحياة...إنه القدر! قدري! وما الحياة إلا شيء تافه، ذلك النسق المبهم الخاص بالمنطق الظالم لأجل هدف تافه، ولعل كل ما يمكن أن تحصل عليه بعض المعرفة لنفسك والتي تأتي متأخرة."
تناقض حركي مزدوج، وصفي اعتمده في تزامن مشهدي حمل الكثير من المقارنات في كينونة غير محدودة فاتحاً أفق المخيلة عند القارىء ومستعملاً المثنى" ولما وصلته التقيت بامرأتين الأولى سمينة والثانية نحيلة..اتجهت المرأة الأصغر إلى الوراء لتقديمهم إلى المسؤول في الشركة، في حين كانت المرأة الأكبر تجلس على الكرسي. حزمتان إضافيتان، حادتا الزوايا..طرفي الكمين بالأبيض والأسود..بعينين جاحظتين..كانت الصغيرتان تلمعان...فقال رجل ذو شاربين..برجلين تتدليان...يتنزهان معا..يلتصقان..خطا الإثنان..يجوبان..". وكأنه يرسم لوحة في الطبيعة الحرة لنبصر بشمولية أكبر ففعل البصر ذكره أكثر من مرة " يمتد أمامنا لنبصر بداية لا نهاية لها...إلا ما يمكن أن نبصره على هذا الجزء من النهر..وقع بصري على شارع ضيق..وقفت جامدة ورمقت بصرها..فوقع بصري على رأس السكرتيرة..فأبصرت وجها قريباً من يدي...بمقدورهم أن يبصروا فقط مشهداً...وهو الواقع الذي يبهر البصر..الخ
تتابع زمني متماسك خفيف الظل لأنني لم أشعر بالزمن الروائي لشدة جمال عناصر النور والظلام التي استعملها بين انخفاض وانبساط وتلاش، وتدرجات بمفردات عديدة استعملها جعلتني أسهو عن زمن الرواية واستفيق على جملة " لقد كانوا يقطعون الوقت باغتياب بعضهم البعض بطريقة مجنونة، ويسود المقر جو من التآمر المستمر" لأشعر بحقوق الإنسان المنتهكة في كل زمان ومكان، ليصبح أسيراً في أيد قوية" نحن البيض وانطلاقاً من نقطة النمو والتطور التي وصلنا إليها يتحتم علينا الظهور أمامهم ككائنات خارقة للطبيعة، وأن نتقرب إليهم عبر قدرة تتسم بقدرة إله" لينقلنا بعدها لمشهد زنوج بسلاسل حديدية" جعلتني أستدير لأشاهد ستة زنوج يتقدمون بنسق واحد، يجتازون الممر بصعوبة بالغة...وكانوا جميعاً موثوقين بسلسلة تترنح عقدها وتتمايل بين هؤلاء الزنوج."إن شفافية شخصية "جوزيف كونراد" استطاعت تحسس كل حركة وكل لون وكل شكل وحتى الصوت من أنين الرجل المريض، وخشخشة الزنوج، وطنين الذباب " فالذباب يطن عليه بسكينة تامة" فالإيقاع في مفرداته الدالة على الصوت كأنها خلفية موسيقية للحدث جعلتنا نتحسس الحدث والأعصاب تتوتر، وتسترخي حتى من آكلي لحوم البشر، فالأمكنة كانت تتسع وتضيق والصدى يختفي في الأماكن الطبيعية الأكثر اتساعاً والمأهولة كما أن الصدى يختفي في رمزية العقل العنيد" لم يجد قولي هذا صدى، فهو أشبه بكلام موجه إلى شجرة أطلب منها ألا تنحني إزاء العاصفة، لنشعر بعدها بصوت الظلمة الصامت والمخيف، كأنها ظلمة النفس البشرية التي تخاف ذاتها ليتركنا مع راوٍ كهدير البحر ليشارك شخوصه التفاعل الواقعي الممسوح بخيال فني يتسم بسرد خاص حمل قوة رؤية وفلسفة لم يتخللها أي حشو زائد وكأنه يعمل على تنشيط الذاكرة لتستقبل المعلومة بشكل جيد وأساسي " الإنسان قادر على تحقيق أي شيء، لأن كل شيء يكمن في داخله، الماضي بكل تفاصيله وكذلك المستقبل " وعي فني وفكري له انعكاساته الاجتماعية على النفس والمجتمع وضعه في القالب الروائي، ليتأثر به المتلقي وكأنه صفة منفردة بذاتها أو كحالة أصابته بالنفور " ففي الكذب تكمن وصمة الموت ورائحة الفناء وذلك أمقته في هذا الكون، وهذا ما أود أن أنساه وهو يجعلني تعيساً ومريضاً، تماما كما لوأنني أقضم شيئا متعفناً" فالكذب من الصفات الاجتماعية الأكثر سوءا والأكثر تعقيداً في حياة الإنسان فهي تفقد صاحبها هيبة الصدق، فيفقد مصداقيته الكاملة وهذا يؤكد صدق "كونراد" في رحلته هذه كما يؤكد احترام مشاعر الغير لمختلف الانتماءات الطبيعية أو الدينية أو غيرها حتى مع من يأكلون لحم البشر وهذا تلميح أننا في مجتمعاتنا قد نفتقد هذا " فإنهم لم يأكلوا بعضهم البعض أمامي، فقد أحضروا طعاماً من لحم فرس البحر" فالغيبة والنميمة والكذب هي من المكتسبات الأشد ضرواة، فقلب الظلام هو القلب الذي يحتوي على قدرات لا حدود لها لتطور الإنسان الفردي والجماعي



#السندباد_البصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عظمة داروين
- جبار اللعيبي
- عليكم بالتراب غذاء يا شعب العراق
- المغالطات
- ماكسويل و الضوء
- Quantum Physics
- عراق الدمار
- الذئب
- صحوة ضمير
- الزعيم الماسوني الأوحد
- رمزية رحلة الحياة
- الحقيقة المرة
- علي بابا الحرامي
- DNA
- ثريا
- الخطوط الجويه العراقيه
- ابتسام
- ليتني لم اولد
- حكم الله
- زيف خرافة المهدي


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السندباد البصري - الخوف و الفزع في قلب الظلمة