أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضا السمين - يا البوعزيزي إنه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن.















المزيد.....

يا البوعزيزي إنه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن.


رضا السمين

الحوار المتمدن-العدد: 4536 - 2014 / 8 / 7 - 09:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يا البوعزيزي إنه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن.
قبل أن تبدأ بقراءة هذا المقال أريد أن أؤكد أنني غير معنيّ بأن يقرأه الجمع من نخبة زائفة، من أمثال عوام يسار البيرة ولواحقها في "حيّ النصر" بتونس، أو الحداثية المتزوجة بمن لا تهتزّ له قصبة وتعوّض عن ذلك بالإستمناء وهي تلهث بسبّ العروبة والدين، ولا قومجيين ينتظرون عسكريا يحشيه لهم لعقود ثمّ يورّثهم والبلادَ كما تورّث الإبل، ولا الليبراليين الجدد من مريدي شيخ النهضة بعد أن شبّه لهم السامريّ بأنّ الخضوع لرأسمالية المناوَلة والصفقة مع القنصليات وأعداء الثورة هي حكمة لاهوتية جاء بها شيخهم من تكايا لندن.. فتكتك بها بنجاح ضدّ منازعيه من يسار المناولة، ولا الذين لا يكادون يفقهون قولا في الإسلام من الدواعش وحواشيها يمينا ويسارا، ولا الذين يرفعون على ألسنتهم المندلقة مصاحف الوسطية ليُخفوا بها عوراتهم السافرة ورعبهم المزمن من الحسم والتجذر والذين لا هدف لهم سوى الدينار ومقعدا تحت الأضواء، وآخرا وليس أخيرا كل أولائك الذين اكتشفوا الثورجية بعد 14 جانفي أو الذين يُقَلقِلون عن الحرب الشعبية منذ أكثر من عشرين عاما وهم قاعدون ! لا يهمني مخاطبة كلّ هؤلاء ولا يعنيني الآن وهنا أمر "إقناعهم".
الإجتهاد في طلب الحقيقة والعدل والثبات على ذلك منذ ما قبل هروب المخلوع وإلى تاريخ هذا المقال هو ما يميز مواقف البوعزيزي، ويمكن تلخيص رؤيته بأن تونس (وبلاد العرب) ما زالت لم تحسم بعدُ معركة التحرر من الهيمنة والإستغلال الأجنبي، وأن هذا التحرر الضروري لن يكون ممكنا بدون التلازم مع معركة التنوير، ولا يمكن أن تتحققا أهداف التحرير والتنوير إذا لم يُصنعا في أفق العدل الإجتماعي وتحقيق مطالب المُبعَدين من الثروة الوطنية، وأنّ من سيقوم بذلك هو الشعب نفسه وبالأخص طبقاته وجهاته وفئاته المقهورة بقيادة موحدة من الجيفاريين والغفّاريين، وهؤلاء يخوضون مع الناس وبينهم الصراع من أجل الحرية والمعارك الإجتماعية اليومية دون إغفال قضايا المشترك الإنساني والتعاون الأممي. هذه الرؤية تستند على أساس ثلاثية فكرية هي من جهة أولى فلسفة التنوير وتفاؤلها المطلق بالإنسان، وبقدرة العقل الكاملة دون وصايا على التقدم بالبشر نحو دولة الحرية والعدالة والأخوّة، ومن جهة ثانية التاريخ العربي الإسلامي بقراءة تسلط الضوء على خط القرآن- نبيّ الرحمة- أبو ذرّ الغيفاري- فلسفة العدل والتوحيد عند المعتزلة وابن رشد- النضالات العربية في القرن الماضي.. وما يمثله هذا الخط من حميمية مع المستضعفين التائقين إلى العدل في الدنيا ورحمة الخالق في الأولى والآخرة، ومن جهة أخيرة على قراءة ما بعد حداثية للإرث الإشتراكي وصَهْر التحرر الطبقي مع تحرر الأمم المقهورة ثقافيا واقتصاديا في معركة واحدة، كل ذلك دون نسيان الواقع الرهيب والخاص بالجهات والقبائل المقصية من السلطة والثروة والكرامة منذ ما قبل الإحتلال الأجنبي، والذي تعمّق بسببه، وإلى يوم الناس هذا.
بعد قيام الثورة، التي يصرّ البوعزيزي على تسميتها بأطلس 17 ديسمبر وليس 14 جانفي وما يعنيه ذلك من رفض لتحايل نخبة المركز وأحفاد الإستعمار والذي بدأ بنكرانهم للحق في التسمية ولدماء السابقين من الشهداء والجرحى كاستمرار للتاريخ المغشوش، ثم انتفاضة القصبة 2 والموجات المتعاقبة إلى حدود انتخابات23 أكتوبر بتونس والفرح االجارف بالإصبع الأزرق، قلّة قليلة ممّن شاركت في الثورة بأجسادها وبوعي مبكر صرخت برفض مسار التأسيس بالإنتخابات ولم يكن لصرخات هذه القلة أيّ صدى لدى التيار العام، وظهرت على السطح موازين القوى التي أفرزتها الإنتخابات-الصفعة فهلّل مَن هلّل وصُعق من صُعق ثمّ تلاحمت صفوف النخبة وتيبّس كلّ في صفّه على قاعدة فرز هوَوي لا يشكو سؤالاً ولا يسمع لنقد ولا يكترث بصرخات المكلومين في الجهات المحرومة ولا بهدير صمتهم، فرز بين الحداثيين من اليسار التائب عن الصراع الطبقي والليبراليين الفرنكفونيين والقوميين المؤمنين بأسطورة العسكر والمُرَسْكلين من المخبرين في مقابل الترويكا الحاكمة وما وراءها من جموع الإسلاميين و"العربان" المثقفين، تضادد لا هوادة فيه ولا أخلاق ولا ثالث مرفوع ولا منطق ولا ثورة.
ومنذ تلك الإنتخابات ظلّ البوعزيزي وقلّة قليلة يحاججون النخبة لتعود للرشد واستحقاقات الثورة التي سقتها دماء المهمّشين ونضال الشباب والأمهات وشجاعة الأحياء والمدن الصبورة، وليأكد هؤلاء المرابطون بأنّ الصراع الأساسي في المرحلة التاريخية بعد الثورة ليس في التناقض بين النهضة وقيادة الإتحاد، أو بين الحداثيين والإسلاميين، ولا بين الترويكا وأكبر البقايا، ولا بين "النموذج التونسي" و"الإسلام السياسي"، بل التناقض الأساسي والرئيسي هو بين المجتمع ككلّ وبين عصابة التجمع المخلوع وأقنعتها الجديدة، بين نموذج التنمية الإقصائي لجهات البلاد والفقر المقنّع بوهم "تونس هي سويسرا العرب" وبين الثورة الإجتماعية لإستعادة الحق في الثروة العامة واستعادة الكرامة المؤسسية لسكان الدواخل والأحياء المقصية وتثبيت الحرية في الواقع والأذهان والمؤسسات، بين الشعب والغفاريين والجيفاريين من جهة وبين ثالوث الفساد والخيانة من رأسمال طفيلي يتعيّش من المناولة العالمية الظالمة فضلا عن مشاركته عصابة المخلوع في نهب الشعب وقهره ومن كلاب الحراسة المتصدرين في الإعلام والمتموقعين في الجامعة والإدارة ومن أمنجية عصابات التهريب والدعارة، بين تونس العربية الإسلامية وتوقها نحو الوحدة المغاربية والعربية والإنسانية وبين الصبايحية والحركيين الجدد. على مدى أكثر من ثلاث سنوات ظلت هذه القلة القليلة تماحكها بقايا النخبة بإتهامات خدمة الخونجة دون أي تقدم في حوار أو برهنة، ولم يستطع من يشارك هذه القلة وعيها الحادّ بناء أيّ تيار شعبي منظم أو حزب كوادر وتواصل طبقي أو حتى جماعة ضغط تجمع الغفّاريين والجيفاريين ليتقدموا نحو الشعب لقيادة مشروع ثوري، سنوات وكأنّ الأمر مناكفة "فايسبوكية" ونكاحا في الصحراء.
كل عربي أكيد عنده قائمة طويلة عريضة من المشاكل الخطيرة التي تعانيها العرب، ومع إقراري بصحة وضرورة معالجة كل تلك المآسي، إلاّ أنه حسب رأيي هناك عشرة مشاكل- قضايا لا يمكن لنا نحن العرب عامة والمغاربة خاصة أن نتقدم دون مواجهتها عرايا ومكابدة حلّها وتجاوزها، وهي بتلخيص أدرك أنه مخلّ ولكن ضروري :
1- ظلت العرب طوال تاريخها تبحث عن الإجماع.. ولم تجن إلا الفرد المستبدّ والفتنة. الإجماع خرافة، وتحققه مستحيل بل مضرّ لا نفع فيه، وإلى يومنا هذا ما زلنا بمختلف تياراتنا نؤمن بهذه الخرافة وإن سمّيناها بأسماء مستحدثة، وحيث أنّ الواقع يصفعنا كل يوم بالإختلاف والتناقض فكل واحد منا ليحافظ على توازنه النفسي الهش والمبني على هذه الخرافة فإنه كالمضطرّ يقذف بالآخر المختلف في خارج متوحّش، فصرنا لكلٍّ إجماعه ومَن كان خارجه فهو عدوّ لا ينتمي للنحن ويا ليته يخرص أو يتوارى خلف السجون أو الغربة أو الموت. "نحن" الإسلاميين "نحن" الحداثيين "نحن" السلفيين "نحن" الإسلام التونسي.. "نحن" النور و"هم" الظلام. البحث عن الإجماع بالضرورة يعني القهر.
2- كل عربي تسكنه بداخله لزومًا وكمكوّن نفسي عميق شخصية تاريخية أساسية وهي الحجّاج إبن يوسف الثقفي، وبغض النظر عن تعقيد وتاريخية هذه الشخصية إلا أنه في المخزون النفسي الحيّ يتلخّص في جملة واحدة "إنّي أرى رؤوسا قد أينعت وحان وقت قِطافها"، هذا البعد النفسي الحي نعيشه فرادى وجماعات إذا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وتنغرس فيه وتبنى فوقه خرافة ثانية نؤمن بها جميعنا وهي "المستبدّ العادل" ونسميها أيضا تسميات مستحدثة كالزعيم المنقذ أو الدكتاتور المستنير أو القائد العبقري والحكيم أو الشيخ-الخليفة، جمع المستبد والعادل خرافة ومن المستحيل أن يلتقيا، بحثنا وانتظرنا ذلك خمسة عشر قرنا.. لا يلتقيان لا يلتقيان لا يلتقيان. مات الكلام.
3- نكاد نكون الشعب الوحيد في العالم، الذي يتكلم لغة لا نَحو فيها ولا صرف ولا بناء ! وما يعنيه ذلك عند أطفالنا ثم الكبار من بنية نفسية مهشمة لا انتظام يؤلفها ولا رؤية للعالم مبنية بعقلانية تنظمها، فتجدنا أقرب إلى التوحّش منا إلى المجتمع الإنساني، وتجد تناقضات جمّة وعنيفة في الشخص الواحد دون حتى أن يشعر أو ينتبه للأضرار المهولة على نفسه وعلاقاته ومقولاته وأحكامه، فالحاضر كالماضي وبعدَ ساعة أو يوم كبعد شهر أو سنة، تتراكم ثقافة الأمثلة الشعبية والكلمات الأجنبية بأنصاف معاني جيولوجية مع محمولات كبت جنسي رهيب وعنف لفظي محطِّم. ومن الغرائب التي لن تجد لها مثيلا في العالم أنّ الواحد منا يدرس أكثر من عشرين عاما من الإبتدائي حتى نهاية الجامعة ويتخرّج وهو لا يتكلم لغة واحدة بنحوها وصرفها ورسمها وبناءها، ولا لغة واحدة !!!
4- هناك قانون تاريخي لا مهرب منه في المجتمعات الإنسانية وهو أنّ مَن لا عدوّ له لا يستطيع التقدم أو إنجاز أيّ حضارة. وجود عدوّ واضح الإسم والمسمّى ضرورة لا غنى عنها لأيّ مجتمع يريد البناء وما يستلزمه ذلك من تضحيات كبيرة تُطلب من جميع الأفراد والجماعات والطبقات. الإضطراب في تسمية العدوّ والإشارة إليه دون سواه او ضبابية التسمية وتشوش الرؤية يربك إرباكا قد يكون قاتلا الرؤية لهوية المجتمع والناس والمطلوب منهم، ويدفع بالعداوة إلى داخل المجتمع نفسه فتفككه وتساهم في انهياره وفشله في تحقيق أي تنمية. إما عدوّ "خارج" المجتمع، يُصنع حتى كأسطورة مثلما فعل الغرب أثناء مرحلة التنوير والثورات التي عاشها، أو نتحوّل كلنا إلى أعداء في داخل البلد نفسه، لا خيار آخر. وَهْم الإنسانوية الخنثى هو وعي زائف لتسكين الضعفاء ومَن يراد لهم البقاء في الدونية والعجز أو الإحتراب الداخلي المؤدي للفناء.
5- مسألة خلق الثروة ومطلب توزيعها العادل، قضيتان لا يمكن لأيّ عاقل عدم التركيز عليهما وابتكار الحلول لهما وخوض الصراع من أجل تحقيقهما حسب الممكن العبقري إذا ما أراد لمجتمعه الهناء والسلم الإجتماعي ومواجهة ضرورات الطبيعة وتقلباتها ومكر رأسمالية النهب العالمي ومناوَلة الشركات المتعددة الجنسية، من أجل الحياة والحياة الكريمة. ثمّ لا بدّ من مواجهة أنفسنا على الأقلّ في ثلاثة مصائب أولا إيجاد ثقافة وبرنامج للقطع مع التحايل.. سواء كطريقة مقبولة لإنتزاع ما يُعتبر حقا أو القبول كأنه "عادي" بذل أقلّ ما يمكن من الجهد والكفاءة في أعمالنا جميعها تقريبا، وثانيا مواصلة إعتبار التعليم من أجل الوظيفة التي لم تعد موضوعيا متوفرة منذ إمتلاء الإدارة أوائل ثمانينات القرن الماضي وتوجيه المتعلمين ليحوّلوا الأشياء أو الوقت أو الأفكار أو التنظيم إلى ثروة، وثالثا توجيه برنامج وجزء مهمّ من الميزانية لإيجاد نشاط.. وإعادة توجيه أو تكوين.. مئات الآلاف من الشباب العاطل أو المعطل والذي ينزف أهم سنوات العمر في المقاهي.
6- مسألة دين هذا الشعب لم يعد من الممكن أن نحوم حول الحمى دون الدخول فيه خوفا من العامة أو السلطات المختلفة، ووجب الحوار المجتمعي الحكيم حول الإسلام، أي إسلام نريد للتيار العام في البلاد، إسلام القرآن والرحمة أم إسلام المناكفات والضغائن التاريخية، إسلام التوحيد والعمران والمسؤولية أم الحصار بين إسلام رخو لا واجبات فيه ولا رحلة في آفاق النفس والعالمين وإسلام داعش وقسوة الجهل والفقر أو إسلام المناوَلة كما يبشّر به الليبراليون الجدد، من هو الربّ الذي نؤمن به كأمّة وماذا نعرف عنه ؟ من هو نبيّ الرحمة وماذا نعرف عنه وعن الأنصار والمهاجرين ورحلتهم في الآفاق ؟ ماذا نعرف عن القرآن وهل نحن نقرأه فعلا ؟ ماذا يريد منا الكتاب لنفوز بالدنيا والآخرة دون أن نتخلى عن كوننا بشرا سويا لا ملائكة ولا شياطين ولا "استخفّ قومه فاتبعوه" ؟ ماذا حدث فعلا في تاريخنا وما هي مكوّنات المخزون النفسي الجماعي الحيّ الذي ورثناه من هذا التاريخ وصراعاته ؟ ما هي الإجابات التي يمكن لنا كمسلمين أن نشارك بها في الحوار العالمي الإنساني حول مختلف قضايا الناس والتحديات أمامهم ؟
7- كيف يتمّ نقل المعرفة في بلادنا من جيل لجيل ؟ بعد أن انقطعت بشكل جذري ودرامي الطرق القديمة، ولم تعد العائلة لضيق الوقت وعمل أغلب الآباء والأمهات وللتغيرات الكثيرة والمتسارعة، تقوم بهذا الدور على الأقل بالشكل والمدى الضروري، وواضح للجميع أنّ المدرسة بمختلف مراحلها لا تنقل المعرفة بالحياة ولا التذوق الجمالي ولا التربية بمعناها القديم ولا التأهيل للمواطن المستقل والعضو في مجتمع مدني وجمهورية، ولا يختلف إثنان في أنّ وسائل الإعلام من أبعد ما يكون عن هكذا دور، فلم يبقى إلا بعض ما يتيسر من الوقت للوالدين والأمثلة الشعبية والأنترنت وسهل تخيّل ما يعنيه ذلك من كوارث على جميع المستويات. تندثر شيئا فشيئا وبشكل مأساوي خبرات المجتمع الذاتية، وبما أننا شعب لا يقرأ يضيع أيضا ما اجترحه عبر تاريخه الخاص، ولا يتمّ نقل معرفة علمية هي غائبة أصلا حتى عن الآباء والمدرّسين وفي الحياة العامة، فلا يجد الطفل والشاب إلا شظايا معرفة مجتزئة ودون رابط أو منهجية أو رؤية تستجيب لحاجيات واقعنا الإجتماعي والتاريخي.
8- الجنس والنيك، ولولا مقتضيات هذا المقال لفاحَشتُكم الحرف في الكلام عن الماساة التي نعيشها. نحن كما تعلمون أكثر شعوب الأرض كبتًا وأكثرهم بحثا عن الجنس عبر محرّك غوغل، ومن بين أكثر الشعوب مشاهدة للبورنو، ولغتنا اليومية مشبعة حدّ التخمة بالشتم والعنف الجنسي، والدعارة بأنواعها المختلفة لم تعد بالنسب الموجودة في كل المجتمعات بل صارت ظاهرة اجتماعية تشغل حيّزا يتجاوز مئات الآلاف، والحرية الجنسية عند الشباب والكهول توسعت بشكل كبير وسريع لم يصاحبه أي تجديد في الفكر أو التثقيف لا القيمي ولا الجمالي ولا حتى الصحّي، وخلاصة الأمر أنّ وعينا وثقافتنا البطريركية والأصولية التي ورثناها ولا زلنا نردد مقولاتها ونصدر باسمها الأحكام القيمية هما اليوم غير مطابقين تماما لواقعنا المُعاش والذي يعرفه الجميع ونحجبه بالنفاق الأخلاقوي أو الهمس والضحك الأسود من ذلك في ثرثرة المقاهي.
9- نعيش في بلاد على بعد ساعة أو ساعتين من محطات نووية ماذا نفعل لو حصل فيها حادث تحوّل إلى كارثة مثلما وقع في تشرنوبيل واليابان؟ ماذا نستطيع أن نفعل أمام كارثة بيولوجية كالتي وقعت في كندا واسبانيا وقضت على ثلث السكان، ويمكن أن ينقل العدوى الوبائية سائح واحد أو زائر لا يعرف حتى أنه مصاب ولا تظهر عليه اي علامة على مرضه ولا نكتشف ذلك إلا بعد أن يكون قد نقل العدوى إلى كل من صادفه وكل من جاور هؤلاء وعائلاتهم ومن ركب معهم وسائل النقل أو تعامل معهم يصبحون بدورهم ناقلين للعدوى وهكذا... هل عندنا وعي طبي لنقل إشارة الخطر بعد موت غريب أو دخول المستشفى للحالات الأولى وتُنقل الإشارة لمن؟ هل عندنا جهاز مركزي لصحة الطوارئ؟ وهل توجد السرعة والقدرة لفرض حصار وقائي على جغرافيا العدوى ثم البحث عن الحالة الصفر لفهم ما حدث وتطويقه ثم البحث عن العلاج العاجل ؟ لا. لا. الأرجح سنموت جميعا في بضعة أسابيع وفي معاناة وفوضى زرقاء. هل عندنا أدنى إستعداد أو حتى ثقافة لكيفية التصرف والحفاظ على أنفسنا وأطفالنا حال وقوع كوارث طبيعية كالزلازل خاصة ونحن في منطقة "تكتونية" يتوقع العلماء أن تشهد زلازل كبيرة في السنوات أو العقد القادم، يكفي أن نتذكر أن بعض الأمطار الغزيرة تفعل فينا وفي طرقاتنا فعل الكارثة !
10- منذ نجاح الثورة في تونس في إسقاط النظام المخلوع وانتشار المدّ الثوري في مصر وليبيا واليمن وسوريا، إعتُبر "الربيع العربي" أخطر عدوّ يجب الإطاحة به قبل حتى أن يبدأ في بناء مجتمع الحرية والكرامة والعدل، من طرف إسرائيل وحلفائها التقليديين وأغلب الأنظمة العربية. مارست ولا تزال "الثورة-المضادة" عنفا رهيبا غير مسبوق لتحطيم حلم سكان الربيع العربي بحياة كريمة حرة وعادلة، زائد التناقضات الداخلية للقوى الإجتماعية والطبقية والجهوية التي لها مصلحة في الثورة، زائد العبثية والإستخفاف الذي مارسته ولا تزال نخب هشة عوراء لا ترى إلا التناقض الهووي وأسطورة الشقاق بين الحداثيين والإسلاميين، زائد هشاشة المجتمع نفسه وغياب ثقافة الديمقراطية لحل الخلافات وانقطاع أغلب فئات المجتمع عن الخبرات التنظيمية وتشبيك المواجهة، كل هذا يجعل لا فقط الثورة في خطر داهم بل الشعب نفسه، والمسألة مسألة حياة أو موت حقيقة لا مجازا، ومسألة أن نجترح حرية صعبة وجميلة أو ذلاّ وعارا لعشرات السنين. رغم ضعفنا المعقّد ماذا يجب أن نفعل وكيف نتنظم وبأيّ أسلحة لنواجه هذا العنف الرهيب والإرهاب الدولي المنظم والمركّب ؟
أثبتت المقاومة في غزة أنّ المستحيل ممكنا إذا ما توفرت الإرادة والذكاء وشعب عبقريُّ الصمود والقدرة على التضحيات، ولا زال الشعب السوري يناضل ويقاتل من أجل الحرية والكرامة رغم الكلفة المرتفعة جدا ضدّ أبشع فاشية مجرمة مسنودة بأغلب القوى الإقليمية والعالمية، ويستمر الشعبان الليبي واليمني كل على طريقته في الدفاع عن الثورة ضد إرهاب مخابرات وجهات كثيرة، ورغم محاولات التخريب تواصل تونس بأقلّ الخسائر السير نحو تحقيق حدّ أدنى من استحقاقات الثورة أي تثبيت الديمقراطية وانتخابات حرة للمرة الثانية آخر هذه السنة، وقد تابعنا بكل ألم وحسرة هزيمة الشعب المصري أمام عسكر كامب ديفيد وانتصار ديكتاتورية مجرمة خسيسة وبليدة ستقود البلاد نحو مزيد من الذلّ والمسخرة والتخلف والجوع، ورغم استمرار جزء من الشعب في المقاومة بالمظاهرات طيلة أكثر من عام إلا أنّ ثورة 25 يناير فشلت وسقطت مصر ليقودها عرص.
لو اتبعَت العربُ السلفَ فسنظلّ في بطن الحوت إلى يوم يبعثون، لو اتبعَت غلمان الحداثة فسنظلّ في الفقر والعار حتى النهاية. في الحالتين ستظلّ رؤوسنا محشوّة بالظنون والخرافات تتداخل بعضها في بعض.. ويزداد التفكك والتقاتل حول الأوهام والكراهية وبعض الرغيف.
الحلّ يكمن في توحّد الغفّاريين والجيفاريين لوضع برنامج يواجه المشاكل العشرة وللتواصل مع الناس لقيادة مشروع الثورة... ودون ذلك أهوال.



#رضا_السمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَن يلتقي مع مَن ولماذا ؟
- اليسار الإسلامي وبرنامج حركة الرحمة والكفاءة
- المعارك الحقيقية لم تبدأ بعدُ
- نريد بلادا يحيا فيها الحُبّ وتقام الصلاة
- الرؤية السياسية لليسار الإسلامي
- هل من أذن واعية تسمع أو عقل رشيد ؟
- ثورة الشوارع الغاضبة
- اليسار الإسلامي، مبادرة لإعادة البناء الحزبي
- النظر نحو القاع وعلى اليسار، الفقراء أوّلا.
- ما أتعس الثورة حين تدافع !!
- - سيّدي، لقد انتصرنا -
- ما بال قوم إذا قوّمناهم في سياستهم اتهمونا في ديننا !
- الثقفوت في تونس والخوف من الحرية
- أسئلة الثورة ضدّ القلوب الباردة
- لا للمقامرة بمستقبل الوطن
- الجمهورية الديمقراطية لا -نظام الكمين-
- اليسار الإسلامي واستعادة القدرة على التخيّل
- تونس : شعبٌ صنع شمسًا من جسد
- إنتصارا آخر كهذا وتكون الكارثة !
- الخرق


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضا السمين - يا البوعزيزي إنه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن.